واجه الشرق الأوسط وضعا صعبا أمس إزاء حالة الغليان التي امتدت بين عدد من دوله ما بين تونس في الغرب مرورا بمصر في القلب ولبنان في الشرق، على نحو قد تشهد معه المنطقة شرق أوسط جديد ولكن تصنعه الشعوب هذه المرة . فقد تحول يوم الغضب المصري الذي دعت إليه مجموعة من الشباب على موقع الفيس بوك للتظاهر في مصر إلى يوم غضب في الشرق الأوسط ككل حيث تزامنت المظاهرات التي خرجت في مختلف أنحاء مصر أمس مع المظاهرات التي اجتاحت لبنان ونظيرتها المتواصلة في تونس على نحو يهدد بأن تشهد المنطقة حالة من عدم الاستقرار قد تسفر عن تغيير في ملامح الأنظمة الحاكمة في عدد من الدول الرئيسية. ففي مصر خرج آلاف المتظاهرين في أنحاء مختلفة من البلاد وصلت حتى لحظة كتابة هذا التقرير إلى 14 محافظة وإصابة العديد من الأفراد ومقتل ثلاثة آخرين. ورغم حرص الأمن على عدم الاشتباك مع المتظاهرين إلا أنه وقعت بعض المصادمات التي قد ينذر تصاعدها باتساع نطاق الاحتجاجات على نحو قد يجعلها بداية لحالة من عدم الاستقرار مما يهدد بدخول البلاد في "النفق التونسي"! ورغم أن منطقة وسط القاهرة شهدت أكبر تجمع للمتظاهرين وبشكل خاص ميدان التحرير ودار القضاء العالي وشارع مجلس الشعب، إلا أن نطاق الاحتجاجات اتسع ليشمل مناطق عديدة أخرى في القاهرة منها شارع جامعة الدول العربية وميدان العتبة ومنطقة شبرا فضلا عن الكثير من المناطق الأخرى التي شهدت تظاهرات ضمت أعدادا أقل. ويأمل المشاركون في المظاهرات تحقيق هدف تغيير النظام المصري على غرار ما جرى في تونس الأسبوع قبل الماضي في ضوء الظروف المعيشية السيئة التي يحياها القطاع الأكبر من المصريين، فضلا عن الاتهامات بالفساد التي توجه لعدد من أركان النظام. ومع تواصل المظاهرات أشارت الأنباء إلى القبض على عدد من المشاركين فيها وقد تباينت التقديرات بشأن أعداد المقبوض عليهم وإن تركزت حول 600 شخص حتى الآن. وفي لبنان الذي يشهد موجة من عدم الاستقرار على خلفية انسحاب حزب الله من الحكومة مما أدى إلى سقوطها خرجت مظاهرات احتجاج من قبل مناصري تيار المستقبل الذي يتزعمه سعد الحريري رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال دعما للحريري وللضغط على نجيب ميقاتي المكلف بتشكيل الحكومة للاعتذار. واتسمت الاحتجاجات على ما ذكرت الأنباء بالعنف وأسفرت عن قطع الطريق المؤدية إلى العاصمة السورية دمشق ضمن الاحتجاجات التي يقوم بها هؤلاء والتي امتدت إلى أكثر من منطقة في البلاد. وامتد قطع الطرقات وفقا لما ذكرته "بي بي سي" في بيروت إلى منطقة البربير حيث سمع إطلاق رصاص من قبل الجيش وحرق أهالي مجدل عنجر قرب الحدود مع سوريا إطارات السيارات. غير أن مظاهرات لبنان من المتوقع احتوائها إزاء الحالة التي تتجه إليها الأزمة هناك على خلفية قبول ميقاتي تشكيل الحكومة وحصوله على الأغلبية النيابية، الأمر الذي دعا الحريري ذاته في كلمة له إلى التراجع عن الاحتجاجات وإدانة عمليات التخريب التي صاحبتها. وفي تونس التي مثلت مصدر الإلهام للغضب في المنطقة تواصلت الاحتجاجات وإن على نطاق ضيق عما شهدته البلاد خلال الأيام الماضية. وكان الآلاف من التونسيين تظاهروا أمس احتجاجا على بقاء رموز حكومة بن علي. ويتوقع المراقبون للأحداث في تونس استمرار الأزمة بعد أكثر من عشرة أيام على فرار الرئيس السابق زين العابدين بن علي حيث يتظاهر آلاف الأشخاص يوميا للمطالبة باستقالة وزراء كانوا محسوبين على بن علي من الحكومة المؤقتة. ومع تشابه الأوضاع في الدول العربية مع ما هي عليه في تونس ومصر ولبنان من المتوقع أن تمتد عدوى الأحداث إلى دول عربية أخرى ومن أكثر الدول ترشيحا لتلك الموجة الجزائر والأردن التي شهدتا موجات من المظاهرات خلال الفترة الماضية، الأمر الذي ينبئ بأننا قد نكون على موعد مع شرق أوسط جديد ولكن تصنعه الشعوب هذه المرة.