(1) تابعت الانتخابات البرلمانية في المانيا التي جرت في 22 سبتمبر الماضي، بدعوة من البوندستاج (البرلمان الالماني) ضمن مجموعة من الباحثين الشباب من العالم العربي، وعلى الرغم من نجاح المستشارة الالمانية انجيلا ميركل وحزبها الاتحاد المسيحي في تحقيق نتيجة جيدة وازدياد شعبية الحزب بالحصول على نسبة 41.5 % من أصوات الناخبين، بينما حصل الحزب الاشتراكي الديمقراطي على 25.7 %، وجاء حزب اليسار في المرتبة الثالثة بحصوله على 8.6 %، وأخيرا حزب الخضر الذي حصل على 8.4 % فقط.. إلا أن نتائج الانتخابات حملت مفاجأة غير سارة للمستشارة ميركل بحصول الحزب الليبرالى الذي ينتمي له وزير الخارجية الالماني جيدو فيسترفيله على 4.8 % فقط، ليخفق بذلك في الوصول للبوندستاج (البرلمان الالماني) للمرة الأولى في تاريخه منذ عام 1949 – والحزب الليبرالي حصلفي انتخابات 2009 على 14.6 % وشارك في الحكومة الحالية بزعامة ميركل مع الاتحاد المسيحي الذي حصل آنذاك على 33.8 % -. مثلت النتيجة المخيبة للآمال التي حققها الحزب الليبرالي حليف المستشارة ميركل ضربة قاصمة للائتلاف الحاكم، فقد دافع الاتحاد المسيحي كثيرا عن تحالفه مع الحزب الليبرالي وانتقد بشدة تحالف الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر أثناء الحملة الانتخابية، خاصة فيما يتعلق باتجاه الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر لزيادة الضرائب حال نجاحهم في الحصول على الأغلبية بالبوندستاج. (2) كان السؤال الأول عشية الانتخابات البرلمانية هل تشكل المستشارة ميركل حكومتها الجديدة من خلال التحالف مع غريمها الحزب الاشتراكي الديمقراطي فيما يعرف في المانيا "بالائتلاف الكبير"، أو تشكل الحكومة مع حزب الخضر ؟ أم أن هناك إمكانية لتشكيل حكومة تجمع الأحزب المعارضة "الاشتراكي الديمقراطي واليسار والخضر" ؟ بدا الحزب الاشتراكي الديمقراطي واضحا ورفض بشكل قاطع تشكيل حكومة تجمعه وحزب اليسار، فشعبية حزب اليسار تتركز بشكل أكبر في شرق المانيا، وأفكاره أكثر راديكالية من الفكر الاشتراكي الديمقراطي، ويوجه أعضاء حزب اليسار كذلك الانتقادات دائما للاشتراكيين الديمقراطيين بسبب أجندة 2010 التي تبناها المستشار السابق شرودر وحققت إصلاحات اقتصادية كان لها آنذاك أثار سلبية على كثير من المواطنين، بينما يعتبر الحزب الاشتراكي الديمقراطي أن اصلاحات شرودر ودور وزيره للمالية بيير شتاينبروك في حكومة 2005 (التي شارك بها مع الاتحاد المسيحي) هما السبب الرئيسي في صمود الاقتصاد الالماني في ظل الأزمة المالية العالمية، ولكن تمكن ميركل من منصب المستشارية منذ 2005 سلط عليها الأضواء، وأدى لتراجع شعبية الاشتراكيين الديمقراطيين. بذلك اصبحت خيارات تشكيل الحكومة الالمانية أكثر تحديدا فإما الائتلاف الكبير بين الاتحاد المسيحي والاشتراكي الديمقراطي أو ائتلاف بين الاتحاد والخضر، وفي حال تعثر الاتفاق على تشكيل حكومة ستتجه المستشارة ميركل لتشكيل حكومة أقلية مؤقتة مما يعني إجراء انتخابات جديدة خلال العام المقبل- وهو احتمال ضعيف جدا -. (3) إن التحدي الأكبر الذي يواجه الأحزاب الالمانية في المشاورات المبدئية لتشكيل الحكومة يتعلق بشعبية الاتحاد المسيحي والمستشارة ميركل الكبيرة، فالخبرة السابقة تؤكد أن الاتحاد يستطيع دائما مواصلة تقدمه والحفاظ على قيادته للحكومة، بينما تتراجع الأحزاب التي تشارك معه في الائتلاف الحاكم، حدث ذلك في حكومة 2005 التي شكلها مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ليحقق بعدها الاشتراكي الديمقراطي نتيجة ضعيفة في انتخابات 2009 (23 %)، ويتحول إلى المعارضة، وتكرر الأمر عندما شكل الاتحاد المسيحي حكومته مع الحزب الليبرالي في 2009، ليخفق بعدها الحزب الليبرالي في الوصول للبوندستاج في 2013. لذلك ينظر حزبي الاشتراكي الديمقراطي والخضر بقلق إلى الانتخابات القادمة ومستقبلهما في تحقيق نسب أكبر، حال موافقة أحدهما على المشاركة في ائتلاف مع الاتحاد المسيحي. ولم يجد الحزب الاشتراكي الديمقراطي مفرا من إعلان أن القرار الأخير في شأن الحكومة الجديدة سيتم عبر تصويت لأعضاء الحزب، ولن يتوقف فقط على رأى القيادة، نظرا لانقسام الأعضاء بين مؤيد للائتلاف الكبير ومؤيد للاستمرار كمعارضة قوية وعدم تحمل تبعات سياسات ميركل. بينما تعد مشاركة حزب الخضر في الحكومة الجديدة مغامرة كبيرة، في ظل نتائجه الضعيفة في الانتخابات (8.4 %)وسيؤثر ذلك على قوة الحزب سواء في الحكومة أو أمام ناخبيه. التباين في البرامج والوعود الانتخابية كذلك بين الاتحاد المسيحي (حزب محافظ) من ناحية، والاشتراكي الديمقراطي والخضر (أحزاب يسار الوسط) من ناحية أخرى، يطرح أسئلة كثيرة عن ماهية الحلول الوسط التي تنتظر الائتلاف الجديد ؟ وإلى أى حد يمكن لهذه الأحزاب أن تقدم تنازلات.. فالاتحاد المسيحي قد تعهد بعدم زيادة الضرائب مما يجعله في موقف صعب في مفاوضاته مع الاشتراكي الديمقراطي، الذي يسعى لزيادة الضرائب وتوجيه هذه الأموال لسداد الديون وتطوير البنية التحتية والتعليم، وربما زادت صعوبة الموقف بعد إعلان الحزب الاشتراكي الديمقراطي بعد أول جولة في المشاورات المبدئية في 4 أكتوبر أن زيادة الضرائب وسيلة وليست هدفا، وأنه ينتظر خطط مالية بديلة من الاتحاد المسيحي توفر الأموال دون فرض مزيد من الضرائب ! التحدي الأخير يكمن في وضع رغبة المواطنين الالمان في الاعتبار، ووفقا لاستطلاع رأي أجرته القناة الأولى الالمانية في 10 أكتوبر الجاري، فإن 66 % من المواطنين الالمان يرغبون بتشكيل ائتلاف كبير بين الاتحاد المسيحي والاشتراكي الديمقراطي، بينما يؤيد 37 % فقط الائتلاف بين الاتحاد المسيحي والخضر. وقد زادت نسبة مؤيدي الائتلاف الكبير خلال شهر بمقدار 20 %. استطلاع الرأي ذاته أظهر أن 83% من المواطنين الالمان ينتظرون من الحكومة الجديدة إقرار قانون الحد الأدنى للأجور، و65 % ينتظرون أن يدفع أصحاب الدخل المرتفع ضرائب أكثر، مما يمثل عاملا مهما للضغط على الاتحاد المسيحي خلال مفاوضات تشكيل الحكومة مع الاشتراكي الديمقراطي والخضر. محمد عبد السلام، باحث بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، وتدرب في البرلمان الالماني على متابعة وتحليل الانتخابات الالمانية