طرحت أمس وزارة المالية سندات آجلة وأذون خزانة بمقدار 170 مليار جنيه خلال الفترة من يناير حتي مارس مما اثار جدلاً واسعاً بين خبراء الاقتصاد والاستثمار فهناك فريق يفضل الاقتراض الخارجي لانخفاض تكلفته وفريق ثان يفضل الاستعانة بالاثنين معاً لتوزيع المخاطر وآخر يفضل الافتراض الداخلي خشية من الشروط المجحفة للجهات الخارجية المانحة. اتفق الجميع حول دراسة الموقف جيداً واختيار الأنسب وذلك من خلال تشكيل لجنة سريعة من الخبراء لتحديد أسعار الفائدة وفترة سماح ومدة التقسيط وغيرها من المزايا التي تعود علي الاقتصاد القومي بالنفع.
حذر الخبراء من العشوائية في اتخاذ قرارات قد تؤثر سلباً في الفترات القادمة خاصة ان هذه القرارات تمس عصب الاقتصاد القومي مثل سد عجز الموازنة والحد من الفجوة في التجارة الخارجية والفجوة بين الادخار والاستثمار. قال الخبراء ان السيولة بالبنوك لا تكفي لتغطية السندات الآجلة وأذون الخزانة التي تطرحها وزارة المالية وان ذلك سيؤثر علي ندرة السيولة اللازمة لتمويل المشروعات الاستثمارية ورفع سعر الفائدة علي الإيداع مما يؤدي إلي تراجع معدل نمو المشروعات الصغيرة المتوسطة.
قال الخبراء ان السندات ستؤثر علي البورصة والاستثمار في المشروعات الإنتاجية. الدكتور صلاح الجندي أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة يقول نحن أمام تحديات كبيرة في هذه المرحلة الدقيقة والتي تمر بها البلاد حالياً فالدين الداخلي بلغ أكثر من 145 مليار جنيه وهبوط كبير في احتياطي النقد الأجنبي والذي وصل إلي 50% بمعدل 18 مليار دولار تقريباً مقابل 36 مليار قبل ثورة 25 يناير.
و قال الجندي الأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل هناك فجوة كبيرة في الموازنة العامة وفي الميزان التجاري الخارجي وكذلك فجوة خطيرة بين الادخار والاستثمار وكلها مؤشرات تؤكد اننا في حاجة إلي أموال كثيرة لابد من تدبيرها خلال المرحلة القادمة الأمر الذي يتطلب ايجاد دراسة سريعة ودقيقة لحساب تكلفة القرض من الداخل والخارج ومعرفة الأفضل لمصر مؤكداً ان التعامل في الاتجاهين قد يحقق مزايا ويقلل نسبة المخاطر موضحاً ان الدين عبارة عن أقساط وفوائد وفترة سداد وسعر فائدة وفترة سماح وكلها مؤشرات قد تؤدي إلي تقييم الأفضل في الحصول علي قروض.
واضاف الجندي ان الاتجاه للاقتراض وحده لا يكفي سواء كان من الداخل أو الخارج وانما هناك آليات أخري لابد من اتخاذها بالتوازي مع الاقراض مثل تقييد الاستيراد وترشيده لحصره في استيراد خامات ومستلزمات الإنتاج فقط والبعد عن السلع الاستفزازية والترفاهية والتي تمثل ضغطاً كبيراً علي النقد الأجنبي دون مبرر أو فائدة وكذلك العمل علي تشجيع الإنتاج وتشغيل الطاقات المعطلة في المقابل تشجيع المنتج المحلي ووقف استيراد السلع التي لها مثيل محلي. كلك اضاف الجندي انه لابد من تهيئة المناخ الاقتصادي أو الاستثماري ليصبح جاذباً وذلك ليس بتقديم المزايا أو الحوافز وانما بتطوير التشريعات والانظمة الإدارية التي تمثل عائقاً كبيراً أمام الاستثمار الذي يعاني من البيروقراطية الأمر الذي ساهم بشكل كبير في اقرار رسوم وهمية أدت إلي تشويه مناخ الاستثمار ورفع عناصر تكلفة الإنتاج.
الدكتور حمدي عبدالعظيم الخبير الاقتصادي والعميد السابق لاكاديمية السادات يقول: ان الاتجاه إلي طرح سندات آجلة وأذون خزانة بمقدار 170 مليار جنيه قرار غير صائب ويكون ضد مستقبل الأجيال القادمة حيث يمثل عبئاً علي الموازنة العامة في السنوات القادمة مؤكداً ان هذه السندات تفرض أقساطاً وفوائد كبيرة تؤدي إلي عجز في السنوات القادمة وتمثل عبئاً علي خزينة الدولة حيث تصل الفائدة بين 15% و16% مقابل 11% و12% في الأوضاع العالية وهذا يجعل البنوك تتجه إلي هذه السندات والبعد عن تمويل المشروعات والاستثمار.
وقال عبد العظيم ان هذا الاتجاه يؤثر أيضاً علي البورصة حيث ينصرف البعض عن الاستثمار في البورصة والاتجاه إلي الودائع بالبنوك.. قال ان الاقتراض الخارجي أفضل ويعطي شهادة ثقة أمام الدول الأخري بشرط ان يكون هناك تفاوض بشكل كبير لاختيار أنسب الشروط التي تفيد الاقتصاد القومي.
المهندس محمد فرج عامر رئيس جمعية مستثمري مدينة برج العرب الصناعية يقول ان القرار محفوف بالمخاطر ونخشي رفع معدل الفائدة علي الاقراض وتغالي مؤسسات التمويل في معدل الفائدة وبذلك نكون قد ساهمنا في رفع تكلفة الإنتاج والحد من القدرة التناسبية للصناعة الوطنية.. وقال عامر ان المساس بعناصر تكلفة الإنتاج سيكون له مردود سييء علي مناخ الاستثمار في مصر حيث يؤدي ذلك إلي تلقص الطاقات الإنتاجية وزيادة معدل البطالة ونصبح أمام مشكلة تضيف أعباء جديدة علي الاقتصاد القومي قال عامر انه يجب النظر برؤية شاملة عند وضع الحلول الجذرية للمشاكل الاقتصادية ولا يجوز علاج العجز في الموازنة علي حساب الاستثمار وتشغيل الطاقات المعطلة ولابد ان يكون هناك رؤية متكاملة وذلك يحتاج إلي دراسة متأنية قبل تطبيق مشروع السندات وأذون الخزانة بمقدار 170 مليار جنيه.
وحذر عامر من ندرة السيولة في الأسواق مؤكداً ان الندرة في السيولة ستكون علي حساب المشروعات الصغيرة والمتوسطة حيث يفضل البعض الايداع في البنوك بدلاً من الاستثمار في هذه المشروعات. المهندس حمدي سليمان رئيس مجلس أمناء مدينة الصالحية الجديدة يقول ان الاستعانة بأذون الخزانة والسندات الآجلة يمثل سلاحاً ذوا حدين فإذا كان الاقتراض يهدف إلي الاستثمار وانشاء مشروعات بنية تحتية وأخري أساسية فيكون ذلك لمصلحة الاقتصاد القومي أما إذا كان الاقتراض يهدف إلي سد العجز في الموازنة وشراء السلع وتلبية المطالب الفئوية سيكون ذلك خراباً علي الاقتصاد القومي. وأضاف سليمان ان الأمر يحتاج دراسة جيدة واستخدام كافة الاتجاهات لعلاج الأزمة الاقتصادية بما فيها تقشف الانتاج وتقييد الاستيراد وزيادة الإنتاج وتشجيع المنتج المحلي والاقتراض من الخارج فنحن في حاجة إلي كافة الوسائل حتي يمكن الخروج الآمن للاقتصاد القومي. قال: السندات وأذون الخزانة تكون دائماً في مصلحة البنوك لأن أسعار الفائدة تكون مرتفعة في ظل الوفرة الكبيرة من السيولة بهذه البنوك مؤكداً ضرورة وفاء البنوك بالتزاماتهو اتجاه تمويل المشروعات خاصة المشروعات الصغيرة والمتوسطة وفقاً للتصنيف المحدد لمحفظة الائتمان بكل بنك محذراً من الإحجام عن الاقراض لأن ذلك لا يكون في مصلحة التنمية الاقتصادية.