استطاع أديب نوبل نجيب محفوظ الذي تحل اليوم ذكرى رحيله، أن يجمع في الرواية سحر الشعر وإبداع النثر وجمال الرواية، فلم يكتب رواياته بأسلوب واحد، بل كان من أعظم المبدعين الذين عرفوا كيف يطورون ويصيغون ويشكلون بإتقان وحكمة أساليب رواياتهم الإبداعية، ونجح في أن يكون هو أهم الكتاب الرواد الذين حققوا جسرًا عالميًا هامًا بين الأدب العربي والعالم الحديث. وتأثر العديد من الكتاب الشباب بأدب نجيب محفوظ، وقال الروائي أحمد شوقي علي، إن هناك رابطا وجوديا ما يربطه بأديب نوبل، مؤكدًا على تأثير نجيب محفوظ بالشارع المصري يجعله يصمد أمام أي ادعاءات توجه له، فالناس تفاعلت مع أعماله سينمائيًا وأدبيًا، وأصبح موجودًا في الوجود الجمعي، فضلًا عن تأثير نجيب عليه شخصيًا، فاستشهد بابنه "يزيد" والذي اسماه على اسم أحد شخصيات رواية "حديث الصباح والمساء" وهو "يزيد المصري". وأضاف شوقي أنه اندهش حين علم أن رواية "ملحمة الحرافيش" كتبها في السادسة والستين من عمره، نظرًا لإيقاع الرواية ولغتها التي جعلته يظن أنه كتبها وهو أكثر شبابًا، مشيرًا إلى أنه في روايته "حكايات الحسن والحزن" كانت من ضمن الحيل السردية التي استخدمها هي أنه يضمن نصوصا أدبية قصيرة لحوار الشخصيات، ومن ضمن تلك النصوص استخدمت قصة كاملة لمحفوظ، فقال: "فوجئت أن لغة نجيب محفوظ استطاعت أن تستوعب لغتي". وأكد على أن محفوظ كتب بجميع الأشكال الأدبية حتى الفانتازيا، التي كانت شكلًا مختلفًا لنجيب محفوظ وأثر فيها كثيرًا، كما أنه امتاز بجرأة شديدة في الأدب والتجريب تجاوز فيها سنه والعادات. وقال القاص والناقد صابر رشدي: إن تأثير نجيب محفوظ على القارىء والجيل الحالي من الكتاب، غير محدود، فأعماله تستغرقك على نحو مدهش، تعيش تفاصيلها وتتمنى أن تكون أحد ابطاله، أو أحد هؤلاء الذين مروا عبر روايته. وأضاف رشدي، اذا لم تكن منتبها إلى أنك أمام كاتب كبير سيطويك بسهولة تحت سحره، فلن تكون سوى مقلد له، لا تستطيع التخلص من سطوته، فهو صاحب العالم الأكثر ثراء في الرواية العربية، وصاحب الفتوحات الكبرى والاقتحامات الأشد جرأة لكافة تيارات الكتابة. وأوضح أن التجديد المحفوظي يملك نصيباً في ما يمكن أن نطلق عليه الكتابة الجديدة، على الأقل بالنسبة له كروائي، مؤكدًا على أن نجيب محفوظ أثر تأثيراً كبيراً في جيلهم، الذي بدأ الكتابة والنشر في تسعينيات القرن العشرين، مؤكدًا على أن الرواية عند نجيب محفوظ ليست مجرد حكاية، ولا فكرة، ولا حتى عريضة دفاع عن نظرية ما، ولا مجموعة شخوص متناحرة لتسليتنا، وإنما الرواية هي كتاب الحياة ومدونة كل أحلام الشعوب وانكسارتها وتوقها الدائم إلى تحسين شروط مأزقها الوجودي. قال الروائي إبراهيم فرغلي، إن نجيب محفوظ، ترك أثراً كبيراً في الرواية العربية الجديدة وفي توجهات الروائيين الجدد، لافتا إلى أن هذا الأثر يمتد بطبيعة الحال إلى أجيال سابقة، وخصوصاً جيل الستينيات الذي قدم تجارب سردية حاول بها أن يرسخ بناء محفوظ وتأسيسه للرواية الواقعية بنماذج جديدة من الأشكال السردية التي حاولت توسيع رقعة الشكل السردي إلى نماذج للواقعية الجديدة. وأكد على أن التأثير لا يعني بالضرورة أن النصوص التي تأثرت بمحفوظ قدمت تجارب شبيهة لما قدمه، بل العكس، أي إن تأثير محفوظ لم يقتصر على محاولات كتابة رواية شبيهة بل كانت معارضته ومحاولة الحوار مع نصه أو حتى تجاوزه في تقديري هي في حد ذاتها انعكاس لنوع من الأثر العميق لمحفوظ على الكتابة، خصوصاً أنه ظل يطور أدواته وتجاربه، على مر السنوات، وتجاوز هو نفسه الرواية الواقعية التي بدأ بها مسيرته إلى تجارب رواية الأصوات كما في "ميرامار" مثلاً وغيرها. وأشار الكاتب والروائي نعيم صبري، إلى أن نجيب محفوظ هو مؤسس الرواية العربية الحديثة، وطورها كما تطورت في العالم أجمع، فلولاه لما وصلت إلى ما وصلت إليه الآن، وقد بدأ بالرواية التاريخية وشرع في كتابة الرواية الواقعية تفاعلاً مع أحداث الوطن والعالم، فكتب "القاهرة الجديدة"، ثم "خان الخليلي" وسط أحداث الحرب العالمية الثانية، وواصل حتى "بداية ونهاية" و"السراب" التي تعامل فيها مع الرواية النفسية، وانتقل بعدها إلى رواية الأجيال في "الثلاثية"، وهى رواية واحدة باسم "بين القصرين". وأكد على أنه لا أحداً يمكن أن يؤثر في فن الرواية لدى قومه مثلما فعل أديب نوبل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وأكدت الكاتبة والروائية سهير المصادفة، على أن تأثير نجيب محفوظ على رواياتها هو الأكبر؛ فأدبه كان منحازاً للمحكوم طوال صراعه مع الحاكم، وللمظلوم في وجه الظالم، وللإنسان في كل مكان دون شوفينية تحد البصر والبصيرة، كان منحازاً للمُستعمَر ضد المُستعمِر، ولأحلام وطموحات الإنسان العربي دون أيديولوجية حنجورية محددة، قاصرة بالضرورة على رؤية العالم بأطيافه المختلفة. وأوضحت أنها تعلمت الجرأة في فتح آفاق جديدة عندما قرأت له "أولاد حارتنا"، وتعلمت ألا تكف عن التجريب؛ فهو من وجهة نظرها كان مجرباً عظيماً ومات وهو يجرب طرائق جديدة في السرد، فكتب "أحلام فترة النقاهة"، و"أصداء السيرة الذاتية".