لكن صبر ام مازن نفد. وصرخت وهي تنظر من نافذة غرفة نوم اطفالها, وترى القنابل العنقودية بين الاوساخ. ان خمسة اسابيع من الحرب, قد فرشت جنوب لبنان بعشرات الالوف من المتفجرات الصغيرة الاسرائيلية. \r\n \r\n وولولت ام مازن في وجه مزيلي الالغام قائلة:»انهوا هذا العمل اليوم! فلم يعد بي الانتظار اكثر«. وكان فريق من »مجموعة مستشاري الالغام البريطانية« قد اغلق الشارع التالي بغاية تفجير عدد من القنابل العنقودية. ثم غمغمت ام مازن من غضب واحباط وعويل ودموع.. »لكن هذا بيتي, ماذا جرى له! سأرحل من هنا!«. \r\n \r\n تتزايد نسبة الاصابات بين المدنيين جراء حرب الاربعة وثلاثين يوما. واشارت ارقام الجيش اللبناني الى ثماني حالات وفاة و38 اصابة بجروح من القنابل العنقودية, بينما ذكرت تقارير الاممالمتحدة ان 249 موقعا تم تحديدها كأماكن القيت عليها قنابل عنقودية, وارتفعت فيها نسبة القنابل التي لم تنفجر الى 70%. \r\n \r\n في هذا الصدد, يقول مارك غارلاسكو, احد كبار المحللين العسكريين لدى منظمة حقوق الانسان في نيويورك, وعمل رئيسا للجنة تقييم الاهداف الكبيرة للبنتاغون ابان غزو العراق, في عام ,2003 »هذا اسوأ تلويث بالقنابل العنقودية رأيته في حياتي«. ويذكر ان غارلاسكو شارك كذلك في عدد من لجان التقييم الامريكية لاضرار الحرب منذ عام 1998 . ويقول غارلاسكو »اننا على شفا ازمة انسانية وشيكة ان لم يتمكن مزيلو الالغام من معالجة الوضع«, اذ كان استعمال الولاياتالمتحدة للقنابل العنقودية في الغزو الامريكي للعراق, عام ,2003 »اشكاليا الى حد كبير, ولكنه يبدو لعبة اطفال بالمقارنة مع ما حدث هنا«. \r\n \r\n ويقول ماغنوس راندستروم, رئيس فريق مزيلي الالغام من السويد, الذي على 75 قنبلة عنقودية في غرفة جلوس واحدة, بما فيها واحدة موضوعة في فردة حذاء في خزانة, ان هذه القنابل »متوافرة في كل مكان, وهي متشابهة. والموت الذي تسببه واحد«. وكان يعلّم على انواع الذخائر التي يعثر عليها فريقه, ثم يبدي الملاحظة المذكورة. \r\n \r\n لقد توقفت مدافع اسرائيل وحزب الله عن الدوي يوم 14 اب. لكن الالام والمخاوف ربما تستمر لسنوات, بينما يحاول الناس اعادة الاعمار بين اكوام من الدمار المكسو بالمواد المتفجرة. واضافة الى المخازن الخاصة بترسانات القنابل الانشطارية, طلبت اسرائيل الى الولاياتالمتحدة, وقبل ايام معدودة من وقف النار, تزويدها بشكل سريع ب 1300 صاروخ من طراز M-26, تحمل كل رأس منها 644 ذخيرة انشطارية, ليصل اجمالي ما لديها من القنابل العنقودية الى ما يزيد على 800000 قذيفة. \r\n \r\n في هذا الخصوص, يقول نديم حوري, المحامي, ومدير مكتب منظمة حقوق الانسان في بيروت, ان هذه القنابل »ليست محرمة, لكن واحدا من المبادىء الاساس لاتفاقيات جنيف ينص على التمييز بين المدنيين والعسكريين«. مضيفا بانه حتى لو كانت القنابل الانشطارية اطلقت على اهداف عسكرية لحزب الله, وكانت القرى فارغة من المدنيين وقت وقوع الهجوم, (وكانت هذه هي حال العديد من القرى في المرحلة الاخيرة من النزاع), فان الاشكال نطل »في ان القرويين سيعودون الى ديارهم. وبالنسبة العالية من القنابل غير المتفجرة التي شاهدناها في هذه القرية, فمعنى ذلك ان في كل قرية حقلا من الالغام«. \r\n \r\n جاء هذا التحليل في وقت اتهمت منظمة العفو الدولية اسرائيل بارتكاب جرائم حرب, قائلة ان نطاق الهجمات وطبيعتها المنظمة, وكذلك مستوى الاصابات بين المدنيين, من ناحية, وبيانات المسؤولين الاسرائيليين, من ناحية ثانية, »تدل على ان مثل هذا التدمير متعمد, ويشكل جزءا من استراتيجية عسكرية, بدلا من ان يكون ضررا مصاحبا«. \r\n \r\n ان الاضطلاع بقضية حقول الالغام هو مهمة فرقاء الاممالمتحدة ومجموعة الالغام الاستشارية البريطانية, وكذلك الجيش اللبناني, وحتى حزب الله, الذي فقد احد اعضائه في هذه القرية, وهو يحاول تنظيف الطريق من مئات القنابل العنقودية, بعد يوم واحد من سريان مفعول وقف النار. ويذكر هنا ان فرقاء الاممالمتحدة والمجموعة البريطانية, الذين وصلوا الى لبنان فعلا, وعملوا طوال سنوات عديدة, وهم ينبشون ما يقدّر بحوالي 400000 لغم ارضي, تركت في عموم انحاء الجنوب, بعد عقود من الحرب, ينبغي عليهم مضاعفة قوة عملهم ثلاث مرات تقريبا, خلال الايام المقبلة, لتفكيك وابطال مفعول القنابل الانشطارية. \r\n \r\n اما اسرائيل, فتقول انها استعملت الذخائر العنقودية على نحو مشروع, وانها لم تستهدف المدنيين. واما الخبراء على الارض فوجدوا, انه في حين غطيت المنازل في بعض القرى بالقنابل الصغيرة, فان كميات حتى اكبر منها تكدست في حقول الزيتون, كما في غيرها من المناطق, مغطاة باغصان الشجر, كان يستخدمها حزب الله كمواقع لاطلاق الصواريخ. \r\n \r\n تضع الاراضي المرتفعة الممتدة من قرية يهمر باتجاه الشمال, مثلا, طريق القوات الاسرائيلية المدرعة المقتحمة المتجهة الى مرجعيون, عبر الحقول المنخفضة شرقا, ضمن نطاق الاميال الثلاثة لمرمى الصواريخ المضادة للدبابات عند حزب الله. ويقول محللون, ان هذه المنطقة قد رشمت بالقنابل العنقودية, وربما لكبح جماح نيران حزب الله على القوات الاسرائيلية المتقدمة. لكنه بينما كانت اسرائيل قادرة على تحديد مواقع منصات الصواريخ, فان الرد لم يكن -عند استعمال القنابل العنقودية- للتسديد الدقيق, بل لاغراق مساحات اوسع بها. \r\n \r\n في هذا الصدد, يقول اندرو غليسون, من المجموعة الاستشارية البريطانية, متحدثا من النبطية, »لو كانت مكانا لاطلاق صواريخ الكاتيوشا, لامكن, من وجهة نظرنا, تفسير هذا التكديس الهائل من الذخائر الصغيرة. لم اشهد اي قصف عشوائي اسرائيلي. وما رأيته هو اصابات غير قتالية ناتجة عن اطلاق نار مميز«. وهذا يعني اتخاذ قرارات حازمة لتحديد الاولويات لدى انتشار فرق ازالة الالغام, بينما يضرع الناس اليهم بتعطيل انفجار هذه القنابل العنقودية. فيضيف غليسون ويقول:»اننا مهتمون بالاماكن الساخنة الطارئة, فحياة الانسان لها الاولوية. فكما اوعزت للعاملين معي, »فان كل قنبلة تخطئون العثور عليها تكلف حياة انسان, وربما يكون هذا الانسان احد اطفالكم«. \r\n \r\n غير ان عملية ازالة الالغام بطيئة, وتتطلب جهودا مضاعفة. فبعض القنابل الانشطارية التي لم تنفجر بسبب عدم تعرضها لضغط عليها, يمكن التقاطها باليد, ونقلها بامان لتفجيرها في وقت لاحق. وبعضها الاخر يجب تفجيره في موقعه, كل واحدة او اثنتين معا. وكان استعمال هذه القنابل واسع الانتشار, وباعداد كبيرة, وبسبب مناطق الاراضي الرخوة, والذخائر المستعملة من ايام الحرب الفيتنامية في عام ,1973 فان نسبة القنابل غير المنفجرة تفوق كثيرا الارقام المنشورة, وتضعها عند نسبة 14 بالمئة. \r\n \r\n على ان سكان القرى ممتنون كثيرا لمزيلي الالغام, بالرغم من سماع صوت التفجير طوال النهار, كما سمع صوت مزيل الالغام العراقي في مكبرا الصوت منبها السكان قائلا:»يا اهل المساكن القريبة, ابقوا في منازلكم! فسيقع تفجير لقنابل انشطارية قريبا«. \r\n \r\n ومع ان عمل المجموعة الاستشارية البريطانية يقع تحت اشراف »مركز تنسيق ازالة الالغام« التابع للامم المتحدة في جنوب لبنان, الا انها تعتمد على التمويل الخارجي لخطتها بمضاعفة قوة عملها ثلاث مرات, لمعالجة المرحلة »الاولية« الطارئة التي ستمتد ثلاثة اشهر. وبعد ذلك, ستمر عدة اشهر اخرى قبل ان يعود مزيلو الالغام لتنظيف المنازل, مثل بيت ام مازن وحديقتها وحظيرتها الخلفية. ثم يتم تنظيف مزارع التبغ وحقول الزيتون. \r\n \r\n لكن هذا لا يتم بالسرعة الكافية التي تبتغيها ام مازن. فشريط الاخطار يطوّق مقدمة المنزل, ويحظر الدخول الى الحديقة. فالقنابل العنقودية متوافرة ومبعثرة في كل مكان بشريطها الابيض التحذيري المعقود. ثم تنقلب ام مازن في هياجها العصبي وسط الدمار الى السياسة, وتقول »انا لست من حزب الله, ولا علاقة لي بكل هذا!« وتخشى ان تدوس هرة على قنبلة انشطارية قرب بيتها. وقد قتلت احدى القطط فعلا بهذه الطريقة. \r\n \r\n وتقول دالية فران, الناطقة باسم مركز التنسيق, متحدثة من صور, »لقد وصلنا المزيد من الفرقاء, فالمتوافر غير كاف, كما سيصل فريق آخر خلال اسبوع لازالة الالغام. مضيفة بان رجال حزب الله ابطلوا مفعول بعض القنابل الانشطارية باستعمال الرغوة الكيميائية المكثفة صلابة, بغاية جعلها غير مغرية للاطفال. \r\n