«الأعلى للإعلام»: حجب المنصات غير المرخصة    محافظ سوهاج يلتقي المواطنين لبحث مطالبهم خلال اللقاء الجماهيري    «الزراعة»: قوافل للتوعية بتأثير الحرارة على المحاصيل والثروة الحيوانية    هبوط أسعار الذهب الآن في الصاغة المصرية.. اعرف بكام عيار 21    يحيى السنوار يتوعد الإسرائيليين: «أنتم حيث نريد.. ولدينا إمكانات لقتالكم»    الرئيس البولندي يدعو للبدء بسرعة في إجراءات انضمام أوكرانيا إلى الناتو    كورة لايف.. اتفرج آلحين (0-0) مباراة المغرب ضد الكونغو بث مباشر اليوم    من رونالدو إلى كروس.. أساطير قد تظهر لأخر مرة في اليورو    «مياه القليوبية» تطلق حملة للتوعية بعدم إلقاء مخلفات الأضاحي في شبكات الصرف    سر تفوق «حبيبة» الأولى على الشهادة الإعدادية بسوهاج.. «حققت أمنيتها»    التحقيق فى إلقاء خراف نافقة بالبحر الأحمر    سبب غياب أحمد الفيشاوي عن الجزء الثالث من «ولاد رزق 3».. تفاصيل    عروس الشرقية صاحبة فيديو سحلها للكوشة: «زوجي تاج راسي وهنقضي سنة عسل مش شهر»| خاص    يوافق أول أيام عيد الأضحى.. ما حكم صيام اليوم العاشر من ذي الحجة؟    خالد الجندي يعدد 4 مغانم في يوم عرفة: مغفرة ذنوب عامين كاملين    أمين الفتوى بدار الإفتاء: الأضحية لا تجزئ عن الأسرة كلها في حالة واحدة    نقابة الصيادلة: الدواء المصري هو الأرخص على مستوى العالم.. لازم نخلص من عقدة الخواجة    وكيل «صحة الشرقية» يناقش خطة اعتماد مستشفى الصدر ضمن التأمين الصحي الشامل    «طه»: الاستثمار في العنصر البشري والتعاون الدولي ركيزتان لمواجهة الأزمات الصحية بفعالية    لطلاب الثانوية العامة.. أكلات تحتوي على الأوميجا 3 وتساعد على التركيز    «ناسا» تكشف عن المكان الأكثر حرارة على الأرض.. لن تصدق كم بلغت؟    عبدالقادر علام: التفرد والتميز ضمن معايير اختيار الأعمال فى المعرض العام 44    الانتهاء من 34 مشروعًا أثريًا.. ننشر تفاصيل اجتماع وزير الآثار بالأمين العام    مدرب بلجيكا: دي بروين يتلقى إشارات في الملعب من طائرة دون طيار    محافظ كفرالشيخ يتابع أعمال رصف طريق الحصفة بالرياض    "التنظيم والإدارة" يتيح الاستعلام عن القبول المبدئي للمتقدمين في 3 مسابقات    «الدفاع الروسية» تكشف أسباب تحطم طائرة "سو-34" خلال طلعة تدريبية    قبل أولى جلسات المحاكمة.. مفاجأة بشأن قضية اتهام عصام صاصا مطرب المهرجانات    «بابا قالي رحمة اتجننت».. ابن سفاح التجمع يكشف تفاصيل خطيرة أمام جهات التحقيق    5 أعمال ثوابها يعادل أجر الحج والعمرة.. تعرف عليها    عيد الأضحى في المغرب.. عادات وتقاليد    إنييستا: تعاقد برشلونة مع صلاح كان ليكون مميزا    يورو 2024 - الإصابة تحرم ليفاندوفسكي من مواجهة هولندا    بريطانيا: ارتفاع مفاجئ في معدل البطالة يصيب سوق الوظائف بالوهن مجددا    بدائل الثانوية العامة.. شروط الالتحاق بمدرسة الضبعة النووية بعد الإعدادية (رابط مباشر للتقديم)    مصرع 39 شخصا في غرق مركب تقل مهاجرين قبالة سواحل اليمن    قافلة مجمع البحوث الإسلامية بكفر الشيخ لتصحيح المفاهيم الخاطئة    رئيس الضرائب: المصلحة تذلل العقبات أمام المستثمرين السنغافوريين    تطوير وصيانة وإنتاج خرائط.. وزير الري يكشف عن مجهودات توزيع المياه في مصر    بالصور- محافظ القليوبية يستقبل وفدا كنسيا لتقديم التهنئة بعيد الأضحى    رئيس مدينة الشهداء يناقش تجهيز المجزر ومراقبة الأسواق ومحلات الجزارة    حكومة جديدة..بخريطة طريق رئاسية    نجم الزمالك السابق يفتح النار على حسام حسن.. «إنت جاي تعلمنا الأدب»    تطوير مستشفى مطروح العام بتكلفة مليار جنيه وإنشاء أخرى للصحة النفسية    المجلس الوطني الفلسطيني: عمليات القتل والإعدامات بالضفة الغربية امتداد للإبادة الجماعية بغزة    الأزهر الشريف يهدي 114 مجلدا لمكتبة مصر العامة بدمنهور    إيلون ماسك: سأحظر أجهزة آيفون في شركاتي    رضا البحراوي يُحرر محضرًا ضد شقيق كهرباء بقسم المعادي    محاولات للبحث عن الخلود في "شجرة الحياة" لقومية الأقصر    وزير النقل يوجه تعليمات لطوائف التشغيل بالمنطقة الجنوبية للسكك الحديدية    محمد أبو هاشم: العشر الأوائل من ذى الحجة أقسم الله بها في سورة الفجر (فيديو)    الدولار يقترب من أعلى مستوياته في شهر أمام اليورو    طائرته اختفت كأنها سراب.. من هو نائب رئيس مالاوي؟    وفاة المؤلف الموسيقي أمير جادو بعد معاناة مع المرض    عصام السيد: وزير الثقافة في عهد الإخوان لم يكن يعرفه أحد    حازم خميس يكشف كواليس التحقيق مع رمضان صبحي في منظمة مكافحة المنشطات    سيد معوض يتساءل: ماذا سيفعل حسام حسن ومنتخب مصر في كأس العالم؟    فلسطين.. شهداء وجرحى جراء قصف إسرائيلي على مخيم النصيرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نزار قباني قائد الانقلاب العسكري على مملكة الحب الأفلاطوني
نشر في الواقع يوم 21 - 03 - 2013


بقلم الكاتب و السينارست والمُعد المصري وائل مصباح
لقد حملت أمه والأرض في آن واحد، ووضعتا في آن واحد،فهل كانت مصادفة أن تكون ولادته هي الفصل الذي تثور فيه الأرض على نفسها، وترمي فيه الأشجار كل أثوابها القديمة؟! وتنفذ فيه الطبيعة انقلابها السلمي بمساعدة العصافير على الشتاء؟ أم كان مكتوباً عليه أن يكون كشهر آذار شهر التغير و التحولات؟
شهريار القصيدة العربية ومؤسس جمهورية المرأة،الناطق الرسمي باسم أحلامها،وقائد الانقلاب العسكري الذي نقل الحب من الأقبية السرية إلى الهواء الطلق،هيا بنا نتصفح هويته.
الاسم الثلاثي: نزار توفيق قباني، تاريخ الميلاد 21 مارس 1923..
أما محل الميلاد، فحي مئذنة الشحم أحد أحياء دمشق القديمة، ومعقل من معاقل مقاومة الانتداب الفرنسي لسوريا، وكان والده توفيق القباني واحداً من زعماء المقاومة الأماجد، وكانت جدته لوالده تدلله ب"نزوري" حين كان طفلا ضائعا بين أحواض الورد وعريشة الياسمين، وأشجار الليمون والسفرجل، هائما مع أسراب الحمام، وقطط البيت، لم يترك فنا إلا جرّبه، من الرسم، الخط العربي، الموسيقى، إلى أن رسى قاربه على شاطئ الشعر، وفي هذا الصدد يقول: "هل تعرفون معنى أن يسكن الإنسان في قارورة عطر؟ بيتنا كان تلك القارورة، إنني لا أحاول رشوتكم بتشبيه بليغ، ولكن ثقوا أنني بهذا التشبيه لا أظلم قارورة العطر، وإنما أظلم دارنا، والذين سكنوا دمشق وتغلغلوا في حاراتها، يعرفون كيف تفتح لهم الجنة ذراعيها، من حيث لا ينتظرون.
يا شامُ أينَ هما عينا معاويةٍ ... وأينَ من زحموا بالمنكبِ الشّهبا
فلا خيولُ بني حمدانَ راقصةٌ ... زُهواً ولا المتنبّي مالئٌ حَلبا
يا ابنَ الوليدِ ألا سيفٌ تؤجّرهُ ... فكلُّ أسيافنا قد أصبحت خشبا
أما عن مؤهله الدراسي والمهنة التي امتهنها، فقد تخرج في كلية الحقوق، جامعة سوريا عام 1945، ليعمل بالسلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية السورية، حتى استقال منه عام 1966 ليؤسس دارا للنشر ببيروت حملت اسمه، وذلك على خلفية نشره لقصيدة "خبز وحشيش وقمر"، تلك القصيدة التي أثارت ضده البرلمان السوري، وفيها يقول:
ببلادي.. ببلادِ الأنبياءْ
وبلادِ البسطاءْ
ماضغي التبغِ..
وتجَّارِ الخدرْ
ما الذي يفعلهُ فينا القمرْ؟
فنضيعُ الكبرياءْ..
ونعيشُ لنستجدي السماءْ
ما الذي عندَ السماءْ..
لكُسالى ضعفاءْ.
الحالة الاجتماعية لشاعر الرومانسية الأول
تزوّج مرتين؛ الأولى من السورية زهرة وأنجب منها هدباء وتوفيق وزهراء، والثانية من العراقية بلقيس الراوي، والتي قُتلت في انفجار السفارة العراقية ببيروت عام 1982، ورزق منها بعمر وزينب.
محل الإقامة: بعد مقتل بلقيس ترك معشوقته بيروت، وتنقّل في باريس وجنيف، حتى استقر به المقام في لندن، التي قضى بها الأعوام الخمسة عشر الأخيرة من حياته. وقد ترك رحيل بلقيس أثراً نفسياً سيئاً عنده، لدرجة أن الكثيرين تصوروا أنه استشهد معها، ولكنه ردّ عليهم وهو في ظل الإقامة الجبرية بمستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت بقوله: "طبعاً من النادر أن تتحول امرأة إلى مصدر من مصادر الشعر، قبل موتها وبعد موتها، لكن بلقيس كانت مختلفة، حضورها معي خلال 12 سنة كان حضوراً شعرياً بكل معنى الكلمة، أما استشهادها فقد حوّلها إلى زعيمة كبيرة للمعارضة، لم تستطع أي سلطة في العالم أن تقف في وجهها..
هل تعرفون حبيبتي بلقيس فهي أهم ما كتبوه في كتب الغرام
كانت مزيجاً رائعاً بين القطيفة والرخام
كان البنفسج بين عينيها ينام ولا ينام
بلقيس.. يا عطراً بذاكرتي ويا قبراً يسافر في الغمام
قتلوك في بيروت مثل غزالة من بعد ما قتلوا الكلام
بلقيس.. ليست هذه مرثية.. لكن على العرب السلام
نزار قباني يصهل الشعر
بدأ نزار يصهل، أقصد يكتب الشعر وعمره 16 عاما، حين أصدر على نفقته الخاصة أول دواوينه، لتصل ثمرة مسيرته الفنية إلى 41 مجموعة شعرية ونثرية، لا فرق عنده بين الشعر والنثر، كانت أولاها "قالت لي السمراء" عام 1944 وآخرها "أنا رجل واحد وأنت قبيلة من النساء" عام 1993 وعلى مدار ما يزيد على نصف قرن كان خلالها قبلة كبار المطربين والمطربات في وطننا العربي، أمثال كوكب الشرق أم كلثوم، والعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، نجاة، فايزة أحمد، فيروز، ماجدة الرومي، أصالة، لطيفة، غادة رجب، ومن خلال قصائده حصل المطرب العراقي كاظم الساهر على تأشيرة الدخول إلى القلوب.
الصدمات في حياته
وعن حياته، فقد ملئت بالعديد من الصدمات والمعارك، أما الصدمات فأهمها انتحار شقيقته الصغرى "وصال" وهي ما زالت في ريعان الشباب؛ بسبب رفضها الزواج من رجل لا تحبه، مما جعله يتبنى قضايا المرأة، وخاصة في عالمنا العربي المتزمّت.
وما يكاد يخرج من هذه الصدمة، حتى تلقى نبأ وفاة أمه، عشقه الأول وكل النساء عنده، وفى هذا يقول:
عرفتُ عواطفَ الأسمنتِ والخشبِ
عرفتُ حضارةَ التعبِ
وطفتُ الهندَ
طفتُ السندَ
طفتُ العالمَ الأصفر
ولم أعثر.. على امرأةٍ تمشّطُ شعريَ الأشقر
وتحملُ في حقيبتها إليَّ عرائسَ السكّر
وتكسوني إذا أعرى وتنشُلني إذا أعثَر
أيا أمي.. أيا أمي".
نزار والشعر السياسي
ظلّ متربعا،على عرش الغزل إلى أن جاءت هزيمة 1967، تلك النكسة التي أحدثت شرخاً عميقا في نفسه وفي نفس كل عربي أصيل، وكانت حداً فاصلاً في حياته جعله يخرج من مخدع المرأة الدافئ، إلى ميدان السياسة الشائك، فكانت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة"، والتي تشمّ بين حروفها، وتستشعر بين ثنايا كلماتها، هول الكارثة، التي أفاقت عليها ذات صباح أمتنا العربية الأبية، كانت نقدا ذاتيا جارحا للتقصير العربي، مما أثار عليه عاصفة شديدة في العالم العربي، وأحدثت جدلاً كبيراً بين المثقفين، مما أدى إلى منع إذاعة أغانيه وأشعاره بإذاعة مصر وتليفزيونها.
يا وطني الحزين..
حوّلتَني بلحظةٍ من شاعرٍ يكتبُ الحبَّ والحنين
لأنَّ ما نحسّهُ أكبرُ من أوراقنا
لا بدَّ أن نخجلَ من أشعارنا
إذا خسرنا الحربَ لا غرابة
لأننا ندخُلها..
بكلِّ ما يملكُ الشرقيُّ من مواهبِ الخطابة
بالعنترياتِ التي ما قتلت ذبابة
لأننا ندخلها..
بمنطقِ الطبلةِ والربابة
جلودُنا ميتةُ الإحساسْ
أرواحُنا تشكو منَ الإفلاسْ
أيامنا تدورُ بين الزارِ والشطرنجِ والنعاسْ
هل نحنُ خيرُ أمةٍ قد أخرجت للناسْ؟
لو أننا لم ندفنِ الوحدةَ في الترابْ
لو لم نمزّقْ جسمَها الطَّريَّ بالحرابْ
لو بقيتْ في داخلِ العيونِ والأهدابْ
لما استباحتْ لحمَنا الكلابْ
وعندما اشتد عليه الظمأ، لم يجد ما يرويه سوى نيل مصر الخالد، فأتى حبوا إليها صائحا: "إن مصر هي مصر، ولا يمكن لأحدٍ أن يسرقها منا، مصر هي تراث كبير، وتاريخ عريض، ورحم تشكّلنا وترعرعنا جميعاً في داخله، وكما لا تستطيع العين أن تستغني عن أهدابها، وكما لا يستطيع القلب أن يستغني عن شرايينه، وكما لا تستطيع القصيدة أن تستغني عن إيقاعها، وعن قارئها، كذلك لا يمكنني الاستغناء عنها".
خلط الحب بالسياسة، والسياسة بالحب، ليصنع مزيجا عجيبا، استساغه البعض، ولفظه البعض الآخر، حوّل الحب من مملكة عتيقة إلى جمهورية، وتقلد رئاستها زعيما للعشاق، متخذا من كيوبيد رمزا لها، قاد انقلابا حقيقيا ضد قصائد الحب الرومانسية، وحوّلها إلى معارك وثورات، حتى أصبحت حياته معركة دائمة، فكان شعره يثير الجدل، ويشعل المعارك، خاصة قصائده السياسية خلال فترة التسعينيات، وكانت أشهرها "المهرولون"، "المتنبي"، "أم كلثوم على قائمة التطبيع"، وكانت أقساها "متى يعلنون وفاة العرب" والتي يقول فيها:
أحاولُ منذ الطُفولةِ..
رسْمَ بلادٍ تُسمّى- مجازا- بلادَ العَرَبْ
أحاول أن أتصورَ ما هو شكلُ الوطنْ?
أحاول أن أستعيدَ مكانِيَ في بطْنِ أمي
وأسبحَ ضد مياه الزمنْ
وأسرقَ تينا ولوزا وخوخا
وأركضَ مثل العصافير خلف السفنْ
أحاول أن أتخيّلَ جنّة عَدْنٍ
وكيف سأقضي الإجازةَ بين نُهور العقيقْ
وبين نُهور اللبنْ
وحين أفقتُ.. اكتشفتُ هَشاشةَ حُلمي
فلا قمرٌ في سماءِ أريحا
ولا سمكٌ في مياهِ الفُراتْ
ولا قهوةٌ في عَدَن
أحاول.. مذْ كنتُ طفلا..
قراءة أي كتابٍ
تحدّث عن أنبياء العربْ
وعن حكماءِ العربْ..
وعن شعراءِ العربْ
فلم أر إلا قصائدَ تلحَسُ رجلَ الخليفةِ
من أجل جَفْنةِ رزٍ.. وخمسين درهمْ..
فيا للعَجَبْ!!
أنا منذ خمسينَ عاما..
أراقبُ حال العربْ
وهم يرعدونَ.. ولا يمطرونْ
وهم يدخلون الحروب..
ولا يخرجونْ
وهم يعلِكونَ جلود البلاغةِ عَلْكا
ولا يهضمونْ
أنا منذ خمسينَ عاما.. أحاولُ رسمَ بلادٍ
تُسمّى -مجازا- بلادَ العربْ
رسمتُ بلون الشرايينِ حينا
وحينا رسمت بلون الغضبْ
وحين انتهى الرسمُ..
سألتُ نفسي
إذا أعلنوا ذاتَ يومٍ وفاةَ العربْ
ففي أيِ مقبرةٍ يُدْفَنونْ؟
ومَن سوف يبكي عليهم؟
وليس لديهم بناتٌ.. وليس لديهم بَنونْ
وليس هنالك حُزْنٌ..
وليس هنالك مَن يحْزُنونْ!!
أيا وطني.. جعلوك مسلْسلَ رُعْبٍ
نتابع أحداثهُ في المساءْ
فكيف نراك إذا قطعوا الكهْرُباءْ؟؟
رحيله
وكأي قصيدة شعرية جميلة، مهما طالت أبياتها، لا بد أن تنتهي، ليستقبله أهل دمشق، في جنازة طافت كل أرجائها، دمشق التي كان دائما معه كحقيبة سفر، رحل الشاعر ولم ترحل كلماته، رحل الجسد ولم ترحل معاناته، فحلمه الصغير في زوجته التي رحلت، قد دمرته الحياة، حين طالتها يد العدو، وحلمه الكبير في وطن عربي موحد، وطن عربي يحمل راية الرجال، كان قد اندثر، فعاش وكأنه يقول:
لقد أعُلن موت حلمي الصغير
فمتى يعلنون موت حلمي الكبير
إيذانا بموتي
وحان وقت الفراق، وقت الغروب، وجاء أمر الله، فأصيب نزار بأزمة قلبية، ووافته المنية في 30 من إبريل 1998عن عمر يناهز 75 عاما، قضى منها نصف قرن بين الفن والحب والغضب، وعاد كما تمنى، ولكن ليس ممتطيا أجمل حصانين في الدنيا، إنما محمولا على الأعناق، عاد نزوري إلى ثرى الوطن الذي علّمه الشعر، وأرضعه الإبداع، وأهداه أبجديته الدمشقية التي تغلغلت في مفاصل كلماته، عاد ليبحث عن حبل مشيمته، وعن الحلاق الدمشقي الماهر الذي ختنه، بعد رحلة طويلة وشاقة من العطاء الشعري المتوهج، فتحية لهذا القلب الكبير، الذي تألم معنا، وتألم لأجلنا، لهذا العقل الذي كان قاسيا في نقده، كأب يعلم ولده معنى الرجولة، فهو لا يلعب دورا على ورق الكتابة، ودورا آخر على مسرح الحياة، ولا يضع ملابس العاشق حين يكتب قصائده، ثم يخلعها عند عودته إلى البيت.
سينارست وائل مصباح عبد المحسن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.