يروي الخال أن العندليب عبدالحليم حافظ، حلم قبل رحيله بفترة قصيرة، بشباب يلوحون بعلم مصر في ميدان التحرير، وهم يغنون عدى النهار. هل كان يستشرف ثورة أتية، يناير 2011، لن يعايشها؟ مع الأغنيات الثلاث: موال النهار، المسيح، يا بيوت السويس، يقيم الأبنودي مستريحاً في الوجدان الشعبي. خرجت كلها من قلب الأسي والهزيمة بعد 67، الأولي والثانية بصوت عبد الحليم، ومن ألحان بليغ حمدي، والثالثة أيقونة صوت المقاومة محمد حمام، الثلاثية تلك خلدت البطولة الأسطورية لأهل مدن القناة خاصة السويس خلال حرب الاستنزاف. حملت الأغنية الأولي "موال النهار" من الصور الشعرية، مالم تعرفه أغنية وطنية أخري.. "بلدنا ع الترعة بتغسل شعرها "، ثم انتقاد عبد الناصر شخصيًا "جانا نهار ما يقدرش يدفع مهرها"، وكان الزعيم الراحل يحب سماعها رغم ذلك.. وحين تغيب لفترة عن أثير الإذاعة، يطلب سماع "الأغنية".. فيفهم القائمون عليها مقصده. تقبل إنتقاده فيها، ورحب ببشارتها.. "بلدنا تغني موال النهار". العندليب، أيضاً، يمازح الخال بها، قائلاً له: "كتبت موال النهار"، وهذا يكفيك. وظل يغنيها، مع "أحلف بسماها.." في كل حفلات ما يعد يونيو67. وما تزال ل"عدى النهار" زهوتها في وجدان الأجيال الجديدة، التي لم تعرف لا الهزيمة ولا النصر بالمعنى العسكري المباشر، لكن صدق التجربة الفنية أسر القلوب والعقول. مع "المسيح" تلقى عبد الحليم حافظ تهديدات قبل غنائها في قاعة "ألبرت هول" في لندن، أواخر الستينيات. وفيها كثف الأبنودي عشقه لفلسطين الذي سيلازمه طوال حياته، بوصفها قضية العرب الأولي. "يا بيوت السويس"، أيقونة فدائية، تتماس مع تضحيات أهلها، الذين عاش وسطهم الخال على ضفة القناة، ليخرج منها بديوانه "وجوه على الشط"، الذي قدمه في حلقات إذاعية تحتفي ببطولات أهل القناة في حرب الاستنزاف، ودورهم في رفع الروح المعنوية لجنود الجيش وقتها. لحنها الموسيقار إبراهيم رجب وصدح بها محمد حمام وسط حشود الناس وجنود وضباط الجيش المصري ، حفظت الأغنية كوثيقة تاريخية للوجدان الشعبي ذكري صمود السويس التي عبرت عن الموقف الوطني ورفض العدوان رغم الدمار الذي طالها من الحرب ورغم الهزيمة، وظل الأبنودي حريصًا على تبجيله لتضحيات جيشنا وأهلنا في القناة، وكثيرًا ما قال في أحاديث منشورة، أن أهل القناة الذين عانوا كل مرارات الحرب والتهجير والتدمير، هم من احتضنوا الجيش وعرفوا قيمته في الوقت الذي كان المثقفين في القاهرة يتبارون في جلد الجيش وانتقاده، ربما هذا الموقف أحد العوامل التي تفسر علاقة الأبنودي بالجيش، وحرصه عليه، وعدد من مواقفه الأخيرة التي أثارت عليه عواصفا واتهامات كثيرة في الفترة الأخيرة، واجهها بعناده المعتاد ومواقفه المستقلة النابعة مما يؤمن به فقط، وهوما يفسر أيضا النعي شديد الخصوصية الذي نعت به القوات المسلحة الأبنودي، بقسم لحماية مصر يستلهم أشعاره، تمامًا كما ظل عبد الحليم حافظ محافظا على تقليده ببدء حفلاته بالأغنية القسم "أحلف بسماها وبترابها" وببرنامج لا يخلو من "ابنك يقولك يا بطل". وللأبنودي تراث كبير مع الأغنية الوطنية، حمل أغلبها صوت عبد الحليم، منها: اضرب اضرب، إنذار، بالدم، بركان الغضب، راية العرب، الفنارة، يا بلدنا لا تنامي. وبعد نصر أكتوبر.. "صباح الخير يا سينا". بدأ الأبنودي مسيرته الغنائية "صدفة"، مع «انقذ قطنك»، بصوت فاطمة على، بدون علمه. فقد قرر المسؤول عن الإذاعة حينها، حسن الشجاعي، تحويل القصائد الشعرية المهمة التي تنشر فى الجرائد إلى أغانٍ، وقرر البدء ب"أنقذ قطنك"، وطلب من الراحل، صلاح جاهين، مقابلة «الأبنودى» لتقديم أغاني أخرى، فكتب ثلاثة أغنيات جديدة للإذاعة، هى «اتمد يا عمرى اتمد» عن السد العالي، و«بالسلامة يا حبيبى بالسلامة»، و«تحت الشجر يا وهيبة»، فوافق الشجاعي على الأولى والثانية، ورفض الثالثة، "لصعوبة إيجاد مطرب يستطيع أن يغنيها"، فاقترح الأبنودى محمد رشدي، لتصبح تحولا في مسيرة الغناء وقتها. ذلك التحول قلب موازين الأغنية، وبشر ببداية موجة جديدة ومفهوم جديد للغناء الشعبي وحقق نجاحاً كبيرًا، وعاد به محمد رشدى مرة أخرى إلى الحياة الغنائية، ومن حينها ظل حتى رحيله ملازمًا للأبنودي، وقدم معه رائعتهما "عدوية" التي لحنها بليغ حمدي. لفت نجاحهم أنظار العندليب، فسعى للأبنودي ليغني في 1966 أول اغنية من كلماته "الفنارة"، طلب العندليب كلمات تناسب شخصيته الفنية، فقدم له التوبة، التي لحنها بليغ حمدي لتنطلق مسيرة الثلاثة التي توجت بشكل خاص أغنياتهم الوطنية، وفي تحدي لعبد الحليم كتب الأبنودي "أحضان الحبايب" في دقائق ردًا على اتهام عبد الحليم، بعدم نجاحه في كتابة الأغنية التقليدية لتظل من أجمل ما قدما كما غني له حليم الهوي هوايا. وكما سعي له حليم، سعت كوكب الشرق أم كلثوم، لغناء أشعاره لكنهما مرا بتجربة سيئة معا رفض خلالها الأبنودي ثلاث مرات، طلبها غناء أشعاره، كانت الأولي «بالراحة شوية» رأي «الأبنودى» إنها لا تناسبها، ولا تليق كلماتها بما يجب أن يكون عليه تعاونه مع قامة مثلها وحينما طلبت غناء أغنية «ثورة اليمن» التي كتبها للملحن عبدالعظيم عبدالحق، التزم باتفاقه معه رافضًا سحب الأغنية وإعطائها لها، وفي المرة الثالثة أعجبت بأغنية عبد الحليم "ابنك يقولك" وطلبت غنائها فرفض الأبنودي لأنها أغنية حليم، وكان هذا الموقف بداية قطيعة بينهما. قدم الخال أكثر من 50 أغنية لنجوم الغناء، بخلاف أغاني الأعمال الدرامية، ولم يسع إلى جمعها في ديوان، لكنها محفوظة في وجدان الشعب العربي كعلامات في تاريخ من تعامل معه من مطربين، أشهرها: يمّا يا هوايا يمّا، مال على مال، قاعد معاي لفايزة أحمد، آه يا أسمراني اللون، قالي الوداع، أغاني فيلم شيء من الخوف لشاديه، ساعات لصباح، عيون القلب، قصص الحب الجميلة لنجاة، طبعًا أحباب، قبل النهاردة لوردة الجزائرية، شباكين على النيل عنيكي ل محمد قنديل، جايي من بيروت، بهواكي يا مصر لماجدة الرومي، شئ من الغضب لنجاح سلام. ساهم الأبنودي في مسيرة علي الحجار الفنية، في مواجهة تدهور الأغنية في جيلهما، ورغم تأخر تعاون محمد منير معه إلى 1989، في ألبوم "شوكولاته" إلا أنه قدم له بعض أجمل أغانيه ومنها : شوكولاته، كل الحاجات بتفكرني، بريء، برة الشبابيك، الليلة ديا، يونس، عزيزة، قلبى مايشبهنيش، يا حمام، يا رمان، إضافة إلى ألبوم "حبيبتي " الذي يضم أغنيات مسلسل "جمهورية زفتي". من بين أبناء جيلهن حظى علي الحجار بالنصيب الأكبر من أشعار الأبنودي، خاصة التي قدمها في عدد كبير من المسلسلات التليفزيونية، كما كان هو الصوت الذي حمل قصيدته "ضحكة المساجين" بعد ثورة يناير، والتي غناها لشباب الثورة المعتقلين، ضد المجلس العسكري.