تقدم رانيا مدحت شوقي نموذجًا مغايرًا لبنات الصعيد، لم تمارس مدرسة التربية الرياضية العشرينية تمردًا تقليديًا وهو السائد بين بنات جيلها اللاتي يتمردن على الواقع بأساليب متباينة وهي مستهجنة من المجتمع، غردت رانيا مدحت منفردة خارج السرب بطريقتها، لتدخل التاريخ كونها أول أنثي تمارس وتدرب لعبة العصا أو رياضة التحطيب الضاربة في عمق التاريخ المصري، لتكون الأنثى الأولي التي تمارس تلك الرياضة الذكورية منذ عهد الأسرة الخامسة الفرعونية. تقول الفتاة العشرينية ل«الوفد» إن التحطيب رياضة فرعونية تعود زمنيًا إلى 5 آلاف سنة وتحديدًا في عصر الأسرة الخامسة الفرعونية، حيث تم اكتشاف مناظر تصور المصريين القدماء يمارسون تلك الرياضة بغرض الدفاع عن النفس وكانت من الفنون القتالية التي يتدرب عليها المحاربون في الجيش المصري بغرض الدفاع عن النفس، وتضيف أن التحطيب تحوّل من رياضة قتالية للدفاع عن النفس، بمرور الزمن إلى لعبة شعبية تمارس في القري، حيث انتقلت إلى الفلكلور كرقص شعبي يمارس في الاحتفالات الشعبية المتنوعة. درست رانيا مدحت بكلية التربية الرياضية بجامعة أسيوط وهي الكلية التي كانت تتفق مع توجهاتها وهواياتها في حب الرياضة وممارستها منذ طفولتها، وكان تعلّم رياضة التحطيب تحديا كبيرا لها، لأنها رياضة ذكورية ولم يكن مسموحًا للإناث بممارستها أو تعلّمها، وإن كانت لم تجد معارضة من عائلتها في مركز صدفا بمحافظة أسيوط في تعلّم تلك اللعبة، حتي واتتها الفرصة عندما رشحتها جمعية الصعيد للتربية والتنمية مكتب محافظة أسيوط، لخوض دورة تدريبية في القاهرة علي يد الدكتور عادل بولاد مطور رياضة التحطيب الفرعونية. عادل بولاد مصري من أصول شامية وفد جده الأكبر «حبيب بولاد» إلى مصر هربًا من مذابح العثمانيين في دمشق سنة 1860، وكان مهتمًا برياضة التحطيب وعمل على إحيائها ونشرها في أوروبا في متحف اللوفر في باريس وعروض مع فرقته الدولية، كما عمل لمدة 5 سنوات مع اليونسكو في ملف تسجيل «التحطيب بلعبة العصا» وتسجيل اللعبة ضمن التراث الإنساني. توضح رانيا مدحت أن عادل بولاد اكتشف خلال توثيقه لرياضة التحطيب من خلال دراسة نماذج اللاعبين التقليديين الذين تعرّف علي أدائهم أنه كان أقرب إلى الفنون القتالية الأسيوية وأبعد ما يكون عن التوجه الاستعراضي الراقص وهو ما يؤكد أن التحطيب المعاصر الذي طوره «بولاد» هو عودة للجذور الأساسية للرياضة، وتضيف: ما فعله الدكتور عادل بولاد هو هيكلة التحطيب التقليدي وابتكار منهج رياضي معاصر مستمد من تجربة الفنون القتالية اليابانية فيما يتعلق بإدخال نظام التشكيلات، والزى الرياضي العصري، وإتاحة الفرصة للجنسين في ممارسة تلك الرياضة بعد أن كانت مقصورة على الرجال، وإضافة المبارزة الثنائية التقليدية لإحياء الأصل الفرعوني للرياضة في ميادين المعارك. خاضت رانيا مدحت كورسا تدريبيا لمدة شهر ضمن 12 فردًا، علي يد المدرب عادل بولاد وتنقلت بين القاهرة والمنيا، وحازت علي المركز الثاني كأفضل من حصلوا علي الدورة التدريبية، ورشحها مدربها لتخوض اختبار المدربين مع 5 أفراد آخرين، ونجحت لتكون أول مدربة تحطيب معاصر مصرية معتمدة من مؤسس التحطيب المعاصر عادل بولاد. لعبة التحطيب لعبة شعبية بالدرجة الأولي في الصعيد وتجذب العديد من الشباب وتقام حلقات كبيرة لممارسة اللعبة في التجمعات الموسمية وتكون في الغالب في الاحتفالات الشعبية بموالد الأولياء والمهرجانات الشعبية في الساحات الكبرى في القري، ما موقف الفتاة العشرينية من المشاركة في مثل تلك المحافل؟ تقول رانيا مدحت إنها لا تمانع في أن تمارس اللعبة أمام الرجال في حلقات كبيرة وأنها كانت الفتاة الأولي التي تمارس اللعبة أمام الرجال وتتغلب عليهم، وهي لديها رسالة من إتقانها لتلك الرياضة وهي تعزيز الهوية المصرية بنشر رياضة التحطيب الفرعونية لكل المصريين، وتنوه الفتاة العشرينية بأن التحطيب رياضة مقرونة بالضرورة بالشهامة والشموخ والأخلاق وهي من ثوابت الشخصية المصرية. لا تجد الفتاة العشرينية وهي تترجل في الشارع وتستقل المواصلات العامة من يجرؤ علي مغازلتها أو قول ما لا يخرج على الأدب، هي تنتمي لفئة من النساء اللاتي وصفهن محمود درويش «الجميلات هنّ القويات يأس يضىء ولا يحترق».