بدأ الشاعر والكاتب الصحفي جمال فتحي مشواره مع الكتابة مبكرا وأصدر ديوانه الأول "في السنة أيام زيادة" عن المجلس الأعلى للثقافة 2001 وهو الديوان الذي احتفي به القراء من عشاق شعر العامية والنقاد معا رغم كونه التجربة الأولى، ثم توالت الإصدارات التي شكلت محطات مهمة فى مشروع الشاعر الإبداعي منها: ديوانه «عنيا بتشوف كويس» الصادر عن هيئة قصور الثقافة، ثم «جلد ميت» عن دار مزيد فضلا عن تجربته المتميزة فى الأدب الساخر من خلال كتابه الصادر 2012 « شفاء الموجوع فى أحوال دولة المخلوع «، فضلا عن مقالاته النقدية عن الأعمال الإبداعية فى معظم الدوريات الثقافية وأخيرا فاجأ «فتحي» نفسه قبل المهتمين بالشعر بإصدار تجربته الأولى في شعر الفصحي عبرديوانه « فور العثور على قدمي « والصادر مؤخرا عن دار «الدار» ما جعله مناسبة لحوارنا معه : بداية.. مارؤيتك للمشهد الثقافى والشعر بصفة خاصة؟ للأسف ما زال المشهد الثقافى يعانى معظم مشكلاته قبل الثورة ولم تصل إليه رياح التغيير بعد،فرغم وجود بعض الكيانات والتكتلات المستقلة التى تحاول جاهدة إحداث تغيير وتنوير مثل مؤسسة «دوم» و» الفن ميدان « التى تعانى من المنع فإن الأداء الفردى يسيطر على المشهد فى غياب وعجز لمؤسسات الدولة الثقافية عن صنع طفرة بسبب إرثها الثقيل من البيروقراطية وضعف الإمكانيات، لكن الأجمل بروز جيل من القيادات الشابة مثل هيثم الحاج على ود.محمودالضبع فى رئاسة هيئة الكتاب وسيد محمود فى جريدة القاهرة وطارق إمام ومحمد شعير فى مجلتى «إبداع» و«عالم الكتاب» وبالنسبة للشعر فهو لا يزال أيضا يعانى من العزلة والانكفاء على الذات فى مواجهة دعم غير محدود لفن الرواية وفنون أخرى، ورغم ذلك فالشعراء الحقيقيون هم أنبياء ذاك العصر القابضون على الجمر وإذا كان هذا زمن الرواية فالشعر لكل الأزمان. لماذا الآن وبعد أربعة دواوين بالعامية أصدرت ديوانك الأول في الفصحى؟ «فور العثور على قدمي» هو ديواني الفصيح الأول بعد أربعة دواوين بالعامية المصرية وكتاب في الأدب الساخر، أما لماذا الآن خرجت التجربة الشعرية فصيحة، فهذا السؤال ليس له مجال في الأدب، فمساءلة التجربة عن جنسها وقالبها اللغوي أمر غير جائز والجائز فقط هو مساءلتها أدبيا وفنيا عما حققته من اشتراطات الشاعرية الحقيقية وعن كيفية طرحها وليس عن جنسها أو تصنيفها، فمحاولة الوصول لجوهر الشعر هو المبتغى ثم لا نسأل عن الوسيلة أو شكل القصيدة ولغتها عامية كانت أو فصحى. ماذا تمثل لك الكتابة بشكل عام والشعر على وجه خاص؟ الكتابة مغامرة ممتعة وربما تكون لعبة مفيدة يلعبها الكاتب أو الشاعر مع نفسه ومع العالم، وهى اكتشاف دائم ومحاولة للبحث عن عوالم أفضل وأرقى وأجمل وهى هروب دائم من كل قبيح والحقيقة أن الكتابة تصنع المعجزات فى خيال الكاتب أو الشاعر وتجعله يعيش فى عالم أفضل لم يستطع تحقيقه فى الواقع، وهى جهاز تنفس اصطناعي حينما يختنق الكاتب من هواء الواقع الملوث، وما ينطبق على الكتابة بشكل عام ينطبق على الشعر بشكل أكثر عمقا فالشعر يمثل لي طوق نجاة وملاذ أخير وثورة مستمرة على القبح وقصيدتي رئة ثالثة ميزني بها رب العالمين عن بقية خلقه. هل يمكن أن تحدثنا عن جانب من تجربتك فى ديوانك الجديد؟ ديواني « فور العثور على قدمي « وهو عبارة عن مجموعة قصائد نثرية، لا يمثل تجربة واحدة بل ينطوي على مجموعة من التجارب تسير في مسارات متوازية نحو محطة شعرية تلتقي عندها كل المسارات في النهاية وتلك المحطة هي « الإنسان «، والإنسان عندي هو مشروع المشاريع، أعشق الكتابة التي تفسره وتسجل حزنه وسعادته ودهشته وخوفه إلى آخره، ولهذا ولا أؤمن بكتابة تتجاهل الإنسان مهما كانت جميلة. كيف ترى واقع قصيدة النثر الآن؟ قصيدة النثر انتقلت من اضطهاد الهامش إلى إبداع المتن، وعليها الآن أن تواصل تأكيد جمالياتها وأن تصنع تراكمها الإبداعي الذي يبرهن على حضورها ومساحتها المستحقة في تاريخ الشعر العربي، وهناك عدد كبير من المبدعين أصحاب التجارب المميزة والأصوات الشعرية اللافتة وهذا لا يمنع من وجود كم كبير من الإبداعات التي تمثل عبئا على تاريخ تلك القصيدة لم يفهم أصحابها المراد الحقيقي بجوهر الشعر ولا روح قصيدة النثر ومغزاها. وهل سيمنعك الالتفات للفصحى الآن عن استكمال مشروعك في شعر العامية؟ بالطبع لي مشروعي الذي أسعى لاستكماله بخصوص شعر العامية المصرية وقد حاولت في كل ديوان أن أخطو خطوة فى اتجاه ذلك المشروع، وفى العامية لي لغتي الخاصة جدا، وتجربتي التي لا تشبه أحدا أسجل فيها تجربة شاعر العامية ابن المدينة وآلامها وأحزانها وصراعاتها وتفاصيلها وحيطانها وجدرانها بلغة محايدة يفهمها الجميع لا تسيطر عليها لهجة معينة من لهجات أهل مصر كما عند الكثير من شعراء العامية المصريين خاصة من أهل الصعيد أو البدو، وأعتقد أنني لن أنشغل عن ذلك المشروع لأي سبب من الأسباب إطلاقا، فهناك تحت الطبع ديوان « مكتوب غياب « بالعامية المصرية، فليس هناك محطة نهائية مع الأدب أبدا، كل ما في الأمر أن التجربة تستدعي ثوبها اللغوي وقالبها الفني ولكل تجربة عالمها الخاص، وأعتقد أن ملامح مشروع المبدع في النهاية تتضح مع اكتمال كل تلك التجارب كيف ترى تأثير ثورة يناير على شعر العامية المصري؟. ثورة يناير ضخت دماء جديدة في شعر العامية المصرية، فقد أثمرت شجرة العامية ثمارا طازجة تنتمي كلها للجذور نفسها، وليس غريبا فطوال تاريخه تصدى شعر العامية لكل القضايا الوطنية وتحمل عبء التعبير عنها وتجسيد أحلامها والتعبير عن آلامها نظرا لقرب لغة تلك القصيدة ومضامينها من آلام الشارع المصري ومن أحزان الوطن وكذلك سهولة حفظها وتداولها وتلحينها وغنائها ومن ذلك : قصائد نجم مع الشيخ إمام وقصائد عمنا فؤاد حداد وكتابات العملاق صلاح جاهين الذي كان المتحدث الإعلامي باسم ثورة يوليو وشاعرها الأول. ما سر سيطرة الرواية على المشهد بهذا الشكل على حساب الشعر؟ نعم حازت الرواية على مساحة كبيرة وصارت النوع الأدبي الأكثر رواجا وشهرة وذاعت شهرة الروائيين على حساب الشعراء، لكن لذلك أسباب متعددة ومتداخلة، لكن ورغم وجود الكثير من الأعمال الروائية العظيمة فإن جزءا كبيرا من ذلك الحضور والزخم زائف وغير حقيقي وانتشار مصطنع قائم على وسائل دعاية زائفة تعتمد على مقولات حاكمة عن سيطرة الرواية وانتشارها مع بعض العناوين البراقة والأغلفة اللافتة أضف لذلك ما تفعله الجوائز من زيادة في انتشار وترويج وطبعا هذا كله لا ينطبق على الروايات العظيمة والروائيين الرائعين. وما سرك مغامرتك مع الأدب الساخر فى تجربة وحيدة حتى الآن؟ لي تجربة وحيدة في الأدب الساخر هي كتابي الصادر في 2012 بعنوان «شفاء الموجوع في أحوال دولة المخلوع» وقد صدرت في زخم الثورة وأتمنى أن تحصل على نصيبها من القراءة، وقد كان لي فيها مغامرة أخرى بالبحث في كتابة مغايرة ومختلفة وتسجيل موقف ما سياسي ووطني عبر الكتابة الساخرة. كيف ترى مسألة حبس الكتاب وقضايا حرية التعبير التى تصل إلى حد احتقار الآخر وازدراء دينه؟. نعيش فى مصر حالة غير مسبوقة من خلط المفاهيم وعشوائية إصدار الأحكام والزج بالمصطلحات فى النقاشات العامة والسياسية دون وعى بحدود تلك المصطلحات مما يؤدى إلى صدامات عنيفة فى الأفكار والتصورات تؤدى فى النهاية إلى مناخ ملائم للإرهاب، أما حبس الكتاب فهو عار وأمر لم يعد مقبولا فى أى مكان فى العالم بل وعلامة على أننا نعيش فى الماضى السحيق مهما كان تجاوز الكاتب، كما أن الوطن بأكمله يعيش أزمة ازدراء فعلا ولكنه ازدراء للعقل وهو أخطر بكثير من ازدراء الدين، فالشعب والسلطة والمجتمع بأكمله ووسائل الإعلام الجميع يزدرون العقل ويسلمون مصائرهم ومصير الوطن للزيف والأوهام دون مناقشة موضوعية لأزماته، ولاشك أن لا إبداع بلا حرية ومغامرة، وطبيعة المغامرة الخطأ، لكن يجب ألا يصل العقاب إلى السجن أبداً. لماذا تأخرت عضويتك في اتحاد الكتاب إلى الآن؟ اتحاد الكتاب المصري "كائن هلامي" وأغلب المبدعين الكبار غير مشغولين به وبعضويتهم فيه، أتمنى عضوية اتحاد كتاب مصر الذي في خيالي، وأذكر أنه فى كل موسم انتخابات تأتيني عشرات الرسائل تطلب التصويت لأصحابها في مجلس الإدارة رغم أننى لست عضوا فيه، وأقترح تفكيكه وتأسيسه من جديد على معايير حقيقية وانتخابات شفافة وبرنامج يخدم الثقافة والفكر والإبداع المصري، هذا أفضل من استمراره بشكل يدعو للبؤس، فهو مسمي كبير ومضمون بائس. آخيرا ..هل تعتقد أن كم الجوائز المرصود للرواية نافع دائما؟ نعم هناك روائيون نبتت مواهبهم على ضفاف الجوائز، ونستطيع أن نطلق عليهم روائيو الجوائز وهؤلاء حولوا كتابة الرواية إلى أكل عيش، للأسف لكن ليس معنى هذا ذم الجوائز الكثيرة بطول الوطن العربي بالعكس، يكفى للجوائز أنها تساعد بعض الكتاب على مواصلة جهدهم وإسهامها في جذب عدد أكبر من القراء في زمن تقل فيها القراءة بشكل عام.