«لازم يكون فى حد فى حياتنا يفرّحنا، يغيّر المود بتاع حياتنا، ولازم فى نفس الوقت نعمل اللى نفسنا فيه، واللى نكون بارعين فيه على قد ما نقدر». شاب سكندرى جميل قرر أن يرسم ابتسامة على الوجوه الحزينة، بالونة ملونة لطيفة، لمسة حانية ظريفة، ودعوة مجانية للسعادة، ابتسم يا جميل، «مهند» يسير بين الناس حاملاً بضاعته، بائع السعادة، «البلالين الملونة أسلوب حياة، بتدّى أمل خصوصاً للأطفال، وبترسم البهجة على وجوه الجميع». مهند داوود يسرح ببضاعته يومياً على شط إسكندرية، يسرح بالسعادة، مدرس علوم، بسيط، متصالح مع نفسه ومع الناس، من أعضاء نادى الأمل، يحمل رسالة حب، يوزع السعادة على الكبار والأطفال، بالونة ملونة تسعد القلب الحزين، وتمسح الحزن، وترسم بسمة صغيرة، بقبعته الملونة يلفت الأنظار المتعبة، لسه السعادة ممكنة. سوق السعادة جبر، مَن الذى يتاجر فى السعادة الآن، مَن يحمل بين ضلوعه قلباً سعيداً، مَن يقتسم السعادة مع الآخرين؟.. مهند داوود الذى التقط قصته الصحفى السكندرى «أحمد عاطف» من الزميلة «الوطن» أخشى أنه استثناء، ربما تاجر السعادة الوحيد، لم أقابل تاجر سعادة منذ زمن طويل. طوف وشوف، لا نرى فى الأسواق سوى بضاعة الكراهية، تجار الأحزان يجولون فى الطرقات، يتاجرون فى الإحباط، أحقاد، ثارات، هذه هى البضاعة الرائجة الآن، السعادة لا تجد سوقاً، لا أحد يتاجر فى السعادة، «مهند» ليس مجنوناً بل إنسان سعيد يملك إيماناً عميقاً بحق البشر فى السعادة، لازم يكون فى حد فى حياتنا يفرّحنا. «مهند» سعيد، هل أنت سعيد؟ هل أنت فَرِح مبسوط؟ للأسف بيوتنا خلت من السعادة، شوارعنا صارت قَفْرَاً من السعادة، بلادنا لا تنتج السعادة، أرضنا لا تنبت سعادة، الإنتاج المصرى من الكراهية يكفى ويزيد، لدينا فائض من الكراهية، يمكن تصدير الكراهية إلى الخارج، الكراهية فى مصر فاضت على الشطآن، غرقنا فى بحر الكراهية، نسبح فى بحيرة من الكراهية، نقتات الكراهية، الكراهية عنوان عريض. لسنا سعداء، بخلاء بالسعادة، حتى على أنفسنا، ننكر السعداء، هوه فرحان كده ليه وعلى إيه؟! ندور فى حلقات من الكراهية، كل حلقة تسلمنا إلى حلقة أشد بغضاً، طوفان الكراهية أغرق البلاد والعباد، الناس بتكره بعضها، فائض الكراهية من فائض الغضب، من فائض الإحباط، من فائض اليأس، الناس ضلت الطريق إلى السعادة، وجوه عليها غبرة ترهقها قترة. فائض الكراهية أخطر على هذا البلد من كل الأمراض المتوطنة، كل هذه الكراهية طفحت إذ فجأة، تكاد الكراهية تخنق الحلم فى الصدور، المصرى إذا ابتسم يستعيذ، وإذا فرح يتحسّب، وإذا أصابه خير تخوّف، يخفى ابتسامته، يدارى على شمعته، لا يتحدث بنعمة، ولا يقر بفضل، ولا يحمد ولا يشكر، صار أسير الكراهية. اعتزلنا تجار السعادة، لم يعد هناك بشير، هناك ألف نذير، نفتقد المتفائل، مَن يطلون علينا فضائياً متشائمون، ومن يتواصلون إلكترونياً محبطون، تبحث عن التفاؤل يصعب أن تجده، عن تاجر سعادة، كل حوانيت السعادة أغلقت أبوابها، عن ضحكة حلوة فى الطريق، عن نكتة حلوة على المقهى، عن تدوينة ترفع المعنويات، عن تغريدة تفتح النفس، يمضى بك النهار سريعاً، يسدل الليل سدوله، ولا كلمة حلوة تبلل الريق الجاف إلى خبر حلو، خبر يسعد، حتى الحلم تمت مصادرته. مثل مهند داوود أخشى أن يوصِّفه كارهٌ ب«المجنون»، الناس ولّفت على أصحاب الوجوه العابسة، لا يستسيغون وجوهاً ناعمة باسمة راضية، أخشى أنهم سينكرونه، فرحان على إيه؟ مبسوط من إيه؟ هو فى إيه يبسط؟ ربنا يكمّلك بعقلك.