لإنتاج الخبز.. التموين: توفير الدقيق المدعم ل30 ألف مخبز يوميًا    الجيش الإسرائيلي يقوم بعملية اقتحام واسعة للمنطقة الشرقية في مدينة نابلس    بينهم 3 أطفال.. استشهاد 8 فلسطينيين في قصف إسرائيلي بخان يونس    متى تفتح العمرة بعد الحج ومدة صلاحية التأشيرة؟.. تفاصيل وخطوات التقديم    بدون إصابات.. حريق في الطابق الخامس بمستشفى مدينة نصر    طقس اليوم.. شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    استشهاد 8 بينهم 3 أطفال فى قصف إسرائيلى على منزلين بخان يونس    أمين سر خطة النواب: أرقام الموازنة العامة أظهرت عدم التزام واحد بمبدأ الشفافية    التعليم: مصروفات المدارس الخاصة بأنواعها يتم متابعتها بآلية دقيقة    عماد الدين أديب: نتنياهو الأحمق حول إسرائيل من ضحية إلى مذنب    انعقاد اجتماع وزراء خارجية كوريا الجنوبية والدول الأفريقية في سول    أفشة: هدف القاضية ظلمني.. وأمتلك الكثير من البطولات    ارتبط اسمه ب الأهلي.. من هو محمد كوناتيه؟    أفشة يكشف عن الهدف الذي غير حياته    "لقاءات أوروبية ومنافسة عربية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    الغموض يسيطر على مستقبل ثنائي الأهلي (تفاصيل)    حماية المستهلك: ممارسات بعض التجار سبب ارتفاع الأسعار ونعمل على مواجهتهم    اليوم.. البنك المركزي يطرح أذون خزانة بقيمة 500 مليون دولار    موعد ورابط نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة جنوب سيناء    السكك الحديد: تشغل عدد من القطارات الإضافية بالعيد وهذه مواعيدها    متحدث الوزراء: الاستعانة ب 50 ألف معلم سنويا لسد العجز    أحداث شهدها الوسط الفني خلال ال24 ساعة الماضية.. شائعة مرض وحريق وحادث    سماع دوي انفجارات عنيفة في أوكرانيا    ارتفاع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على منزلين شرق خان يونس إلى 10 شهداء    زلزال بقوة 5.9 درجات يضرب "إيشيكاوا" اليابانية    «مبيدافعش بنص جنيه».. تعليق صادم من خالد الغندور بشأن مستوى زيزو    خوسيلو: لا أعرف أين سألعب.. وبعض اللاعبين لم يحتفلوا ب أبطال أوروبا    أفشة ابن الناس الطيبين، 7 تصريحات لا تفوتك لنجم الأهلي (فيديو)    تعرف على آخر تحديث لأسعار الذهب.. «شوف عيار 21 بكام»    محافظ بورسعيد يودع حجاج الجمعيات الأهلية.. ويوجه مشرفي الحج بتوفير سبل الراحة    محمد الباز ل«بين السطور»: «المتحدة» لديها مهمة في عمق الأمن القومي المصري    «زي النهارده».. وفاة النجم العالمي أنتوني كوين 3 يونيو 2001    أسامة القوصي ل«الشاهد»: الإخوان فشلوا وصدروا لنا مشروعا إسلاميا غير واقعي    فضل صيام العشر الأوائل من ذي الحجة وفقا لما جاء في الكتاب والسنة النبوية    «رئاسة الحرمين» توضح أهم الأعمال المستحبة للحجاج عند دخول المسجد الحرام    وزير الصحة: تكليف مباشر من الرئيس السيسي لعلاج الأشقاء الفلسطينيين    تكات المحشي لطعم وريحة تجيب آخر الشارع.. مقدار الشوربة والأرز لكل كيلو    إنفوجراف.. مشاركة وزير العمل في اجتماعِ المجموعةِ العربية لمؤتمر جنيف    «أهل مصر» ينشر أسماء المتوفين في حادث تصادم سيارتين بقنا    جهات التحقيق تستعلم عن الحالة الصحية لشخص أشعل النيران في جسده بكرداسة    منتدى الأعمال المصري المجري للاتصالات يستعرض فرص الشراكات بين البلدين    العثور على جثة طالبة بالمرحلة الإعدادية في المنيا    دعاء في جوف الليل: اللهم افتح علينا من خزائن فضلك ورحمتك ما تثبت به الإيمان في قلوبنا    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم دراجتين ناريتين بالوادي الجديد    تنخفض لأقل سعر.. أسعار الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم الإثنين 3 يونيو بالصاغة    الإفتاء تكشف عن تحذير النبي من استباحة أعراض الناس: من أشنع الذنوب إثمًا    دراسة صادمة: الاضطرابات العقلية قد تنتقل بالعدوى بين المراهقين    سعر المانجو والبطيخ والفاكهة في الأسواق اليوم الإثنين 3 يونيو 2024    محمد أحمد ماهر: لن أقبل بصفع والدى فى أى مشهد تمثيلى    إصابة أمير المصري أثناء تصوير فيلم «Giant» العالمي (تفاصيل)    الفنان أحمد ماهر ينهار من البكاء بسبب نجله محمد (فيديو)    استقرار سعر طن حديد عز والاستثمارى والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 3 يونيو 2024    رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطني يعلق على تطوير «الثانوية العامة»    حالة عصبية نادرة.. سيدة تتذكر تفاصيل حياتها حتى وهي جنين في بطن أمها    وزير العمل يشارك في اجتماع المجموعة العربية استعدادا لمؤتمر العمل الدولي بجنيف    التنظيم والإدارة: إتاحة الاستعلام عن نتيجة التظلم للمتقدمين لمسابقة معلم مساعد    اللجنة العامة ل«النواب» توافق على موزانة المجلس للسنة المالية 2024 /2025    مفتي الجمهورية: يجوز للمقيمين في الخارج ذبح الأضحية داخل مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"عبقرية محمد".. العقاد يأخذنا للتبحر في سيرة خير الخلق
نشر في بص وطل يوم 11 - 07 - 2010

كتاب "عبقرية محمد" للعقاد يُمثّل دفاعاً عقلانياً ومنطقياً لبعض الادّعاءات والافتراءات الغربية المنشأ، التي حاولت وقت ظهور الكتاب تشويه صورة سيد الخلق أجمعين، فتارة تقول بأن "بطولة محمد إنما هي بطولة سيف ودماء"، وأنه "مفرط الجنسية لتزوجه تسع زوجات"..

وغيرها من المزاعم التي حاول العقاد أن ينفيها من خلال المعايشة القريبة من خير خلق الله وقدوتهم الصالحة محمد "صلى الله عليه وسلم" عبر عدسة محايدة لا تعرف الانحياز والمحاباة، تصوّر النبي الكريم العسكري الشجاع والسياسي المحنك والزوج العادل والأب الحنون والعابد الشكور لرب العالمين وغيرها من الصفات التي يتحلّى بها (صلى الله عليه وسلم) ونكاد لا نعرف عنها شيئاً!
يبدأ الكتاب بحكاية أبرهة الحبشي وجيشه الجرار الذي حاول هدم الكعبة الشريفة، ومن ثم ولادة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وقصة يتمه وموت أمه وهو بعد في السادسة من عمره.
*******************************
"عمر بن الخطاب".. ومحاولة قتل الرسول!
"أريد هذا الصابئ الذي فرّق أمر قريش وعاب دينها.. أريد أن أقتل محمداً"! انطلقت تلك الكلمات كالحمم الملتهبة من صدر "عمر بن الخطاب" الثائر على مُعلّم البشرية "محمد" (صلى الله عليه وسلم) وعلى دينه الجديد، الذي انتشر بين أبناء قبيلته انتشار النار في الهشيم و..

ويخرج عاقداً النية على قتل الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فيُقابل في طريقه "نعيم بن عبد الله" الذي يخبره بإسلام أخته "فاطمة بنت الخطاب" وزوجها "سعيد بن عمرو" فيستشيط "عمر" غضباً، بعدما تملّكه الشيطان وراح يصبّ في أذنه سيلاً من الأفكار السوداء، حتى يصل إلى بيت أخته وزوجها؛ فيكاد يبطش بزوج أخته، وما أن تحاول "فاطمة" أن تحول بين أخيها وزوجها، يلطمها "عمر" لطمة قوية، تسيل على أثرها الدماء منها فتقول له: "نعم.. لقد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله.. فاصنع ما بدا لك!".

فيرق قلب "عمر" لرؤية أخته غارقة في دمائها، ويقوم بقراءة الصحيفة التي تحتوي على سطور من سورة "طه" كانت بيد أخته بعد اغتساله و... "ما أحسن هذا الكلام وأكرمه"

نعم.. لقد استجاب الله لدعاء نبيه (صلى الله عليه وسلم): "اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب"، ويذهب "عمر" على الفور إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)؛ ليُعلن إيمانه بالله ورسوله وبما جاء من عند الله.

والسؤال الآن: لماذا ذكر العقاد قصة إسلام "عمر بن الخطاب"؟!
الحقيقة.. أراد "العقاد" أن يُبيّن الحقيقة الغائبة عن البعض الذين يصرّون على تشويه الإسلام بكل صورة من الصور، واعتباره ديناً إرهابياً نشأ وترعرع على الكراهية اللدودة التي لا تُقيم وزناً للحياة البشرية، والذين يخدعونك بقولهم إن السيف هو لغة الإسلام "الأولى والأخيرة"، وإن الدعوة الإسلامية قامت على وعود بلذات النعيم ومتعة الخمر والحور العين!

وبمنطق الحكيم، يُدافع "العقاد" عن الإسلام مستلهماً روح المنطق والعقل قائلاً: "لم تكن حروب النبي (صلى الله عليه وسلم) كلها إلا حروب دفاع وامتناع.. وليست حروب هجوم"!

نعم.. لقد ظل المسلمون يتعرّضون لسيوف مشركي قريش ثلاث سنوات كاملة دون أن يبادلوهم "حرباً بحرب" أو "أذًى بأذى" أو"كيداً بكيد"، مصداقاً لقوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}.. صدق الله العظيم

انظروا ماذا فعل الكفار بخير خلق الله (صلى الله عليه وسلم)؛ فها هم يسلّطون عليه سفهاءهم فيغمروه ب"روث البهائم" وهو ساجد يُناجي ربه ويقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".

هكذا كان رد الرسول (صلى الله عليه وسلم) على مَن يقذفون شخصه الكريم بالحجارة والسباب، والدم يسيل من جسده الشريف!! يا الله.. أهكذا تردّ على السفهاء يا رسول الله بالدعاء لهم!!

ولما يئسوا من إضعاف شوكة هذا الدين الجديد، بعثوا رسالة تهديد ووعيد إلى "عبد المطلب" عم الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) لينقلها إلى ابن أخيه و... "والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني.. والقمر في يساري.. ما تركت هذا الأمر حتى يقضيه الله أو أهلك دونه.."

وعن الاعتقاد الآخر الذي يقول بأن الإسلام استخدم سلاح "الإغراء" بلذات النعيم ومتعة الخمر والحور العين لكي يدخل الناس في غمرة هذا الدين، يتساءل العقاد متعجباً: "أو لو كان محمد (صلى الله عليه وسلم) استخدم سلاح الإغراء في دعوته فعلاً كما يزعم البعض، لماذا لم يستجِب له فسقة المشركين أمثال "أبو لهب" الذين يلهثون وراء المتع الدنيوية بدلاً من محاربة هذا الدين بكل قوتهم؟!".

وأعظم مثال على هذا -والذي ينفي كل الكلام عن التهديد والإغراء- هو دخول "عمر بن الخطاب" في دين الإسلام.

*******************************

تمتع "نابليون" بمنتهى اللا مبالاة.. وقمة الأنانية!!
"نابليون بونابرت" أعظم قائد عسكري عرفه التاريخ.. معلومة ناقصة أيها القارئ!
يحاول "العقاد" أن يرسم لنا بريشته الإبداعية الخاصة الخط الفاصل بين الماضي والحاضر، أو بمعنى آخر يُحاول أن "يخترق" الحواجز التي تفصل بيننا وبينه عن طريق الإقناع والمنطق!

كيف؟!
عن طريق عقد مقارنة بين "الكورسيكي القزم" كأحد أبرع القادة المحدثين وبين الرسول (صلى الله عليه وسلم) من الناحية العسكرية. (طبعاً من الناحية الخططية والفنية البحتة فقط فلا يوجد مجال للمقارنة بين أحد من الخلق والنبي عليه الصلاة والسلام).

كان "نابليون" يُؤمن بالمثل القائل: "اتغدّى بيه قبل ما يتعشى بيّ"؛ فحروب "نابليون" كانت قصيرة خاطفة، تعتمد كل الاعتماد على القضاء المطبق على "رأس الأفعى" أو ضرب جيش العدو ضربة موجعة "لا يقوم له بعدها قائمة" و...

ولكن النبي (صلى الله عليه وسلم) سبق "الكورسيكي العبقري" في هذا التكنيك العسكري؛ فصحيح أنه لا يبدأ بالعدوان، ولكنه لا يترك فرصة للعدو "يلتقط فيها أنفاسه". عند علمه (صلى الله عليه وسلم) بالعزم على قتاله، أخذ يسارع في مواجهته في ساحات القتال، ولا يبالي مطلقاً لكل "المنافقين المتخاذلين" الذين يتوقعوا هزيمة المسلمين هزيمة نكراء تحت حوافر خيول المشركين!

كما أن "نابليون" يُؤمن إيماناً مطلقاً بالجانب المعنوي في أي حرب من حروبه، ولكنه في حقيقة الأمر لم يكن يهتم بالجنود بقدر ما يهتم بمجده الشخصي؛ فهو الذي قال: "لم يولد الجنود إلا ليموتوا"!
منتهى اللا مبالاة.. وقمة الأنانية!!

أما الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فكان يستخدم سلاحاً أمضى ألف مرة من سلاح نابليون "المزعوم".. سلاح الإيمان!

فنجده (صلى الله عليه وسلم) يَنهي أصحابه عندما يقولون له أنت سيدنا قائلاً: "لست سيداً لأحد.. إنما أنا عبد الله ورسوله"، وهو (صلى الله عليه وسلم) الذي قال: "خل عنه يا عمر.. فوالذي نفسي بيده لكلامه أشد عليهم من وقع النبل"!!

إذن إنها حرب نفسية ما في ذلك من شك.. وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) خير من شدد على هذه النقطة في كل معركة بينه وبين المشركين.

وما كان لرجل مثله أن يهاب سهام العدو!
تشكك بعض المستشرقين في شجاعة النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم)؛ فزعموا أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) اكتفى في مشاركته للمسلمين في الغزوات المختلفة بتجهيز السهام فقط؛ لأنه عمل أقرب إلى طبيعته (صلى الله عليه وسلم) السمحة وخلقه، عن القتال في ساحات المعارك!!

أو نسى هؤلاء قول أمير المؤمنين "علي بن أبي طالب": "كنا إذا حمى البأس اتقينا برسول الله (صلى الله عليه وسلم).. فما يكون أحد أقرب منه إلى العدو"؟!

أم تناسوا شجاعته الفريدة عندما فرّ معظم أصحابه يوم حنين، فأبى إلا أن يشق طريقه وسط ساحة المعركة بمفرده قائلاً: "أنا النبي لا كذب... أنا ابن عبد المطلب"!

ويقول "عمران بن حصين" في شجاعته (صلى الله عليه وسلم): "ما لقي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كتيبة إلا كان أول من يضرب".

ومع هذه الشجاعة المنقطعة النظير، نراه (صلى الله عليه وسلم) يقف في صلاته خاشعاً عابداً لرب العالمين، يتلو سورة طويلة من القرآن الكريم، فيسمع بكاء طفل رضيع كانت أمه تصلي خلفه (صلى الله عليه وسلم)، فيُضحي ب"قرة عينه" ويُنهي صلاته رحمة بالرضيع الذي يتضرّع إلى أمه!!
أي رحمة هذه جمعتها في قلب رسولك يا رب!!

وهو (صلى الله عليه وسلم) الذي يقف فوق المنبر ليقول لأصحابه: "من كنت جلدت له ظهراً.. فهذا ظهري فليقتد منه.. ومن كنت أخذت من ماله شيئاً.. فهذا مالي فليأخذ منه".

محمد (ص) دبلوماسي من الدرجة الأولى!
ينتقل بنا "العقاد" إلى نقطة أخرى تتجلى فيها عبقرية الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهي: الحنكة والقدرة الدبلوماسية.

فنجده (صلى الله عليه وسلم) يعقد صلحاً مع "قريش" يسمّى "صلح الحديبية"، بعدما سار (صلى الله عليه وسلم) ب1500 من المهاجرين والأنصار لا يحملون سيوفاً لقضاء مناسك العمرة وذلك في شهر ذي القعدة الذي يحرم فيه القتال، ولكن "قريش" منعته وأصحابه من دخول "مكة" على أن يدخلها (صلى الله عليه وسلم) معتمراً العام المقبل و...

ووافق النبي (صلى الله عليه وسلم) على شروط الصلح ومنها: (أن يرد المسلمون من يأتيهم من "قريش" مسلماً دون أذن وليه، في الوقت الذي لا ترد "قريش" من يعود إليها من المسلمين، ومن أراد من العرب مخالفة "محمد" (صلى الله عليه وسلم) فلا لوم عليه، ومن أراد مخالفة "قريش" فلا لوم عليه كذلك)!!!

من هذه الشروط يُقدّم لنا "العقاد" "محمد بن عبد الله" (صلى الله عليه وسلم) السياسي المحنك الذي استطاع أن يخدع المشركين بدهائه الشديد.

كيف؟!!!
من الوهلة الأولى، قد يسارع البعض متسائلاً: لماذا لم يشترط النبي (صلى الله عليه وسلم) على "قريش" أن ترد إليه من يقصدها من أصحابه، مثلما اشترطت "قريش" عليه (صلى الله عليه وسلم) أن يرد من يأتيه منها؟!

السبب واضح جداً؛ فالمسلم الذي يترك النبي (صلى الله عليه وسلم) باختياره ليلحق ب"قريش" لا يستحق أن يكون مسلماً من الأساس..

أما عن هؤلاء الذين يرغبون في الدخول في دين الإسلام من "قريش" وعادوا مكرهين إليها، فيقول "العقاد" إن الصلة بينهم وبين الإسلام لا تنقطع بالقرب أو البعد؛ فإن كانوا ضعاف الدين "فلا خير فيهم"، أما أقوياء الإيمان فسيبقون على دينهم ولا خسارة على المسلمين.

رسالة محمد (ص) التي رق لها قلب النجاشي!!
وينتقل بنا "العقاد" إلى صفة أخرى تتجلّى فيها آيات العبقرية المحمدية.. عبقرية التبليغ.. فها هو (صلى الله عليه وسلم) يبعث رسالة إلى النجاشي "ملك الحبشة" النصراني، يدعوه فيه إلى الدخول في زمرة الدين الحق.. دين الإسلام..

فيقول (صلى الله عليه وسلم) فيها: "سِلم أنت.. فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى فخلقه الله من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده ونفخه".
"وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله".

"وقد بعثت إليك ابن عمي جعفراً ونفراً معه من المسلمين، فإذا جاءوك فأقرهم ودع التجبر.. فإني أدعوك وجنودك إلى الله فقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصحي.. والسلام على من اتبع الهدى".

نعم.. فالرسول (صلى الله عليه وسلم) يعلم أن النجاشي "نصراني"، مما جعله يشير في خطابه إلى المسيح عليه السلام وأمه، وكيف تتفق صفات الله والمسيح في دين "النجاشي" وفي دين الإسلام.

وكيف لا؟! والرسول (صلى الله عليه وسلم) هو القائل: "الأنبياء أخوة، أمهاتهم شتى ودينهم واحد".

وها هو "جعفر بن أبي طالب" يقرأ على "النجاشي" صدراً من سورة "مريم" و... "إن هذا والله والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة" و...

وبكى "النجاشي" وأساقفته حتى "ابتلت" لحاهم ورفض أن يسلم هذا الوفد المسلم ل"صناديد قريش" بقيادة "عمرو بن العاص"قائلاً: "انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكم أبداً ولا أكاد"!!

*******************************

عض المستشرقين "يفترون" على النبي الكريم
محمد (ص) مفرط الجنسية.. خاب ظنكم أيها المستشرقون!!
يتعجب "العقاد" من بعض المستشرقين الذين "يفترون" على النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) ويطالعوننا من حين لآخر ب"إعجازاتهم النقدية"؛ فمنهم من يُحلل زواج الرسول (صلى الله عليه وسلم) من تسع زوجات على أنه دليل لفرط الميول الجنسية!!

عندئذ، يقدّم لهم "العقاد" تفسيراً منطقياً لادعاءاتهم؛ فيذكر أن لا أحد يصف المسيح عليه السلام بأنه "قاصر الجنسية"؛ لأنه لم يتزوج قط، وكذلك لا نستطيع أن نقول إن الرسول (صلى الله عليه وسلم) "مفرط الجنسية"؛ لأنه تزوج تسع نساء.

ويجب أن ندرك أن الزواج هو سُنة الحياة، وهو يقوم على التآلف بين الجنسين القائم على الفطرة السليمة.

من هنا، يتضح أنه لا عيب على حب الرجل للمرأة، ولكن العيب كل العيب أن يطغى هذا الحب على الإنسان فيشغله عن غرضه في الحياة.. عبادة الرحمن..

وكيف تغلّب على الرسول (صلى الله عليه وسلم) لذات حسه وقد اعتزل نساءه شهراً أو تسعة وعشرين يوماً؛ لأنهن سألنه الزينة كي يتحلين بها لعينه فرفض (صلى الله عليه وسلم)؟!!
أهذا فعل رجل تتملكه لذة الشهوة والحس؟!!

وماذا عن زواجه (صلى الله عليه وسلم) من خديجة "أم المؤمنين" وهو في الخامسة والعشرين وهي في نحو الأربعين؟!! ولماذا ظلّ على وفائه لها ولم يتزوج غيرها حتى قارب الخمسين من العمر؟! ولماذا فضّلها على "عائشة" رضي الله عنها في صباها وهي أحب نسائه إليه، مما جعل "عائشة" تغار منها حتى في قبرها؟!

دعونا نستمتع برد الرسول (صلى الله عليه وسلم) على عائشة عندما قالت له: "هل كانت إلا عجوزاً بَدّلك الله خيراً منها.." فيقول لها غاضباً: "لا والله ما أبدلني الله خيراً منها.. آمنت بي إذ كفر الناس.. وصدّقتني إذ كذّبني الناس.. وواستني بمالها إذ حرمني الناس.. ورزقني الله منها الولد دون غيرها من النساء"!!
نعم... الوفاء هو كلمة السر يا سادة.. ولا عزاء لما يحدث الآن بين الأزواج!!

ويسترسل "العقاد" في تقديم الدلائل المنطقية لزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) بتسع زوجات، فيتساءل: أو لو كانت لذات الحس هي كل ما يبغي النبي من الزواج لماذا لم يتزوج بنات أبكار؟! الحقيقة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يتزوج بكراً غير عائشة رضي الله عنها!

ونجد أن زواجه من "سودة بنت زمعة" كان حماية لها بعد موت زوجها من أن تعود إلى أهلها في الحبشة فتصبأ وتُؤذى!! كما أنه (صلى الله عليه وسلم) قد تزوّج "أم سلمة" وهي كهل مسنة، عندما قال لها بعد وفاة زوجها: "سلي الله أن يؤجرك في مصيبتك وأن يخلفك خيراً.." فقالت: "ومن يكون خيراً من أبي سلمة؟!!"

وتزوجها النبي (صلى الله عليه وسلم) خير الخلق أجمعين؛ جبراً لخاطر المرأة التي استشهد زوجها في غزوة أحد.

وتعالوا نرى حب ووفاء الرسول (صلى الله عليه وسلم) للفاروق "عمر بن الخطاب"، ذلك الرجل الذي كان لا يكلّ ولا يملّ من تذكير نفسه: "ما تقول لربك غداً؟"، فبعد موت زوج "حفصة بنت عمر بن الخطاب"، عرضها أبوها على "أبي بكر" فسكت وعلى "عثمان بن عفان" فسكت و... "يتزوج حفصة من هو خير من أبي بكر وعثمان"، ومن خير منك يا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟!!

ويا للأسف... نسي هؤلاء المستشرقون أن الرجل الذين يلصقون به عنوة صفة "محب اللذة الحسية" لم يكن يشبع في بعض أيامه من خبز الشعير!! وها هي "عائشة" رضي الله عنها تشفق من حال النبي وهي ماسكة بيدها على بطنه الشريفة التي تتألم من الجوع قائلة: "نفسي لك الفداء لو تبلغت من الدنيا بقوتك"، فيرد عليها: "يا عائشة! مالي وللدنيا.... إخواني من أولي العزم من الرسل صبروا على ما هو أشد من هذا"..، ونجده يموت (صلى الله عليه وسلم) ودرعه مرهونة ولا ميراث لأهله مما ترك من عقار!

*******************************

"كارليل": من العار علينا أن نستمع للاتهامات الباطلة التي وُجهت إلى الإسلام ومحمد
الغرب يعترف.. قوة "محمد" قوة إيمان عميق!!
يقول "ماركس دودز" في كتابه "محمد وبوذا والمسيح": "لم يقم أحد في العالم مثل ما أقام محمد من إيمان بالوحدانية دائم مكين، على الرغم من صبره على إيذاء قومه عابدي الأصنام، ونفيه وحرمانه وفقد مودة الأصحاب بغير مبالاة.. كل هذا يدل على العمق والقوة في إيمانه برسالته".

ويقول "توماس كارليل" في كتابه "الأبطال": "من العار علينا أن نستمع إلى الاتهامات الباطلة التي وُجهت إلى الإسلام ونبيه محمد؛ فمحمد هو السراج المنير لملايين من البشر.. وهو الرجل العظيم الذي علّمه الله الحكمة والعلم... وكلمته هي صوت صادق صادر من السماوات العلا."

ويقول الباحث الأمريكي "مايكل هارت" في كتابه "المائة: تقويم لأعظم الناس أثراً في التاريخ": "الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) كان دوره أخطر وأعظم في نشر الإسلام وتدعيمه وإرساء قواعد شريعته أكثر مما كان لعيسى عليه السلام في الديانة المسيحية.. ففي القرآن الكريم وجد المسلمون كل ما يحتاجون إليه في دنياهم وآخرتهم.. ولا يوجد كتاب واحد محكم دقيق لتعاليم المسيحية يُشبه القرآن الكريم".

وغيرها من الأقوال لمستشرقين معتدلين يؤمنون بالأثر العظيم الذي تركه "محمد" (صلى الله عليه وسلم) ودينه الإسلام على التاريخ.

ويوضّح لنا "العقاد" سبب اختيار يوم الهجرة بدءاً لتاريخ الإسلام، ولما لم يكن يوما آخر مثل "يوم بدر" ذلك اليوم الذي انتصر فيه المسلمون نصراً ساحقاً، أو "يوم ميلاد النبي" أو يوم "حجة الوداع" على الرغم من أثر هذه الأيام الكبير في حياة المسلمين؟!!
إذن لما "يوم الهجرة" بالذات؟! الإجابة واضحة تماماً؛ لأن العقائد تقاس بالشدائد ولا تقاس بالفوز والنصر.

وها هو (صلى الله عليه وسلم): {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

ونجد أيضاً أن يوم ميلاد النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يكن معجزة الإسلام كما كان ميلاد "عيسى" معجزة المسيحية. لذلك كان ولابد أن يكون يوم "الامتحان الأول" هو أنسب الأيام لابتداء التاريخ في الإسلام و..
ورغم أنف المؤرخين!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.