المبني»محرقة أموال« تعجز أي ميزانيات عن إطفائها دخلت اتحاد الإذاعة والتليفزيون وعدد المحتجين 50 شخصا وتركته وعددهم ثلاثة عندما أعلن عن ترشيح الدكتور سامي الشريف رئيسا لإتحاد الإذاعة والتليفزيون، استبشر الأكاديميون خيرا، فالأفكار التي طالما نادوا بها لتطوير الإعلام المصري أصبح أحد زملائهم مسئولا عن تطبيقها.. ولكن يبدو أن سعادة الأكاديميين لم تنتقل إلي العاملين داخل مبني ماسبيرو، فظل الرجل طوال الفترة التي قضاها داخل المبني أسير أجواء ملتهبة من الاحتجاجات والإعتصامات. " الأخبار " التقت بالدكتور الشريف في مكتبة بكلية الإعلام بإحدي الجامعات الخاصة، والذي عاد إليه بعد أن استراح لأيام من هذه الأجواء الملتهبة في مبني ماسبيرو ، للحديث عن تفاصيل 85 يوما قضاها داخله. بداية أنت دخلت المبني والأجواء ملتهبة، وخرجت والأجواء ملتهبة، ما الجديد الذي أضفته؟ أولا أحب ان أؤكد أني لم أسع لهذا المنصب علي الإطلاق وقد أبلغت باختياري له، ورغم علمي بصعوبة المهمة فقد قبلتها باعتبارها مهمة وطنية، وان مصر تمر بفترة تحتاج فيها لجهود كل إنسان، وكان اختياري لأني أستاذ جامعي وخبير إعلامي تخصصي هو الإذاعة والتليفزيون.. وعندما توليت المهمة كان هناك اعتراض علي القيادات الإعلامية وأداء الإعلام في فترة الثورة، حاولت جاهدا التعامل مع هذه الاحتجاجات وإحداث تغيير في القيادات وفقا لمطالب المحتجين، فتم تغيير سبعة من رؤساء القطاعات وعدد من رؤساء القنوات.. لكن مطالب الناس كان جزءا منها فئويا ومتعلقا باحتجاجات مادية، ورواتب وحوافز إنتاج لم تصرف، وهي متأخرات لسبعة شهور سابقة علي دخولي المبني، ولم يكن متوفر إمكانيات مادية تساعدني علي التعامل مع هذه المطالب، ولم يكن متوفر - أيضا- ما يسمح بإنتاج برامج ومواد درامية جديدة تشغل العاملين، فظلت الاحتجاجات مستمرة.. وفضلا عن كل ذلك، لا تنسي فترة شهر كامل من احتجاجات الأخوة المسيحيين أمام المبني، كان الدخول إلي ماسبيرو في هذه الفترة مغامرة محفوفة بالمخاطر، وفي هذه الأجواء انت مطالب بالتطوير والتعامل مع مطالب العاملين المادية. لكن قد يكون جانب من أزمتك معهم، انك كنت حادا بعض الشيء؟ اللهجة الحادة في التعامل ليست من طبيعتي، بل علي العكس كان باب مكتبي مفتوحا للجميع، فعلي مدار اليوم منذ دخولي مكتبي وحتي مغادرته في الواحدة صباحا، لم يكن يخلو من العاملين الذين جاءوا للاستماع إلي مطالبهم. إذا كنت كذلك، فكيف تفسر مطالبة العاملين بعودة اللواء طارق المهدي، في ظل توليك المسئولية؟ الفترة التي قضاها اللواء طارق المهدي كانت قصيرة جدا، والاحتجاجات كانت مستمرة خلالها. وما الجديد من وجهه نظرك الذي ينتظره العاملون من اللواء المهدي؟ في تصوري أنهم ينتظرون منه أن يحل المشاكل المادية، وأنا كنت متفهم جدا لهذه المشاكل، لأنها متعلقه بمستحقات مادية، لكني لم أجد الدعم الكافي من الدولة في ظل نظرة وزارة المالية لإتحاد الإذاعة والتليفزيون علي انه قطاع منتج من المفترض ان يدر دخلا لخزانة الدولة. وهذا التصور علي الورق يبدو صحيحا، لكن عمليا أنت تتعامل مع كيان ضخم يضم 23 قناة، 17 شبكة إذاعية، وعدد من العاملين يصل إلي 44 ألفا، منهم 75 ٪ من الإداريين والعمال، وهذا كله يحتاج لميزانيات ضخمة. لماذا لم تبادر أنت بوضع خطة لتحويله لقطاع منتج، ليصبح التصور عمليا؟ إتحاد الإذاعة والتليفزيون لم يحقق طوال تاريخه أرباحا، فبنص القانون الإتحاد وظيفته خدمية، حيث يقدم الخدمات الإخبارية والثقافية ، لأنك تتعامل مع إعلام دولة، يختلف في مفهومه وفلسفته عن القنوات الخاصة التي أنشأت لتحقق أهداف من أنشأها، لكن هذا لا يعني أن نغفل جانب الربح، فالربح مطلوب لكنه ليس الأساس. أفهم من ذلك ان الإتحاد كان يعتمد علي ما يتلقاه من وزارة المالية؟ جانب كبير من ميزانية الإتحاد " حوالي مليار جنيه " كان عبارة عن دعم مادي تتلقاه من مؤسسة الرئاسة و الوزارات في صورة ما يسمي ب " خدمات إعلامية "، وقد توقف هذا الدعم بعد الثورة في ظل تقلص ميزانيات الوزارات بعد الثورة.. وأضاف إلي مشاكل الإتحاد المادية تقلص ميزانيات الإعلانات من قبل الشركات الخاصة بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي مرت بها الشركات بعد الثورة.. وكل ذلك أضاف صعوبات إلي مهتمي في التعامل مع المشاكل المادية للمحتجين. معني ذلك أن الاحتجاجات كانت ستقف لو امتلكت الإمكانيات المادية التي تساعدك علي وقفها؟ بالطبع، فالإمكانيات المادية كانت ستساعدننا علي صرف المستحقات، وإنتاج برامج وأعمال درامية جديدة تشغل العاملين، وأتفرغ للتفكير في كيفية تطوير الشاشة. إذن أنت كنت ضحية ضعف إمكانيات ؟ أنا لا أحب استخدام كلمة ضحية بل تستطيع ان تقول ان المناخ داخل المبني لم يساعدني، فتقدمت باستقالتي؟ تقدمت باستقالة، أم طلب منك الاستقالة؟ تقدمت باستقالتي بكامل إرادتي، بعد أن شعرت بأن المناخ لا يساعد علي تحقيق ما كنت أطمح له، في ظل عدم الاستجابة لما طلبته من إعتمادات مادية. برنامج مصر النهاردة تحدثت كثيرا عن المشاكل المادية، فكيف تفسر إذن وقفك لبرنامج " مصر النهاردة " الذي كان جاذبا للإعلانات؟ عندما توليت المسئولية كان محمود سعد قد أنهي علاقته بالبرنامج، وكانت الاحتجاجات تطالب بالاستغناء عن كل من هو ليس من أبناء ماسبيرو، فقررنا إعطاء الفرصة لبعض أبناء ماسبيرو.. فتم الاستغناء عن خيري رمضان، وطلب تامر أمين هو الآخر ترك البرنامج، لأنه " مش لاقي نفسه فيه " بعد مغادرة الاثنين، وحدث نفس الأمر مع برنامج " من قلب مصر". لكن تجربة أبناء ماسبيرو لم تحقق النجاح الكافي؟ حاولنا بقدر الإمكان الموازنة بين أمرين، الأولي صناعة نجوم من أبناء ماسبيرو وهذه مهمة لابد أن يضطلع بها أي رئيس اتحاد، والثاني الإعتماد علي أسماء شهيرة جاذبة للإعلانات من الطيور المهاجرة من ماسبيرو فتم الاتفاق مع حمدي قنديل وحافظ المرازي، وكان التخطيط هو تقسيم وقت ذروه المشاهدة وهو ثلاث ساعات إلي قسمين، بحيث تمنح ساعة ونصف لبرنامج حافظ المرازي وحمدي قنديل، وساعة ونصف لبرنامج يقدمه أبناء ماسبيرو، والغريب انه كانت هناك اعتراضات تطالب بعدم الاعتماد عليهما بحجة أن أبناء ماسبيرو قادرين علي تقديم برامج أفضل منهما. وبماذا تشعر بعد عدم التوفيق في تحقيق هذه المعادلة؟ أي شخص يتولي منصبا عاما لابد أن يتوقع احتمالات الفشل والنجاح، ولذلك لا أشعر بالضيق، لكن ما يحزنني هو النقد الجارح وغير الموضوعي، والذي يتجاوز حدود اللياقة، الذي صدر من بعض الأشخاص. هل كان بعض المحتجين ضدك من تلاميذك في كلية الإعلام؟ نصف العاملين بالمبني كانوا تلاميذي، وأنا تعودت علي أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. لكن ألم يحزنك أنهم تلاميذك؟ إطلاقا فالخلاف في الرأي وارد وهذه سنة الحياة، لكن الحقيقة التي قد يجهلها البعض أن المحتجين لا يمثلون كل العاملين بماسبيرو، فعندما توليت المسئولية كان عدد المحتجين حوالي 50 فردا من إجمالي 44 ألفا يعلمون بماسبيرو، وتركت المنصب وعدد المحتجين ثلاثة أفراد، لكنهم الأعلي صوتا، والأكثر قدرة علي استقطاب القنوات لتغطية احتجاجهم بحكم علاقاتهم. معني ذلك أننا لو أجرينا استفتاء علي استقالة د.سامي الشريف كانت سترفضها الأغلبية؟ لا أدري، اعمل أنت الاستفتاء ثم أخبرني بالنتيجة. أزمة بثينة كامل حصرت كل مشاكلك في الجانب المادي، لكن البعض يأخذ عليك - أيضا - تدخلك لوقف حلقة لبرنامج كان يستضيف المذيعة بثينة كامل ويراها عودة لإعلام قبل الثورة؟ هذا الموضوع أخذ أكثر من حقه، والقصة باختصار أننا اتفقنا مع رؤساء القطاعات علي عدم استضافة المرشحين لانتخابات الرئاسة للحديث عن برنامجهم الانتخابي، لكن يمكن استضافتهم للحديث عن عملهم.. فمثلا يمكن استضافة عمرو موسي للحديث عن دوره في الجامعة العربية، لكن ليس للحديث عن برنامجه الانتخابي، وكان هذا الاتفاق مضمونة أن هذا التوجه سيكون للتليفزيون لحين إغلاق باب الترشيح للانتخابات الرئاسية وبعدها تتاح الفرصة كاملة لكل المرشحين.. وما حدث انني أثناء الحلقة فوجئت بأن المذيعة بثينة كامل تتحدث عن برنامجها الانتخابي، وهذه فرصة لم تتح لكل المرشحين، فكان القرار بوقف الحلقة. وكان علي الإعلامية بثينة كامل أن تنأي بنفسها عن استغلال كونها مذيعة في التليفزيون لتظهر في برامجه للدعاية لنفسها، لأن هذا ليس من العدالة، وأنا أشبهه بناظر مدرسة يرشح نفسه في الانتخابات البرلمانية فيستغل منصبه ويجعل كل الطلاب يرتدون "تيشرتات" عليها صورته. لكن الموقف كان محرجا، كان يمكن استكمال البرنامج ثم التنبيه علي المعدين بعد استضافة المرشحين للانتخابات؟ هناك كثير من المرشحين اتصلوا أثناء الحلقة وقالوا أن الفرصة المتاحة لها غير متاحة لهم، فكان لابد من اتخاذ هذا القرار، ثم أننا بالفعل نبهنا علي رؤساء القطاعات. شائعة غير بريئة وما هو ردك علي ما أشيع عن قرار اتخذته بقطع مشاهد القبلات والأحضان من الأفلام والمسلسلات التي تعرض علي الشاشة؟ هذا الكلام يمكن ان تسميه ب " افتكاسات صحفية " روجها صحفي علي أحد مواقع الإنترنت، لكن هذا الموضوع من ضمن شائعات كثيرة غاليا نشرت بسوء نية وتدبير، وأحيانا بحسن نيه. وما هو توصيفك لهذه الشائعة؟ هذه الشائعة لم تكن بريئة علي الإطلاق، لأنه كان هناك تركيز عليها حتي بعد أن كذبتها، حيث قالوا أني أغازل بهذا التوجه الجماعات الإسلامية وبعض القوي السياسية الموجودة علي الساحة. ومن الشائعات الأخري غير البريئة، ما قيل عن علاقة نسب تربطني بأحد قيادات المجلس العسكري.. وأنا أعرف ان وراءها صحفيون كانوا يعملون في برامج التليفزيون، وعندما تم وقف التعامل معهم، تفرغوا لمحاولة النيل مني لأني تعرضت لدخولهم و" أكل عيشهم ". ولماذا لم تقاضي الموقع المسئول عن نشر الشائعة؟ لو أني تفرغت لمقاضاه هذا وذاك ، ما كنت سأتابع عملي، لكن من سأقاضيه أنا وكل أبناء سيناء وسأتخذ إجراءات في هذا الاتجاه، هو من كتب أن الدكتور سامي الشريف لن يستقيل من منصبه، لأنه من أبناء سيناء الذين يتميزون بالمكر والدهاء ويتلونون للحفاظ علي مناصبهم. وهل كانت استقالتك ردا علي هذا الشخص؟ استقلت لأني كلفت بمهمة، وحددت بعض المطالب التي احتاجها لتنفيذها، ولم يستجب لهذه المطلب، فكان قرار الاستقالة. محرقة أموال وهل تعتقد أن هذه المطالب ستوفر للقادم بعدك؟ من المؤكد سيتم توفير بعض المطالب، لكنها ستظل - أيضا - عاجزة عن تحقيق كل ما يرنو إليه أبناء ماسبيرو، فالمبني بكم العاملين الضخم الموجود به " محرقة أموال"، وحتي ينصلح الحال لابد من إعادة هيكلة المبني ، فلابد من تقليص عدد القنوات وعدد العاملين. في تصورك بعد 85 يوما داخل ماسبيرو، بكم من العاملين يمكن تيسير العمل في ماسبيرو؟ في تصوري أن ال44 ألفا العاملين بالمبني يمكن اختصارهم إلي 5 آلاف، وهو عدد كاف جدا لإنجاز العمل بكفاءة، فأي قناة مصرية خاصة أو عربية لا يزيد عدد العاملين بها عن 150 فردا، بما فيها السائقون، ولكن المشكلة ان العدد الضخم بماسبيرو هو ميراث سياسة الواسطة والمحسوبية التي كانت تدير العمل بالمبني. قيل أيضا انك أكاديميا علي درجة من الكفاءة، لكن ليس كل أكاديمي جيد، يصبح مديرا جيدا ؟ الصفة الأكاديمية ليست سبة، فكل مؤسسات الإعلام في العالم يديرها الأكاديميين وتعتمد هذه المؤسسات علي أبحاثهم ودراستهم، لكن المشكلة التي تعوق الأكاديمي عن أداء دوره هو الروتين الحكومي القميء الذي يدار به الإتحاد. فأنا كنت أوقع علي كم هائل من الأوراق يوميا، بشكل يستهلك الوقت والجهد، فبدلا من التفكير في سياسات لتطوير الإعلام، أضيع وقتي في التوقيع علي أوراق إجازة وضع ومكافأة مائة جنيه وغيرها من الأوراق التي ينبغي أن تنتهي عند المستويات الإدارية الأقل.