سر قوة وضعف جمال مبارك هو استمرار والده في حكم مصر النجل يفتقد صفات الزعامة أو القيادة ويغلب عليه الطبع الحاد كموظف صبري الباجا موجة جديدة من الأخبار عن توريث نجل الرئيس مبارك تشارك فيها الصحف المستقلة والمعارضة بشكل متساو أو بأكثر مما تشير إليه فيما بين السطور الصحف القومية، وهو الأمر الذي ساهم بشكل وافر في ترديد اسمه في الشارع المصري أكثر من أي وقت مضي وعن قرب تمكين مبارك (النجل) من منصب الرئاسة (!!). غير خاف ما يحدثه ذلك التكرار من الاعتياد وبالتالي إلغاء الدهشة أو الصدمة، كما أن ذلك حقق له شهرة ما كانت تحققها أي حملات إعلانية، حتي وان أنفق فيها ثروته، ويلاحظ في حديث التوريث غياب أو تغيب أمرين: الأول: وعود وتصريحات مبارك (الأب) النافية نفيا قاطعا لعملية التوريث وقد كرر ذلك مرارًا أمام وسائل الإعلام المحلية والأجنبية. الثاني: ما أكده مبارك (النجل) وكرره مرارا أنه ليست لديه النية أو الرغبة حاليًا أو مستقبلا في تولي منصب الرئيس، حتي عندما كررت إحدي المذيعات السؤال ولا في عام 2011 أكد: ولا في 2017 لماذا يهمل هذا النفي أو ذاك بينما هو ما يجب أن تركز عليه القوي المناهضة للتوريث، وعلي أساس أن النظام ما زال جمهوريا ولم ينقلب إلي الملكية حتي الآن؟ ولماذا لا نجعل من أقوال مبارك (الأب والنجل )النافية لعملية التوريث دليلا نطالبهما دائما بالعمل علي إثباته، وحجة يرتكز عليها مناهضو التوريث، وأن نكرر ونردد أن عدم الالتزام بهذه الوعود يفقدهما ( الأب والنجل ) مصداقيتهما وبالتالي الأمانة المؤهلة للوصول إلي هذا المنصب الرفيع، والتوسع في نشر هذا المفهوم مع تبسيطه ليصل إلي الناس في صيغة كيف نأمن علي مستقبل الوطن لمن لا مصداقية أو أمانة له؟ بعيدا عن الغياب أو التغييب واتباعا لنهج موضوعي في تحليل أحوال شخص السيد (نجل الرئيس ) المستهدف توريثه حكم مصر، وهل تتوافر له نقاط القوة والفرص الممكنة لذلك؟ في تحليل يعتمد علي نتائج مصفوفة تقييم علمية وموضوعية تقيس كلاً ( من نقاط القوة ونقاط الضعف، وكذلك الفرص والتهديدات ) المصاحبة لإحلال مبارك ( النجل) مكان أبيه الرئيس مبارك نجد: 1 ) نقاط القوة أ لطبيعة النظام الشمولي وسلطة الرئيس المطلقة وانصياع جميع الأجهزة والمؤسسات لرأي ورغبة السيد الرئيس، وما اكتسبته الأسرة بالتبعية من نفوذ، مكن ( النجل ) مؤخرا من هذه المكانة وبهذا الوضع المتميز، هذه القوة المبنية علي مركز والده تعتبر من أهم المصادر التي تطفي عليه المظهر القوي غير أنها سرعان ما تنتفي فور رحيل والده أو العادة عن السلطة. ب توليه رئاسة لجنة السياسات بالحزب الوطني بقرار من والده ( رئيس الحزب )، وضم عناصر موالية أو طامعة أو مستفيدة من ( رؤساء بعض المؤسسات والشركات، أو من بعض أساتذة الجامعات ، ومن صحفيين ورجال أعمال جدد ) هو أحد عناصر قوته، لكن مؤخرا أثار تأييدهم له سخطًا في الشارع المصري، خاصة أن عددا منهم أعضاء لجنة السياسات ثارت حولهم شبهات التحريض علي القتل أو محاولة الرشوة أو الثراء غير المشروع عن طريق الاحتكار، مما جعلهم ومشروعهم المساند للتوريث محل رفض من غالبية مستنيرة من الشعب، وتحولها من عنصر قوة داعم للتوريث إلي نقطة ضعف ج رئاسته لجمعية المستقبل والمدعمة من الدولة ومن أموال المعونات الخارجية، والتي يذكي منسوبيها لتولي الوظائف المتاحة أو الحصول علي المنح والمشروعات ،مما أدي إلي تسارع بعض الشباب الباحث عن وظيفة أو سكن إلي الانضمام إليها، وتحسب من مصادر قوته، وإن كان غالبية المنضمين لها هدفهم الانتفاع الوقتي وليس بسبب الاعتقاد فيه كشخصية مؤهلة لرئاسة مصر. 2 نقاط الضعف أ جميع نقاط القوة السابق الإشارة إليها مرهونة بوجود والده، وتصبح في غير صالحة حال غياب والده. ب نظام حكم والده بات مكروها من جميع الفئات الشعبية، ولم يتبق له رصيد محبة أو احترام يساند أو يدعم فكرة تولية نجله منصب الرئاسة م بعده كامتداد لنظام عاني منه الشعب. ج رئاسته للجنة السياسات المتبنية لبرامج اقتصادية بعينها، وانحيازها الواضح لرجال الأعمال والأغنياء، زادت من صعوبة المعيشة لغالبية فئات الشعب وكراهيتهم لبرامجها وتوجهاتها تجعله مرفوضا بشكل شبه تام من جموع المواطنين البسطاء. د عن شخصيته لا تتوافر فيه أي من صفات الزعامة أو القيادة، ويغلب عليه الطبع الحاد كموظف روتيني سابق، حيث لم يعرف له أي ممارسات أو اهتمامات سياسية قبل هبوطه علي لجنة السياسات بقرار من والده ،كما لم يقترب في حياته من أفراد الشعب بحكم نشأته في القصر الرئاسي، وتعليمه بالمدارس الأجنبية والجامعة الأمريكية والتحاقه بالعمل كموظف بأحد البنوك الإنجليزية في بريطانيا ه- غير قادر علي الظهور الجماهيري بدون الحراسة المكثفة، ويستحيل عليه المشاركة في غير اللقاءات سابقة التجهيز حيث لم يسبق له التمرس علي العمل السياسي والحزبي، ولم يتمكن حتي من الاحتكاك المباشر مع قواعد الحزب الذي يشغل فيه منصب أمين لجنة السياسات و- احتكاكه بالعالم الخارجي العربي أو الأجنبي محدود للغاية، فلم يسمع عن مشاركات سياسية، أو آراء في المشكلات الدولية أو الإقليمية، باستثناء مشاركته في مؤتمر ديفوس، والشهرة التي حققها فيها كان بسبب فنانة نصف معروفة!! ز- زيارته الأخيرة للولايات المتحدة أثارت تكهنات ليس لها أساس من الصحة والحديث الذي أدلي به إلي فريد زكريا هو نوع من الانتهازية وتبادل المصالح، ويتم كنوع من الدعاية الانتخابية الموجهة من المذيع تحسبا لوهم أو حلم راود المذيع وما يمكن أن يرد له مستقبلا!!، وأبرز التعليقات في الولاياتالمتحدة علي عبارة ( رئيس مصر القادم ) التي ظهرت أسفل الصورة أحدثت رد فعل عكسي حيث اعتبرت بمثابة مصادرة لأصوات الناخبين وهو أمر ذو حساسية شديدة بالنسبة للمجتمعات الديمقراطية!!، وقد كان التعليق الحاسم للمتحدث الرسمي للخارجية الأمريكية: «هذه قضية يحكمها الشعب المصري». 3 الفرص أ وجود والده في السلطة وموافقته علي الاعتزال وإنابة الحكم له هي الفرصة الوحيدة لعبوره إلي الحكم الذي لن يكون استمراره فيه بالأمر الهين أو الذي يتحقق معه نوع من الاستقرار ب حالة اليأس العام التي تسود بين الكتلة الصامتة من جماهير مصر، وانصرافها وعزوفها عن المشاركة السياسية، يمكن أن تكون أهم الفرص المتاحة لعملية تزوير انتخابات تنتهي بحصوله علي أغلبية كبيرة في مواجهة منافس متفق عليه من الأحزاب الورقية تمكنه من الوصول إلي الحكم. ج أصحاب المصالح أو أصدقائه من رجال الأعمال الجدد أو الطامعين في تحقيق مكاسب من وراء تنصيبه، سيحاولون الوقوف معه ومساندته، ولن يتورعوا عن رفع شعارات التغيير والإصلاح ووصفه بصاحب «الفكر الجديد» للشوشرة علي الأصوات المعارضة، واستمالة بعض الجماهير التي يسهل خداعها أو شراء أصواتها. د لعبة التوازنات التي قد تمارسها بعض الجماعات أو الأحزاب المغمورة ومقايضة مساندتها وتأييدها له مقابل تخفيف القبضة الأمنية من عليها ( كما في بعض مواقف الإخوان )، أو مقابل بعض المزايا والمناصب ( بعض الأحزاب ) أو للحصول علي بعض المطالب الطائفية ( وشاهدنا ذلك في مخاطبته من قبل بعض الرموز المسيحية ) أو كما ظهر مؤخرًا من قيام أحد الأحزاب المغمورة ( شباب مصر ) « هكذا اسمه» بالإعلان عن ترشيح رئيسه لانتخابات الرئاسة عام 2011 (هكذا!!) وهو أمر متوقع من مثل هذه الأحزاب الورقية للقيام بدور الكومبارس، ولإضفاء صفة المنافسة في الانتخابات الرئاسية وهو موقف شبيه بموقف رئيس حزب (الأمة) الشيخ الصباحي الذي خاض انتخابات عام 2005 الرئاسية وأعطي صوته للرئيس مبارك!!. ز الاعتماد علي التأييد الإسرائيلي المناصر والمساند لنظام والده، خاصة إذا ما قلصت الولاياتالمتحدة من اهتمامها بالمنطقة، وهو أمر وارد بسبب انشغال الإدارة الأمريكية في الأزمة الاقتصادية وتداعياتها، وقضايا الانسحاب العسكري من العراق، وترك إعادة تخطيط المنطقة لإسرائيل أو علي الأقل وفقا لمصالح إسرائيل وأمنها، وهو واحد من أهم أسباب استمرار الإدارة الأمريكية في مساندة النظام المصري والتغاضي عن ممارساته في انتهاكه لحقوق الإنسان، واستخدامه للعنف والقسوة في التعامل مع المعارضة، وانصرافه عن الإصلاح السياسي والديموقراطي، بعد خفوت الصوت الأمريكي المطالب بالإصلاح السياسي.. 4 التهديدات أ من أهم خصائص الشأن السياسي المتصل بالجماهير المصرية أن مظاهر ما يجري علي السطح ليس بالضرورة هو تعبير عن حقيقة التفاعلات الداخلية التي يموج به المجتمع، وكثيرا ما جاءت حركة الجماهير مخالفة لتوقعات المحللين، وبالتالي فردود الفعل التي يمكن أن تنجم حال قيام مبارك الأب بتولية (نجله) الحكم، قد تؤدي إلي آثار غير محدودة مما يهدد فكرة التوريث من الأصل فاظا علي الأوضاع في مصر والمنطقة بأثرها ( ضغوط داخلية أو خارجية ) ب قد يكون الرئيس مبارك نجح في إقصاء منافسيه، وواصل حكمه تحت ادعاء إنه يكتسب شرعيته من كونه استمرار ا لثورة يوليو 1952، وهو أمر مختلف بالنسبة لنجل الرئيس، سواء من حيث الشرعية أو قوة المنافسين وليس أدل علي ذلك من نتائج مبادرة تحالف المصريين الأمريكيين ( منظمة مصرية بالولاياتالمتحدة ) في الصيف الماضي عندما طرحت فكرة ترشيح بدلاء ( لنجل الرئيس ) لتولي المنصب الرفيع تلقت العديد من أسماء الشخصيات المصرية المرموقة والتي تحمل تاريخا وطنيا بجانب النزاهة والطهارة، وتوليها مناصب ذات شأن عظيم في المجتمع الدولي أظهرت فيه قدراتها، وحظيت باحترام دولي إضافة إلي تأييد وشبه إجماع من طوائف الشعب المصري عليها. ج سيكون لرفض جماعة الإخوان المسلمين، وحزب الوفد لعملية التوريث أثره القوي والمباشر لإفشال عملية التوريث، وحسم القضية بصرف النظر عن مدي رغبة مبارك الأب أو الابن، أو القوي المؤيدة والمساندة لعملية التوريث د القوي الخارجية التي تسعي للحفاظ علي استقرار مصر والمنطقة لن تضحي بمصالحها وفقد بقية رصيدها من الود من أجل مساندة مشروع لن يحظي بالتأييد الشعبي ومخاطر تنفيذه أكبر من أي مزايا يمكن أن يحققها لها. ز الحرس القديم وأصحاب الامتيازات الحالية لا يأمنون له وبالتالي يشكلون تيارا سريا في معارضة توريثه. ط ظهور البرادعي والتأييد الذي حصل عليه ومساندة المطالب الوطنية التي دعا لها جعل مشروع التوريث يتواري، وأوجدت حملة التشويه التي قامت بها أجهزة وكتبة النظام ضد البرادعي ردود فعل عكسية، تشير الحسابات النهائية لنتائج هذه المصفوفة إلي: إنخفاض نقاط القوة مقابل ارتفاع نقاط الضعف، ونقص في الفرص مقابل زيادة في التهديدات.