"رغم أن مصر خسرت الحرب، وفقدت كل سيناء، إلا أن الشعب المصرى لم يلم قائده أو أنفسهم، ولم يداخلهم حتى ولو قليل من اليأس، ولم تحطم الهزيمة العسكرية ثقتهم فى أنفسهم أو ثقتهم فى قدرتهم على الاستمرار فى النضال ضد إسرائيل، وكان ذلك بمثابة تعبير الأمة المصرية عن أنها لم تنكسر". ذلك هو ما قاله "موشيه ديان"، أحد أهم القادة العسكريين فى إسرائيل والذى شارك فى التخطيط لجميع الحروب التى شنتها إسرائيل ضد العرب، عن نكسة 1967 فى مذكراته التى صدرت باللغة الإنجليزية تحت عنوان "قصة حياتى". ودافع "ديان" في كتابه عن سياسات إسرائيل العدوانية ضد العرب، وأكد أن الجرائم التى قامت بها إسرائيل فى المنطقة كانت محاولة للدفاع عن نفسها، لكنه دون قصد كشف عن نوايا إسرائيل العدوانية وكيف اقحمت الدين لارتكاب أبشع الجرائم بحجة تمكين اليهود من تأدية الشعائر الدينية. وسنتناول فى التقرير التالى بعضا من اعترافات "ديان" حول الصراع العربى الإسرائيلى كما ذكرها فى مذكراته. 1. "ديان" ينضم إلى منظمة إرهابية صهيونية وهو فى الرابعة عشرة من عمره: انضم ديان إلى "الهاجاناه"، وهى منظمة إرهابية يهودية تحالفت مع القوات البريطانية من أجل إقامة دولة إسرائيل على حساب إفناء الشعب الفلسطينى؛ واشترك فى بعض العمليات الخاصة بالجيش البريطانى فى سوريا خلال الحرب العالمية الثانية بهدف الحصول على أسلحة كثيرة لفرض الوجود الإسرائيلى فى فلسطين. 2. كيف فقد "ديان" عينه اليسرى؟ فى عام 1941، كان "ديان" قائدا لإحدى السرايا العسكرية التابعة ل"الهاجاناه"، ووكلت إليه مهمة الانضمام للجيش البريطانى فى غزو سوريا، واحتلال الجسور الإستراتيجية بمنطقة "الإسكندرونة" لقطع الإمدادات عن الجيش الفرنسى، لكن قام بعض الجنود الفرنسيين بمحاصرتهم، وخلال تبادل لإطلاق النار، أصيب "ديان" فى عينيه ويديه، ونصحه الأطباء بوضع غطاء فوقها. 3. "بن جوريون" عارض العدوان الثلاثى على مصر واقترح خطة جنونية للسيطرة على المنطقة العربية: ذكر "ديان" أنه عندما كانت انجلترا وفرنسا وإسرائيل تعد خطة العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، كان "ديفيد بن جوريون"، رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك، معارضا للأمر تماما، بينما اعتبره "ديان" فرصة تاريخية لا تتكرر. وقال "بن جوريون" إنه يرى أن الأردن لا تملك مقومات الدولة، لذا فإنه يقترح تقسيمها وإعطاء الجزء الشرقى منها إلى العراق، أما غرب الأردن فتصبح جزءا من إسرائيل، وتتنازل لبنان عن بعضا من ضواحيها الإسلامية. واستطرد قائلا: إن هيكل الشرق الأوسط بهذا الشكل يسمح لإنجلترا بالسيطرة على العراق التى تأخذ الأردن، ويكون النفوذ الفرنسى مهيمنا على لبنان وربما على سوريا، وتسيطر إسرائيل على مضيق "تيران" وبذلك تصبح الملاحة فى قناة السويس مضمونة كليا. 4. "ديان" لا يحاسب الجنود والقادة إذا ارتكبوا مذابح دموية فى أرض المعركة: "فيما يتعلق بخرق الأوامر فكنت أرى أن الأمر يصبح خطيرا لو فشلت الفرقة فى تنفيذ مهمتها، لا عندما تؤدى من المهام أكثر مما كان مطلوبا منها". 5. رسالة احتقار من الرئيس السوفيتى تثير غضب "ديان": فى 5 نوفمبر عام 1956، أرسل الرئيس السوفيتى "نيكولاى بودجورنى" إنذارا شديد اللهجة إلى "بن جوريون" طالبه فيه بوقف إطلاق النار. ووصف "بودجورنى" فى تلك الرسالة التى صيغت باحتقار وإزدراء إسرائيل بأنها أداة فى يد القوى الاستعمارية، كما طرح تساؤلات حول أساس وجود دولة إسرائيل ذاته. 6. هجمات من الحدود الأردنية على إسرائيل تثير رعب قادتها: بالرغم من تأكيد "ديان" المستمر على قدرة الجيش الإسرائيلى على صد اى هجوم خارجى، إلا أنه اعترف بقيام مجموعة من الفدائيين بنحو 5840 عملية فدائية داخل إسرائيل خلال ثلاث سنوات بعد نكسة 1967. وقال "ديان" إن الفدائيين أو "الإرهابيين"، على حد وصفه، "ولدوا الخوف لدى الإسرائيليين". 7. "المطبخ السياسى" فى إسرائيل: أشار "ديان" فى مذكراته إلى أن اجتماعات رئيسة الوزراء "جولدا مائير" كانت تتم بحضور خمسة وزراء فقط، وهو ما يؤكد على أن "المطبخ السياسى" هو الذى كان يقرر الأمور الهامة بعيدا عن مجلس الوزراء. 8. رأى "جولدا مائير" فى تحركات الجيش المصرى فى 6 أكتوبر عام 1973: عندما علم "ديان" بشأن تحركات الجيشين المصرى والسورى لشن هجمات ضد إسرائيل، اجتمع مع رئيسة الوزراء، وتوصلا إلى قرار بتوجيه إنذار إلى مصر وسوريا من خلال أمريكا. وكانت وجهة نظر "جولدا مائير" هى أنه إذا نشبت الحرب واقتنعت أمريكا بأن إسرائيل ليست السبب فيها، فإنها ستمدهم بكل الدعم اللازم. 9. "ديان" يبالغ فى وصف أداء الجيش الإسرائيلى بحرب أكتوبر: بعد انتصار مصر العظيم فى حرب أكتوبر، حاول "ديان" أن ينفى عن نفسه تهمة التقصير والفشل فى الحرب، ويذكر أنه قام خلال اجتماع موسع للقادة والجنود بتقديم عرض لما قام به الجيش الإسرائيلى فى الحرب، وبالغ بشدة فيما قام به الجيش، حتى أن أحد الجنود سخر قائلا: "حيرتمونا دعنا نستمع منك لإجابة واضحة، من الذى انتصر فى هذه الحرب؟" فلم يستطع "ديان" الرد. 10. "ديان" يعترف بتفوق المصريين عسكريا: بالرغم من الأكاذيب التى حاول نشرها إلا إنه اعترف فى مذكراته بعدة حقائق أهمها: "أصبح العبور الآن حقيقة واقعة، ولم تعد مواقعنا الحصينة سوى فخاخ للموجودين فيها". "القوات العربية حاربت بمرارة حتى النهاية، وأظهرت أعلى درجات السيطرة فى العمليات العسكرية". "مخابراتنا ومخابرات أمريكا فشلت فى اكتشاف استعداد مصر وسوريا للحرب". "إن الحرب وقعت فى اليوم الوحيد الذى لم نكن نتوقعها فيه". "عندما بدأت الحرب انكشفت نقاط الضعف فى استراتيجية مدرعاتنا وفى عملياتنا الجوية المحدودة، وذلك من خلال معارك كثيرة". يذكر أن "ديان" توفى عام 1981 بسبب إصابته بسرطان القولون، عن عمر يناهز 74 عاما.