ينبه العبد الصالح موسي عليه السلام أن ما قد يراه هو فوق طاقة الصبر، لأن الذي قد يراه موسي من أفعال إنما قد يري فيها شرا ظاهرا، لكن في باطنها كل الخير. لقد كان علم العبد الصالح علماً ربانياً، لذلك أراد موسي أن يتعلم بعضاً من هذا العلم لكن العبد الصالح ينبه موسي عليه السلام أن ما قد يراه هو فوق طاقة الصبر؛ لأن الذي قد يراه موسي من أفعال إنما قد يري فيها شراً ظاهراً، لكن في باطنها كل الخير. وقَبِل موسي عليه السلام أن يقف موقف المتعلم بأدب مع العالم الذي وهبه الله العلم الرباني. ويشترط العبد الرباني علي موسي ألا يسأل إلا بعد أن يحدثه العبد الرباني عن الأسباب. ويلتقي موسي والعبد الرباني بسفينة فيصعدان عليها، ويخرق العبد الرباني السفينة، فيقول موسي: »أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً» »الكهف: 71». فيرد العبد الصالح: »أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً» »الكهف: 72». ويتذكر موسي أنه وعد العبد الصالح بالصبر، لكن ما الذي يفعله موسي وقد وجد العبد الصالح يخرق سفينة تحملهم في البحر؟ إنه أمر شاق علي النفس. ولذلك يقول موسي: »لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً» »الكهف: 73». إن موسي يعود إلي وعده للعبد الصالح، ويطلب منه فقط ألا يكلفه بأمور تفوق قدرته. وينطلق العبد الصالح ومعه موسي عليه السلام، فيجد العبد الصالح غلاما فيقتله، فيقول موسي: »أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً» »الكهف: 74» ويُذكر العبد الصالح موسي أنه لن يستطيع الصبر معه، ويعتذر موسي عما لا يعلم. ويمر العبد الصالح ومعه موسي بقرية فطلبا من أهل القرية الضيافة، لكن أهل القرية يرفضون الضيافة، ويجد العبد الصالح جدارا مائلا يكاد يسقط فيبدأ في بنائه، فيقول موسي: »لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً» »الكهف: 77» ويكون الفراق بين العبد الصالح وموسي. ويخبر العبد الصالح موسي بما لم يعلمه ولم يصبر عليه. إن خرق السفينة كان لإنقاذ أصحابها من اغتصابها منهم؛ لأن هناك ملكا كان يأخذ كل سفينة صالحة غصباً، فأراد أن يعيبها ليتركها الملك لهؤلاء المساكين. وقتل الغلام كان رحمة بأبويه المؤمنين، كان هذا الابن سيجلب لهما الطغيان والكفر، وأراد الله أن يبدلهما خيراً منه. وأن الجدار الذي أقامه كان فوق كنز، وكان ليتيمين من هذه القرية وكان والد الغلامين صالحاً، لذلك كان لابد من إعادة بناء الجدار حتي يبلغ الغلامان أشدهما ويستخرجا الكنز ويقول العبد الصالح عن كل هذه الأعمال: »وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً» »الكهف: 82». إن العبد الصالح لا ينسب هذا العمل الرباني لنفسه، ولكن ينسبه إلي الخالق الذي علمه. إذن فالحق يطلق بعضاً من قضايا الكون حتي لا يظن الإنسان أن الخير دائماً فيما يحب، وأن الشر فيما يكره، ولذلك يقول سبحانه: »وعسي أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وعسي أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ» فإن كان القتال كرهاً لكم، فلعل فيه خيراً لكم. وبمناسبة ذكر الكُره نوضح أن هناك (كَره) و(كُره). إن (الكَره) بفتح الكاف: هو الشيء المكروه الذي تُحمل وتُكْرَهُ علي فعله، أما (الكُره) بضم الكاف فهو الشيء الشاق.