في مثل هذا اليوم 20 من يناير 820م - 30 من رجب 204ه توفي الإمام محمد بن إدريس الملقب بالشافعي.. ويعد الإمام الشافعي أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه نسبة الشافعية كافة.. كما يُعد أعلم أهل زمانه، فهيا نقترب قليلا لنرشف قطرة من بحر علمه وحكمته التي صاغها شعرا، بعد أن ملأ طباق الأرض نورا. سطور من حياة نورانية وُلد الإمام الشافعي لأم يمنية، ولأب "قرشيّ" ينتهي نسبه للرسول صلى الله عليه في غزة عام 150 هجرية، وهو نفس العام الذي توفي فيه الإمام أبو حنيفة، وكأن الراية يتسلمها عالم من يد عالم، لتظل شعلة الحق مضيئة في جوانب الأرض، وليحمل اسم "أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي". نشأ يتيما فقيرا حيث هاجر أبوه من مكة إلى غزة بفلسطين بحثا عن الرزق، لكنه مات بعد ولادة "محمد" بمدة قصيرة. وعندما بلغ الإمام سنتين قررت أمه العودة وابنها إلى مكة حتى لا يضيع نسبه، ولكي ينشأ على ما ينشأ عليه أقرانه، فأتم حفظ القرآن وعمره سبع سنين. عُرف الشافعي بخشوع صوته في القراءة، حتى قيل عنه: "كنا إذا أردنا أن نبكي قال بعضنا لبعض: قوموا إلى هذا الفتى القُرشيّ يقرأ القران، فإذا أتيناه (يصلي في الحرم) استفتح القرآن حتى يتساقط الناس ويكثر عجيجهم بالبكاء من حسن صوته، فإذا رأى ذلك أمسك عن القراءة. الإمام وعلوم العربية: وكعادة العرب.. لقد تعلم الإمام اللغة والفصاحة من قبيلة هذيل حيث لزمها فترة من الزمن، وكانت هذيل أفصح العرب، ولقد كان لهذه الملازمة أثر كبير في فصاحته وبلاغة ما يكتب، وفهمه وتذوقه للقرآن الكريم ولأحكامه، حتى قال عنه "الأصمعي" وهو من أئمة اللغة المعدودين: (صححتُ أشعارَ هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن إدريس)، وبلغ من فهمه واجتهاده أن أجازه شيخه "مسلم بن خالد الزنجي" بالفتيا وهو لا يزال صغيرا. وعندما بلغ الثالثة عشرة من عمره حفظ الشافعي كتاب الموطأ للإمام مالك، ثم رحلت به أمه إلى المدينة ليتلقى العلم عند الإمام مالك. ولازم الشافعي الإمام مالك ست عشرة سنة حتى توفي الإمام مالك (179 هجرية). الإمام.. والولاية: بعد وفاة الإمام مالك (179 هجرية) سافر الشافعي إلى نجران واليا عليها ورغم عدالته فقد وشى البعض به إلى الخليفة "هارون الرشيد" فتم استدعاؤه إلى دار الخلافة سنة (184 هجرية) وهناك دافع عن موقفه بحجة دامغة وظهر للخليفة براءة الشافعي مما نُسب إليه وأطلق سراحه. مع العلماء: أثناء وجوده في بغداد اتصل بمحمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة، وقرأ كتبه، وتعرف على علم أهل الرأي ثم عاد بعدها إلى مكة وأقام فيها ما يقرب من تسع سنوات لينشر مذهبه من خلال حلقات العلم التي يزدحم فيها طلبة العلم في الحرم المكي ومن خلال لقائه بالعلماء أثناء مواسم الحج. وتتلمذ عليه في هذه الفترة الإمام "أحمد بن حنبل". ثم عاد مرة أخرى إلى بغداد سنة (195 هجرية)، وكان له بها مجلس علم يحضره العلماء ويقصده الطلاب من كل مكان. مكث الشافعي سنتين في بغداد ألف خلالها كتابه (الرسالة) ونشر فيها مذهبه القديم ولازمه خلال هذه الفترة أربعة من كبار أصحابه وهم "أحمد بن حنبل"، و"أبو ثور"، و"الزعفراني"، و"الكرابيسي"، ثم عاد الإمام الشافعي إلى مكة ومكث بها فترة قصيرة غادرها بعد ذلك إلى بغداد سنة (198 هجرية). مصر.. في حياة الإمام: بعد أن أقام في بغداد فترة قصيرة غادرها إلى مصر سنة (199 هجرية) تسبقه شهرته؛ فنزل بالفسطاط ضيفا على "عبد الله بن عبد الحكم" وكان من أصحاب مالك. ثم بدأ بإلقاء دروسه في جامع عمرو بن العاص فمال إليه الناس وجذبت فصاحته وعلمه كثيرا من أتباع الإمامين أبي حنيفة ومالك. وبقي في مصر خمس سنوات قضاها كلها في التأليف والتدريس والمناظرة والرد على الخصوم. وفي مصر وضع الشافعي مذهبه الجديد وهو الأحكام والفتاوى التي استنبطها بمصر وخالف في بعضها فقهه الذي وضعه في العراق، وصنّف في مصر كتبه الخالدة التي رواها عنه تلاميذه. وخلال هذه الفترة كان يلتقي بالسيدة نفيسة رضي الله عنها حفيدة رسول الله، والتي أُطلق عليها نفيسة العلوم؛ ليستزيد من علمها وينتفع بمواهب آل البيت النبوي مما فتح الله عليهم من كنوز معارفه.. وظل الإمام الشافعي في مصر ولم يغادرها، يلقي دروسه ويحيط به تلامذته حتى لقي ربه في (30 رجب 204 هجرية). والحديث عن الإمام الفقيه يحتاج لجهد وعلم كبيرين، ونحن هنا لسنا بصدد الحديث عنه كفقيه أو عن مدرسته الفقهية فهناك من أهل العلم من هم أولى منا بهذا، ولكننا ننوه عن أشعاره وكلماته الطيبة، نعرفه كشاعر نستقي منه الحكمة، فهيا لنقترب من عالمه الشعري قليلاً.. حوار مع الإمام.. الشاعر: يعد الإمام الشافعي من أصحاب مدرسة شعر الحكمة، الشعر الذي يتخذ القالب الشعري وعاءً للعلم والمعرفة، ويجعل منه سبورة نقية يكتب عليها معانيه وأفكاره وخلاصة تجاربه، فهيا بنا نتحاور مع الإمام من خلال كلماته التي صاغها شعرا.. إضغط لمشاهدة الفيديو: