"إن من أهم نتائج حرب أكتوبر 1973 أنها وضعت حدا لأسطورة إسرائيل التى لا تهزم .. وللتفوق العسكري المطرد لإسرائيل فى مواجهة العرب" لم تكن هذه الكلمات لمسئول مصرى او عربى تعبيرًا عن فرحته بالانتصار الذى حققه الجيش المصرى على اسرائيل، وانما جاءت هذه الكلمات ل" ناحوم جولدمان " رئيس الوكالة اليهودية الأسبق، لتثبت مدى المرار التى اوقعها الجيش المصرى فى نفوس الاسرائيلين. واستكمل جولدمان، كلماته فى كتاب "إلى أين تمضي إسرائيل" واصفًا ما حدث خلال حرب اكتوبر ومبينًا حجم الخسائر التى اوقعها الجيش المصرى على اسرائيل خلال الحرب، قائلا" كلفت هذه الحرب إسرائيل ثمنا باهظا – حوالي خمسة مليارات دولار" . مصارحة اسرائيل بالموقف السئ اتفقت جولدا مائير فى وصفها لما حدث بالحرب خلال "كتاب حياتى" الذى حكت فيه مذكراتها، مع اعلان جولدمان بشأن الخسائر الاسرائيلية، فقالت " إن المصريين عبروا القناة وضربوا بشدة قواتنا فى سيناء..وتوغل السوريون فى العمق على مرتفعات الجولان وتكبدنا خسائر جسيمة على الجبهتين"، وما كان يشغل بال جولدا مائير سوى سؤال واحد فقط وهو مصارحة مجتمعهم بما حدث وظهر هذا جليًا فى قولها "وكان السؤال المؤلم فى ذلك الوقت هو ما إذا كنا نطلع الأمة على حقيقة الموقف السيء أم لا ؟ " . صدمة اسرائيلية لم يكن يتوقع الاسرائيلين ان يتصدى لهم الجيش المصرى ويكبدهم اكبر الخسائر البشرية والمادية، للدرجة التى وصلت بهم إلى احتياج جنودهم للعلاج النفسي، وذكر المعلق العسكرى الاسرائيلي زئيف شيف فى كتاب "زلزال حرب يوم الغفران" أن هذه هى أول حرب للجيش الإسرائيلي .. التى يعالج فيها الأطباء جنودا كثيرين مصابين بصدمة القتال ويحتاجون إلى علاج نفسي ، مكملا ان هناك من نسوا أسماءهم .. وهؤلاء يجب تحويلهم إلى المستشفيات . وأكد حاييم هيرتزوج، رئيس إسرائيل الاسبق، فى كتاب مذكراتى، ان هذه الصدمة لم تصب الجنود فقط وانما اصابت ايضا القيادة الاسرائيلية وعلى رأسها موشى ديان وزير الدفاع الاسرائيلي آنذاك، قائلا " إن حرب أكتوبر انتهت بصدمة كبرى عمت الإسرائيليين ولم يعد موشى ديان كما كان من قبل .. وانطوى على نفسه من ذلك الحين .. لقد كان دائما على قناعة بأن العرب لن يهاجموا وليس فى وسعهم أن يهاجموا" . قوة الطيارين المصريين وبالنسبة للطيارين الاسرائيلين فلم يكن يتوقع اي منهم ان يكون لمصر طيارين ذوى كفاءة وقدرة عالية فى القتال خاصة مع مقارنة نوعية الطائرات التى يمتلكها المصريين بنظيرتها الاسرائيلية التى كانت تقدمها لها امريكا اولا بأول، فضلا عن وضع عدد ساعات التدريب بالنسبة للفئتين والتى كانت ترجح كفة الجانب الاسرائيلي، إلا أن ما شهدته الحرب عكست مكل الواقع وجاءت بنتيجة عكسية تمام، فقال فى ها الشان الخبير العسكرى الاسرائيلي دور ميدلتون، إلى أنه لم يكن يعتقد أنهم سيتكبدوا هذه الخسائر في الطائرات"، بينما علق الطيار الاسرائيلي لطائرات الاسكاى هوك "بدور أينرك"، قائلا"لقد أذهلنا المستوى الممتاز للطيارين المصرين .. وكفاءتهم القتالية العالية" . مفاجأة مصرية وعلى الصعيد الدولى فقد جاءت الحرب صادمة بالنسبة لامريكا والعديد من الدول الاوروبية، حيث أعتبر هنرى كسينجر، وزير الخارجية الامريكى آنذاك، فى تصريح صحفى له فى 28 ديسمبر 1973 "أن حرب اكتوبر جاءت مفاجأة لهم، قائلا" فاجأتنا حرب أكتوبر علي نحو لم نكن نتوقعة، ولم تحذرنا أية حكومة أجنبية بوجود خطط محددة لأي هجوم عربي". ويقول السيناتور وليم فولبرايت رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الامريكي في 18 ديسمبر 1973 "تحتم على إسرائيل أن تتخلى عن خرافة الأمن العسكري المطلق عن طريق احتلال الأرض ، مع الاعتراف بأن الأمن العسكري المطلق لدولة ما ، يعني عدم الأمن المطلق للدول المجاورة لها". فيما اعتبر الجنرال فارا هوكلى ،مدير تطوير القتال فى الجيش البريطانى " إن الدروس المستفادة من حرب أكتوبر تتعلق بالرجال و قدراتهم أكثر مما تتعلق بالآلات التى يقومون بتشغيلها،معتبرًا أن الإنجاز الهائل الذى حققه المصريون هوعبقرية و مهارة القادة و الضباط الذين تدربوا و قاموا بعملية هجومية جاءت مفاجأة تامة للطرف الآخر" رغم أنها تمت تحت بصره و تكملة لهذا أظهر الجنود روحا معنوية عالية فى عداد المستحيل . وبالنسبة للموقف الفرنسي من انتصار مصر فى حرب أكتوير، فدائما ما تلعب فرنسا على وتر المباغته ومسك العصا من المنتصف، فيقول بيير ميسمير رئيس وزراء فرنسا ،خلال مؤتمر له فى باريس فى السابع من يناير 1974 "دخل العالم نتيجة حرب أكتوبر في مرحلة اقتصادية جديدة ولن تعود أحوال العالم إلي سابق عهدها قبل هذه الحرب". البلاغة الوطنية وهكذا جاءت تعليقات العالم اجمع تعبر عن مفاجأتها من انتصار مصر بالحرب، معلنه أنها خدعت بما يسمى اسطورة الجيش الذى لا يقهر،ولكن الشئ المدهش والغريب هو تعليق أبا آبيان، وزير الخارجية الاسرائيلي فى نوفمبر 1973، والذى تطرق لامر اخر،وهو الاعتراف بأن الانتصار المصرى نابعًا من وطنية الجنود، حيث قال" لقد طرأت متغيرات كثيرة منذ السادس من أكتوبر 1973 ..لذلك ينبغي ألا نبالغ فى مسألة التفوق العسكري الإسرائيلي.. بل على العكس فان هناك شعور طاغيا فى إسرائيل الان بضرورة إعاده النظر فى علم البلاغة الوطنية ..إن علينا أن نكون أكثر واقعية وان نبتعد عن المبالغة.