من الطفولة إلي بلوغ الحلم ثم ريعان الشباب إلي الكهولة تسير بنا أحلام اليقظة والمنام إلي مالانهاية ويبلغ بنا الشطط وتجاوز الحد إلي أن نحلم بأن سيناء ذلك الكيان الذي يتمتع بمكونات الدولة فينشأ فيها بعثاً جديداً لأن ينهض بها فتتمتع بحكم خاص أو أن تكون جمهورية مستقلة ذات سيادة. ثم يزداد الحلم ويصل إلي أقصاه حينما يتردد من إشاعات أن الرئيس السابق لن يبرح الأرض (شرم الشيخ) فتتسع الأحلام وتزداد شططاً لدي البعض بأنه سوف تعلن جمهورية سيناء الملكية برئاسة مبارك لأن طول الأمد في تلك المدينة حولها إلي طبيعة خاصة بمعزل عن الوطن والأحداث إلا مايخصه هو فكانت محط الأنظار قبل وبعد ثم تحولت تلك الأنظاربعد جهد جهيد من مستشفي شرم الشيخ إلي المركزالطبي العالمي إنتظاراً لحكم يقضي بتحول آخر إلي مستشفي طرة وهكذا تضمحل الرؤيه لسيناء رويداً رويداً إنشغالاً بمن كان رئيساً للبلاد وإلي أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. ولعل الأيام تخيب الظن في تلك الأحلام التي يكمن فيهاالخطر فتجعلنا ننتبة إليها ونحاول تفسيرها مما يستدعي لفت الأنظار إلي سيناء لتأخذ الحظ الأوفر من الرعاية والإهتمام قبل أن تتحول تلك الأحلام إلي حقيقة يتطلع إليها فئة من الحالمين خصوصاً من هم في الجوار. ولكن مالبثت أن تبخرت تلك الأحلام فصارت أضغاثاً وأنفرط عقدها ولن نجد لها تفسيراً لعدة أسباب منها : الأول أن سيناء ولدت من رحم مصر وإرتبطت بها ومن شدة التعلق بها كادت أن تقتلها فمن العشق ماقتل لأن بعض من تعاقب عليها ومن قاموا بشأنها لم يحسنوا ولايتها علي النحو المطلوب إلا مارحم ربي . والثاني هو أن سيناء هي الباب والعتبة إذا أغلق أو حدث به خلل فإن البيت الكبير لايسلم من تبعاتةوكل مصري وطني مخلص يعي ذلك. والثالث هو أن أهلها ممن تمرغوا بترابها ورضوا بها صحراء مقفرة حتي حولوا جزءاً منها إلي أرض مخضرة تقاوم كل صنوف العدوان لهم قدرة علي الثبات وعدم القبول بأي مساومة كانت في سبيل ترك ذرة من رمالها أو أن يمسسها سوء بعيداً عن حضن أمها مصر. والرابع هو مايحدونا من أمل بأن الثورة المصرية بشبابها وحكومتها إستدعت سيناء من الذاكرة لكي تظل حاضرة أمامها فتكون مشروعها الوطني وحسناً فعل الدكتور عصام شرف حينما ناقش تنمية سيناء في أول إجتماع لبيت الخبرة المصري وهو المجالس القومية المتخصصة التي حفلت بالدراسات المستفيضة عن هذا الجزء الغالي من الوطن بما يتجاوز الأحلام إلي طموحات المستقبل إذا ماأحسن الإستغلال الأمثل والمثالي لموارد تلك المنطقة والتعامل معها مكاناً وسكاناً. وإذا إستفاض أبناء سيناء في أحلامهم وبث شكواهم لتحقيق طموحاتهم فلاينبغي أن يؤخذ ذلك علي أنهم طلاب ذاتية وخصوصية ينفردوا بها عن الناس أوينعزلوا عن وطنهم الأم ولكن غايتهم العدل والمساوة والنظر بعين الرعاية لاعين الريبة التي تضع بعض المناطق محل شك جغرافي وبعض المجتمعات محل شك تاريخي. ولقد كتبنا كثيرا وتحدثنا طويلاً عن سيناء وتنميتها غير أن خطوة واحدة نحو العمل المستمر بهدف وإستراتيجية ترسم المستقبل يمكن أن تغنينا عن كثرة الكلام وأن يتم الإعلان عن خطة رئيسية بمراحل زمنية وأولوية تشمل جميع القطاعات وتتوفر لها مصادر التمويل المناسب. لعل التزامن في مشروعات مماثلة لمشروع سيناء حين خطط له في عام 1994م هو الذي أضعف مسارة وأبطأتنفيذة تغير الأسعار وغياب الإرادة ولوأن الدولة في ذلك الوقت إنفردت به وإستكملت أركانة وبنيتة الأساسية لنبتت ثمارة التي نجنيها الآن . ومعلوم أن سيناء ليست مشروعا زراعياً فقط كتوشكي أو صناعياً كخليج السويس ولكن لها ميزة تكاملية تنفرد بها إلا أن مشروع سيناء ذاتة طغت بعض القطاعات فية علي بعض لسهولتها وعائدها السريع كقطاع السياحة في الجنوب مما أدي إلي تضخمها في الكم وإضمحلالها في الكيف. لاينبغي علينا أن نتذكر سيناء في المناسبات أو أن تأخذ أسبوعاً إعلامياً يتزامن مع بيان صحفي لإجتماع تم هنا أو هناك ولكن نحتاج إلي عجلة تدور ويوم نخصصة للتعمير كما نخصص أياماً للتحرير ويوم للزحف عليها لتكون لنا قدماً ثابتة نحو الشرق والغرب.