بعد انخفاض التواجد السمكى، فى البحار والبحيرات المصرية، لجأ المصرى إلى البحث عن الأسماك فى بحار الدول المجاورة.. فى البحر المتوسط غرباً، أى أمام ليبيا وربما أمام تونس.. ولا يجرؤ الصياد المصرى على الصيد شرقاً بسبب العنف الإسرائيلى فى هذا الشرق، أو فى البحر الأحمر من السودان إلى السعودية إلى إريتريا واليمن والصومال وغيرها. وإذا كانت مصر قد عقدت اتفاقيات مع هذه الدول للسماح للصيادين المصريين بالصيد فى مياهها الاقتصادية.. إلا أن كثيراً من الصيادين يتقدم أكثر للصيد داخل المياه الإقليمية لهذه الدول.. وهنا يقع تحت المساءلة والحبس ومصادرة المحصول السمكى، وأيضاً مصادرة مراكب الصيد. وترتفع أصوات الصيادين وأسرهم، ونقاباتهم تطالب بحمايتهم إذا تم القبض عليهم.. هناك.. وتصبح وزارة الخارجية المصرية بين نارين. أحدهما الدفاع عن الصيادين بحكم أنهم من رعايا الدولة المصرية.. وبين تشدد هذه الدول التى تدافع عن حقوقها الدولية.. والسيادية. والصيادون المصريون يقولون دائماً إنهم يصيدون خارج المياه الإقليمية لهذه الدول.. بل ويدعون أحياناً أن السلطات البحرية لهذه الدول تجبرهم على التوجه إلى أقرب ميناء، وأحياناً نطلق عليهم نيران أسلحتهم لإرغامهم على دخول المياه الإقليمية لتوجه لهم تهمة الصيد بدون ترخيص أو بالاعتداء على السيادة البحرية.. وتتوتر العلاقات كثيراً بيننا وبين هذه الدول. وآخر ما حدث.. ما وقع فى السودان من اتهام ثلاثة مراكب صيد مصرية عليها أكثر من 100 صياد مصرى كانت فى رحلة صيد بدأت أول الشهر الحالى للصيد فى مياه إريتريا.. وتحفظت عليها السلطات السودانية بميناء بورسودان لاختراقها المياه الإقليمية وأصدرت احدى المحاكم الابتدائية حكماً فى حق 46 صياداً منهم بالحبس شهراً وغرامات مالية مع مصادرة مركب الصيد. وأصبحت هذه الحوادث هى حكايات كل يوم فى قرى الصيادين على البحر المتوسط، أى فى إدكو وبرج مغيزل ورشيد.. وفى عزبة البرج بدمياط وميناء السويس للصيد.. وهنا يجوز المثل القائل.. ما الذى رماك على المر.. قالوا.. اللى أمر منه!! وتعيش أسر الصيادين فى محن متوالية من بدء خروج رجالها وأطفالها للصيد إلى أن يعودوا. هنا نسأل: لماذا لا يلتزم هؤلاء الصيادون بالاتفاقيات المعقودة بيننا وبين هذه الدول.. ولماذا لا يلتزم هؤلاء باستخدام الأجهزة الحديثة التى تحدد لهم المياه الإقليمية من الاقتصادية.. إلى المياه الدولية.. ولماذا الإصرار على ذلك.. وهل تكتفى وزارة الخارجية بما تفعله بمناشدة الصيادين الالتزام بتعليمات الملاحة البحرية وبتصاريح الصيد داخل المياه الإقليمية حتى لا يقعوا تحت طائلة المساءلة.. أم نتركهم يقعون مرات فى «شباك» عصابات القرصنة الصومالية.. أو تحت رحمة القوانين والقواعد والاتفاقيات.. والتى تنتهى بالقبض على المخالفين والحبس والمصادرة. ونعلم أن الدول «الصديقة» تغض الطرف عن بعض هذه الاختراقات وتطلق سراح المخالفين منهم مراراً.. ولكن: إذا كان حبيبك عسل وكملوا انتم باقى المثل.. وهكذا كثيراً ما «تتسامح» السعودية وكذلك السودان.. فالواحدة منهما إذا تسامحت مرة.. لن تفعلها مرة أخرى.. أم نترك صيادينا يقعون مرات تحت أعمال القرصنة فى جنوبالبحر الأحمر.. ومرات فى أيدى الميليشيات المتصارعة فى ليبيا أم نتوقع أن تتسامح معهم سلطات السعودية وإريتريا مرات. هى قضية متشابكة.. وكثيرة الحساسيات والملابسات. ولكن إذا كنا لا نسمح لأى جار بالاعتداء على مياهنا، فإننا أيضاً يجب ألا نسمح باعتداء صيادينا على هؤلاء الجيران.. ولكن: الصياد.. صياد.. يعنى يبحث عما يصيده. وعلينا قبل أن ترتفع أصوات عائلات الصيادين أن نلزمهم بالتقيد بالاتفاقيات والقوانين.. وأن نراعى حق الجار.. حتى وإن جار. ولكن القضية هى أيضاً تدور حول: ما الذى جعل الصياد المصرى يذهب إلى هناك؟ الجواب هو نقص الأسماك أمام سواحلنا وعصابات ومافيا البحيرات التى سرقت بحيراتنا الشمالية.