"لو لم تكن كلية الحقوق فى جامعة القدس معترف بشهادتها من إسرائيل ، لما التحقت بها ، فالاعتراف هو ما شجعنى بشكل رئيسى خاصة وأنى أردت أن يُكتب في شهادتي كلمة "القدس"، هكذا أكدت الطالبة المقدسية هبه أبوكف بالسنة الأولى بكلية الحقوق التي حصلت مؤخرا على اعتراف من إسرائيل بشهادتها على عكس بقية الكليات التى يعانى طلابها المقدسيين من عدم الاعتراف بها. فبالرغم من أن إسرائيل تعترف بشهادة جميع الجامعات الفلسطينية ، إلا أنها لا تعترف بشهادة خريجي جامعة القدس ، ما يخلق مشكلة كبيرة وبشكل خاص للطلبة المقدسيين الذين يمثلون تقريبا 30% من طلبة الجامعة. ويواجه خريجو جامعة القدس ، أكبر صرح أكاديمى فلسطينى، مشكلة "عدم الاعتراف بشهادتهم" عند التقدم للعمل فى المؤسسات التى تدار من قبل السلطات الإسرائيلية وخاصة المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية فى موطنهم القدس.
نتيجة لذلك ، يظل هذا الطالب حامل الهوية المقدسية وتابع إداريا وقانونيا لدولة إسرائيل ، عاطل عن العمل بسبب التعنت الإسرائيلي فى عدم الاعتراف بشهادته الجامعية بالرغم من تفوقه الدراسى.
وحيال هذا الرفض ، يضطر الطالب المقدسى أن يدرس مرة أخرى ويجتاز امتحانات معادلة للانتساب بكليات إسرائيلية لمدة ثلاثة أو أربعة أعوام حتى يحصل فى نهاية المطاف على شهادة معادلة تمكنه للعمل فى مدينته المقدسة.
ومؤخرا تم الاعتراف بشهادة خريجي كليتي الحقوق والمهن الطبية ، ويؤكد د/ سامى مسلم ، مدير معهد الدراسات الإقليمية بجامعة القدس ، لوكالة أنباء الشرق الأوسط ، أن فى الفترة الأخيرة ، لوحظ مدى تفوق خريجي الجامعة من المهن الطبية ، ما سنح لهم فرصة الحصول على عمل داخل إسرائيل ، وذلك بسبب كفاءتهم وحاجتهم لهم. وعن كلية الحقوق ، فيقول د/ مسلم "استطاعت كلية الحقوق أن تحصل على تصريح من نقابة المحامين الإسرائيليين يسمح لخريجي الجامعة من المقدسيين بمزاولة مهنة المحاماة ، وحيال ذلك لا تستطيع السلطات الإسرائيلية منع الطلاب من ممارسة المهنة ، فالنقابة هى من تسمح بشرط أن يتحدث الطالب العبرية بطلاقة". لكن تظل بقية كليات الجامعة والتى تحتضن قرابة 13 ألف طالب جامعي، غير معترف بها من قبل إسرائيل ، وبالتالى تظل المشكلة قائمة بالنسبة للطلبة المقدسيين على وجه الخصوص.
وتقول الطالبة هبه أبو كف (السنة الأولى بكلية الحقوق) ، لمراسلة وكالة أنباء الشرق الأوسط برام الل ه، "بالرغم من كون جامعة القدس جامعة قوية من الناحية الأكاديمية حتى أقوى من جامعة بيرزيت الفلسطينية ، إلا أن إسرائيل لا تعترف بها من الناحية السياسية ، والدليل على أن الخلاف سياسى وليس أكاديمى هو الاعتراف بكلية الحقوق التى تتطلب نسبة نجاح عالية جدا للاتحاق بها ، ما يدل على أن الكلية قوية جدا أكاديميا".
وعن اختيارها الالتحاق بجامعة القدس ، أوضحت الطالبة هبة (من قرية صور باهر جنوب شرق مدينة القدس) " فى البداية لم أرغب فى الالتحاق بالجامعة بسبب عدم الاعتراف بها لكنى فكرت جديا وعلمت بعد ذلك أنه تم الاعتراف بها ؛ لذلك تشجعت للفكرة خاصة وأنى أردت أيضا أن أدرس شىء يتعلق بالقدس ويُكتب فى شهادتى كلمة "القدس".
من جانبها ، تؤكد الطالبة المقدسية دانيا أبو الحج (سنة أولى كلية الحقوق) ، على أهمية مسألة الاعتراف بالنسبة لها حتى يتسنى لها العمل بالقدس ..موضحة أنه بدون الاعتراف ، لا يمكن العمل بالقدس وهذه مشكلة كبيرة ، نحن ندرس حتى نحقق طموحاتنا فإذا ماكان لنا مجال نعمل بالقدس ماذا يمكننا أن نعمل؟.
ولأن جامعة القدس تضم فى أروقتها فئات مختلفة من المجتمع الفلسطينى، اختارت دانيا ، الالتحاق بها على وجه الخصوص قائلة "هذه الجامعة تعتبر أكبر صرح تجتمع فيه البيئة الفلسطينية ، فبالرغم من حصولي على منحة لأدرس مجانا فى جامعة بيرزيت أو النجاح بنابلس إلا أننى اخترت هذه الجامعة وهذه الكلية حيث يوجد 450 طالبا من جميع محافظات الضفة ، ما يسمح لى برؤية المجتمع الفلسطينى بكل فئاته وتوجهاته السياسية".
وفى البحث بشكل أعمق عن سبب عدم الاعتراف ، نجد أن المشكلة تكمن فى المسمى "القدس" ، فإسرائيل لا تعترف بشهادة جامعة القدس بسبب اسمها.
ويوضح د/ عبد المجيد سويلم ، أستاذ الدراسات الإقليمية بجامعة القدس ، لوكالة أنباء الشرق الأوسط ، أن فى الاسم يكمن الصراع الحقيقى ، قائلا " الاسم هو أساس المشكلة ، هم يريدون تغيير الاسم ، فمثلا عند الاتصال مع أحد وسائل الإعلام الإسرائيلية ، تقول المذيعة الدكتورعبد المجيد سويلم أستاذ بجامعة "أبو ديس" فى إشارة الى موقع الجامعة وهنا يتوجب علينا التصحيح ونقول أستاذ جامعى بجامعة "القدس".
من جانبه ، يرى دكتور حسن دويك نائب رئيس جامعة القدس للعلوم والمجتمع ، أن هذه المشكلة تعود لسبب آخر، قائلا لوكالة أنباء الشرق الأوسط ، "مضى على هذه المشكلة مع الجانب الإسرائيلى 15 عاما ، فالجامعة معترف بها من كل دول العالم ، إلا من دولة إسرائيل التى تدعى أن جامعة القدس تعمل فى دولتين بترخيص واحد أى أننا نعمل تحت السلطة الوطنية الفلسطينية فى "أبو ديس" وتحت سلطة دولة إسرائيل فى مدينة القدس.
وبالتالى ، مثلما يبين د/ دويك ، أن السلطات الإسرائيلية تطلب من إدارة الجامعة إما الخروج من دائرة القدس والالتحاق بمنطقة أبو ديس فقط وعندئذ ستعترف فورا بها ، إما الخروج من نطاق الضفة الغربية وتصبح تحت مظلة القدس وتقدم تراخيص لدولة إسرائيل.. "وفى الحالتين الأمر صعب ومستحيل".
فى الوقت نفسه ، دعا د/ دويك إلى تعويض هؤلاء الطلبة المقدسيين الذين يعانون من عدم توظيفهم ، وذلك من خلال توفير فرص استكمال دراستهم العليا والحصول على الدكتوراة من الجامعات الأجنبية فى الخارج خاصة للمتميزين منهم.
وأكد جودة التعليم فى جامعة القدس التى هى أفضل من غيرها من الجامعات ، مضيفا "الطالب المقدسى يفضل الالتحاق بجامعة القدس وخاصة بكلية الطب والتى نعتبرها أفضل كلية طب فى الشرق الأوسط"..
وتشهد الجامعة تقدما ملموسا على المستوى الأكاديمى حتى صنفت حسب ترتيب عام 2009 ثانى أفضل جامعة فلسطينية وأول جامعة على مستوى الضفة الغربية..الأمر الذى جعل طلاب مقدسيون يتغاضون عن مسألة الاعتراف فى سبيل استكمال تعليمهم فى جامعة على مستوى عالى أكاديميا..كالطالبة المقدسية غدير نجم (السنة الأولى بكلية فنون جميلة).
وتوضح غدير سبب دخولها جامعة القدس ، قائلة "في البداية رفضت رفضا باتا الالتحاق بجامعة القدس بما أنها ليست معترف بها ، فلن يكون هناك فرصة عمل ، لكن بعد ذلك قررت أن أظل هنا وأدرس المجال الذى أحبه منذ طفولتى ، بعد معرفتى بمستوى الجامعة العالى أكاديميا".
وتعتبر جامعة القدس اليوم أكبر وأعرق صرح أكاديمى فلسطينى ، حيث واجهت فكرة إنشائها عام 1934 صعوبات فى زمن الانتداب البريطانى.
وفى بداية الستينيات ، تم إقامة مدرسة للأيتام برئاسة المناضلة الفلسطينية هند الحسينى ، بجانب المعهد العربى للمهن الصحية، وهما بمثابة أول نواة لجامعة القدس الحالية، وبعد ذلك تم افتتاح كلية الدعوة وأصول الدين ، وتوحدت تلك الكيانات الثلاثة لتكون "جامعة القدس".
وانضمت جامعة القدس إلى اتحاد الجامعات العربية عام 1984 بعد توحيد كليات: كلية الدعوة واصول الدين والكلية العربية للمهن الصحية وكلية العلوم والتقنية وكلية هند الحسينى للبنات.
لكن توحد الكليات كان شكليا حتى جاء الدكتور سرى نسيبه (رئيس الجامعة حاليا) عام 1994 ليوحد جميع كليات الجامعة تحت مظلة واحدة تؤكد الامتداد الحضارى والهوية العربية الوطنية الفلسطينية.
وتضم جامعة القدس عشرات الكليات منها كلية الآداب ، الصيدلة ، كلية العلوم الإدارية والاقتصاد ، بالإضافة إلى أكثر من 20 مركزا ومعهدا منها المراكز الصحية المجتمعية ومركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة ، الأمر الذى جعلها أكبر صرحا أكاديميا ، إلا أنها تظل الجامعة الوحيدة من الجامعات الفلسطينية الذي يأبي الاحتلال الاعتراف بشهادتها ، بل ويسعى إلى استقطاب الطلبة المتفوقين لجامعته العبرية.
وتشرع إسرائيل فى فتح كليات جديدة فى القدس حتى يتسنى للطلبة العرب أن يدرسوا فيها ولا يلتحقوا بهذه الجامعة ، هذا بالإضافة إلى توفير فرص عمل وتقديم منح دراسية فى الخارج ، إلا أن المقدسيين يتمسكون بجامعتهم العربية التى تقع فى مدينة القدسالمحتلة وضواحيها.
وتتوزع الجامعة فى الحرم الرئيسى فى أبوديس والحرم الجامعى فى الشيخ جراح والحرم الجامعى فى بيت حنينا، والحرم الجامعى فى البلدة القديمة، والحرم الجامعى فى البيرة، لكن الاحتلال يسعى دائما إلى جعلها مترامية الأطراف غير متشابكة الأجزاء ببناء الجدار العنصرى الذى يفصل بين أجزائها.
هذا الجدار يشكل معاناة حقيقية بالنسبة لطول الطريق، حيث تبلغ المسافة من معبر "قالنديا" (الذى يصل مدينة رام اللهبالقدس) إلى الحرم الجامعى بأبوديس 9 كيلومترات ، بينما الآن وبعد بناء الجدار العازل والحواجز العسكرية الإسرائيلية ، يضطر المقدسيون إلى قطع مسافة تمتد إلى 43 كيلومترا فى وقت زمنى أكثر من ساعة ونصف بدلا من عشر دقائق فقط.
لكن المعاناة لاتقف عند هذا الحد ، فجامعة القدس هى الجامعة العربية الوحيدة التى تشهد حملة اعتداءات إسرائيلية مكثفة ويتعرض طلابها يوميا إلى الاعتقال والانتهاك والاعتداء.
كثيرا ما تأتى وحدة عسكرية إسرائيلية تمنع دخول الطلبة أو تقوم بإجراءات استفزازية ويصل الأمر إلى اقتحام الحرم الجامعى وإطلاق الرصاص المطاطى وقنابل الغاز المسيل للدموع ، مثلما حدث فى يناير الماضى حين اقتحم نحو 40 جنديا إسرائيليا حرم جامعة القدس وذلك بعد انتهاء نشاط لطلبة دائرة الموسيقى ، لا لشىء سوى لتنفيذ مخططهم فى تدمير هذا الصرح الأكاديمى.
من جهته ، قال سنان أبو شنب منسق علاقات الضيوف ومختص فى شئون العلاقات العامة والشئون الثقافية بجامعة القدس "لن نسمح بكل هذه الإجراءات الإسرائيلية التعسفية بحق الجامعة ، فالإسرائيليون يرغبون فى وقفها وتدميرها وهى التى تعانى ، طول فترة وجودها ، من هجمة إسرائيلية شرسة ، بالإضافة إلى عدم الاعتراف بها ، لكننا لن نسمح بذلك".
وأكد أبو شنب ، أهمية موقع جامعة القدس فى إطار الصراع الفلسطينى الإسرائيلى ، مشيرا إلى أن ذلك يظهر جليا فى الاسم الذى تحمله ، قائلا "اسم الجامعة يؤكد على فكرة أن القدس العاصمة مازالت موجودة فى عقول الناس ؛ لأنه إذا تطلع أحد على واقعنا ، يجد أننا مفصولون عن بقية الوطن لكن على الأقل الجامعة لاتزال موجودة حتى تجعل الحلم حقيقة وتعود هذه البلد إلينا".
ويحلم سنان بتحرير وطنه ، فينظر للجدار القائم قبالة بوابات الجامعة ، ويقول " أنا كفلسطينى عندى أمل قوى أن لا أرى فى يوم من الأيام هذا الجدار، وتصبح هذه الجامعة معترف بها ، وأهل القدس وأهل الضفة يدرسون معا فيها وأن تصل رسالة الجامعة بأن أهل القدس غير مفصولين عن بقية مناطق فلسطين ، بل سيظلون جزءا من فلسطين".