«زي النهارده».. 9 يونيو 1967 تنحي الرئيس عبدالناصر بعد نكسة 67    طلاب «إعلام المنوفية» يطلقون حملة «إعلامنا» للتعريف بالكلية ومميزات الدراسة بها    ارتفاع أسعار الدواجن والبيض اليوم في الأسواق    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 9 ونيو 2024    البترول: استيراد 15 شحنة غاز لشبكة الكهرباء.. والأولى تصل خلال 10 أيام    البنك المركزي يعلن معدلات التضخم في مصر بنهاية مايو.. الاثنين    الجيش الأمريكي يعلن استئناف عمليات الإغاثة عبر الرصيف العائم    حزب الله يعلن قصف مقر قيادة كتيبة السهل في ثكنة بيت هلل الإسرائيلية براجمة من صواريخ فلق 2    فلسطين.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تشن حملة اعتقالات واسعة    أيمن يونس: إمام عاشور افتقد للأداء الجماعي وحسام حسن أصاب بالاعتماد على الشناوي    «مين هيقدر يديره؟».. القيعي يكشف سبب رفضه لتعاقد الأهلي مع ميدو    أمم أوروبا 2024.. المنتخب الإنجليزي الأعلى قيمة سوقية ب 1.78 مليار يورو    بشرى عن طقس اليوم 9 يونيو.. انخفاض الحرارة 4 درجات    لماذا زاد ظهور عمرو دياب في الأفراح والمناسبات مؤخراً.. ناقد موسيقى يجيب    «زي النهارده».. وفاة الفنان عبدالله محمود 9 يونيو 2005    نشرة «المصري اليوم» الصباحية.. «هيئة الدواء» تسحب أدوية جديدة من الصيدليات.. انفراد..النيابة العامة تحيل «سفاح التجمع» لمحاكمة عاجلة أمام «الجنايات».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الأحد: 48 ساعة قبل عودة الغليان (تفاصيل)    10 سنوات إنجازات | طرق وكباري و3 محاور رئيسية لإحداث طفرة تنموية في قنا    هيئة التجارة البحرية البريطانية تعلن عن هجوم استهدف سفينة في السواحل اليمنية    ننشر أوائل الشهادات الإعدادية والإبتدائية الأزهرية بالوادي الجديد    أطول إجازة للموظفين في مصر خلال 2024.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى    حبس 8 مسجلين خطر بينهم سيدة ضبط بحوزتهم 13 كيلو مخدرات بالقاهرة    بايدن مخاطبًا ماكرون: شراكة الولايات المتحدة وفرنسا «لا تتزعزع»    أسامة كمال: الحكومة المستقيلة لهم الاحترام.. وشكل الوزارة الجديدة "تكهنات"    ليلى عبد اللطيف تكشف حقيقة توقعها بعيد أضحى حزين في مصر    تحرك عاجل من السعودية بشأن الحج بدون تصريح    سعر الدينار الكويتي في البنوك اليوم الأحد 9 يونيو 2024    مقتل 45 شخصا على الأقل جراء صراع عشائري في الصومال    ياسر إدريس: لا ينقصنا لاستضافة الأولمبياد سوى إدارة الملف    طارق سليمان: كنت مع مشاركة شوبير في نهائي إفريقيا على حساب الشناوي    «هيكسروا الدنيا».. سيف زاهر يكشف ثنائي جديد في الزمالك    خبير مائي: سد النهضة على وشك الانتهاء من الناحية الخرسانية وسيولد كهرباء خلال سنتين    مع بدء رحلات الحج.. خريطة حدود الإنفاق الدولي عبر بطاقات الائتمان في 10 بنوك    «القومى للمسرح المصري» يحتفي بدورة «سميحة أيوب»    ضبط مصري يسرق أحذية المصلين بمسجد في الكويت وجار إبعاده عن البلاد (فيديو)    جامعة العريش تطلق مبادرة شاملة لتأهيل الخريجين لسوق العمل    السعودية تبعد 300 ألف شخص من مكة لعدم حملهم تصاريح الحج    النديم: 314 انتهاك في مايو بين تعذيب وإهمال طبي واخفاء قسري    "نيويورك تايمز": قنبلة أمريكية صغيرة تقتل عشرات الفلسطينيين في غزة    طارق قنديل يتحدث عن.. سر نجاح الأهلي ..البطولة الأغلى له.. وأسعد صفقة بالنسبة له    ليلى عبداللطيف تتسبب في صدمة ل أحمد العوضي حول ياسمين عبدالعزيز (فيديو)    شاهد.. أكشن وكوميديا وإثارة فى برومو عصابة الماكس تمهيدا لطرحه فى عيد الأضحى    إصابة 6 أشخاص في تصادم سيارة وتروسيكل بالإسماعيلية    ما أهم الأدعية عند الكعبة للحاج؟ عالم أزهري يجيب    مصرع طفل عقب تعرضه للدغ عقرب فى جرجا بسوهاج    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد انتظام سير العمل بعيادة الجلدية ووحدة طوسون الصحية    عاجل.. انفراجة جديدة في مفاوضات بن شرقي وحقيقة عرضين الخليج ل "الأخطبوط"    ما هي أيام التشريق 2024.. وهل يجوز صيامها؟    دعاء ثالث ليالي العشر من ذي الحجة.. اللهم بشرنا بالفرح    حظك اليوم برج الحوت الأحد 9-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    عقوبة تصل ل مليون جنيه.. احذر من إتلاف منشآت نقل وتوزيع الكهرباء    وزير الصحة يتفقد مستشفى رأس الحكمة والضبعة المركزي بمحافظة مطروح    انتصار ومحمد محمود يرقصان بحفل قومي حقوق الإنسان    «تخلص منه فورًا».. تحذير لأصحاب هواتف آيفون القديمة «قائمة الموت» (صور)    وزير الصحة يوجه بسرعة توفير جهاز مناظير بمستشفى الضبعة المركزي    تحرير 40 مخالفة تموينية فى حملة على المخابز والمحال والأسواق بالإسماعيلية    وزير التعليم الفلسطيني: تدمير 75% من جامعاتنا والمدارس أصبحت مراكز للإيواء    جامعة المنوفية تشارك في مبادرات "تحالف وتنمية" و"أنت الحياة" بقوافل تنموية شاملة    فضل صيام العشر من ذي الحجة 1445.. والأعمال المستحبة فيها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسن المستكاوي: رأيته يبكي ويقول: يا رب خدني.. وسيب ابني
«أبى.. الذي لا يعرفه أحد»
نشر في الوفد يوم 24 - 09 - 2016

أيوه.. يا ابنى أنا د. طه حسين! ماذا لديكم جاهز الآن للطبع؟ «الدكتور هو المشرف على النشر فى الدار».
- رد: أهلاً يا أفندم.. أنا سيد شعبان «مطبعجى» دار الكاتب المصرى، وردية بعد الظهر!
- أهلاً يا مولانا!
- عندنا معاليك يا دكتور كتاب اسمه «أزمة الضمير الأوروبى» لاثنين من الكتاب قاما بترجمته.
- ومن هما؟
- واحد اسمه نجيب المستكاوى.. والثانى اسمه جودت عثمان.. كُتاب «مجاهيل» يا دكتور لا يعرفهم أحد.
- طيب.. أنا أنتظرهما غداً بالترجمة!
فى اليوم التالى ذهبا معاً إلى لقاء عميد الأدب العربى..
«جودت» يسأل «نجيب».. طه حسين مرة واحدة.. يرد: ربنا يستر، وبالفعل ستر ربنا، ليكتب عنه طه حسين مقدمة الكتاب، قال فيها: «تعالوا إلى لذة المعرفة.. ومتعة الفهم.. وسمو التذوق»!
الدكتور يجلس وبجواره سكرتيره «فريد أفندى شحاتة».. وأمامه الشابان بعد دقائق من مراجعة الترجمة معهما.. يضحك طه حسين ويقول لهما: الله.. برافو عليكما.. أنتما إضافة للترجمة والنشر فى مصر والوطن العربى.. بالتوفيق شدوا حيلكم فى هذا الاتجاه، فالمكتبة العربية فى حاجة شديدة لمثل هذه الكتابات المترجمة. وهذه الدقة والتميز فى الترجمة. أياما بعد أيام، وخطوات بعد خطوات.. تغيرت الدنيا.. وتحولت الميول.. وبدلاً من أن يكمل «نجيب المستكاوى» الطريق الذى اختاره له، وشجعه عليه د. طه حسين.. اختار هو -أو اختارته هى- الرياضة، ليجعل من الكتابة الرياضية حالة من الإبداع، والإمتاع، لا تقل القراءة فيها عن الممارسة لها، هو ده «نجيب المستكاوى»!
فى سلسلة حوارات «أبى.. الذى لا يعرفه أحد».. ذهبت إلى عالم نجيب المستكاوى. اتصلت بالابن حسن المستكاوى.. اتفقنا على الحوار.. حدد لى الموعد فى الأهرام، تلك المؤسسة التى ساهم أبوه فى صنع مجدها، أيام الأستاذ هيكل، حيث كان بائع الصحف ينادى فى الشارع «اقرأ هيكل.. والمستكاوى». وصلت فى الموعد.. جلست أمامه. أنهى عدة مكالمات هاتفية لها علاقة بالعمل. أغلق الهاتف، ثم قال: اتفضل. قلت: نجيب المستكاوى.. الأب.. فى حياتك.. كيف كان؟ قال بعدما أسند ظهره إلى مقعده، وأمسك بفنجان قهوة كان أمامه، ليرشف ما تبقى فيه: كان الأب والصديق، كان الحب والحنان، كان الثقافة والرياضة، كان الحلم والصبر.. كان باختصار أشياء جميلة، وعظيمة فى حياتى أنا بصفة شخصية. قلت: هل تذكر رحلة الصيد التى كانت فى بحر الخليج العربى معه أوائل الثمانينيات، رد قائلاً: هل هذا يوم ينسى؟ ثم شرد بذهنه قليلاً، ووجه بصره إلى ضوء الغروب الذى يأتينا من خلف نافذة مكتبه أو المكتب الذى نجلس فيه.. وقال: يومها غادرت مصر معه إلى رحلة صيد فى بحر الخليج العربى.. وكان معنا 10 أفراد آخرين، وصعدنا على ظهر «القارب» وفجأة بعد فترة من الوقت توقف «القارب».. وحل علينا الليل.. ونحن فى عرض البحر.. الليل بدأ يسدل أستار ظلامه.. الخوف سيطر علينا جميعاً.. نحن فى قارب متوقف. الظلام حل علينا.. لا أحد يعرف مكاننا. أسماك القرش أسفلنا فى انتظارنا، والسماء فوقنا، وليس لنا معين أو نصير أو منقذ، إلا رب الأرض والسماء، الكل بدأ ينزعج.. وتحول الانزعاج بعد فترة إلى خوف، والخوف إلى رعب. وأنا أنظر إلى عيني أبى التى تعلقت بالسماء.. البعض منا بدأ يقرأ القرآن.. البعض الآخر يناجى ربه والموت بدأ كضيف ثقيل الظل بدأنا نشعر بوجوده معنا على ظهر القارب. عاد مرة أخرى إلى صمته قليلاً.. ثم قال: بعد دقائق وجدت أبى ينعزل على طرف القارب ويناجى ربه بصوت مسموع لى.. يا رب.. حسن ابنى ده.. لسه شاب صغير -عمرى وقتها لا يتعدى العشرين - يا رب.. لسه معش حياته.. يا رب أنت عالم.. يا رب لو مكتوب لنا الموت اليوم.. موتنى أنا وسيبه هو.. يا رب.. ثم بكت عيناه، وامتلأ وجهه بالدمع.. وتحشرج صوته فى حنجرته ثم سكت.
قلت: نحن أمام أب وجد نفسه مع ابنه فى مواجهة الموت وما أصعبها مواجهة، رد قائلاً: بل وما أقساها مواجهة، هذه لحظات، بل دقائق لا أنساها فى حياتى.. بعد ساعات من الرعب، كنا فيها على مشارف الموت، فيما يبدو واستجاب الله لدعاء أبى، ولم ينقذنى أنا بمفردى، بل أنقذنا الله وعنايته الإلهية جميعاً.. ربنا استجاب للدعاء.. وفجأة تذكرنا العامل الذى استأجرنا منه «القارب» فاستقل «قاربا» آخر، وانطلق يبحث عنا، حتى وجدنا واقفين فى عرض البحر، والظلام يحيط بنا، من كل جانب. قلت: ألم يكن معكم قوارب نجاة؟ رد: معطلة. ألم يمر عليكم قارب أو سفينة أو باخرة؟ رد: ولا الهوا. قلت: إذن كنتم «ميتين.. ميتين»!.. رد: لكن ربنا ستر.. الحمد لله.
ولد نجيب المستكاوى فى 8 إبريل 1918 فى قرية «الشين» محافظة الغربية. حصل على ليسانس الحقوق جامعة القاهرة عام 1939. له من الأبناء خمسة، بدأ حياته العملية محامياً والتحق بالعمل بوزارة الشئون بعد ثورة 1952، ثم اتجه إلى الترجمة، وبعد ذلك خطفته الصحافة الرياضية، فهو بطل سابق فى مائة متر عدوًا وحكم فى ألعاب القوى وكاتب وناقد رياضى صنع مجده، ومجد الصحافة الرياضية بالصدق والموضوعية، توفى فى عام 1993 بعد فترة مرض قصيرة قضاها فى مستشفى المعادى العسكرى.
وفى مستشفى المعادى العسكرى أجرى معه آخر حوار صحفى فى مقر إقامته بقسم القلب، سُئل: أى الرياضات أحب إلى نفسك؟ قال: أنا حبى في الحياة هى الرياضة، لكن رداً على سؤالك، تظل الكورة.. هى حياتى.. ده عندى حتى 11 حفيداً، بفكر لما أخرج من المستشفى أعمل بيهم فريق ينافس على الدورى!!
نعم كانت الرياضة بالنسبة ل«المستكاوى» حياة.. حياة بكل ما فيها من انتصار وانكسار. من فكر ودهشة وكره وحب وأمل وعمل. وفى عدد مجلة الهلال 1 يوليو 1990 كتب مقالا تحت عنوان «الرياضة والثقافة» قال فيه: «إن هيرودوت المؤرخ «البيزنطى» المعروف وصاحب العبارة الشهيرة «مصر هبة النيل» عندما زار مصر عام 450 قبل الميلاد، شاهد المصريين يلعبون بكرة مصنوعة من القماش أو جلد الماعز المحشو بالقش، واللعب كان بين فريقين يتبادلانها، حتى إذا تجاوزت خط عرض الملعب، أصبحت هدفاً». إذن نحن أمام كاتب كان يرى أن الرياضة فى حد ذاتها ليست رياضة جسد، لكنها رياضة عقل، ليست كرة يجرى وراءها اللاعبون، ولكنها فهم ووعى وسمو بالأخلاق، وقدرة على استيعاب الآخر، والتحول من الهزيمة إلى النصر، إذا ما حلت بك الهزيمة، هل كان هذا مفهومه للرياضة فيما أعتقد؟ عدت للابن حسن وطرحت عليه السؤال، قال: الرياضة لم تكن له لعبة أو فوزا وهزيمة ولاعبا يركل الكرة بقدمه.. أبى كان يرى الرياضة أسلوب حياة، فيها تجتهد، وتفكر، وتعمل، وتنافس، وتهزم، وتنتصر، وما هى الحياة؟ هى خليط من كل ذلك؟ كانت هذه رؤيته للرياضة بصفة عامة.. أما رؤيته للحياة فقد كان فيها عمق وفلسفة. كان يدرك أنه فى هذه الحياة من أجل هدف ومعنى، فهو نشأ فى أسرة تعمل إلى حد ما فى العمل العام، الذى كان فى ذلك الزمن عملاً بهدف جلاء الاحتلال.. لقد خرج هو وإخوته فى المظاهرات ضد الإنجليز، وأطلق عليهم النار، أثناء هذه المظاهرات من هنا كان يعرف قيمة هذا الوطن، ويعرف أنه بلد مستهدف من الخارج، إذن كانت أرضيته المهنية قائمة على حب هذا الوطن، والسعى إلى رفعة شأنه فى أى مجال عمل فيه. قلت من أول الترجمة أليس كذلك؟ رد: ومن قبل الترجمة، منذ أن كان طالباً فى كلية الحقوق.. وبداية عمله فى المحاماة التى عمل فيها لفترة، ثم بعدها انتقل للعمل كموظف فى وزارة الشئون الاجتماعية، قبل إنشاء وزارة للشباب والرياضة، وكان يشرف داخل وزارة الشئون على الفرق الرياضية، كان قبل ذلك يكتب مقالاً أسبوعياً فى جريدة المصرى عام 1948 على صفحة كاملة. قلت هل كانت صفحة رياضية؟ قال: لا.. كان يكتب عن أعلام الفلسفة فى التاريخ، وله مؤلفات وترجمات فى هذا الشأن. قلت: إذن هو جمع بين الثقافة والرياضة والصحافة فى وقت واحد.
هو رجل الألقاب فى الملاعب المصرية.. فعلى فاروق جعفر أطلق اسم «أوناسيس»، وصالح سليم «المايسترو»، والخطيب «الخطير»، ومصطفى عبده «المجرى». وعلى الأندية: الترسانة «الشواكيش»، وغزل المحلة «الفلاحين»، والزمالك «العتاويل»، والأهلى «العناتيل»، والإسماعيلى «الدراويش»، والاتحاد السكندرى «الاتحاد الصيفى».
عدت من الإسكندرية إلى القاهرة، حيث أجلس الآن مع الابن حسن المستكاوى الذى يتحدث عن أبيه، وكأنه يتحدث عن صديق أو عن كاتب مفضل لديه. قلت: هل ما أقوله صحيح؟ رد: نعم.. فهو بالنسبة لى كاتبى المفضل، فلقد عرفته كاتباً وأنا طفل صغير، حيث كان يجلس فى البيت قبل نزوله للجورنال يكتب فى بعض الأوراق موضوعات كانت عاجلة بالنسبة له، وكنت أنا أجلس بجواره فى متعة غريبة.
قلت: هل كان يوجه انتباهك لهذه المهنة؟
لا.. أبى لم يطلب منا - نحن الخمسة- أن نعمل هذا أو لا نعمل هذا.. فهو فقط يوجه بالنظرة، لا بالكلمة.. ترك لنا حرية اختيار نوعية الدراسة، وبعدها ترك لنا حرية اختيار المهنة.. وأنا من صغرى أحببت الصحافة، وكنت مبهوراً بالأهرام، حيث زرته أكثر من مرة وأنا طفل صغير، وانبهرت أكثر بالأستاذ هيكل.. وأذكر عندما التقيت به أول مرة فى الأهرام سألته: يا أستاذ.. عندما تكون مع الرئيس عبدالناصر.. هل تناديه باسمه أم تقول له يا سيادة الرئيس؟.. قال لى: أمام الناس سيادة الرئيس.. وبينى وبينه حاجة تانية.
قلت له كيف انتقل للعمل بالأهرام؟ قال: بعد الثورة مباشرة - ثورة 1952- كان مسئول إدارة شئون الرياضة فى وزارة الشئون الاجتماعية، وكانت مهمته الرد الدائم على أسئلة مندوبى الصحف فى الوزارة، والمهمة جعلته فى ملل وضيق من كثرة الإجابة على الصحفيين، فقرر أن يكتب بياناً يشرح فيه بالتفصيل ووزعه على مندوبى الصحف. البيان وقع فى يد كمال نجيب المسئول عن كتابة الرياضة فى الأهرام.. فأعجب به، وجاء بأبى وقدمه ل«بشارة تكلا» صاحب الأهرام فى ذلك الوقت، يومها قال له «تكلا»: معك الآن صفحة كاملة فانظر ما ترى».. وبدأ العمل.
بمناسبة العمل.. هل جاملك بالعمل فى الأهرام؟ لا.. بالعكس كان شديد الصرامة معى.. وأنا بعد التخرج تدربت فى الجمهورية فترة، ثم سافرت للعمل فى الخليج لمدة عشر سنوات قبل العودة لمصر.. وقتها عدت بعدما أخذت الخبرة الكبيرة من العمل فى صحافة الخليج التى كانت بدأت تدخل إلى عالم التطور التكنولوجى فى الصحافة مبكراً.. بعد العودة التحقت بالأهرام ليتحقق حلمى فى العمل فى هذا المكان المحبب إلى نفسى منذ الطفولة.
فى منتصف الستينيات دخل المستكاوى على هيكل مكتبه وعليه علامات التوتر قليلاً.. قال «هيكل»: مالك يا مستكاوى.. رد: إمبارح يا أستاذ فريق الزمالك كان يلعب مع فريق الاتحاد، رد هيكل: عارف.. وكتبت أنا قلت «هل كان لابد أن يفوز الزمالك؟».. إذن حضرتك عارف الموضوع! رد: نعم: المشير عامر كلمنى، وقتها كان المشير عامر يساند فريق الزمالك وشقيقه كان رئيس النادى، وقلت له يا سيادة المشير: أنا عارف المستكاوى بيعمل إيه؟ وهو كان يريد منك الاعتذار. رد المستكاوى وأنا لن أعتذر.. قال «هيكل» وأنا أؤيد رأيك.. اتفضل واعمل شغلك كما يحلو لك.
عدت للابن حسن حتى أعرف معلوماته عن تلك الواقعة، قال: وقتها المشير غضب لأنه اعتقد أن أبى كان يلمح بأن فوز الزمالك جاء مجاملة سياسية.. قلت له: وهل فى الرياضة مجاملات؟ رد: نحن بشر.. وأحياناً يحدث هذا بدون ترتيب أو تخطيط.. لكن تأكد أن البطل لا يكون بطلاً بالمجاملة. أنت تكون ناجحا ومتفوقا ومتصدرا بتعبك ومجهودك وإصرارك على النجاح وعلى الفوز ويكون بداخلك روح التحدى والقدرة على النجاح.
ومن الأهرام حيث نجلس منذ أكثر من 60 دقيقة شربنا فيها شاى وقهوة مرتين ورن جرس تليفون المكتب ثلاث مرات، ودخل إليه سكرتير التحرير مرة واحدة يسأله عن مقاله.. قلت له: فلنذهب إلى قسم القلب بمستشفى المعادى العسكرى، حيث كان يرقد فيه للعلاج قبل رحيله بأيام.. هل تتذكر تلك الأيام؟ رد قائلاً: بعد الأزمة الصحية التى تعرض لها، نقل إلى مستشفى المعادى العسكرى، والحالة تحسنت بعض الشىء، ثم انتقل بعدها إلى البيت، وتابعنا معه ومع الأطباء حالته الصحية. وظل هكذا حتى وفاته.
- هل كنت داخل مصر وقت رحيله؟.. نعم كنت فى شقتى بجوار منزله فى المعادى.. وقبل رحيله بساعات صعدت إليه وجلست معه فترة، نتحدث ونناقش فى حدود وضعه الصحى.. ثم فى نهاية الجلسة تركته وذهبت إلى قضاء بعض الأشياء، بعدما قال لى: أنا كويس.. متقلقش علىّ، بالليل «تعب»، وتطلب ذلك نقله إلى المستشفى، ووقتها سبق بالحضور زوج شقيقتى الأستاذ إبراهيم حجازى الكاتب والإعلامى المعروف، وذهب به إلى أقرب مستشفى، لكن بعد فترة من وجوده بالمستشفى بدأ القلب فى التوقف.. ومات.. وصلت إلى المستشفى وأنا دموعى تسبق أقدامى وحزنى يسبق كلامى.. والحقيقة أنا كنت حاسس من آخر مرة كنت معه فيها، أنه بدأ يدرك قرب النهاية.. كلماته، نظرته، أحاسيسه، كانت كلها تقول إنه خلاص فى طريقه إلى تسليم الأمانة التى أودعها الله فى جسده.. الله يرحمه!
الدعاء له بالرحمة كانت آخر كلمات سمعتها من الابن حسن المستكاوى.. كان يقولها وعيناه تنظران إلى الفراغ، وصوت قلبه يكاد يسمع ونحن نجلس معاً. كان يقولها وكله يقين أن الله سيرحم هذا الأب الذى أحب الحياة وأحب عمله وأحب وطنه وأحب ربه. قلت له: هل لديك كلمات تريد أن تقولها له فى نهاية اللقاء؟ قال: بعد فترة صمت رأيت فيها الدموع تتحرك بين جفوفه.. قال: وحشتنى يا عم نجيب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.