لا يمكن الحديث عن دور رأس المال ورجال الأعمال وتأثيرهم في السياسة من دون التطرق للشركات متعددة الجنسيات ودورها فائق التأثير في السياسة في كل مكان في العالم بصفة عامة، وتجاه الدول النامية والعالم الثالث بصفة خاصة، ملف هائل لا ينتهي نحاول تناوله إنطلاقا من القضية التي استحوذت علي مساحات كبيرة بالصحف العالمية الشهر الماضي عندما كانت شركة النفط العالمية العملاقة بريتش بتروليوم «بي بي» البريطانية أقرت في بيان رسمي بأنها ضغطت علي الحكومة البريطانية في عام 2007 لإبرام اتفاق لتبادل السجناء مع ليبيا لأنها كانت تخشي من خسارتها لصفقة للتنقيب عن النفط قبالة السواحل الليبية، مع العلم بأن قيمة الصفقة مع ليبيا 900 مليون دولار وحجم أعمال بريتش بتروليوم في مصر منذ عام 1969 حتي 2005 فقط بلغ 11 مليار دولار. والملف الأكثر سخونة هو مدي متابعة واستعداد ونظرة الشركات متعددة الجنسيات لعملية نقل السلطة في مصر.. إلي أي حد ممكن أن تسهم الشركات متعددة الجنسيات في عملية نقل السلطة في مصر؟ مع العلم أن عددًا كبيرًا من مراكز الأبحاث بالولاياتالمتحدة المعنية بإجراء استطلاعات وأبحاث حول سيناريوهات ومستقبل نقل السلطة في مصر يسهم في تمويلها عدد من تلك الشركات.. والتاريخ قد شهد تدخلها بتمويل انقلابات عسكرية لحماية مصالحها ضد حكومات لا تشجع الاستثمار الأجنبي وأطاحت برؤساء دول في فترات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات كان أبرزها ما حدث في شيلي عام 1971 حيث تعاونت شركة أي تي تي الأمريكية العملاقة للاتصالات مع المخابرات الأمريكية في تدبير انقلاب عسكري ضد الرئيس الاشتراكي سلفادور الليندي بعد وصوله للحكم باستخدام قيادات بالجيش، وفي إيران حيث أطاحت شركتا أرامكو وموبيل الأمريكيتان في انقلاب عسكري برئيس وزراء الحكومة بعد قراره تأميم النفط والغاز الطبيعي. وفي الكونغو بعد استقلالها عام 1960 عندما تولي السلطة الوزير الأول الاشتراكي باتروس لومويا، تحالفت الشركات المستفيدة من ثروات الكونغو مع بعض ضباط الجيش وقامت باغتياله في 17 يناير 1961، و عبرت الحكومة البلجيكية عن اعتذارها وخالص أسفها للشعب الكونغولي رسميًا عن الدور الذي قامت به في عملية اغتيال رئيس الحكومة الكونغولية 5 فبراير عام 2003. فهل تتبع الشركات متعددة الجنسيات نفس الأساليب بالقرن الحادي والعشرين في حالة لو تعارض نظام الحكم الجديد مع مصالحها كأن تصعد في مصر - علي سبيل المثال - جماعة الإخوان المسلمين إلي منصة الحكم؟ وهل تتدخل الشركات متعددة الجنسيات لدعم أطراف محددة في مصر ضد أخري في انتخابات الرئاسة 2011 حفاظا علي هذه المصالح؟ وفي هذه الحالة هل تدعم جمال مبارك؟ من خلال هذه السطور نطرح التساؤلات في واقع تسيطر عليه هذه الكيانات التي تتعدي كثيرا نفوذ رجال الأعمال المصريين المتحكمين في بواطن الأمور في مصر بل وفي بعض الأحيان هم إحدي أدواتها، ولن تتعجب حينما تعرف أننا حينما سألنا ممثلين لبعض من هذه الشركات قالوا أنهم يتابعون بلا شك مثل أي شخص يتابع ولكنهم لا يضعون سيناريوهات لاحتمالية صعود الإخوان المسلمين لأنهم يدركون أن النظام السياسي في مصر لن يسمح بذلك مؤكدين أن مصالحهم دون شك في دعم صعود جمال مبارك وحكومة أحمد نظيف واستمرار النظام القائم بالوضع الذي عليه لأنه يمنحهم أفضل الامتيازات. شادي حميد الباحث بمركز «بروكنز» بواشنطن وهو أحد مراكز الأبحاث التي يطلق عليها «Think Tank» يؤكد أن معظم مراكز الأبحاث يشارك في مصادر تمويلها شركات متعددة الجنسيات، ويقول إن التقارير التي تصدر عن تلك المراكز تعطي فكرة عما يحدث بالعالم العربي حتي وإن لم تتوافق مع مصالح تلك الشركات فإنها تقرأ حتي تحصل علي فكرة أفضل عما يحدث في مصر والسيناريوهات المحتمل حدوثها فيما بعد حسني مبارك وهذا مهم لكل المهتمين وجميع الشركات وصناع القرار خاصة أن مراكز الأبحاث في واشنطن تختلف عن مراكز الأبحاث بالدول العربية لأنها في واشنطن تهدف إلي التأثير في صناع القرارات بالسلطة التنفيذية والكونجرس ومستقلة عن الحكومة وهدفها لا يقتصر علي مجرد البحث بهدف أكاديمي وإنما التطبيق علي أرض الواقع والتأثير في صناعة القرار بل وعلي الخطاب السياسي، بينما مراكز الأبحاث خارج الولاياتالمتحدة يريدون فقط إجراء أبحاث موضوعية وأبحاث لأجل البحث الأكاديمي فقط وليس التأثير في صانع القرار إضافة إلي أنه ليست هناك مراكز أبحاث مستقلة في العالم العربي، ومركز «بروكنز» علي سبيل المثال به 10 باحثين يركزون علي الشرق الأوسط كل منهم يكتب ما يشاء وعليه ليس هناك فكر خاص. أما الشركات متعددة الجنسيات - ومازلنا مع شادي حميد - فإنها قد لا تهتم بالتأثير في الخطاب السياسي لكنهم يريدون مصالح خاصة وصناعة القرار خاصة في قطاعات الطاقة والغاز والبترول من خلال مجلس النواب والقرارات التي تصدر عنه، وهم دون شك يفضلون الاستقرار بالشرق الأوسط ولا يريدون ثورة في مصر لأن ذلك ضد مصالحهم ولا يريدون تغييرًا راديكاليًا أو كبيرًا في مصر أو عنفًا سياسيًا، ومعظمهم لا يوجد لديهم فكر دقيق عما يحدث علي أرض الواقع السياسي في مصر وليس مهمًا بالنسبة لهم معرفته بصورة دقيقة بحيث لو سألته لا يعرف ماذا يحدث بالضبط، ولكن لديهم اهتمام عام ويتعاطفون مع حكومة أحمد نظيف ومن حول جمال مبارك لأنهم يعملون علي التطور الاقتصادي ورفع معدلات النمو وتوفير مناخ ملائم للاستثمار الأجنبي وعمل هذه الشركات وسياسة الخصخصة وليس لديهم اهتمام بمن يحصل علي العائد من هذا النمو في مصر أو كيف توزع الثروة. ويستكمل شادي ولكنهم - أي الشركات - لا يريدون حكومة إخوانية لأن حكم الإخوان من وجهة نظرهم يؤدي إلي عدم الاستقرار في مصر ويدعم سياسات لن تكون جيدة للاستثمار الأجنبي وهم يريدون الانفتاح. وهنا توجد فجوة بين مراكز الأبحاث والشركات متعددة الجنسيات لأن مراكز الأبحاث تدعم الإصلاح السياسي الحقيقي في مصر ويدعمون سياسات عند صناع القرار بالولاياتالمتحدة للضغط علي الحكومة المصرية لأجل الإصلاح السياسي، ومراكز الأبحاث ليست راضية بجمال مبارك ولا تدعم عملية التوريث وتقاريرها تحث صناع القرار الأمريكان بالضغط أكثر علي الحكومة المصرية، أما الشركات متعددة الجنسيات فهي تضغط دون شك لأجل مصالحها من خلال أطر محددة ودقيقة ولا نعرف الوسائل في ذلك هل من خلال الحديث عن عمليات التنقيب عن البترول أم يتحدثون أكثر عن جمال مبارك. ومعظم تقارير مراكز الأبحاث التي تناولت سيناريوهات نقل السلطة في مصر أشارت إلي أن الحكومة المصرية والنظام المصري فقد شرعيته وليس هناك دعم شعبي للحكومة المصرية وهناك احتمالات قيام حركات متطرفة بسبب فقدان الثقة في الحكومة المصرية ولهذا الإصلاح السياسي مهم لأنه يمكن أن يعطي للمصريين وسائل للتعبير عن أنفسهم في إطار سياسي سلمي لأن التغيير غير السلمي ضد المصالح الأمريكية. وهذه النتائج بالتقارير ليست مصدر قلق للشركات ولكنها تجعلها تفكر في الإجراءات التي يمكن اتخاذها في حالة وجود أي أحداث ضد الحكومة المصرية فتفكر فيها قبل أن تحدث أفضل مما تفاجأ بها، ولكنها ليست مصدر قلق لأن مصر ليست شيئا مهما بالنسبة لهم أو علي قائمة أولوياتهم بل شيء صغير وجزء واحد من إجمالي مصالحها. مسئول العلاقات الحكومية والخارجية - وهو مصري - بشركة «بروكتل أند جامبل» وهي إحدي كبري شركات متعددة الجنسيات الأمريكية في مصر أكد أنهم يتابعون دون شك مثل أي مواطن ما يحدث فيما يتعلق بانتخابات الرئاسة وقال إن النظام القائم هو الأفضل بالنسبة لهم لأنه يوفر مناخًا جيد للاستثمار وميزات كثيرة، وبروكتل أند جامبل لمن لا يعلم تندرج ضمن قائمة الشركات التي تتم الدعوة لمقاطعتها خلال المجازر الإسرائيلية ضد فلسطين وكون النظام القائم يتعاون مع إسرائيل فإن ما يمكن أن تواجهه مثل هذه الشركات ومنتجاتها مشكلات في مثل هذه الأحداث يكون أقل، ومسئول العلاقات الخارجية بالشركة قال إن طبيعة النظام القائم تؤثر بالفعل في مدي تقبل دعوات المقاطعة مؤكدًا أنها غير صحيحة وأنهم لا علاقة لهم بإسرائيل والفرع الذي تقيمه الشركة الأم بإسرائيل لا علاقة لهم به. وقال ردا علي ما يمكن اتخاذه كشركة متعدية الجنسيات في أسوأ الفروض كأن تصعد جماعة الإخوان المسلمين للحكم قال إن الإجراء الذي سوف يتخذونه في حالة لو انغلقت أمامهم جميع الأبواب أيا كانت الحكومة سوف يقومون بتصفية الشركة والخروج من مصر ولن يتدخلوا في تمويل لأي حركات أو انقلابات عسكرية مثلما حدث بالتاريخ ببعض الدول. ما ذكره مسئول العلاقات الخارجية والحكومية ببروكتل وجامبل حول تصفية الشركة هو في حد ذاته إحدي أدوات انهيار الأنظمة والحكومات لأن هذه الشركات أكثر من 95% عمالة مصرية بما يعني بطالة، وحجم أعمالها ومبيعاتها هائل بالدرجة التي تؤثر علي قيمة العملة في حالة خروجها والتأثير علي ميزان المدفوعات وعليه اهتزاز مركز النظام السياسي القائم ورغم عدم تمكننا من الحصول علي عدد هذه الشركات في مصر فإن الشركات الأجنبية تستحوذ علي حصة كبيرة بالسوق المصري في غالبية القطاعات إن لم تكن جميعها وحتي استيراد القمح لهيئة السلع التموينية تتحكم فيه عدة شركات هي التي تتحكم في تجارة الحبوب علي مستوي العالم، وفي الأدوية تتحكم - وفقا لأسامة رستم عضو غرفة الأدوية - في 45% من كميات الأدوية التي تستهلك في مصر و55% لو تم حسابها بثمن هذه الأدوية، وهم تقريبا 8 شركات تمتلك مصانع في مصر من بين 180 مصنعًا في مصر ناهيك عن قطاع البترول والغذاء والأسمنت. عام 1971 فرض نيكسون عقوبات اقتصادية انتقامية ضد بلجيكا ونتيجة لذلك خرج ألف مليون دولار من هذه الدولة مما تسبب في زعزعة مركزها المالي، وهدد كسينجر في ظروف الانتخابات الإيطالية يونيو 76 بقطع المساعدات عن إيطاليا وتقليص نشاطات الشركات الأمريكية فيها إذا ما انتخبت حكومة شيوعية في وقت كانت ايطاليا فيه تعاني أزمة اقتصادية ونقدية شديدة وهبط مركز عملتها للحضيض، وكذلك لجأت الشركات الأمريكية في إيطاليا بإيحاء من حكوماتها إلي تقليص نشاطاتها في البرتغال حين وصل الصراع السياسي بين الأحزاب البرتغالية إلي أقصاه وكانت التطورات السياسية فيها تهدد بخروجها من التحالف الغربي وحلف الأطلنطي سنة 1974. وفي جميع الأحوال فإنه وكما يؤكد الدكتور محمد السيد سعيد بكتابه «الشركات متعددة الجنسية وآثارها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية» فإن الشركات الأجنبية في البلاد المضيفة تستطيع المشاركة في الصراع السياسي الدائر داخل الدولة المضيفة، وأسلوب التدخل بسيط يقوم علي دعم للحركات التي تدعم مصالحها بإنشاء علاقات وثيقة مع أصحاب النفوذ من رجال الأعمال والسياسة وكوادر الجيش والحكومة بالعديد من الأدوات بدءا من الرشوة المباشرة وحتي الأعمال المشاركة مرورا بالمساعدات المالية للأحزاب السياسية وتخطيط الدعاية الانتخابية - ونحن نعلم مدي التداخل مابين رجال الأعمال والسياسة في مصر. ويمكنها استخدام حجمها في الضغط السياسي خاصة ان أموالها واحتياطاتها يمكن أن تؤثر علي قيمة العملة وبالتالي المركز السياسي للحكومة. ، والمثل البارز في شيلي.. كانت البنوك الأمريكية تمول 78% من حاجات تشيلي للتجارة الخارجية، وعلي الأخص استيراد المواد الغذائية فقامت الشركات بتقليص تمويلها من 220 مليون دولار إلي 35 مليونًا فقط إثر وصول الليندي للحكم مباشرة فترتب علي ذلك خلق أزمة خانقة في إمدادات الغذاء وفي نفس الوقت قامت الشركات الصناعية والاستخراجية بالتعاون مع البنوك في تنظيم المقاطعة الاقتصادية ونظمت هذه الشركات إضرابا اقتصاديا عن طريق إغلاق جميع الشركات الأجنبية في المجال الصناعي والخدمات وشمل الإضراب قيام عناصر محلية بشل المواصلات والموانئ والاتصالات الخارجية، وامتنعت شركات النحاس عن شراء النحاس المؤمم والمواد الأولية الأخري ومهدت شركة أي تي تي التسهيلات اللازمة بالتعاون مع المخابرات الأمريكية للانقلاب العسكري وأثبتت تحقيقات الكونجرس الأمريكي أن الهدف المباشر من المقاطعة الاقتصادية كان التمهيد للانقلاب العسكري. أما في الظروف العادية فإن الشركات متعددة الجنسيات تستخدم أدوات عرفية بين رجال الأعمال الكبار حيث تنشئ علاقات وثيقة مع عديد من الفئات المحلية ذات النفوذ وخاصة كبار الملاك ودوائر رجال الأعمال والسلك السياسي وكوادر الجيش والحكومة وتربط تلك الفئات بمصالحها عبر عديد من الأدوات بدءا من الرشوة المباشرة حتي الأعمال المشتركة مرورا بالمساعدات المالية للأحزاب السياسية وتخطيط الدعاية الانتخابية والتدعيم الاقتصادي الاجتماعي، وهذه العلاقات تكون جماعات ومصالح، والجماعات السياسية في البرلمانات، وفي الأحزاب السياسية ودوافع الحركات العسكرية الانقلابية لكوادر الجيش الكبار عند اللزوم وتكاد تكون الرشوة أسلوباً عرفياً في دوائر تلك الشركات بالخارج فشركة جولف أويل ألقت مسئولية دفع 150 ألف دولار لرئيس دولة الجابون بصفة رشوة علي عاتق شركة أخري، وأعلنت شركة تنيكو كوبوراشن أنها دفعت نصف مليون دولار عام 1975 لشخصيات عسكرية أجنبية ووصلت مدفوعاتها لمسئولين تنفيذيين في الحكومة والجيش والأحزاب السياسية في بند الأرصدة السياسية السرية إلي 12 مليون دولار في 12 دولة أجنبية، ودفع الشركات متعددة الجنسيات للرشاوي بالدول النامية مثل مصر هو أمر مستمر حتي اليوم والدليل قضية رشوة مرسيدس وكل ما يتعلق بها. ولو تحدثنا حول الدعوة التي تنشأ بين حين وآخر لمطالبة الحكومة باتخاذ قرارات بالتأميم بقطاعات صناعية تسيطر عليها الأجانب مثل الأسمنت نجد أن إجراءات التأميم تندرج ضمن أهم ما تخشاه الشركات الأجنبية في أي دولة تدخل للعمل فيها خاصة في الدول النامية وكانت هذه الإجراءات سببا في الإطاحة برؤساء الحكومات، وفي أمريكا اللاتينية سارت نزاعات عديدة وبلغت إجراءات التأميم والمصادرة والشراء الإجباري في الفترة من 1963-1969 عددا هائلا كان أضخمها 20 إجراءً بالمصادرة والتأميم وكانت ثمانية منها في الأرجنتين عام 1963 قبل الانقلاب الذي أطاح بالرئيس بيرون، وفي شيلي قبل الانقلاب الذي أطاح بالرئيس الليندي كان هناك ثلاثة تأميمات وفي البرازيل تمت عمليات شراء لشركات أمريكية ضخمة قبل التدخل العسكري الأمريكي غير المباشر، وفي الفترة من أغسطس 1973 إلي يناير 1975 تمت 144 حالة تأميم ومصادرة للشركات الأمريكية بالدول النامية. وعندما تفشل أساليب الضغط السياسي والاقتصادي واستمالة الرأي العام فإن اللجوء إلي تدبير الانقلابات العسكرية بالتعاون مع حكومتها الأم هو أمر مفهوم سلفا، والنموذج التقليدي للانقلاب العسكري يبدأ بوفرة من المعلومات والتقارير تتقدم بها الشركات إلي حكوماتها وتسهل للمخابرات الاتصال بالفئات والشخصيات القيادية في السياسة والجيش ثم تعمل الشركات علي خلق فوضي اقتصادية وبالتالي سياسية وهذه أفضل شروط الانقلاب العسكري. إبراهيم نصر الدين الخبير بالشئون الأفريقية والأستاذ بمعهد البحوث الأفريقية يروي عدة مداخل لتدخلات الشركات متعددة الجنسيات في أفريقيا. أولها: قامت علي التغيير السلمي وأبرز نموذج علي ذلك دور ازهايمر بلوتر يهودي جنوب أفريقي كان يمتلك شركات أنجلو أمريكان متعددة الجنسيات وكان له دور في عملية التحول السياسي السلمي في(جنوب أفريقيا) حيث قام بإنشاء حزب معارض لنظام الفصل العنصري لأن مصالحه كانت ستمس في حال ما أن استمر الكفاح المسلح وأسفر عما أسفر عنه، وقام بالاتفاق مع المؤتمر الوطني الأفريقي لتغيير برنامجه وإلغاء مسألة التأميم واعتمد بلوتر علي التغيير السلمي، لأن قدرته علي التغيير بالكفاح المسلح كانت ضعيفة وكان هناك قدر من العنف ولكن بصورة ضئيلة في شكل تفجيرات واغتيالات. وقام بلوتر إلي جانب ذلك بإقامة علاقات مع الشركات متعددة الجنسيات في جنوب أفريقيا الأمريكية والأوروبية وكان عددها حوالي 200 شركة. أما النموذج الثاني فهو تجربة الكونغو الديمقراطية والتي تمثل نموذجًا أخر، حيث إنه كانت هناك مقولة بان الشركات متعددة الجنسيات في حاجة إلي نظام سياسي مستقر حتي تستطيع ممارسة أعمالها في استنزاف ثروات البلد ولكن هذه المقولة تغيرت منذ تسعينيات القرن الماضي بعد انتهاء الحرب الباردة حيث أصبحت الفوضي والحروب الأهلية والعنف أكثر فائدة وثبت أنه يكفي أن تقوم شركة بتمويل فصيل متمرد بمرتبات وأسلحة وفي المقابل يمكنها أن تستولي وتسيطر علي الثروة التي يسيطر عليها هذا الفصيل، وفي بعض الأحيان تتمكن الشركات من القيام بذلك دون أن تدفع مقابلاً اللهم مجرد أجور وتمويل أسلحة فقط، ولهذا أصبحت هذه الشركات منذ التسعينيات تستأجر شركات أمن خاصة (بديل للمرتزقة) تكتسب صفة الشرعية حتي تقوم هذه الشركات بتأمين مصالحها والمناجم والأعمال التابعة لها، ولهذا يعد من الأفضل لها استمرار الحروب الأهلية. أما الحالة الثالثة وهي الحالة الأخطر فهي الصومال وما يجري فيها في الوقت الحالي، حيث يري نصر الدين أن ما يحدث في الصومال ليس قرصنة، لأن هناك ثلاث شركات أمن متعددة الجنسيات إحداها كندية والثانية أمريكية والثالثة فرنسية والثلاث في أرض الصومال (بلاد بونت) المطلة علي خليج عدن وهذه الشركات هي التي تقوم بتسليح من يسمون بالقراصنة، وتزودهم بأجهزة اتصالات ذات قدرة فائقة لها القدرة علي تتبع حركة السفن بأقمار صناعية بجانب الأسلحة والقوارب السريعة، وصاحبة المصلحة الأولي في أحداث القرصنة وما يحدث في الصومال هي الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي تروج لذلك من أجل السيطرة علي مضيق باب المندب لتصبح بذلك منطقة القرن الأفريقي بالكامل تحت السيطرة الأمريكية.