سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
غول التعديات يلتهم الرقعة الزراعية.. الفجوة الغذائية تزداد.. الأسعار ترتفع جعانين يا أفندينا
تبوير 31 ألف فدان منذ الثورة.. والمنوفية فى المقدمة ب96 ألفاً.. والبحيرة الثانية ب 93 ألفاً و 900 مخالفة
تتعرض أرض مصر الزراعية التي كانت تعرف قديما باسم «سلة غذاء العالم»، لحالات عديدة من الإهلاك والاغتيال؛ سواء بزراعة الأراضي أكثر من مرتين في العام وهو ما يسمي بالسنة المحصولية؛ وإما بتجريف التربة واستقطاع أجزاء منها واستخدامها في عملية البناء وتحويل غالبيتها لمنتجعات سياحية علي يد ما يطلق عليهم «مافيا المنتجعات» الذين تترسخ لديهم مفاهيم بأن قيمة عائد الأرض عند تحويلها الي عقارات أعلي بكثير مما يحصل عليه منها كأرض زراعية. كل هذا يشكل خطراً حقيقياً علي أراضي مصر الخصبة في ظل تفاقم المشكلة وعجز الجهات الرسمية عن مواجهتها، مما تسبب في تدهور قطاع الزراعة بشكل عام في الآونة الأخيرة؛ لتفقد الزراعة المصرية ما يزيد علي 300 ألف فدان في مصر سنوياً. وللأسف.. أصبحنا نمد أيدينا للعالم بحثا عن الغذاء.. ويبدو اننا سنخرج قريبا هاتفين للرئيس محمد مرسي «جعانين يا أفندينا»، وهو نفس الهتاف الشهير الذي هتفه المصريون قبل أكثر من 100 عام وتحديدا في 25 مارس 1909 عندما شهدت حديقة الأزبكية بالقاهرة أول مؤتمر جماهيرى من نوعه فى تاريخ المجتمع المصرى الحديث، حيث احتشد «الفعلة» من عمال البناء والنقش والنجارة والحدادة والسباكة والبلاط للبحث عن حل لمشكلة البطالة.. وهتفوا للخديو عباس حلمي الثاني «جعانين يا أفندينا». فمحصول القمح احتل الترتيب الثاني بعد اليابان في استيراده؛ بل أصبحنا نعاني من أزمة في جميع المحاصيل الاستراتيجية؛ نتيجة لغياب الرقابة والمتابعة من المسئولين الذين أغمضوا أعينهم عن هذه المشكلة الخطيرة... لذا فلن يخرج الفواعلية وحدهم هذه المرة وإنما غالبية الشعب الجائع. إنها قضية أمن قومي وليست أمن غذائي كما وصفها المتخصصون الذين وضعوا خارطة طريق سريعة لإنقاذ أرض مصر المغتصبة.. ومحاولة سد الفجوة الغذائية المتفاقمة حالياً! وبشكل عام؛ فإن التعديات على الأراضي الزراعية بالبناء والتجريف.. كارثة متضخمة بكل المقاييس تنعكس خسائرها بالسلب على توفير احتياجات الغذاء للمصريين خصوصاً خلال السنوات القادمة بعد أن تدهور القطاع الزراعي، مما يتسبب في حرمان البلد من إنتاجها الزراعي الذي يأتي من أراضينا الزراعية، ويؤدي إلي اتجاه الدولة المتزايد نحو استيراد الغذاء من الخارج. ويتضح ذلك في ظل ارتفاع فاتورة استيراد الغذاء إلي 15 مليار دولار سنوياً في المتوسط، طالما أن حصيلة الصادرات أو المعروض من المحاصيل الزراعية منخفض أو غير كاف، نتيجة تقلص الرقعة الزراعية؛ وندرة المحاصيل الاستراتيجية من قمح وذرة وأيضاً البقوليات والحبوب والخضراوات والفواكه، خاصة أن إنتاجنا الزراعي أصبح لا يزيد على نسبة 40%؛ ومن ثم تزيد المديونية والأعباء علي الاقتصاد المصري، ليتكبد المزيد من الخسائر المالية التي تقدر بمليارات الجنيهات؛ مما ينعكس ذلك أيضاً علي ارتفاع أسعار السلع في الداخل ويزيد من معاناة المواطنين، هذا بالإضافة إلي هروب العمالة وتزايد البطالة. يوماً بعد يوم؛ تشير الأرقام والإحصائيات لارتفاع معدلات التعدي على الأراضي الزراعية. فقد بلغ إجمالي التعديات منذ ثورة 25 يناير وحتي الآن ما يزيد على 31 ألف فدان فقدتها مصر؛ خاصة في مناطق الدلتا من مساحتها المزروعة التي تقدر ب 7 ملايين فدان، وهذا الرقم من الممكن أن يتضاعف في ظل دخول جهاز الأمن كطرف في الصراعات السياسية لكي ينشغل عن مهامه في تطبيق القانون وتنفيذ الإزالات، وحفظ الأمن والممتلكات العامة والخاصة. ويؤكد المتخصصون أن استمرار تآكل الرقعة الزراعية سيؤدي إلى ثورة جياع، في ظل العجز الواضح في توفير المحاصيل الزراعية؛ كما يرجعون تزايد حجم التعديات علي الأراضي الزراعية لأسباب عديدة أهمها تسيب الأجهزة التنفيذية وضعف أجهزة الرقابة وآلياتها والانفلات الأمني.. وكل ذلك يتسبب في استمرار ظاهرة التعدي على الأراضي الزراعية؛ ومن ناحية أخري الارتفاع الكبير في أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي الأخرى من مبيدات وآلات بشكل غير مسبوق، ناهيك عن انقطاع مياه الري عن نهايات الترع مما سبب جفاف مئات الآلاف من الأفدنة الزراعية.. كل ذلك أسهم في تآكل الرقعة الزراعية؛ والتي تناقصت بمعدل 60% طبقا لأرقام حماية أراضي الدولة بوزارة الزراعة. وتتصدر المنوفية قائمة تعديات البناء علي الأراضي الزراعية بالمحافظات بنحو 96 ألفاً و533 حالة تعد، والبحيرة 93 ألفاً و 900 حالة، والشرقية 70 ألفاً و 938 حالة؛ فضلاً عن أنه يمثل ضغطاً علي مرافق الدولة ومن ثم زيادة حدة ظاهرة انقطاع التيار الكهربائي. وطالب المتخصصون بضرورة وضع الفلاح المصري في قمة أولويات الحكومة مع التوسع الزراعي لزيادة الإنتاج بشكل يتلاءم مع الزيادة السكانية المستمرة مع الإسراع في تنفيذ مشروع ممر التنمية والتعمير لسد احتياجات الشباب المطردة ومواجهة كارثة تناقص الرقعة الزراعية؛ وهذا يتطلب الضرب بيد من حديد علي المعتدين، بهدف المحافظة علي أراضينا الزراعية الخصبة واتباع أساليب الزراعة والري الحديثة حتي نتمكن من توفير احتياجاتنا من الغذاء. تقارير رسمية مفزعة كشف تقرير رسمي صادر عن وزارة الزراعة واستصلاح الاراضي عن إجمالي حالات التعدي علي الأراضي الزراعية، خلال الفترة ما بين 25 يناير 2011 و22 أبريل 2013، والتي قدرها التقرير ب 743 ألفاً و892 حالة تعدٍ علي مساحة 31489 فداناً و9 قراريط و16.5 سهم علي مستوي الجمهورية. وأوضح التقرير أن وزارة الزراعة بالتعاون مع وزارة الداخلية والقوات المسلحة، بدأت إزالة التعديات الواقعة علي تلك الأراضي الزراعية في عدد من المحافظات، حيث تمت إزالة 75964 حالة تعدٍ؛ بينما ما لم يتم إزالته 666 ألفاً و 928 فداناً تعدياً علي الأراضي الزراعة. وذكر التقرير أن محافظة الجيزة سجلت 16172 حالة، و(القاهرة – حلوان) 2915 حالة، وكفر الشيخ 31156 وأسوان 1561، والبحيرة 93900، والمنوفية 96533 حالة، والإسماعيلية 2073، والمنيا 39706 حالات، والشرقية 70938 حالة، والدقهلية 67260 حالة، وبني سويف 35363 حالة، والأقصر 10220 حالة، والفيوم 20029 حالة، والاسكندرية 12176 حالة، والغربية 73468 حالة، والسويس 215 حالة، ودمياط 14993 حالة، وأسيوط 43749 حالة، وسوهاج 33797 حالة، وقنا 24187 حالة، والقليوبية 62950 حالة، والوادي الجديد 34 حالة، وبورسعيد 100 حالة، وشمال سيناء 3 حالات، والنوبارية 1328 حالة ومرسي مطروح 57 حالة. وأكد التقرير أن لجان الإزالات تباشر عمليات الإزالة التي تحدث بشكل مستمر؛ رغم أن هذه اللجان تتعرض للاعتداء من جانب المتعدين علي الأراضي؛ إلا أن هناك حالات للتعدي علي أراضي الدولة مذكور عددها في التقرير تنتظر حالياً توافر التأمين اللازم لمهندسي حماية الأراضي لمباشرة عملهم. قانون رقم «53».. هزيل! وتنص المادة 152 من قانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966 المعدلة بالقانون رقم 116 لسنة 1983 وبالتحديد المادة (55) منه؛ على «تحظر إقامة أية مبان أو منشآت في الأراضي الزراعية أو اتخاذ أية إجراءات في شأن تقسيم هذه الأراضي لإقامة مبان عليها، حيث إن عقوبة من يتعدي علي الأراضي الزراعية تصل إلي الحبس لمدة لا تزيد علي 5 سنوات أو الغرامة التي لا تقل عن ضعف قيمة الأعمال المخالفة بحد أقصي 500 ألف جنيه؛ بالإضافة إلي غرامة تصل إلي 1٪ من قيمة الأعمال المخالفة عن كل يوم يمتنع فيه المخالف عن تنفيذ قرار الإزالة»؛ لكنه هزيل ولم يردع المعتدين علي الأراضي الزراعية. كما أن القانون رقم 119 لسنة 2008 وبالتحديد المادتان (60 و61) أسهموا في زيادة عدد مخالفات البناء على الأراضي الزراعية، وتسبب في الحد من قدرة الدولة على تنفيذ قرارات الإزالة، لأنه أسند تنفيذ قرارات الإزالة إلى الوحدات المحلية دون انتظار للإجراءات القضائية. مصر تستورد 80% من غذائها عمرو عصفور – نائب رئيس شعبة المواد الغذائية بغرفة القاهرة؛ يقول: الدولة تتكبد خسائر مالية طائلة بسبب ارتفاع فاتورة استيراد الغذاء من الخارج التي وصلت 15 مليار دولار؛ حيث إننا نستورد حوالي 80% من المواد الغذائية؛ بعد أن تقلصت الرقعة الزراعية لتنخفض الإنتاجية لنصف الكميات المزروعة؛ حيث تنتج علي مساحة 2 مليون فدان من إجمالي المساحة المزروعة التي تقدر ب 7 ملايين فدان؛ التي من المفترض أنها تكون الملجأ الوحيد للحصول علي شتي المحاصيل الزراعية. وأضاف نائب رئيس شعبة المواد الغذائية أن مصر احتلت الترتيب الثاني بعد اليابان في استيراد القمح بعد ان خسرت الرقعة الزراعية مساحات شاسعة من أراضينا الخصبة.. وأوضح نائب رئيس شعبة المواد الغذائية أن قانون الزراعة «هزيل» والدليل علي ذلك أنه لم يردع المعتدين بل يزيد من إقامة الغابات الأسمنتية علي الأراضي الزراعية؛ فليس من المعقول استيراد منتجات غذائية بالدولار ونحن لدينا أجود أراض زراعية التي يمكنها إنتاج مختلف المحاصيل الزراعية وتحقيق الاكتفاء الذاتي؛ ونترك المعتدين أو ما يطلق عليهم «مافيا المنتجعات» يحققون أموالا طائلة تقدر بمليارات الجنيهات من وراء اغتصاب الأراضي الزراعية وبناء المنتجعات السياحية ومبان شاهقة عليها وفي المقابل يحرم المصريون من مصدر غذائهم. ويضيف نائب رئيس شعبة المواد الغذائية أنه إذا استمر الحال هكذا ف«ربنا يستر علي مصر». لافتا إلى ان الخطورة تكمن فى انخفاض مخزون الدولارات لدى الدولة، وتراجع العملة المحلية أمامه، مشيرا إلى أنه حتى الآن لم يتم اتخاذ أى إجراءات من قبل الحكومة بشأن أزمة الغذاء، لأنه لا توجد صورة واضحة بشأن مدى توفر العملة الصعبة. الدكتور إمام الجمسي – الخبير الزراعي؛ يقول: التعديات علي الأرض تحد من مساحة الرقعة الزراعية، وتعرض الأمن الغذائي للخطر، إذ إن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الأمن الغذائي والأمن القومي المصري؛ حيث تقدر إجمالي التعديات التي تقع سنوياً بأكثر من 31 ألف فدان بما يعادل 16 ألف فدان في السنة. ويذكر الدكتور «الجمسي» أن اكثر المحافظات تعدياً علي الأراضي الزراعية هي القليوبيةوالمنوفية والشرقية وهو ما يؤدي إلي إهدار الأرض ويشكل خطراً علي مصدر غذاء المصريين؛ خاصة أن الاحتياطي النقدي يتآكل؛ والمؤسف أن عمليات الإزالة والهدم تتسبب في ضياع جزء كبير من الثروة القومية التي استهلكت منها مواد البناء، مما يزيد من الإهدار الاقتصادي الذي ينتج من تنفيذ قرارات الإزالة والتي تكبد الفلاحين خسائر فادحة مما يتسبب في خلق احتقان بين الأجهزة الأمنية والمواطنين، بالإضافة إلى أنه بعد تنفيذ قرارات الإزالة لا تصلح الأراضي للزراعة إلا بعد سنوات طويلة، لذا فلا بديل عن المحافظة علي أراضينا الزراعية الخصبة، مهما حاولنا التوسع في إقامة مشاريع زراعية في المدن الجديدة ستظل أراضينا الزراعية هي مصدرنا الأساسي والمستدام لكي نكتفي باحتياجاتنا من الغذاء نحو إنتاج أعظم الحاصلات الزراعية. مشيراً إلي أن مصر تستورد القمح بنسبة 50% والذرة 40% والسكر 30% والليمون 30%. وأضاف الدكتور الجمسي أن هناك زراعات لا تصلح زراعتها في أراضي الاستصلاح الجديدة مثل محاصيل القمح والذرة والبقوليات مقارنة بالأراضي الزراعية القوية جاهزة الخصوبة التي تقدر علي تحمل زراعة النباتات التقليدية؛ بينما مخزون المياه الجوفية في الصحاري هو مخزون غير متجدد، لذلك فلا يمكننا الاكتفاء بحاجتنا الزراعية. مطالباً بضرورة تشديد العقوبات المناسبة تجاه المخالفين، وذلك بإزالة هذه التعديات بفرض غرامات تصل إلي 3 آلاف جنيه علي متر الأرض الزراعية المعتدي عليها، إلي جانب تطبيق عقوبة الحبس إذا لزم الأمر. إجراءات مشددة وفورية ويري الدكتور أشرف برقاوي، الخبير الزراعي والعميد السابق بكلية الزراعة جامعة القاهرة، أن ما يحدث من تعديات يعد جريمة وإهداراً لثروتنا الزراعية مما يجعلها مهددة بالاختفاء، وقال: «التعديات علي الأراضي الزراعية يفقدها خصوبتها وسيؤدي إلي التصحر.. فلا تصلح بعد ذلك للزراعة»، مضيفا أن هناك مسببات متعددة لحدوث فجوة في الغذاء تتمثل في زيادة معدل النمو السكاني بمقدار 300 ألف نسمة سنوياً بما يعادل 2.2% زيادة سنوية. كما أنه ليست كل المحاصيل الزراعية صالحة للاستهلاك الآدمي، بخلاف تعديات البناء علي الأراضي الزراعية في شتي المحافظات التي أدت لتآكل جزء كبير من حجم المساحة المزروعة خاصة في مناطق وسط الدلتا؛ فضلاً عن عدم وجود ظهير صحراوي بأسعار معقولة. وأضاف الدكتور «برقاوي» أن المزارع يلجأ إلي استزراع المحاصيل التي تخلق له نشاطا اقتصاديا حتي يعود بمكاسب مالية مرتفعة كالخضراوات والأعشاب والزهور وهو ما يجعلها تتجه نحو سياسة السوق الحر، مشيرا إلى أن المحاصيل الاستراتيجية التي بها عجز هي القمح بنسبة 33%؛ حيث إن احتياجنا من القمح وصل حالياً لنسبة 66% بعد أن كان في أوائل الستينيات 30%؛ وأيضاً البقوليات والحبوب والفول 50% والزيوت 80% والمنتجات الحيوانية كاللحوم تكاد تصل نسبة العجز إلي 40% بخلاف الألبان والأسماك. وأشار إلي أن متوسط استهلاك الفرد المصري 180 كيلو جراماً سنوياً بينما المتوسط العالمي لنصيب الفرد سنوياً هو 120 كيلو جراماً.. وهنا تظهر الزيادة واضحة في الاستهلاك. ويستغرب الدكتور «برقاوي» من عدم وجود سياسة زراعية واضحة يمكنها توفير المحاصيل الزراعية لسد الفجوة الغذائية القائمة؛ ومن ثم لابد أن نتجه نحو السياسة الزراعية المقيدة للفلاح المعروفة باسم الدورة الزراعية. فعلي الدولة تطبيق مفهوم الأمن الغذائي من منطلق كيفية توفير كل المحاصيل الزراعية التي نحتاج إليها بالشكل الذي يكفي احتياجاتنا ويغنيني عن الشراء من السوق العالمي. ويأتي ذلك في ضوء وضع رؤية للمنظومة الزراعية لدراسة الأوضاع المستجدة والمسببة في تدهور الرقعة الزراعية؛ إضافة إلي توفير كل متطلبات الإنتاج للمزارع من مبيدات وأسمدة لكي يكونوا مجبرين علي شراء المحاصيل المنتجة. وأكد الدكتور «برقاوي» أن إجمالي المساحة المزروعة حالياً تقدر بنحو 7 ملايين فدان وتقدر المساحة المحصولية بنحو 14 مليون فدان علي أساس الزراعة مرتين في العام، مما يجعلها نسبة ضئيلة جداً، مقارنة بالزيادة السكانية، ومن ثم لابد من المحافظة علي الأراضي الزراعية ووقف التعديات التي تقع عليها، حتي نتلافي حدوث مجاعة غذائية قادمة. مطالباً بضرورة التصدي للبناء علي البقعة الزراعية باتخاذ إجراءات فورية ومشددة. وأضاف الدكتور «برقاوي» أن الإزالة التي سيتم تنفيذها لابد أن يتحمل نفقاتها المتعدون بخلاف تغليظ عقوبة التعديات علي الأراضي الزراعية وذلك بدفع غرامة تقدر بثلاثة أضعاف قيمة شرائها وتكون واجبة التنفيذ؛ لما تسببوا من تعديات خرسانية ستأخذ وقتاً طويلاً يصل إلى 20 عاماً حتي تعود الأراضي التي تم الاعتداء عليها لسابق طبيعتها الزراعية الخصبة؛ مع إعطائهم فترة معقولة لتوفيق أوضاعهم. يري الدكتور عبد المطلب عبد الحميد – الخبير الاقتصادي وعميد أكاديمية السادات للعلوم الادارية؛ ان التعديات تمثل إهدارا لثروة مصر الزراعية الخصبة التي يجب الحفاظ عليها من أجل الأجيال القادمة؛ وهو ما يقودنا إلي فقدان أخصب وأجود أنواع الأراضي؛ لأن الخطورة تأتي من أن 69% من أراضي مصر صحراء؛ بينما تقدر المساحة المزروعة بنحو 7 ملايين فدان؛ بينما تقدر المساحة المحصولية والتي يتم حسابها علي أساس زراعة الأرض مرتين في العام بنحو 14 مليون فدان؛ وبذلك يتبين لنا ضآلة حجم المساحة الزراعية؛ وبالتالي يجب التصدي لظاهرة البناء المخالف علي الأراضي الزراعية التي تعتبر مصدر غذاء للمصريين؛ وبالتالي لابد من تفعيل القانون الذي يجرم كل من يتعدي علي الأرض الزراعية ويقوم بتبويرها، وذلك بتحرير محاضر إثبات حالة لكل هذه التعديات واتخاذ الإجراءات القانونية المشددة، سواء من جانب رجال الأعمال أو المستثمرين بمصادرة هذه الأراضي المعتدي عليها وعودتها مرة أخري للزراعة، أو من جانب المزارعين بدءاً من إزالة هذه التعديات وبدفع مقابل استصلاح مساحة كافية تصل لنفس إنتاجية مساحة الأرض الزراعية الخصبة، حيث إن إنتاجية الأرض الصحراوية أقل بكثير من إنتاجية الأراضي الخصبة مما يجعله يفكر مليون مرة قبل أن يقوم بالتجريف والاعتداء علي الأرض الزراعية، بالإضافة إلي عقوبة الحبس؛ مع أهمية الرجوع للخرائط المصورة جوياً لكل الأراضي الزراعية الخصبة. ويذكر الدكتور «عبد المطلب» ان اتساع فجوة الغذاء نتيجة للسياسات العقيمة والمتعمدة التي تتبعها الحكومات المتعاقبة في التعامل مع قضية الأمن الغذائي المصري. وأوضح الدكتور «عبد المطلب» أن فدان الأرض الزراعية الخصبة يساوي ثلاثين فداناً من الأراضي الجديدة، وهذه الأراضي الجديدة تحتاج إلي فترات طويلة تتراوح ما بين 10 و 15 سنة حتي تؤتي بنفس إنتاجية الأراضي الخصبة التي لا يمكن تعويضها أبداً، فهي مورد مستدام لخدمة الأجيال الحالية والقادمة، مما يتطلب زيادة وعي المواطنين بأهمية هذه الثروة المهدرة ووقف جميع أشكال التعديات علي الأراضي الزراعية الخصبة، إلي جانب التوسع الرأسي بما يتناسب مع الزيادة السكانية، حيث لا يمكن أن نحل أزمة السكن علي حساب الأراضي الزراعية. خارطة طريق لإنقاذ مصر من الجوع القادم الدكتورة سعاد الديب –رئيس الجمعية الإعلامية للتنمية وحماية المستهلك ونائب رئيس الاتحاد العربي للمستهلك؛ تقول: التعدي علي الأراضي الزراعية مشكلة مزمنة لكونها سبباً مباشراً في مشكلة نقص بعض المحاصيل الزراعية وهو ما يحول الأمر برمته الي قضية أمن قومي يستحق من المسئولين بالدولة دراسته من كافة أبعاده بنظرة متعمقة؛ وإن كانت الفجوة الغذائية ظهرت آثارها السلبية بوضوح خاصة بعد إلغاء الدورة الزراعية وعدم تحديد أهم الأولويات الممكنة لسد الفجوة الغذائية من الحاصلات الزراعية؛ والسبب الثاني هو تزايد معدل الزيادة السكانية في وسط الدلتا؛ مما أدي إلي دمار غالبية أراضينا الزراعية الخصبة نتيجة لتجريفها والبناء عليها؛ ومن ثم يجعلها بعد ذلك غير صالحة للزراعة إلا بعد فترة طويلة.. لتكون النتيجة النهائية تقلص المساحات المزروعة. وأضافت الدكتورة سعاد الديب: أصبح الفلاح يزرع كيفما يشاء كلٌ حسب مزاجه وزيادة تكسبه من الربح؛ وهذا يوضح غياب التخطيط الحكومي في التعامل مع مشكلة الغذاء وعدم توافر السياسة الزراعية الواضحة. وأوضحت الدكتورة سعاد الديب: لابد للحكومة من وضع رؤية تخطيطية مستقبلية متكاملة لتعمير الصحراء ولتحقيق عوائد اقتصادية ووفرة في المحاصيل الزراعية يمكنها سد الفجوة الغذائية وذلك عن طريق الاستصلاح الزراعي في المناطق الصحراوية الجديدة ولكن ليس تحويلها إلي منتجعات سياحية مثلما يحدث الآن؛ وهذا يتطلب توصيل المرافق والطرق والخدمات لهذه المناطق حتي تصبح مجتمعات عمرانية جديدة يتوافر بها عناصر جذب لمواطنين جدد من شباب الخريجين وغيرهم للإقامة بها حتي يخف التكدس السكاني الذي يتركز في 6% فقط من مساحة مصر. ووجهت الدكتورة «الديب» رسالة واضحة للحكومة الحالية.. قائلة: كفانا تصريحات معسولة لا تترجم علي أرض الواقع؛ فالواقع العملي يؤكد أن هناك خللاً في إدارة الحكومة للمشكلات التي يعاني منها المصريون وعدم اتباعهم للأسلوب الأمثل في التعامل معها.. فالفلاح أصبح يعمل بنظام القطعة «كالأرزقية»؛ وجعلت الظروف بعضهم يترك مهنة آبائهم وأجدادهم ومعايشتهم للأرض؛ ولجأوا إلي العمل في مهن أخري بسبب الخسائر الفادحة التي يتكبدها من وراء زراعة محاصيل تشكل عبئاً تسويقيا عليهم. وأضافت: ينبغي إقامة مجمعات سكنية علي طرز جديدة تسمح بالتوسع الرأسي أكثر من التوسع الأفقي.. فعدد السكان يزيدون سنوياً بما يقدر ب 2.2 مليون نسمة؛ فماذا ننتظر.. هل ننتظر حدوث مجاعة حقيقية أم نضع خارطة طريق سريعة لإنقاذ سكان مصر من الجوع؟! الدكتور فوزي عبد الصمد – أستاذ متفرغ بمعهد بحوث الأراضي والمياه؛ يقول: المساحات الزراعية انحسرت بشكل كبير وبدأت الآثار الفعلية بالظهور وكان أولها أزمة القمح التي شهدتها مصر في السنة الماضية مما دعا الحكومة لاستيراده من روسيا كغيره من الحبوب والبقوليات والخضراوات والفواكه التي تشتري من بعض البلدان الأخرى. وحذر الدكتور «عبد الصمد» من أن عدم التصدي لظاهرة البناء علي الأراضي الزراعية بالسرعة الكافية سيؤدي إلى تحويل أراضينا الخصبة إلي صحراء من خلال تجريف الأرض والبناء عليها، وهو الأمر الذي يؤدي بدوره إلى إفقاد التربة ميزة خصوبتها وتصبح غير صالحة إطلاقا للزراعة. مشيراً إلي أن هذه الظاهرة تؤدي إلي تقليص المساحات المخصصة لزراعة المحاصيل خاصة الحقلية كالقمح والذرة والأرز والبرسيم والقطن؛ الأمر الذي ترتب عليه زيادة الفجوة الغذائية؛ حيث تستورد مصر نحو 80% من غذائها؛ علي رأسها محصول القمح؛ ونستورد أيضا ثلث احتياجاتنا من السكر؛ إضافة إلي اللحوم والزيوت والذرة والفول. ويناشد الدكتور «عبد الصمد» وزارة الإسكان ضرورة خلق مجتمعات عمرانية مستقرة، مما يساعد علي استصلاح المزيد من الأراضي الصحراوية.. ومن أجل التصدي لهذه الظاهرة يجب تحديد كردونات للمدن؛ ومنع البناء نهائيا علي الأراضي الواقعة في المناطق ذات الظهير الصحراوي؛ كما يجب عدم توصيل المرافق للمباني المخالفة؛ مع ضرورة عمل دراسات وافية لتحديد طبيعة خواص التربة والمحاصيل التي يمكن زراعتها بهذه المناطق الصحراوية حتي يتحقق النجاح لمزارعيها.