يكاد المؤرخون يجمعون علي أن الليلة المحشورة بين يومي 9 و10 نوفمبر عام 1938 كانت بمثابة نقطة الانطلاق الحاسمة لعمليات الإرهاب والترويع والإبادة الجماعية الرهيبة التي ارتكبها النازيون الألمان بعد ذلك علي مدي سنوات الحرب العالمية الثانية وراح ضحيتها عشرات ملايين البشر من شتي الأعراق والأجناس والأمم، مع أن هذه العمليات كانت قد بدأت في تلك الليلة الدامية باستهداف الأجانب والأقليات العرقية (اليهود والغجر بالذات) في كل من ألمانيا والنمسا. لقد كان نصيبنا نحن أمة العرب من هذه الكارثة الإنسانية أن الحركة الصهيونية المتحالفة مع قوي الاستعمار الغربي اتخذت منها ذريعة ومبرراً أخلاقياً لتهجير اليهود من (بلدان الغرب أساساً) واستخدامهم كأداة بشرية لارتكاب أكبر وأبشع جريمة سرقة في التاريخ، ألا وهي اغتصاب فلسطين وقتل واقتلاع وتشريد أهلها من ديارهم وبناء كيان عنصري لقيط وعدواني يفصل بين جناحي أمتنا علي أشلاء مجتمع ووطن أصحاب الأرض الأصليين. وأعود إلي أحداث هذه الليلة البعيدة، فقد استغل هتلر وحزبه النازي آنذاك حادث قتل السفير الألماني في فرنسا علي يد فتي يهودي (يوم السابع من نوفمبر)، وقام بعملية تهييج وتحريض هائلة وواسعة النطاق حشد علي إثرها قطعاناً ضخمة من الدهماء والمتعصبين الذين هبوا في كل المدن والمناطق الألمانية والنمساوية (تحت قيادة وتوجيه مباشرين من عناصر أجهزة الأمن الهتلرية) للانتقام وتطهير موطن الجنس الآري من «دنس اليهود والأجانب»، ولم تنته ساعات الليل حتي كان الحصاد مروعاً، إذ طالت عمليات التدمير والتخريب والحرق آلاف البيوت والمتاجر والمنشآت والممتلكات، كما سقط عشرات القتلي ومئات الجرحي، فضلاً عن اعتقال عشرات الألوف من أبناء الأقليات والجاليات المستهدفة ب«التطهير».. أما أصل المسمي الشائع لهذه الليلة (ليلة الكريستال) فيعود إلي أطنان هشيم الزجاج المحطم التي بدت بعدما هدأ غبار عاصفة الإرهاب والهياج الدموي تكسو وتغطي تماماً الشوارع والطرقات. و..هنا لابد أن أعترف بوجود شيء من عدم الدقة في العنوان المكتوب أعلي هذه السطور لأن «ليلة الكريستال» والإرهاب المصرية التي أقصدها لم يكن فيها أي زجاج، وإنما ما تحطم وتهشم وانسحق في ساعات ظلامها الدامس كان عظام وكرامة الطبيب الشاب طه محمد عبد التواب الذي يرقد الآن في غرفة العناية المركزة بمستشفي سنورس العام بعدما تعرض ليلة الاثنين الماضي لتعذيب إجرامي ووحشي في مقر مباحث أمن الدولة لم يقتصر (من فرط الانحطاط والخسة) علي الضرب والسحل وشتي صنوف الإيذاء البدني، بل واكبه فيض من الإهانات الوضيعة لم تبدأ بالشتائم والتهديدات البذيئة ولم تنته بتجريد الشاب من ملابسه تماماً وإبقائه عارياً حتي صباح اليوم التالي حين قام المجرمون السفلة بإلقائه علي قارعة الطريق وهو مضعضع الجسد مهدور الكرامة، بينما الأوهام تصور لهم ولأسيادهم الراقدين علي أنفاس الوطن أنهم بمثل هذه الأفعال الإجرامية المشينة سوف يخيفون ويردعون أمثال هذا الطبيب الشاب عن المضي قدماً في التحرك السلمي لاستنهاض همم الناس وحشدهم خلف الراية التي يرفعها حالياً الدكتور محمد البرادعي مع نخبة البلد الشريفة والمحترمة علي أمل هز أركان عرش الديكتاتورية والفساد وإنهاء أطول حادث سطو مسلح علي السلطة والثروة في تاريخ مصر الحديث. لكن يا أيها الأوغاد الأغبياء كان غيركم أشطر، ولو كنتم تعقلون أو تفقهون شيئاً لعرفتم أن هذا النوع من الارتكابات والجرائم الخسيسة غالباً ما تأتي بعكس المطلوب منها؛ لأن من شأنها أن تصب الزيت علي نار الغضب، وتورثكم المزيد من الكراهية والاحتقار !!