هل تذكرون الفنان الراحل حسن البارودي بتاع تعال يا قناوي أنا هجوزك هنومة في فيلم باب الحديد؟ لقد قام هذا الممثل بأبرع أدواره في فيلم (الزوجة الثانية) حين كان يحاول إقناع أبو العلا بتطليق زوجته فاطمة ليتزوجها العمدة المفتري، فأخذ يكرر على مسامعه قول الله تعالى: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، ويشير بيده صوب العمدة ويخضع صوته ليذكر أبو العلا أن العمدة هو ولي الأمر وله علينا الطاعة والولاء، فيرد عليه أبو العلا من بين دموعه: يا كافر.. يا عديم الدين.. المهم في هذا الموقف هو استخدام الآية الكريمة لإقناع العامة بطاعة ولي الأمر والخضوع لرغباتهم، مهما كانت مخالفة للشرع أو العُرف أو التقاليد، وهو استخدام ظل على مرّ العصور متستساغا ومستحبا عند كل من حكم دولة أو مملكة أو امبراطورية أو إمارة إسلامية، من ملوك الطوائف في الأندلس حتى الدولة العثمانية، ثم بعد تقسيم إرثها إلى دول ودويلات وممالك وجمهوريات؛ ولا زال أسلوب استخدام علماء السلاطين في الدعوة للحاكم هو الأسلوب المثالي الذي قد يؤتي ثماره في السيطرة على الشعوب، وهؤلاء يستطيعون القيام بهذه المهمة على أكمل وجه مُرضٍ لولي النعمة، وفي ذات الوقت مفضوحا عند العامة ممن يتلقون خطابات العلماء في مناقب ولي النعم. وأقرب مثال لنا في مصر، حين أذاع التلفزيون المصري فبراير الماضي بيان شيخ الأزهر أيام الثورة في التحرير، فقالت مذيعة الأخبار: (وقد صرح فضيلة الإمام الأكبر أن استمرار المظاهرات بهذا الشكل يعدّ حراما شرعا)، وكان ذلك قبل تنازل الرئيس السابق عن منصبه بعدة أيام، وتلك كانت محاولة فاشلة من النظام عبر قناته الدينية الأوفر حظا لإثناء الثائرين عن المطالبة بخلع الرئيس ونظامه وحزبه، ولكنها لم تؤت ثمارا لا للأزهر ولا للنظام الذي سقط؛ اللهم إلا اتساع الفجوة بين الأزهر كممثل للدين في المجتمع والناس كمتلقين لدعوة الأزهر. وفي اليمن؛ اجتمع كبار علماء الدين وأصدروا بيانهم الذي حرّم؛ بالأدلة الشرعية التي لا تقبل النقاش؛ أي خروج على الحاكم، الذي هو بالطبع الرئيس علي عبد الله صالح، ويعتبر البيان كل من يعصى الحاكم خارجا على ملة الإسلام، ومتسببا في إحداث الفرقة والتناحر بين فئات المجتمع (الإسلامي) .الموحّد تحت راية الرئيس الإله وفي سوريا؛ بينما توجه قذائف الدبابات ودانات المدافع إلى المواطنين العزّل في بيوتهم وفي شوارع مدنهم وفي مساجدهم، ويقتل بشار الأسد وينكل زبانيته وبلطجيته وشبّيحته بالشعب السوري الثائر، تجد علماء السلطان يخرجون على الناس بالفتاوى التي تسحب الشرعية من الثائرين، وتزيل عن المحتجين غطاء الدين، بحجة أنهم دعاة الفوضى وعدم الاستقرار، بل ويمنحون غطاء الشرعية لقاتليهم والمنكّلين بهم، وبرغم أن معظم المظاهرات تخرج سلمية من المساجد؛ فلا دور يذكر لأئمتها في خروجها أو الدعوة إليها إلا في حالات نادرة في دمشق ودرعا، والأئمة الباقون اختاروا أن يكون موقفهم هو موقف العجز عن تقديم العون للمحتجين والثائرين باللسان، ووقفوا مع السلطة في خندق التشكيك في وطنية المعارضين ونعتهم بأبشع الألفاظ والصفات، فكانوا فعلا علماء السلطان الموظفين لدى السلالة العسكرية الحاكمة في سوريا، المستفيدين منها في الآن نفسه عبر تبوأ الوظائف الإدارية والقضائية والسياسية الدينية لتحقيق الهدف نفسه، ألا وهو توفير الغطاء التشريعي والتبريري للنظام الظالم القامع لشعبه. والآن.. يجب على العلماء في العالم العربي الثائر أن يعلموا أن دورهم في اكتساح الشعب المطالب بالحرية قادم، فهم إذ يسقط النظام سيصبحون بلا غطاء بعد أن وفروا له الغطاء لسنين طويلة، فأفادوه واستفادوا، وبعدت الشقة بينهم وبين الشعب حتى صاروا جميعهم حسن البارودي مع العمدة، وسيقول الراوي كما قال في آخر فيلم الزوجة الثانية: دنيا وفيها كل شي، وكل من جاها مشي، وكل ظالم اتقصف، والحق هوا اللي اتنصف...إسلمي يا سوريا .. واسلمي يا مصر