رغم خطورة نكسة 1967 والمأساة التى خلفتها منذ 47 عاماً تقريباً والتى مازالت تداعياتها مستمرة إلى اليوم، إلا أنه يبدو أن ما جرى فى ميادين القتال بين الجيوش المصرية والأردنية والسورية من جانب والجيش الإسرائيلى مدعوماً بشكل كامل من الغرب شىء، وما تناوله المؤرخون والكتاب العرب والأجانب شىء آخر، وما قدمه محمد ناير الكاتب والسيناريست فى مسلسل «صديق العمر» الذى يرصد تاريخ صداقة جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر شىء ثالث مختلف تماماً. لقد أكد محمد ناير أنه احتكم لضميره أثناء كتابة مسلسل «صديق العمر» الذى يتناول العلاقة الإنسانية التى جمعت بين الرئيس الراحل جمال عبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر، وأوضح أنه استعان بالعديد من مذكرات الضباط الأحرار إلى جانب كتب الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل لتقديم قصة إنسانية ورحلة شهدت الكثير من الأحداث والخلافات والشائعات بين ناصر وعامر. الحقيقة أن ما ذكره المؤلف يختلف تماماً عما تم تقديمه فى المسلسل الذى أثار انتقادات واسعة لم تنته حتى الآن أبرزها أن الفنان السورى جمال سليمان هو أسوأ فنان قدم شخصية الرئيس عبدالناصر شكلاً ولغة، لقد نجح سليمان فى تقديم شخصية الرجل الصعيدى، ولكنه لم يوفق فى أداء دور عبدالناصر، وبخلاف ذلك انتقد الكثير من شهود العيان المسلسل مثل سامى شرف، سكرتير الرئيس الراحل عبدالناصر، للمعلومات حتى إنه نشر مقالاً كبيراً بالأهرام حول الأحداث وبعض الأخطاء التاريخية التى قدمها مسلسل «صديق العمر»، ومن كثرة تلك الأخطاء التى اعتقد أنها عابرة إلا أنه فوجئ بكثرتها، وأعلن سامى شرف أنه سوف يتوقف عن النقد والملاحظة للمسلسل لأن الأمر تعدى ذلك بكثير. بالنسبة لى سأتوقف عند بعض الملاحظات والأخطاء التى أوردها المسلسل فى حلقات نكسة 1967 وهى أخطاء كان يمكن عدم الوقوع فيها لو أن المؤلف محمد ناير قرأ كتب النكسة كاملة مثل كتاب هيكل «حرب 1967.. الوثائق الكاملة» وكتاب «تحطيم الآلهة» للمؤلف عبدالعظيم رمضان إضافة إلى مؤلفات الضباط الأحرار التى تناولت الحدث بشكل أو بآخر ومنها بالطبع كتاب السادات «البحث عن الذات» ومن أبرز أخطاء مسلسل «صديق العمرة» بالنسبة لنكسة 1967 الآتى: - تجاهل المؤلف تأكيد المشير عبدالحكيم عامر للرئيس الراحل جمال عبدالناصر عندما سأله عن مدى جاهزية الجيش المصرى لتحمل الضربة الأولى والرد فى الثانية إنه قال له كلمته الشهيرة التى صارت مثار تندر وسخرية من بعض المؤرخين فيما بعد «برقبتى يا ريس». - المسلسل لم يذكر شيئاً عن زيارة الرئيس جمال عبدالناصر للمشير عبدالحكيم عامر أثناء إدارته لحرب يونيو 1967 قبل أن يأمر قواته بالانسحاب بعد الهزيمة الفادحة فى الحرب، وفى تلك الزيارة كما أورد عبداللطيف بغدادى، عضو مجلس قيادة الثورة، فى مذكراته كان عامر تائهاً شارداً ينتظر اتصالات من قادة الجيوش فى سيناء لا تأتى أبداً. وكانت معالم الهزيمة تطل من كل ركن من أركان الغرفة التى يدير منها عامر الحرب، وعندما وجد عامر آثار الهزيمة على وجه الرئيس عبدالناصر حاول التخفيف من آثارها، قائلاً: إن هناك مؤامرة كاملة من أمريكا لدعم إسرائيل في الحرب وقد اشتركت طائرات فانتوم أمريكية مباشرة فى القتال لضرب الطائرات والمطارات المصرية على الأرض، ما أدى إلى زيادة الخسائر بين قواتنا، وأضاف عامر: ولكن جنودنا نجحوا فى إسقاط بعض الطائرات الأمريكية، فطلب منه عبدالناصر جناح طائرة أمريكية وليس طائرة أمريكية بالكامل تم إسقاطها بواسطة صواريخ سام6، لتقديمها إلى مجلس الأمن ومنظمة المؤتمر الإسلامى ومؤتمر عدم الانحياز لفضح السياسات الأمريكية المنحازة لإسرائيل على حساب عدالة القضية الفلسطينية، ولكن عامر لم يقدم شيئاً وهو ما لم يشر إليه المسلسل من قريب أو بعيد. - من الأخطاء التى وقع فيها المسلسل تقديمه مشهد ضرب الطائرات المصرية والجنود المصريين فى سيناء باللغة الإنجليزية، فما المغزى من ذلك؟ لماذا لم يقدم لقطات مماثلة باللغة العربية؟ وهل يريد المؤلف توصيل رسالة إلينا أنه لا يثق إلا فى الروايات الأجنبية عن حرب 1967، ولا يثق فى الرواية المصرية أو العربية لها؟ - قدم المسلسل شخصية الفنانة برلنتى عبدالحميد زوجة المشير فى دور رومانسية هادئة قليلة الكلام مع أن بعض الكتاب يحملها بعض أسباب الهزيمة بشكل أو بآخر مثل الكاتب الراحل عبدالله إمام لأن المشير لم يكن متفرغاً للجيش المصرى واستعداداته لخوض الحرب مع إسرائيل، بل كان متفرغاً لنزواته الشخصية لذا تحفظ عبدالناصر على زواج المشيرمن برلنتى لأنه اعتقد أنها إحدى نزواته. بقدر ما أظهر المسلسل التنافس بين شخصيتى ناصر وعامر على الزعامة وحب السلطة واحتلال أحدهما مركز الثقل السياسى والآخر العسكرى، فإن المسلسل ابتعد عن حوار الذات لكشف تفاصيل العلاقة بين صديقى العمر ناصر وعامر، وهو ما تم تقديمه باقتدار من قبل فى مسلسل «الزينى بركات» لكشف الصراع بين المحتسب الزينى بن بركات بن موسى وكبير البصاصين زكريا بن راضى ولكن هذا لم يقدمه مسلسل «صديق العمر» مما أضفى غموضاً على نهايات الصداقة بينهما والتى انتهت نهاية درامية كانت حتمية حقاً.