"سياحة الشيوخ" توصي بضرورة تفعيل المنتج السياحي "العمرة بلس"    يحيى الفخرانى يطالب بقانون لضبط استخدام الذكاء الاصطناعى فى عمل الفنانين    واشنطن تدعو مجلس الأمن للتصويت على مشروع قرار يدعم مقترح الهدنة فى غزة    تصفيات مؤهلة لكأس العالم.. جدول مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    الأرصاد: طقس اليوم الاثنين حار نهارا معتدل ليلا.. والعظمى بالقاهرة 36    حزمة إجراءات.. التعليم تكشف الاستعدادات لتأمين امتحانات الثانوية العامة    تركي آل الشيخ يعلن مفاجأة عن فيلم ولاد رزق ويوجه رسالة لعمرو أديب    الزمالك: شيكابالا أسطورة لنا وهو الأكثر تحقيقًا للبطولات    استشهاد عدد من الفلسطينيين جراء قصف إسرائيلي لمنزل في غزة    ترامب يطالب بايدن بإجراء اختبار لقدراته العقلية والكشف عن وجود مواد مخدرة في جسمه    المجر.. حزب أوربان يحتفظ بالصدارة ويفقد مقاعد بانتخابات البرلمان الأوروبي    الكشف على 1346 مواطنا خلال قافلة طبية مجانية بقرية قراقص بالبحيرة    المنوفية في 10 سنوات.. 30 مليار جنيه استثمارات خلال 2014/2023    أمر ملكى سعودي باستضافة 1000 حاج من ذوى شهداء ومصابى غزة    يمينية خالصة.. قراءة في استقالة "جانتس" من حكومة الحرب الإسرائيلية    شقيقة كيم تتوعد برد جديد على نشر سيول للدعاية بمكبرات الصوت    آخر تحديث.. سعر الذهب اليوم الاثنين 10-6-2024 في محلات الصاغة    النقل تستعرض أعمال تطوير ميناء العين السخنة (فيديو)    ميدو: مباراة بوركينا فاسو نقطة تحول في مسيرة حسام حسن مع المنتخب    ليفربول يعلن إصابة قائده السابق ألان هانسن بمرض خطير    خالد البلشي: تحسين الوضع المهني للصحفيين ضرورة.. ونحتاج تدخل الدولة لزيادة الأجور    "ده ولا شيكابالا".. عمرو أديب يعلق على فيديو مراجعة الجيولوجيا: "فين وزارة التعليم"    الحكم على طعون شيري هانم وابنتها على حبسهما 5 سنوات.. اليوم    «لا تنخدعوا».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم في مصر (موجة حارة شديدة قادمة)    «كنت مرعوبة».. الفنانة هلا السعيد عن واقعة «سائق أوبر»: «خوفت يتعدي عليا» (خاص)    دعوة للإفراج عن الصحفيين ومشاركي مظاهرات تأييد فلسطين قبل عيد الأضحى    53 محامٍ بالأقصر يتقدمون ببلاغ للنائب العام ضد عمرو دياب.. ما القصة؟| مستند    لميس الحديدي: عمرو أديب كان بيطفش العرسان مني وبيقنعني أرفضهم قبل زواجنا    ضمن فعاليات "سيني جونة في O West".. محمد حفظي يتحدث عن الإنتاج السينمائي المشترك    ضياء رشوان ل قصواء الخلالي: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسُحقنا    هؤلاء غير مستحب لهم صوم يوم عرفة.. الإفتاء توضح    عند الإحرام والطواف والسعي.. 8 سنن في الحج يوضحها علي جمعة    أدعية مأثورة لحجاج بيت الله من السفر إلى الوقوف بعرفة    دعاء رابع ليالي العشر من ذي الحجة.. «اللهم اهدني فيمن هديت»    البابا تواضروس يصلي عشية عيد القديس الأنبا أبرآم بديره بالفيوم    وصفة سحرية للتخلص من الدهون المتراكمة بفروة الرأس    عددهم 10 ملايين، تركيا تفرض حجرًا صحيًا على مناطق بالجنوب بسبب الكلاب    الانفصاليون الفلمنكيون يتصدرون الانتخابات الوطنية في بلجيكا    برقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في القاهرة والمحافظات (رابط متاح للاستعلام)    تحرير 36 محضرا وضبط 272.5 كيلو أغذية منتهية الصلاحية بمدينة دهب    عمر جابر يكشف كواليس حديثه مع لاعبي الزمالك قبل نهائي الكونفدرالية    بمساحة 3908 فدان.. محافظ جنوب سيناء يعتمد المخطط التفصيلي للمنطقة الصناعية بأبو زنيمة    المستشار محمود فوزي: أداء القاهرة الإخبارية مهني والصوت المصري حاضر دائما    حلو الكلام.. إنَّني أرقص دائمًا    مقتل مزارع على يد ابن عمه بالفيوم بسبب الخلاف على بناء سور    رئيس منظمة مكافحة المنشطات: رمضان صبحى ما زال يخضع للتحقيق حتى الآن    عمر جابر: سنفعل كل ما بوسعنا للتتويج بالدوري    اتحاد الكرة يكشف تطورات أزمة مستحقات فيتوريا    تعرف على فضل مكة المكرمة وسبب تسميتها ب«أم القرى»    "صحة الشيوخ" توصي بوضع ضوابط وظيفية محددة لخريجي كليات العلوم الصحية    نقيب الصحفيين: نحتاج زيادة البدل من 20 إلى 25% والقيمة ليست كبيرة    القطاع الديني بالشركة المتحدة يوضح المميزات الجديدة لتطبيق "مصر قرآن كريم"    عوض تاج الدين: الجينوم المصرى مشروع عملاق يدعمه الرئيس السيسى بشكل كبير    مصر في 24 ساعة| لميس الحديدي: أصيبت بالسرطان منذ 10 سنوات.. وأحمد موسى يكشف ملامح الحكومة الجديدة    لميس الحديدي تكشف تفاصيل تهديدها بالقتل في عهد الإخوان    شعبة الدواجن: حرارة الجو السبب في ارتفاع أسعارها الأيام الماضية    محافظ المنوفية يفتتح أعمال تطوير النصب التذكاري بالباحور    الطالبات يتصدرن.. «أزهر المنيا» تعلن أسماء أوائل الشهادة الإعدادية 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيلم " تشرشل " أصغر من الزعيم وينستون تشرشل
نشر في صوت البلد يوم 31 - 07 - 2017

أحدث الأفلام التي ظهرت عن شخصية رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل، الفيلم البريطاني الجديد “تشرشل” (Churchill (2017 الذي أخرجه الأسترالي جوناثان تيبليتزكي، وفيه ينضم الممثل الأسكتلندي بريان كوكس إلى صف العمالقة الذين قاموا بدور تشرشل من قبل.
جاء عرض فيلم “تشرشل” في السادس من يونيو الماضي، وهو تاريخ محفور في الذاكرة البريطانية، بل وذاكرة العالم، ففي ذلك التاريخ من عام 1944 بدأت أكبر عملية عبور بحري وإنزال جوي متزامنين في التاريخ العسكري، شنتها قوات الحلفاء التي انطلقت من الشاطئ البريطاني إلى نورماندي الواقعة في شمال فرنسا المحتلة من قبل الألمان النازيين.
وهذه العملية هي أساس “الدراما” النفسية التي تتردد أصداؤها في هذا الفيلم، فليس من الممكن اعتبار “تشرشل” فيلما حربيا، فهو فقير للغاية في هذه الناحية، ولا يحاول مخرجه، ربما لضعف الميزانية التي توفرت له، أن يعرض ولو في لقطات عابرة سريعة، صورا “متخيلة” لعملية عسكرية بهذا الحجم.
عد تنازلي
يبدو من غير الموفق أن يكون عنوان الفيلم هو "تشرشل"، مما يوحي أنه فيلم من نوع أفلام السيرة الشخصية Biopic، بينما الحقيقة أنه يركز على مرحلة محددة ومحدودة في حياة بطله، أو بالأحرى أيام معدودة، وهو يواجه أكبر تحد واجهه خلال مسيرته الطويلة في العمل والحياة وكان حينئذ في التاسعة والستين من عمره، ومضى بعد ذلك، أي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ليعيش حتى بلغ الثمانين.
يبدأ الفيلم وتشرشل يقف على شاطئ البحر (غالبا بحر المانش-القنال الإنكليزي) بعد أن بدأ قبل أربعة أيام، العد التنازلي لعملية غزو فرنسا، الرجل يتأمل مياه البحر.. تتطاير قبعته الشهيرة في الهواء وتسبح على صفحة الماء، يدفع الموج مياه البحر تجاه قدمي تشرشل، يتطلع إليها في فزع ليراها وقد اصطبغت بالدم، هذه الرؤية المفزعة تعكس الحالة الذهنية لتشرشل.
والفيلم بأكمله تصوير متخيل من قبل كاتبي السيناريو الأستراليين، لما يمكن أن يكون قد دار في ذهن ذلك الزعيم السياسي المحنك، وما كان يؤرقه في الواقع، لعدة أشهر قبل بدء العملية، وإن كان الفيلم يكثف هذه المشاعر المضطربة في بضعة أيام.
وتتناقض الصورة الداخلية التي يعرضها الفيلم لتشرشل مع الصورة الشائعة عنه، أي صورة الزعيم القوي المتماسك الذي يتمتع بالشجاعة والإقدام والقدرة على قيادة جيش بلاده إلى جانب القوة الأميركية الجبارة، نحو تحقيق النصر، ورفض أي تراجع أو تردد أو استسلام أمام زحف الجيوش الألمانية التي نجحت في احتلال أوروبا بأسرها وكانت تهدد أيضا الشواطئ البريطانية.
تشرشل الذي نراه هنا ضعيف، متردد، يعاني من شعورين متناقضين: أولا خشيته على "الأولاد" اليافعين من الجنود الشباب الذين قد يُقتل منهم عشرون ألفا على الأقل في الصدمة الأولى لهذه العملية الجبارة، وثانيا رغبته في الوقت نفسه في أن يتمتع بصورة الزعيم السياسي القادر على القيادة وتحقيق النصر.
إنه في تردده وتراجعه ورغبته في وقف العملية وسحب القوات ولو مؤقتا، يبدو خلال اجتماعه الأول (في الفيلم) مع أيزنهاور قائد قوات الحلفاء في أوروبا، ومونتغمري قائد القوات الأرضية البريطانية، رجلا مشتتا، واهنا، يعاني بشدة من أزمة ضمير تجعله لا يستطيع أن يتحمل المسؤولية (التاريخية) عن مقتل هذه الأعداد الضخمة من الجنود، بل ويغيب عنده الفارق بين دوره كسياسي، وبين دور العسكريين، مما يدفع أيزنهاور إلى أن يؤكد له مرة وراء مرة، أن وظيفة الجنود هي القتال والموت إن اقتضى الأمر، ولكنها ليست وظيفته.
ومستندا إلى موقف الملك جورج السادس الذي كان متعاطفا مع مخاوف تشرشل كما نرى في الفيلم، يصر تشرشل على إلغاء العملية، لكن العجلة تكون قد دارت بالفعل ولا مجال لسحب القوات من مواقعها الأمامية، وتبدو المواجهة مع القادة العسكريين مهينة لشخصية تشرشل إلى أقصى حد، لكنه الخيال السينمائي المباح. ويمكن للمرء بالطبع أن يتخيل ماذا يمكن أن يوجه من اتهامات بالتشويه والإهانة، وربما أيضا معاداة الوطن، لو تم تصوير شخصية زعيم سياسي عربي خاض معركة عسكرية مع العدو، على هذا النحو، وهو ما يغيب تماما على سبيل المثال، من فيلم مثل “السادات” لمحمد خان، أما هنا فنحن نرى المواجهة بين تشرشل والقادة العسكريين الذين يصرون على أن يضربوا برغبته عرض الحائط، رغم أنه “القائد الأعلى”، بل ويوبخونه ويستخدمون في مخاطبته اسمه مجردا كما يفعل أيزنهاور ومونتغمري في الفيلم طبعا!
هذه المواجهات المتكررة تعكس من ناحية أخرى كيف أصبح تشرشل في قبضة أصحاب اليد العليا في الحرب، أي الأميركيين الذين يمثلهم القائد الأعلى لقوات الحلفاء أيزنهاور، وكيف خرج الأمر من بين يدي تشرشل وأصبح في قبضة الجيش الأميركي، يقرر قائده ما سيحدث.
ويصور الفيلم تشرشل أسيرا لتجربته المباشرة في الحرب العالمية الأولى (حرب الخنادق)، وخشيته من استخدام الألمان الغازات السامة وشبح معركة غاليبولي التي مني فيها الحلفاء بهزيمة قاسية أمام الأتراك.
وبعد أن يخضع تشرشل للأمر الواقع، ويقبل على مضض “المذبحة” القادمة -كما يتخيل- يدفعه شعوره بالذنب لأن يصر على أن يكون في مقدمة القوات التي تعبر البحر بالزوارق والسفن الحربية جنبا إلى جنب مع الملك الذي يتصور أنه يؤيده في رغبته الجامحة، لكن هذه الرغبة التي يعلنها للقادة العسكريين لا تجلب له سوى المزيد من التوبيخ والإهانات، بل سرعان ما يخذله الملك نفسه ويفصح له في لقاء مباشر بينهما، كيف أن الحكمة السياسية تقتضي قيادة الشعب في تلك المواجهة المصيرية من داخل الوطن.. فالجبهة الداخلية بنفس أهمية الجبهة الخارجية وأن عليه أن يترك العمليات العسكرية للعسكريين.
ويصور الفيلم كذلك تشرشل وهو يعاني من أجل كتابة خطابه الذي سيزف فيه للشعب بدء عملية لتحرير أوروبا: كيف يقسو على مساعدته الشابة التي تطبع كلمات خطابه على الآلة الكاتبة، ويعكس عليها اضطرابه الداخلي وخشيته على مصير الجنود، ثم تكشف له هي أيضا أن خطيبها يقود مدمرة تتقدم القوات البحرية، ويكشف المشهد انعكاس مخاوف تشرشل على الروح المعنوية للفتاة التي ترمز إلى أبناء الشعب.
مشاعر متضاربة
يستعين تشرشل بالخمر تسكينا لشعوره بالألم، لكن زوجته كليمونتين (التي تقوم بدورها ميراندا ريتشارسون) تقول له بقسوة إن الخمر لن ينفعه، وأنه يجب أن يتماسك وأن يستدعي من داخله قوته الكامنة كزعيم يمتلك القدرة العبقرية على قيادة شعبه في تلك اللحظة، إنها تصل حتى إلى درجة أن تصفعه على وجهه لكي تدفعه لاستعادة صوابه.
الإطار الضيق للحدث في الفيلم ينحصر في تصوير المعاناة الداخلية لزعيم عظيم في لحظة صدام دموي عنيف قادم قد يغير التاريخ، ولكنه يمكن أيضا أن ينقلب ليصبح هزيمة قاسية.
وهذا التردد "الهاملتي" بين ما يفرضه الواجب، وبين المشاعر الطبيعية، يجعل الفيلم أقرب إلى مسرح الشخصية الواحدة التي تصبح الشخصيات المحيطة بها مجرد عوامل مساعدة لتفجير أزمتها أو محاولة احتوائها، وهنا يقع العبء الأكبر في الفيلم على عاتق الممثل بريان كوكس، الذي يعبر عن الشخصية أفضل تعبير، سواء في طريقة مشيته أو نظراته وتأملاته أو صراخه وانفجارات غضبه، إنه ينتقل في الأداء من القسوة على النفس، إلى القسوة على الآخرين، ثم نراه في جولاته المنفردة الحائرة على الشاطئ وهو يصحو من غفوته داخل السيارة على مجموعة من الأطفال يشيرون له بعلامة النصر الشهيرة التي ترتبط بشخصيته.
ورغم الأداء البارع من جانب الممثل، تكمن المشكلة الرئيسية في ضعف صور الفيلم ومناظره ومحدودية الأماكن التي يدور فيها التصوير، وعدم القدرة على الإحاطة بالحدث الكبير كما كان ينبغي حتى في تصوير زيارة تشرشل للقوات الأمامية، فقد بدا المشهد هزيلا.
ويعاني الفيلم أيضا من تكرار الفكرة من خلال تكرار الحوار ومعانيه، أي التعبير عن تردد تشرشل واضطرابه وخشيته من عواقب العملية، كما تبدو حواراته في هذا السياق أقرب إلى “المونولوغ” في مسرح الغرفة ومونودرامات الشخصية الواحدة.
ورغم ما بذله بريان كوكس من جهد هائل في إكساب الشخصية مشاعرها الإنسانية إلاّ أن ضعف السيناريو وهشاشة بناء الشخصية ومحدودية الحدث، جعلته يغرد منفردا دون صدى حقيقي، وضاع بالتالي التأثير الفني الذي كان متوقعا للفيلم.
أحدث الأفلام التي ظهرت عن شخصية رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل، الفيلم البريطاني الجديد “تشرشل” (Churchill (2017 الذي أخرجه الأسترالي جوناثان تيبليتزكي، وفيه ينضم الممثل الأسكتلندي بريان كوكس إلى صف العمالقة الذين قاموا بدور تشرشل من قبل.
جاء عرض فيلم “تشرشل” في السادس من يونيو الماضي، وهو تاريخ محفور في الذاكرة البريطانية، بل وذاكرة العالم، ففي ذلك التاريخ من عام 1944 بدأت أكبر عملية عبور بحري وإنزال جوي متزامنين في التاريخ العسكري، شنتها قوات الحلفاء التي انطلقت من الشاطئ البريطاني إلى نورماندي الواقعة في شمال فرنسا المحتلة من قبل الألمان النازيين.
وهذه العملية هي أساس “الدراما” النفسية التي تتردد أصداؤها في هذا الفيلم، فليس من الممكن اعتبار “تشرشل” فيلما حربيا، فهو فقير للغاية في هذه الناحية، ولا يحاول مخرجه، ربما لضعف الميزانية التي توفرت له، أن يعرض ولو في لقطات عابرة سريعة، صورا “متخيلة” لعملية عسكرية بهذا الحجم.
عد تنازلي
يبدو من غير الموفق أن يكون عنوان الفيلم هو "تشرشل"، مما يوحي أنه فيلم من نوع أفلام السيرة الشخصية Biopic، بينما الحقيقة أنه يركز على مرحلة محددة ومحدودة في حياة بطله، أو بالأحرى أيام معدودة، وهو يواجه أكبر تحد واجهه خلال مسيرته الطويلة في العمل والحياة وكان حينئذ في التاسعة والستين من عمره، ومضى بعد ذلك، أي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ليعيش حتى بلغ الثمانين.
يبدأ الفيلم وتشرشل يقف على شاطئ البحر (غالبا بحر المانش-القنال الإنكليزي) بعد أن بدأ قبل أربعة أيام، العد التنازلي لعملية غزو فرنسا، الرجل يتأمل مياه البحر.. تتطاير قبعته الشهيرة في الهواء وتسبح على صفحة الماء، يدفع الموج مياه البحر تجاه قدمي تشرشل، يتطلع إليها في فزع ليراها وقد اصطبغت بالدم، هذه الرؤية المفزعة تعكس الحالة الذهنية لتشرشل.
والفيلم بأكمله تصوير متخيل من قبل كاتبي السيناريو الأستراليين، لما يمكن أن يكون قد دار في ذهن ذلك الزعيم السياسي المحنك، وما كان يؤرقه في الواقع، لعدة أشهر قبل بدء العملية، وإن كان الفيلم يكثف هذه المشاعر المضطربة في بضعة أيام.
وتتناقض الصورة الداخلية التي يعرضها الفيلم لتشرشل مع الصورة الشائعة عنه، أي صورة الزعيم القوي المتماسك الذي يتمتع بالشجاعة والإقدام والقدرة على قيادة جيش بلاده إلى جانب القوة الأميركية الجبارة، نحو تحقيق النصر، ورفض أي تراجع أو تردد أو استسلام أمام زحف الجيوش الألمانية التي نجحت في احتلال أوروبا بأسرها وكانت تهدد أيضا الشواطئ البريطانية.
تشرشل الذي نراه هنا ضعيف، متردد، يعاني من شعورين متناقضين: أولا خشيته على "الأولاد" اليافعين من الجنود الشباب الذين قد يُقتل منهم عشرون ألفا على الأقل في الصدمة الأولى لهذه العملية الجبارة، وثانيا رغبته في الوقت نفسه في أن يتمتع بصورة الزعيم السياسي القادر على القيادة وتحقيق النصر.
إنه في تردده وتراجعه ورغبته في وقف العملية وسحب القوات ولو مؤقتا، يبدو خلال اجتماعه الأول (في الفيلم) مع أيزنهاور قائد قوات الحلفاء في أوروبا، ومونتغمري قائد القوات الأرضية البريطانية، رجلا مشتتا، واهنا، يعاني بشدة من أزمة ضمير تجعله لا يستطيع أن يتحمل المسؤولية (التاريخية) عن مقتل هذه الأعداد الضخمة من الجنود، بل ويغيب عنده الفارق بين دوره كسياسي، وبين دور العسكريين، مما يدفع أيزنهاور إلى أن يؤكد له مرة وراء مرة، أن وظيفة الجنود هي القتال والموت إن اقتضى الأمر، ولكنها ليست وظيفته.
ومستندا إلى موقف الملك جورج السادس الذي كان متعاطفا مع مخاوف تشرشل كما نرى في الفيلم، يصر تشرشل على إلغاء العملية، لكن العجلة تكون قد دارت بالفعل ولا مجال لسحب القوات من مواقعها الأمامية، وتبدو المواجهة مع القادة العسكريين مهينة لشخصية تشرشل إلى أقصى حد، لكنه الخيال السينمائي المباح. ويمكن للمرء بالطبع أن يتخيل ماذا يمكن أن يوجه من اتهامات بالتشويه والإهانة، وربما أيضا معاداة الوطن، لو تم تصوير شخصية زعيم سياسي عربي خاض معركة عسكرية مع العدو، على هذا النحو، وهو ما يغيب تماما على سبيل المثال، من فيلم مثل “السادات” لمحمد خان، أما هنا فنحن نرى المواجهة بين تشرشل والقادة العسكريين الذين يصرون على أن يضربوا برغبته عرض الحائط، رغم أنه “القائد الأعلى”، بل ويوبخونه ويستخدمون في مخاطبته اسمه مجردا كما يفعل أيزنهاور ومونتغمري في الفيلم طبعا!
هذه المواجهات المتكررة تعكس من ناحية أخرى كيف أصبح تشرشل في قبضة أصحاب اليد العليا في الحرب، أي الأميركيين الذين يمثلهم القائد الأعلى لقوات الحلفاء أيزنهاور، وكيف خرج الأمر من بين يدي تشرشل وأصبح في قبضة الجيش الأميركي، يقرر قائده ما سيحدث.
ويصور الفيلم تشرشل أسيرا لتجربته المباشرة في الحرب العالمية الأولى (حرب الخنادق)، وخشيته من استخدام الألمان الغازات السامة وشبح معركة غاليبولي التي مني فيها الحلفاء بهزيمة قاسية أمام الأتراك.
وبعد أن يخضع تشرشل للأمر الواقع، ويقبل على مضض “المذبحة” القادمة -كما يتخيل- يدفعه شعوره بالذنب لأن يصر على أن يكون في مقدمة القوات التي تعبر البحر بالزوارق والسفن الحربية جنبا إلى جنب مع الملك الذي يتصور أنه يؤيده في رغبته الجامحة، لكن هذه الرغبة التي يعلنها للقادة العسكريين لا تجلب له سوى المزيد من التوبيخ والإهانات، بل سرعان ما يخذله الملك نفسه ويفصح له في لقاء مباشر بينهما، كيف أن الحكمة السياسية تقتضي قيادة الشعب في تلك المواجهة المصيرية من داخل الوطن.. فالجبهة الداخلية بنفس أهمية الجبهة الخارجية وأن عليه أن يترك العمليات العسكرية للعسكريين.
ويصور الفيلم كذلك تشرشل وهو يعاني من أجل كتابة خطابه الذي سيزف فيه للشعب بدء عملية لتحرير أوروبا: كيف يقسو على مساعدته الشابة التي تطبع كلمات خطابه على الآلة الكاتبة، ويعكس عليها اضطرابه الداخلي وخشيته على مصير الجنود، ثم تكشف له هي أيضا أن خطيبها يقود مدمرة تتقدم القوات البحرية، ويكشف المشهد انعكاس مخاوف تشرشل على الروح المعنوية للفتاة التي ترمز إلى أبناء الشعب.
مشاعر متضاربة
يستعين تشرشل بالخمر تسكينا لشعوره بالألم، لكن زوجته كليمونتين (التي تقوم بدورها ميراندا ريتشارسون) تقول له بقسوة إن الخمر لن ينفعه، وأنه يجب أن يتماسك وأن يستدعي من داخله قوته الكامنة كزعيم يمتلك القدرة العبقرية على قيادة شعبه في تلك اللحظة، إنها تصل حتى إلى درجة أن تصفعه على وجهه لكي تدفعه لاستعادة صوابه.
الإطار الضيق للحدث في الفيلم ينحصر في تصوير المعاناة الداخلية لزعيم عظيم في لحظة صدام دموي عنيف قادم قد يغير التاريخ، ولكنه يمكن أيضا أن ينقلب ليصبح هزيمة قاسية.
وهذا التردد "الهاملتي" بين ما يفرضه الواجب، وبين المشاعر الطبيعية، يجعل الفيلم أقرب إلى مسرح الشخصية الواحدة التي تصبح الشخصيات المحيطة بها مجرد عوامل مساعدة لتفجير أزمتها أو محاولة احتوائها، وهنا يقع العبء الأكبر في الفيلم على عاتق الممثل بريان كوكس، الذي يعبر عن الشخصية أفضل تعبير، سواء في طريقة مشيته أو نظراته وتأملاته أو صراخه وانفجارات غضبه، إنه ينتقل في الأداء من القسوة على النفس، إلى القسوة على الآخرين، ثم نراه في جولاته المنفردة الحائرة على الشاطئ وهو يصحو من غفوته داخل السيارة على مجموعة من الأطفال يشيرون له بعلامة النصر الشهيرة التي ترتبط بشخصيته.
ورغم الأداء البارع من جانب الممثل، تكمن المشكلة الرئيسية في ضعف صور الفيلم ومناظره ومحدودية الأماكن التي يدور فيها التصوير، وعدم القدرة على الإحاطة بالحدث الكبير كما كان ينبغي حتى في تصوير زيارة تشرشل للقوات الأمامية، فقد بدا المشهد هزيلا.
ويعاني الفيلم أيضا من تكرار الفكرة من خلال تكرار الحوار ومعانيه، أي التعبير عن تردد تشرشل واضطرابه وخشيته من عواقب العملية، كما تبدو حواراته في هذا السياق أقرب إلى “المونولوغ” في مسرح الغرفة ومونودرامات الشخصية الواحدة.
ورغم ما بذله بريان كوكس من جهد هائل في إكساب الشخصية مشاعرها الإنسانية إلاّ أن ضعف السيناريو وهشاشة بناء الشخصية ومحدودية الحدث، جعلته يغرد منفردا دون صدى حقيقي، وضاع بالتالي التأثير الفني الذي كان متوقعا للفيلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.