من يريد أن يعرف اين نحن وإلى أي مستقبل نسير عليه أن يقرأ التاريخ قراءة موضوعية غير متحيزة حتى يفهم من أي جذور تفرعت أحوال عصرنا.. المشهد السياسي في مصر بعد الخامس والعشرين من يناير 2011 تلون وتحول بسرعة ليأخذ اللون الاسلامي متمثلا في جماعة الإخوان المسلمين التي وصلت إلى سدة الحكم برجلها الدكتور الدكتور محمد مرسي وباقي الجماعات الاسلامية تمثلت في أحزاب وكيانات شتى كالنور والوسط والأصالة والبناء والتنمية والجماعة السلفية والوطن وحازمون.. ومن الخطأ الكبير أن يعتقد البعض أن هذا المشهد ولد بعد ثورة يناير لأنه بتفاصيله كان موجودا إما داخل السجون والمعتقلات أو تحت الأرض بعيدا عن أيدى الأجهزة الأمنية ومطارداتها ابتداء من عهد الخليفة عثمان بن عفان وحتى نهاية عصر الرئيس السابق حسني مبارك. والقصة المأساوية أن هذه الجماعات تاريخيا وحتى عصرنا الحديث هي جماعات تتبنى فكرا متطرفا قبليا يقوم على الصرع والإقصاء اعتقادا من أصحاب هذا الفكر أنهم يمتلكون الحقيقة النقية الطاهرة التي هبطت من السماء بيد سيدنا جبريل على محمد بن عبدالله قبل أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان، وهذا هو الخداع السياسي باسم الدين الذي يتاجر به أصحابه من خوارج كل زمان منذ عثمان بن عفان وحتى مبارك ومرسي ولعلنا نتذكر ونتعقل حقيقة أن عرب الجزيرة العربية لم يعرفوا يوما معنى الدولة وظلوا قبائل تدين بالولاء لشيخها الذي يعد الخروج عليه إثما عظيما.. تماما مثل موقف المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين من مرشدهم العام حيث مبدأ السمع والطاعة ومخادعة كل الأغيار وصولا لغاية واحدة وهي السيطرة والتمكين للجماعة وليس للدين.. ولنقرأ معا مابين حروف بيت شعر قبلي جاهلي يقول «ونحن أناس لاتوسط عندنا.. لنا الصدر دون العالمين أو القبر». وما أشبه اليوم بالبارحة عندما أطل علينا خوارج زماننا بخطاب أقل ما يوصف به أنه جاهلي وكاذب لأنهم يسقطون من حسابات العقل والمنطق أكثر من أربعة عشر قرنا مضت ويتحدثون عن الحكم بشرع الله والأخذ بما أخذ أهل السنة والجماعة ومن مضحكات زماننا أن يضمن دستور الخوارج نصا بهذا المعنى وبالكاد تم استبعاد النص «النادري البكاري» السيادة لله بدلا من السيادة للشعب.. وفي قولهم لاحكم إلا لله يقول الامام على بن أبي طالب «إنها كلمة حق أريد بها باطل – كما قال إنها كلمة عدل أريد بها جور» وفي كتابه القيم «معالم الإسلام» يقول المستشار محمد سعيد العشماوي تفنيدا لشعار «لاحكم إلا لله» (مادام الحكم لله وحده فلا مبر للإمام ولا ضرورة للنظام ولا شرعية لأي حكم إذ أن هؤلاء جميعا يغتصبون حق الله في الحكم ويعملون بغير ما أراد الله وهذه الدعوى الفوضوية قد تناسب الأسلوب القبلي الجاهلي). هنا تستوقفني بدايات الخطاب السياسي للدكتور محمد مرسي بعد توليه حكم مصر حين كرر كثيرا مصطلح «أهلي وعشيرتي» وأعتقد أن الرئيس مرسي لم يجانب حقيقة ما يؤمن به حين تحدث بهذا الشكل والمعنى لأن الفكر الحاكم لجماعة الإخوان يضع الجماعة فوق الدولة والقبيلة فوق المجتمع والعشيرة فوق المدينة – والأكثر من ذلك أن شرع الله وشعار لاحكم إلا لله – مقيد لدى أهل الجماعة بما يصدر عن المرشد العام وما يتقرر في الغرف السرية والمغلقة لقيادات الجماعة العليا، وهو الحال نفسه بالنسبة للجماعات السلفية والجهادية حيث مرجعيتهم لأمير أو إمام أو داعية من دعاة هذا الزمان - وهنا الخطر الكبير على مصر الدولة والمجتمع والتاريخ حين يحكمها ويتحكم بها فكر متراجع ومختلط في معانيه – ربما – بأسوأ مراحل التاريخ العربي الاسلامي حين تختزل الدولة في جماعة ويتم تضليل الناس بشكل منظم بتوظيف الدين وكتاب الله لخدمة أهداف سياسية رخيصة.. ولعل السؤال الحتمي الآن.. ما الفرق بين تيارات الاسلام السياسي في مصر اليوم وجماعات الخوارج التي أطلت على التاريخ والدنيا في أعقاب مقتل عثمان بن عفان (644 – 655 ميلادية)؟ الخوارج الأولون ميزهم التطرف في كل شيء.. في التدين وفي القتل وكانوا دائما أهل صلاة وصيام ويقال إن النبي قال فيهم (تحقر صلاة أحدكم في جنب صلاتهم وصوم أحدكم في جنب صيامهم ولكن لايجاوز إيمانهم تراقيهم – أي حلوقهم) والخوارج الأوائل بكل تطرفهم وعصبيتهم كانوا يصورون هذا الحال بأنه تمسك منهم بما أنزل الله – أما خوارج زماننا فإنهم منغمسون في الكذب والتضليل برفع شعارات ترتبط بالسماء وحكم الله وشريعته التي «دستروها» في الدستور ومقصدهم الحقيقي الحكم والسيطرة ليس بغاية إرساء العدل والتطور في مصر وإنما ليكون الحكم ملكا عضوضا لهم بشرع الله والصندوق التعيس الذي ألبسوه كل قمصان الخليفة عثمان بن عفان حين طلب منه الخوارج ترك الخلافة فأجابهم (كيف أخلع قميصا ألبسنيه الله). وهكذا حالك يا مصر وكأن المقادير قد قذفت بك رياحها إلى القرن الأول الهجري هائمة على وجهك بين ماض يأبى أن يموت ومستقبل يأبي أن يولد وبين الاثنين خوارج زماننا المتأبطين عصبية وشرا لكل قيم العصر – فلا خير أتوا به ولا نهضة اقتربوا من شواطئها ولا بلدا متوحدا جميلا تركوه على حاله ويحضرني شعر ابن الزعبري – أحد شعراء المشركين (لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل) ومع كل الايمان بما انزل الله على نبيه ونبينا محمد بن عبد الله فلو كنت وغيري هكذا نري خوارج زماننا فلا أقل من نقول لهم (لعب الإخوان بالحكم فلا نهضة جاءت ولا أمن حصل).