"النواب" يناقش تعديل اتفاقية "الأعمال الزراعية" غدا الأحد    ارتفاع أسعار الذهب بالبورصة العالمية بقيمة 54 دولارًا خلال أسبوع    وزيرة التعاون الدولي: العمل المناخي أصبح عاملا مشتركا بين كل المؤسسات الدولية    رئيس الوزراء: دعم إضافي للمصانع التي تزيد من معدلات المكون المحلي    محافظ المنيا: استقبال القمح مستمر.. وتوريد 238 ألف طن ل"التموين"    الدفاع المدني في غزة: الاحتلال دمر 300 منزل في جباليا.. وجثامين الشهداء ملقاة بالطرقات    وزارة الدفاع الروسية: الجيش الروسي يواصل تقدمه ويسيطر على قرية ستاريتسا في خاركيف شمال شرقي أوكرانيا    صحة غزة: استشهاد 35386 فلسطينيا منذ 7 أكتوبر الماضي    عمر جابر: الجيل الحالي للزمالك يتطلع لتحقيق بطولة قارية    اليوم.. 3 مصريين ينافسون على لقب بطولة «CIB» العالم للإسكواش بمتحف الحضارة    الشهادة الإعدادية 2024| استبعاد 5 رؤساء لجان وإحالة 6 طلاب للتحقيق    اللية.. احتفال باليوم العالمي للمتاحف في معهد الموسيقي العربية    رئيس جامعة بنها يتفقد الامتحانات بكليتي الحقوق والعلاج الطبيعي    بعد حادث الواحات.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي    حبس تشكيل عصابي لسرقة الزوايا الحديدية من أبراج الكهرباء في سوهاج    كوريا الشمالية تؤكد إطلاق صاروخ بالستي تكتيكي.. وتتعهد بتعزيز قوتها النووية    أستاذ طب وقائي: أكثر الأمراض المعدية تنتشر في الصيف    موعد مباراة بوروسيا دورتموند أمام دارمشتات في الدوري الألماني والقنوات الناقلة    نهائي أبطال إفريقيا.. 3 لاعبين "ملوك الأسيست "في الأهلي والترجي "تعرف عليهم"    وزير التعليم يشهد حفل ختام بطولات الجمهورية ومسابقات التربية الفكرية ببورسعيد (صور)    ماذا قال النواب عن كلمة الرئيس السيسي بالقمة العربية بالبحرين؟    البابا تواضروس يتلقى تقريرا عن الخدمة في إيبارشية وسط أوروبا    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    استكمال رصف محور كليوباترا الرابط بين برج العرب الجديدة والساحل الشمالي    جوري بكر بعد طلاقها: "استحملت اللي مفيش جبل يستحمله"    أبرزهم رامي جمال وعمرو عبدالعزيز..نجوم الفن يدعمون الفنان جلال الزكي بعد أزمته الأخيرة    تشكيل الشباب أمام التعاون في دوري روشن السعودي    معهد القلب يشارك بمبادرة قوائم الانتظار بإجراء 4 آلاف عملية قلب مفتوح    جامعة كفر الشيخ الثالثة محليًا فى تصنيف التايمز للجامعات الناشئة    بنك الأسئلة المتوقعة لمادة الجغرافيا لطلاب الثانوية العامة 2024    25 صورة ترصد.. النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    3 منهم قرروا البقاء.. 17 طبيبا أمريكيا يغادرون غزة بعد محاصرتهم بالمستشفى    محمد صلاح: "تواصلي مع كلوب سيبقى مدى الحياة.. وسأطلب رأيه في هذه الحالة"    مسئولو التطوير المؤسسي ب"المجتمعات العمرانية" يزورون مدينة العلمين الجديدة (صور)    متاحف مصر تستعد لاستقبال الزائرين في اليوم العالمي لها.. إقبال كثيف من الجمهور    لقاء سويدان تهنئ عادل إمام في عيد ميلاده: «صاحب السعادة»    فيلم شقو يحقق إيرادات 614 ألف جنيه في دور العرض أمس    تفاصيل اكتشاف نهر الأهرامات بالجيزة.. هل يحل لغز نقل الأحجار العظيمة؟    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    ياسمين فؤاد: تطوير المناهج البيئية بالجامعات في مباحثات مع «البنك الدولي»    "الصحة" تعلق على متحور كورونا الجديد "FLiRT"- هل يستعدعي القلق؟    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    بدء تلقي طلبات راغبي الالتحاق بمعهد معاوني الأمن.. اعرف الشروط    قبل نهائي دوري أبطال أفريقيا.. صراع أوروبي على ضم محمد عبدالمنعم لاعب الأهلي    وظائف وزارة العمل 2024.. فرص عمل في مصر والسعودية واليونان (تفاصيل)    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    بينها التوت والمكسرات.. 5 أطعمة أساسية للحفاظ على صحة القلب والأوعية الدموية    تراجع أسعار الدواجن اليوم السبت في الأسواق (موقع رسمي)    «طائرة درون تراقبنا».. بيبو يشكو سوء التنظيم في ملعب رادس قبل مواجهة الترجي    معاريف تكشف تفاصيل جديدة عن أزمة الحكومة الإسرائيلية    بدء امتحان اللغة العربية لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة والدراسات الاجتماعية بالقاهرة    مفتي الجمهورية يوضح مشروعية التبرع لمؤسسة حياة كريمة    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    المستشار الأمني للرئيس بايدن يزور السعودية وإسرائيل لإجراء محادثات    طبيب حالات حرجة: لا مانع من التبرع بالأعضاء مثل القرنية والكلية وفصوص الكبد    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيناء مَسْرَى الأنبياء ومصنع البطولات
نشر في الوفد يوم 11 - 04 - 2018


كتب- أحمد الجعفري:
تحدث الدكتورأحمد البصيلى الأستاذ بكلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف، قائلا: إن تاريخ سيناء حافل بالأمجاد والبطولات، فعلى رمالها دارت أشهر المعارك، وعَبَرَ دروبَها خمسة عشر جيشًا من كل أمم الأرض.
جاء ذلك خلال أحد دروسه الدينية حول سيرة المصطفي صلى الله عليه وسلم.
وأضاف "البصيلي"، "اسمها كناية عن القمر حين أطلق عليها القدماء اسم الإله "سين"، ومن الفيروز أخذت صفتها، وشُقت فيها قناة السويس أهم ممر مائي في العالم".
أضف إلى ذلك أن تاريخ سيناء حافل بالحروب والحملات منذ عهد الفراعنة إلى العصر الحديث؛ فهي البوابة الشرقية لمصر، وبها طريق حورس القديم الذي يمتد من قناة السويس غربا حتى رفح على الحدود مع فلسطين شرقا، ومنه دخل الهكسوس إلى مصر، ومنه خرج أحمس ليطاردهم، وعبره خرج ملوك مصر القديمة للسيطرة على أرض كنعان وسوريا حتى بلاد ما بين النهرين، وجاء منه إلى مصر الأشوريون، والفرس، والإغريق، والرومان، والفتح الإسلامي، والتتار والصليبيون وغيرهم.. وتعتبر جنوب سيناء منذ العصور المسيحية الأولى أحد أهم مناطق الجذب للرهبان المسيحيين، وقد أقام هؤلاء الرهبان العديد من الأديرة والكنائس فى أودية سيناء.. أشهر ما بقى منها دير طور سيناء المعروف باسم دير سانت كاترين.
ويقع الدير أسفل جبل سيناء، فى منطقة جبلية وعرة المسالك حبَتْها الطبيعةُ بجمال أخّاذ مع طيب المناخ وجوْدة المياه العذبة. وإلى الغرب من الدير يوجد وادى الراحة. وللدير سور عظيم يحيط بعدة أبنية داخلية بعضها فوق بعض تصل أحيانا إلى أربعة طوابق تخترقها ممرات ودهاليز.
وبناء الدير يشبه حصون القرون الوسطى، ويعود بناء الدير إلى القرن الرابع الميلادى. والدير هو أعلى قمة فى سيناء كلها، وهو أحد الأديرة المعروفة في العالم كمكان أرثوذكسي مقدس.
"سيناء".. هي التاريخ العريق الذي سطرته بطولات المصريين وتضحياتهم الكبرى لحماية هذه الأرض.. فهي البوابة الشرقية .. وحصن الدفاع الأول عن أمن مصر وترابها الوطني.. وهي الموقع الاستراتيجي لمصر، ومفتاحها في قلب العالم بقاراته وحضاراته، وهي أيضا محور الاتصال بين أفريقيا وآسيا وبين المشرق والمغرب.
والجدير بالذكر أنه من الأماكن القليلة التى تحدث عنها القرآن الكريم وكانت موجودة قبل نزوله واستمرت بعده وحتى الآن: مصر. ليس مصر فقط، بل هناك جزء خاص منها يحتل مكانة خاصة فى الأديان الإلهية. وتلك الأهمية الخاصة كانت قبل نزول القرآن الكريم، وصاحبت نزول القرآن الكريم، وستستمر بعده إلى يوم الدين. هذه المنطقة هى "سيناء". "سيناء" ذلك الجزء الآسيوي من مصر الذي شهد انتقال بعض الأنبياء من فلسطين إلى مصر، تذكر التوراة مسيرة إبراهيم خليل الله من الشام إلى مصر عبر سيناء، ويذكر القرآن الكريم رحلة يوسف وهو طفل اشترته قافلة وسارت به إلى مصر، كما يذكر استقبال يوسف لأبيه يعقوب عند الحدود الشرقية – أي سيناء – وقوله لأبويه وأهله: (ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ.) ( يوسف – 99).
ولكن ما ذكرته التوراة والمصادر المسيحية عن سيناء مع أهميته لا يعادل مكانة سيناء في القرآن الكريم.. وتتجلى هذه الأهمية في قصة موسى عليه السلام وانعكاساتها التربوية والسلوكية والدينية. ويمكن أن نلْمَح هذه الأهمية في قوله تعالى فى هذه السورة الكريمة: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ) فالله تعالى يقسم فى بداية السورة بالتين والزيتون وهما من منتجات سيناء، ثم يقسم بجبل الطور وبنسبته إلى سيناء "وطور سينين" ثم يقسم بمكة البلد الأمين.. والمعنى أن سيناء جاءت في الترتيب قبل مكة في موضوع يقسم به رب العزة على خلق الإنسان في أحسن تقويم، وما يحدث له بعدها حين يتحول الى أسفل سافلين، إلا من اعتصم بالوحى الإلهى الذى نزل فى طور سيناء وفى مكة. ولم تأت كلمة (الطور) فى القرآن الكريم إلا فى الحديث عن طور سيناء، وقد تكررت الكلمة فى القرآن الكريم عشر مرات، دار الحديث خلالها عن الوحى الأول لموسى، وفى أخذ العهد على بنى إسرائيل ورفع جبل الطور فوقهم، ثم أهمية جبل الطور فى سيناء وشجرة الزيتون المباركة فيه، مع الربط بين جبل الطور والبيت المعمور أو المسجد الحرام.
ووصف الله جل وعلا أو سمّى جبل الطور: طُوَى، ويأتى هذا الوصف ملحقا بوصف آخر للجبل، هو الوادى المقدس (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) (طه 12) (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) (النارزعات 15 : 16) والعجيب أن كلمة (جبل) جاءت فى القرآن الكريم فى ستة مواضع، ثلاثة منها جاءت نكرة، وثلاثة جاءت فيها معرفة تدل على جبل الطور فقط. جاءت نكرة فى قصة إبراهيم حين طلب من ربه جل وعلا أن يريه كيف يحيى الموتى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا) ( البقرة 260 ) وفى قصة نوح وغرق قومه المشركين وقول ابنه (قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء) (هود 43 ) وفى سياق الوعظ بالقرآن الكريم (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) (الحشر 21) . وكلمة الجبل هنا نكرة تدل على أى جبل.
ولكن الله جل وعلا حين يتكلم عن جبل الطور فإنه يجعل معرفا بالألف واللام، أى(الجبل المعروف المشهور)، وقد ورد هذا فى ثلاث مرات فى سورة الأعراف (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ )، وقوله تعالى في نفس السورة: ( وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأعراف 143 ،171 ).
أى من بين جبال الكرة الأرضية ينفرد من بينها جبل مبارك
مشهور معروف شهد الوحى الإلهى لموسى، هذا الجبل فى سيناء الحبيبة.
بل يأتى التحديد بموضع معين فى الجبل، وذلك فى معرض التذكير بالجبل واللقاء الذى حدث عنده بترتيب رب العزة فيقول تعالى لبنى إسرائيل: "(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ )(طه 80). وجانب الطور الأيمن هو نفسه الذي قال فيه تعالى عن موسى: (وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ) (مريم 52) .. أى فى ذلك الجانب الأيمن من جبل الطور كان أول وحى وحوار جرى بين موسى مع ربه عز وجل، كما كان ذلك اللقاء الذى رفع الله عز وجل الجبل فوق بنى اسرائيل وأخذ عليهم فيه العهد والميثاق.
بل يأتى التحديد بدقة أكثر فى المكان الذى جرى فيه أول حوار بين رب العزة وموسى عليه السلام: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (القصص 29: 30 ). التحديد الدقيق هنا فى قوله تعالى (مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ ) أى كان موسى يسير بزوجه مارا بجبل الطور فرأى نارا تخرج من شجرة تلوح له من بعيد . الله جل وعلا يصف البقعة بأنها مباركة، وأنها فى ناحية من الشجرة. وهذه البقعة المباركة، وذلك الوادى المقدس طُوى كل ذلك جزء من مصر الكنانة في سيناء الحبيبة.
وذلك المكان المقدس بالشجرة المباركة حرص القرآن على تحديده بدقة يقول تعالى: "فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ " القصص 30 .
ومع أن الله تعالى يكرر اسم جبل الطور، فإنه يشير إليه ضمنا باسم الجبل: (وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ ) أو باسمه (الطور) (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ )، أو باسم الوادى المقدس طوى (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى )(طه 9- ) . كما جاءت سورة كاملة باسم (الطور).
وفى سورة "الطور" نسبة لطور سيناء يقسم الله تعالى بالطور أو جبل الطور في سيناء فيقول: (وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ) وموضوع القسم هنا هو قرب قيام الساعة ومجىء العذاب للمكذبين بوحى الله جل وعلا الذى نزل على النبى موسى فى جبل الطور في شبه جزيرة سيناء، ثم على قلب سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بالجزيرة العربية.
ومع وجود الربط بين جبل الطور والكعبة البيت المعمور إلا أن (الطور) مذكور قبل الكعبة البيت المعمور، والترتيب هنا يشير إلى الترتيب الزمني بين الرسالات الإلهية، وأنها من مشكاة واحدة، وأنها كلٌّ لا يتجزّأ.
وهو أيضا نفس الترتيب فى سورة التين [وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ).
والله تعالى يقول: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)( النساء )164، وكل هذا التكليم أو الحوار بين موسى وربه عز وجل، جرى فى أرض مصر فقط، بداية من الوحى اليه فى سيناء وجبل الطور، مرورا بلقائه بقومه وصراعه مع فرعون مرورا بخروجه مع قومه إلى سيناء ومشكلاته مع قومه فيها، حيث ظل بها إلى أن مات. فمن المعروف أن موسى عليه السلام وُلد ونشأ ونبِّئَ وعاش ومات ودُفن بمصر.. (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) (يونس 87).
إذن نحن هنا أمام ظاهرة فريدة جرت أحداثها فوق أرض مصرية فى جبل الطور، حيث تجلى الله تعالى للجبل فجعله دكّا وخرّ موسى صعقا، ولم يحدث هذا فى أى مكان فى الكون إلا فى مصر.
فأرض سيناء أرض مباركة، فهي أرض الأنبياء والديانات السماوية، بدءا من الخليل إبراهيم –عليه السلام- الذي عبرها، وموسى -عليه السلام- الذي أقام بها مع شعب بني إسرائيل حتى دُفن بها، وكذا "العائلة المقدسة" – أسرة المسيح عيسى ابن مريم - التي عبرتها وهي في طريقها إلى مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.