كشف الكاتب والباحث الأثري سامح الزهار، أن عادة استطلاع هلال شهر رمضان هي عادة قديمة قد يكون لها مدلول واضح ديني وهو الإعلان عن صوم شهر رمضان، لكنها تحولت على مدار الأيام إلى عادة مصرية خالصة ذات مدلول اجتماعي يحتفل بها المصريون منذ مئات السنين. وتابع: يعود إلى الفاطميين ما يعرف بموكب رؤية هلال رمضان والذى أصبح عادة استمرت حتى العصر المملوكي، فكان قاضي القضاة يخرج في موكب يملتئ بالشموع والفوانيس لرؤية الهلال ومعه القضاة الأربعة وكان يشارك في الموكب المحتسب وأرباب الحرف والصناعات وكبار تجار القاهرة واستطرد: انقطعت الرؤية بالعين في فترة في زمن الفاطميين واعتمدوا على الحسابات الفلكية، لكن هذا الأمر لم يعجب كثيرا من الناس وفرضوا الرؤية التقليدية مرة أخرى ابتهاجًا بهذا الحدث الذي لا يتكرر سوى مرة واحدة في العام. وفي عصر المماليك تم نقل مكان الرؤية إلى منارة مدرسة المنصور قلاوون، فإذا كانت رؤية الهلال أضيئت الأنوار في الشوارع وفي المآذن والمساجد إيذانا ببدء شهر الصوم، حتى يخرج قاضي القضاة في موكبه الى ان يصل الى داره، ثم تتفرق الطوائف إلى أحيائها معلنة الصيام، كما انه يتم اختيار قاضي القضاة لما يمثله من مكانة كبيرة لاستطلاع الهلال وإعلان الصيام. وعادت مراسم استطلاع الهلال مرة أخرى إلى سفح المقطم في العصر العثماني، فكان القضاة الأربعة وبعض الفقهاء والمحتسب بالمدرسة المنصورية في بين القصرين، يجتمعون ثم يتجهون جميعا ويتبعهم دراويش الصوفية وأرباب الحرف وكبار التجار إلى مكان مرتفع بجبل المقطم حيث يترقبون ظهور الهلال، فإذا ثبتت رؤيته عادوا وبين أيديهم المشاعل والقناديل إلى المدرسة المنصورية، ويعلن المحتسب ثبوت رؤية هلال رمضان وبداية الصوم. وشهد الرحالة ابن بطوطة الاحتفال بهذه المناسبة، فى مدينة أبيار بالقرب من المحلة الكبرى، ووصف هذا الاحتفال وصفا دقيقا، قائلا: "عادتهم أن يجتمع فقهاء المدينة ووجوهها بعد العصر من اليوم التاسع والعشرين، لشعبان بدار القاضى، ويقف على الباب نقيب المتعممين، وهو ذو شارة، وهيئة حسنة، فإذا أتى أحد الفقهاء، أو أحد الوجوه، تلقاه ذلك النقيب، ومشى بين يديه، قائلا: "باسم الله سيدنا فلان الدين، فيسمع القاضى، ومن معه، فيقف القاضى ومن معه، فيقومون له، ويجلسه فى مكان يليق به، فإذا تكاملوا هناك، ركبوا جميعا وتبعهم جميع من بالمدينة من الرجال والنساء والصبيان، وينتهون إلى موضع مرتفع خارج المدينة، وهو مرتقب الهلال عندهم".