البنك الدولي يتوقع استقرار النمو الضعيف للاقتصاد العالمي    المقاومة الإسلامية في العراق تستهدف مدينة إيلات المحتلة بالطيران المسير    4 مشاهد من الأسبوع الرابع بتصفيات أفريقيا المؤهلة لكأس العالم 2026    سوسن بدر: أنا لسة في بداية طريقي.. عندي ملايين الأحلام لم تكتمل    تتخطى ال 12%، الإحصاء يكشف حجم نمو مبيعات السيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي    نقيب الصحفيين الفلسطينيين: نستعد لمقاضاة إسرائيل أمام الجنائية الدولية    «مشكلتنا إننا شعب بزرميط».. مصطفى الفقي يعلق على «نقاء العنصر المصري»    عاجل - آخر تحديثات سعر الذهب اليوم.. وهذه القرارات منتظرة    اتحاد الكرة يحسم مشاركة محمد صلاح في أولمبياد باريس 2024    اليوم، أولى جلسات محاكمة عصام صاصا في واقعة دهس سائق أعلى الطريق الدائري    مصرع طفل غرقا في ترعة بكفر الخضرة بالمنوفية    طلاب الثانوية العامة يؤدون امتحان الاقتصاد والإحصاء.. اليوم    عاجل- أسعار الفراخ البيضاء في بورصة الدواجن اليوم الأربعاء 12-6-2024    حكم الشرع في خروج المرأة لصلاة العيد فى المساجد والساحات    هيئة الدواء: هناك أدوية ستشهد انخفاضا في الأسعار خلال الفترة المقبلة    تأثير التوتر والاكتئاب على قلوب النساء    رئيس الأساقفة جاستين بادي نشكر مصر بلد الحضارة والتاريخ على استضافتها    حبس شقيق كهربا 4 أيام لاتهامه بسب رضا البحراوي    العثور على جثة شخص مشنوق بالطريق الصحراوي بالكيلو 17 العامرية بالإسكندرية    أيمن يونس: أحلم بإنشاء شركة لكرة القدم في الزمالك    شيرين عبد الوهاب تتصدر "إكس" بخبر خطبتها، ولطيفة: يا رب ترجعي زي الأول ويكون اختيار صائب    فيديو صام.. عريس يسحل عروسته في حفل زفافهما بالشرقية    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    عاجل.. تريزيجيه يكشف كواليس حديثه مع ساديو ماني في نهائي كأس الأمم الإفريقية 2021    عيد الأضحى 2024.. الشروط الواجب توافرها في الأضحية والمضحي    رؤساء مؤتمر الاستجابة الطارئة في غزة يدينون عمليات قتل واستهداف المدنيين    أوروبا تعتزم تأجيل تطبيق أجزاء من القواعد الدولية الجديدة لرسملة البنوك    هذا ما يحدث لجسمك عند تناول طبق من الفول بالطماطم    ظهور حيوانات نافقة بمحمية "أبو نحاس" : تهدد بقروش مفترسة بالغردقة والبحر الأحمر    السيطرة على حريق نشب داخل شقة سكنية بشارع الدكتور في العمرانية.. صور    ليست الأولى .. حملات المقاطعة توقف استثمارات ب25 مليار استرليني ل" انتل" في الكيان    رسميًا.. تنسيق الثانوية العامة 2024 في 5 محافظات    خلال 3 أشهر.. إجراء عاجل ينتظر المنصات التي تعمل بدون ترخيص    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج ب عيد الأضحى: كل عام وأنتم بخير    الكويت: ملتزمون بتعزيز وحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتنفيذ الدمج الشامل لتمكينهم في المجتمع    "بولتيكو": ماكرون يواجه تحديًا بشأن قيادة البرلمان الأوروبي بعد فوز أحزاب اليمين    الفرق بين الأضحية والعقيقة والهدي.. ومتى لا يجوز الأكل منها؟    هل الأضحية فرض أم سنة؟ دار الإفتاء تحسم الأمر    واشنطن بوست: عملية النصيرات تجدد التساؤلات حول اتخاذ إسرائيل التدابير الكافية لحماية المدنيين    بيمكو تحذر من انهيار المزيد من البنوك الإقليمية في أمريكا    البنك المركزي المصري يحسم إجازة عيد الأضحى للبنوك.. كم يوم؟    الحق في الدواء: إغلاق أكثر من 1500 صيدلية منذ بداية 2024    عصام السيد يروى ل"الشاهد" كواليس مسيرة المثقفين ب"القباقيب" ضد الإخوان    رئيس جامعة الأقصر يشارك لجنة اختيار القيادات الجامعية ب«جنوب الوادي»    63.9 مليار جنيه إجمالي قيمة التداول بالبورصة خلال جلسة منتصف الأسبوع    رمضان السيد: ناصر ماهر موهبة كان يستحق البقاء في الأهلي.. وتصريحات حسام حسن غير مناسبة    تريزيجية: "كل مباراة لمنتخب مصر حياة أو موت"    حازم إمام: نسخة إمام عاشور فى الزمالك أفضل من الأهلي.. وزيزو أفيد للفريق    مصدر فى بيراميدز يكشف حقيقة منع النادى من المشاركة فى البطولات القارية بسبب شكوى النجوم    بالفيديو.. عمرو دياب يطرح برومو أغنيته الجديدة "الطعامة" (فيديو)    نقيب الصحفيين الفلسطينيين ل قصواء الخلالى: موقف الرئيس السيسي تاريخى    حظك اليوم| الاربعاء 12 يونيو لمواليد برج الميزان    وزير الخارجية الجزائري يبحث مع أردوغان تطورات الأوضاع الفلسطينية    رويترز عن مسئول إسرائيلي: حماس رفضت المقترح وغيّرت بنوده الرئيسية    اليوم.. «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية بلة المستجدة ببني مزار    شيخ الأزهر لطلاب غزة: علّمتم العالم الصمود والمثابرة    يوافق أول أيام عيد الأضحى.. ما حكم صيام اليوم العاشر من ذي الحجة؟    قافلة مجمع البحوث الإسلامية بكفر الشيخ لتصحيح المفاهيم الخاطئة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل كانت هناك هرولة نحو الكامب؟، الاميركيون يستهلون المفاوضات بتحديد خط النهاية ل
نشر في التغيير يوم 18 - 12 - 2004


\r\n
ورغبات الشعب بأغلبيته الحاسمة لحياة السلام، على الرغم من أن بعض القادة السياسيين استنكروا تلك العملية، لكن المهم هو أنه بدا من الممكن القضاء على معاناة شعب وسيطرة شعب على الآخر والانطلاق نحو حياة جديدة من حسن الجوار.
\r\n
\r\n
لقد شاء القدر أن أكون أحد المساهمين في هذه الجبهة من الجهود، وبطبيعة الحال كنتُ خاضعاً لرئيس حكومة أقنعته بأن يصل إلى هذا الحد مع حسم للسلام عميق في قلبه، خاصة أن باراك صاحب تفكير وطرق إدارة ملتوية، بل تثير الغضب أحياناً، ولكن من الناحية العامة تمكنت من تفهمه والتعاطف مع ضائقته، فالمسئولية التي تقع على عاتقه والمعاناة التي يمر بها على طريق الحسم الصعب لا تماثل أي شيء يمكن أن يحس به الإنسان.
\r\n
\r\n
وفي مرحلة من المراحل، راودني شعور بأن السياسيين قد يتركون المعركة الواحد تلو الآخر متحصنين داخل حدودهم السياسية، كي يضمنوا انتخابهم مرة أخرى، في حين أن السياسيين ومن بينهم آمنون ليبكين شاحاك وأنا وبطبيعة الحال ايهود باراك توجهنا للاستلقاء على الجدار ووضعنا الاعتبارات السياسية خلفنا وقررّنا الارتباط بتسويات وتنازلات مؤلمة.
\r\n
\r\n
أما وضع الفلسطينيين عشية المفاوضات الحاسمة فقد كان مختلفاً تماماً، ففي الوقت الذي وصلت الحكومة الإسرائيلية إلى مرحلة صعبة وإئتلاف مهدد وتيار يميني يقود حملة ضد الحكومة، وصل الفلسطينيون وهم في حالة شلل تام، إذ كان عليهم إرضاء جميع التيارات ضمن العائلة السياسية الفلسطينية.
\r\n
\r\n
السؤال المستحيل
\r\n
\r\n
يقول بن عامي: «خلال الفترة التي سبقت القمة، زاد اعتقادي بأن عرفات يصل إلى القمة مع قدرة على التسوية تساوي صفراً، والمشكلة أن قدرتنا على التوصل إلى تسوية معه مرتبطة بزعامته وإمكانية أن يفاجئ الجميع ويرتفع إلى مستوى الحدث، بدلاً من أن يكون رهينة لنظامه السياسي، وقد قال الرئيس الأميركي السابق أندرو جاكسون «رجل شجاع واحد قادر على تشكيل أغلبية». والحقيقة أن رجلاً من هذا النوع نجد في شخصية السادات، فهل عرفات من هذه النوعية؟
\r\n
\r\n
إن الإجابة عن هذا اللغز ممكنة في كامب ديفيد، إذ أن جميع التحليلات الخاصة بشخصية ياسر عرفات، بما في ذلك تقديرات شعبة الإستخبارات العسكرية لم تتمكن من الإجابة عن ذلك السؤال، ولكن كان هناك أمل طيلة الوقت في أن تظهر خلال لحظة الحسم شخصية وصورة الزعيم، رجل السلام الذي يتبنى تسوية مثيرة، فالتاريخ حافل بالكثير من هذه الحالات.
\r\n
\r\n
كل ما هو مطروح على جدول أعمال قمة كامب ديفيد كان متعلقاً بمدى قدرة كل من الزعيمين باراك وعرفات على التعالي فوق الخرافات التي تخلد النزاع، والتي أدت إلى سقوط دماء كثيرة؟ والسؤال هنا هو إلى أي مدى سيكون استعداد الزعيمين لمواجهة المستوى السياسي إلى درجة الوقوف أمام خيار الحسم الذي سيحدث هزة أرضية، بل سيؤدي إلى إعادة كتابة البنية الداخلية السياسية عند كلا الطرفين.
\r\n
\r\n
لقد كانت المؤشرات لدى الطرف الفلسطيني مختلطة، إذ أن عرفات هيأ قادة الفصائل الفلسطينية بأكملها لهذه المفاوضات، لكنه ومن جهة أخرى تلقى منهم إنذارات بأن دعمهم له مشروط بعدم التنازل من جانبه عن حدود 1967، وأبو مازن نفسه عقد لقاء مع قادة حماس واعداً إياهم بعدم التنازل عن حدود يونيو 1967 والقدس كعاصمة لفلسطين، والمطالبة بتفكيك المستوطنات. ولكن في الحقيقة فإنني أعتقد أن مثل هذه الشروط لن يتمخض عنها سلام.
\r\n
\r\n
يضيف بن عامي: (على الرغم من ذلك، كانت هناك مؤشرات أخرى يمكن أن نستمد منها التشجيع، فعرفات يرغب بإتفاق شامل وهذا ما جاء في التقديرات الإستخبارية، خاصة أنه لا يمكنه أن يصد الباب في وجه الرئيس كلينتون الذي عمل أكثر من أي زعيم أميركي آخر على صعيد دفع التطلع الفلسطيني لتحقيق دولة فلسطينية. وقد أعرب عرفات عن أمله بالتوصل لإتفاقية سلام لطبيبه الشخصي د. أشرف الكردي حينما قال له: «أريد التوصل إلى إتفاق وإنهاء الأزمة، لقد سئمت الوضع».
\r\n
\r\n
إضافة إلى ذلك، فإن إحضار عرفات جميع قادة التيارات في حركة فتح لم يكن بالضرورة يعني أنها محاولة من جانبه لتكبيل يديه، بل بالإمكان فهم الأمر على أنه تعبير عن الرغبة في التوصل إلى إتفاق من خلال إكسابه شرعية واسعة، عدا عن ذلك، فقد رافقه سياسيون آخرون، لكن يجب أن يحظر علينا نسيان «أن صوت عرفات هو الفاصل والحازم».
\r\n
\r\n
يتابع بن عامي: (لاحظنا وجود صائب عريقات الذي أبلغ الأميركيين بأن الإتفاق ممكن، وأن قضية القدس يمكن حلها من خلال توسيع حدودها البلدية، وهذا الأمر مقبول لدينا. من جهة ثانية وجود عنصر الشباب في الوفد الفلسطيني مثل حسن عصفور، محمد دحلان، محمد رشيد، كان أمراً جيداً خاصة أنهم أطلقوا تصريحات معتدلة وواقعية أثناء التوجه إلى كامب ديفيد، وذلك على خلاف أبو مازن الذي يظهر كشخصية هادئة ولطيفة لكنه يعتبر من التقليديين المتصلبين.
\r\n
\r\n
الهرولة
\r\n
\r\n
بشكل عام، يمكن القول بأن الإدعاء الذي طرحه عدد من الإسرائيليين الذين انتقدوا ذهابنا إلى كامب ديفيد، على أساس أنه كان بالإمكان السعي نحو تسوية مرحلية وعدم «الهرولة» نحو تسوية دائمة، هو أمر لا أساس له من الصحة، فخلال فترة المسار السويدي والمراحل التفاوضية المتقدمة.
\r\n
\r\n
اتضح لنا وبدون أدنى شك بأن عرفات لن يبدي أي استعداد لأي شيء، سوى لتسوية دائمة وشاملة، عدا أن هذه الرسالة وصلتنا أكثر من مرة من جانب المقربين منه، الذين رددوا دوماً بأن التسويات المرحلية لا تعني لهم شيئاً، فقد سئموا ما اعتبروه استمراراً للإحتلال والمستوطنات والسيطرة الإسرائيلية المستمرة تحت غطاء التقدم التدريجي نحو تسوية دائمة.
\r\n
\r\n
لقد اتضحت لي خشية الفلسطينيين من التسوية الجزئية خلال حوار شخصي مع عرفات عقدناه في مدينة نابلس في نهاية يونيو وقال فيه :« لست مستعداً لتأجيل موضوع القدس لعامين، بل لا يمكن تأجيله حتى لساعتين». وبالرغم من ذلك راودتنا فرضية أنه خلال مرحلة من المراحل، وإذا كان لا بد من منع إنهيار المحادثات ستكون هناك ضرورة للتوصل إلى تسوية جزئية وتفاهمات تسمح بالإبقاء على المسار وتواصل الحوار.
\r\n
\r\n
من جانب آخر، فقد وضعت على عاتق الأميركيين مسئولية كبرى، ليس بسبب الميراث الصعب الناجم عن فشل قمة جنيف على المسار السوري، بل لأن ذلك الفشل كان دافعاً للإصرار الأميركي على منع تكراره في كامب ديفيد وقلت في نفسي «لم يعد بيل كلينتون قادراً على تحمل فشل آخر»، كما أن زعامته ستكون مرهونة بنجاح المؤتمر.
\r\n
\r\n
يوم التاسع من سبتمبر قضيناه في واشنطن استعداداً للتوجه إلى كامب ديفيد صبيحة اليوم التالي، وخلال لقاء أولي في فندق ماريوت، قال لي أحمد قريع بصيغة التهديد غير المباشر بأن تاريخ الثالث عشر من سبتمبر هو التاريخ المحدد للإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية، كما رفض أحمد قريع مناقشة المسائل الأمنية منذ أن انتهت مباحثات السويد، وكان واضحاً أنه لن يتمخض الكثير عن هذه المحادثات فالمفتاح والقرار بيد الزعيمين.
\r\n
\r\n
خلال لقاء بين الطواقم في وزارة الخارجية الأميركية كان بالإمكان أن نستمد التشجيع مما قالته وزيرة الخارجية الأميركية «مادلين أولبرايت» والتي استهلّت حديثها بالثناء على الطرفين قائلة :« إن الموجودين هنا عملوا أكثر من أي شخص آخر في العالم من أجل إحلال السلام بين إسرائيل والفلسطينيين». بالفعل إنه إجراء لطيف كما قال بن عامي لكنه وصفه بأنه غير دقيق «فهناك رابين وشمعون بيريز ويوسي بيلين الذين قدموا في خدمة السلام كل ما لديهم من قدرة على الإبداع».
\r\n
\r\n
وأضافت أولبرايت «هذه لحظة تاريخية ... نحن نتحدث عن قمة واحدة فقط وليس عن سلسلة قمم» وهذا على خلاف ما أطلقه الفلسطينيون من تلميحات إلى أن كامب ديفيد هي قمة تأتي ضمن سلسلة لقاءات للتوصل لتسوية سلمية، بل وحذرتنا جميعاً من البديل المعروف وهو العنف، وأضافت «إن النوايا الأميركية هي تحديد جدول زمني والسيطرة عليه والمشاركة في المفاوضات حتى في أدق التفاصيل واعدة بالتزام الرئيس الأميركي بالتدخل لإنجاح القمة».
\r\n
\r\n
قام قريع وألقى كلمة الوفد الفلسطيني بأسلوبه البيروقراطي الشحيح، مما أثار غضب الرئيس كلينتون، وهو الذي تكرر أكثر من مرة خلال جلسات المفاوضات في كامب ديفيد، وقد تحدث جمال هلال «المترجم المصري» حول الأسلوب الخطابي لقريع والذي ذكر الأميركيين بخطابات الفلسطينيين في الأمم المتحدة مما «أدى إلى غليان دم أولبرايت وطاقمها» على حد تعبير «هلال».
\r\n
\r\n
إذ أن أبا العلاء تحدث عن قرار 242 واللاجئين والقدس وهذا بذاته غير إيجابي، فالأمر المثير للغضب هو إصراره على الفصل بين المسائل والانتقال إلى مسألة جديدة بعد تلخيص الموقف من السابقة، وعلى القول بأن هذا الأسلوب يعكس تصلباً مهنياً فقريع يعتبر أن كل تسوية سياسية قائمة بذاتها وغير مرتبطة بتنازلات في المسائل الأخرى.
\r\n
\r\n
الأسلوب الأميركي
\r\n
\r\n
جاء دور الوفد الإسرائيلي، وبدأت بالحديث. فيما يتعلق بتقديرات أولبرايت إزاء إمكانية تدهور الأوضاع نحو العنف في حال عدم التوصل إلى إتفاق، وهو أمر كان واضحاً للجميع، أوضحت أنه ليس في نيتنا العمل في ظل تهديدات، بل جئنا من دون مشاعر وأفكار أسطورية وإنما من منطلق إدراكنا بقيمة هذه اللحظة التاريخية.
\r\n
\r\n
وعليّ أن أنبه هنا إلى أن الأزمة السياسية في إسرائيل وضعف الائتلاف كانت بلا شك ضمن إدراك الطرف الآخر، لذلك طلبت إسقاط هذا الأمر من جدول الأعمال، وأضفت: «بأن باراك لديه تفويض مباشر من الشعب لصنع السلام، ولو كان لدينا إئتلاف واسع أكثر، لقمنا بطرح الموضوع للحسم من قبل الشعب».
\r\n
\r\n
أما بشأن تكتيك المفاوضات فقد خالفت قريع الرأي، واقترحت إنجاز تقدم موازٍ في جميع الموضوعات بدلاً من أسلوب التعامل مع كل موضوع بصورة مستقلة. وعل القول ان «مادلين أولبرايت» أيدت رأي الوفد الإسرائيلي، وقالت بأن الإدارة الأميركية ترغب في إنهاء المؤتمر قبل توجه الرئيس كلينتون إلى قمة الدول الصناعية الثماني في اليابان».
\r\n
\r\n
بدا أن الأسلوب الأميركي مشجع خلال هذه المرحلة، حيث أصداء الضمانات والوعود الأميركية والضغوط على الجانبين. وليس مصادفة أن يدخل الفلسطينيون المتشككون دائماً دائرة الدفاع عن أنفسهم، إذ صرخ حسن عصفور :« ما هذا؟ هل هذا إنذار وتهديد؟».
\r\n
\r\n
ويضيف بن عامي: «إن الشعور بالضغط وضرورة الحسم السريع القى الرعب في قلوب الفلسطينيين، لذلك حاول صائب عريقات تليين الحماس الأميركي وقال: «أن علاقة عدم الثقة بين باراك وعرفات لا تسمح بالتوصل إلى إتفاق في غضون أسبوع» وبالفعل أعتقد أنه لم يكن» مخطئاً.
\r\n
\r\n
لقد توقعت بأن تساهم أجواء القمة والوجود المكثف والعميق من جانب الرئيس كلينتون في إحداث تحول على سلوك اللاعبين الرئيسيين، اعتقدت أن الإدارة العقلانية من جانب الوسيط وساعة الرمل الآخذة بالنفاد والمسئولية التي تلقيها واجبات الزعامة سوف تدفع الأطراف نحو لحظة الحقيقة. وبشأن عريقات، فإنني ذكرته بما كان قد قاله خلال قمة كامب ديفيد الأولى، من أن الثقة بين بيغن والسادات، ربما كانت أقل مما هي الآن بين باراك وعرفات، ومع هذا فقد توصلا إلى إتفاق.
\r\n
\r\n
وللأسف أقول إن اللاعبين الرئيسيين في كامب ديفيد الثانية لم يعرفا كيفية التعالي والسير إلى المستوى الذي وصله بيغن والسادات، ولكن عليّ القول أيضاً إنصافاً لباراك وعرفات أن الموضوعات المطلوب التفاوض حولها «القدس، المستوطنات، اللاجئين، أغوار الأردن» هي من حيث الثقل أهم عشرة أضعاف من موضوع إعادة شبه جزيرة سيناء. من جانب آخر تبين لي أن مفاوضاتنا لم تكن صفقة عقارات وإنما يتعلق الأمر بحل شيفرة الصراع العربي الإسرائيلي، بل وربما اليهودي الإسلامي وهو القدس.
\r\n
\r\n
من جهة أخرى، يبدو هنالك فرق بين كامب ديفيد الأولى والثانية، حيث وصل للأولى ثلاثة زعماء رومانسيين متدينين: كارتر، بيغن، السادات تحركهم واجبات الفريضة والرسالة، كان يوجد تناسق في إستراتيجية السلام بينهم. أما القمة الحالية، فقد وصل إليها رئيس أميركي موهوب ومبدع لكن لديه مشكلات سياسية أمام مجتمعه.
\r\n
\r\n
والزعيمان باراك وعرفات من الصعب وصفهما بأنهما يختلفان كثيراً. باراك منطقي لكنه وفي ذات الوقت عَبْد لأساطير يهودية من الصعب فك رموزها، على الرغم من عدم إعترافه بذلك، أما عرفات فكان في ذروة معركة ثورية لإصلاح إجحاف تاريخي وبالنسبة له فقد قام بكثير من التسويات والحلول الوسط والمساومات وهو في طريقه إلى كامب ديفيد.
\r\n
\r\n
عرفات وباراك قدما تنازلات وفق مفهومهما، ولكنها تنازلات لم تكن كافية في نظر الطرف الآخر، كما أنه لا يوجد طرف تأثر حقاً بمرونة الآخر. بعد انتهاء اللقاء مع أولبرايت، خرج الفلسطينيون مذهولين وزاد وضوحاً ما راودهم من شعور بأن الأمر هو ضغوط تلزم التوصل إلى تسويات حاسمة، وشعروا وكأنهم قادوا أنفسهم إلى فخ، وعندها انشغل الفلسطينيون في كيفية الخروج من هذا الوضع وليس في كيفية التوصل لاتفاق.
\r\n
\r\n
مجرد تعقيب
\r\n
\r\n
يقول شلومو بن عامي، هنا، صراحة، أن رئيس وزرائه، ايهود باراك، هو صاحب إدارة ملتوية تثير الغضب أحياناً، وهذا بالضبط هو ما قاله المفاوضون الفلسطينيون، الذين لم يستطيعوا التعامل مع باراك، لأنه غير موثوق، يقدم عرضاً ثم يسحبه، ويتردد في اتخاذ القرارات، وذلك ما يؤكده زميله شلومو بن عامي.
\r\n
\r\n
واتضح من مذكراته ومذكرات دنيس روس وآخرين، أن باراك سحب العرض الذي كان قد قدمه للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، مما دفع إلى تعقيد الأمور من جديد.
\r\n
\r\n
ويقول روبرت أومالي مساعد الرئيس بيل كلينتون لشئون المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، أن باراك كان يقدم عرضاً غير متكامل، وكان الفلسطينيون يعرفون ذلك، لهذا يرفضون العرض، ويندفع بعدها لتقديم تنازل صغير جديد وهكذا، وذلك هو أحد أسباب ما أشيع أن عرفات لم يقدم أي عرض، إنه كان ينتظر الصيغة النهائية، التي لم تأتِ، لعرض ايهود باراك، النهائي والناجز. لهذا وصفه أحد الصحافيين الإسرائيليين البارعين، أنه رئيس «تقريباً»، فقد كاد يصل لسلام مع سوريا تقريباً، أي أنه تراجع عند الخطوة الأخيرة، وكاد يصل لسلام مع الفلسطينيين تقريباً، وتراجع كذلك في الأميال الأخيرة.
\r\n
\r\n
يُفسر بن عامي هذا التردد في اللحظات ما قبل الأخيرة، عند باراك وكذلك عند عرفات، بأنّ باراك مُستَعبَد للأساطير اليهودية، ولهذا كان موقفه غير مقبول بالنسبة للأماكن المقدسة، وكان عرفات يعتقد أنه قدم تنازلاً كبيراً حين تنازل عن 78% من الأرض الفلسطينية، ولم يعد مستعداً لتقديم جديد. بعبارة أخرى، كانت التنازلات التي يقدمها كل طرف، تبدو غير كافية.
\r\n
\r\n
ولم تلامس حدود الحد الأدنى عند مطالب الطرف الآخر. الاستنتاج المنطقي من هذا العرض، والشعوب تستوعب دروس الماضي، أن البحث عن حل نهائي، دفعة واحدة، كان صالحاً بالنسبة لسيناء.
\r\n
\r\n
وذلك ما كان، لكنه ليس صالحاً لصراع تختلط فيه المشاعر بالتاريخ وتزدحم الذاكرة الجماعية بكل ما يقف حجر عثرة أمام التعايش والسلام، في غياب قوى رئيسية شجاعة، تشيع مناخاً من السلام والتعايش.
\r\n
\r\n
وقد قُلت للأخوة في إذاعة فلسطين برام الله ذات يوم إن إعلام الإذاعة أقرب، في حالات عديدة، لإعلام أحمد سعيد في صوت العرب، ولكن في طبعة حديثة، ولا علاقة له بإشاعة ثقافة المصالحة التاريخية، التي كانت هذه الإذاعة، إحدى ثمارها الأولى.
\r\n
\r\n
ليس أمامنا إذن، إلاّ حلول مرحلية، تتراكم نتائجها وتفضي لتداعيات وتوجد حقائق جديدة، تفتح الأبواب، بالتدريج، أمام حل هذه القضية المستعصية أو تلك. وذلك ما كان يجب أن يتمسك به الطرف الفلسطيني بالإصرار أن لا انتقال لقضايا المرحلة النهائية، من دون حسم وإنهاء جميع قضايا المرحلة الانتقالية.
\r\n
\r\n
وقد غضب مني الرئيس ياسر عرفات، على مائدة غداء «السمك الفاخر» في مقر إقامته بتونس، حين قلت له، بعد أوسلو:«أفضل أن تكون المرحلة الإنتقالية أكثر من خمس سنوات.
\r\n
\r\n
وذلك لإرساء أرض صلبة، يتم الانتقال بعدها لقضايا الحل الدائم الصعبة جداً، وبأكثر من كل التوقعات»، وكان رده:« من قال لك إنها خمس سنوات، إن ذلك هو الحد الأقصى وحسب النص يجب أن يبدأ الإعداد لحل نهائي مع نهاية السنة الثالثة، من دون انتظار فلسفتك وتنظيرك البائس».
\r\n
\r\n
وفي مفاوضات كامب ديفيد وما بعدها، كنت أتمنى لو وافقت القيادة الفلسطينية على تأجيل بعض القضايا الحساسة مثل اللاجئين والقدس، أو بعض قضايا القدس الأكثر حساسية. يقول بن عامي في هذه الحلقة، إنه التقى أبا عمار في نابلس وتحدث معه حول إمكانية تأجيل «القدس» لعامين. أجاب أبو عمار :« ولا حتى ساعتين».
\r\n
\r\n
كتبتُ، أكثر من مرة، أن أهم إنجاز في أوسلو هو وجود مرحلتين، انتقالية ونهائية، وذلك ما حاول قادة اليمين في إسرائيل أن يتفادوا استمراره، وقد عمل على ذلك ناتانياهو وباراك بكل قوة. كان يمكن الاعتذار عن عدم الذهاب لكامب ديفيد.
\r\n
\r\n
وكانت مخاطر ذلك، أقل بكثير من مخاطر الذهاب كما لاحظنا، إذ يصل الأمر بشلومو بن عامي، الى أن يكتب ان الفلسطينيين شعروا، بأنهم تم جرّهم لكامب ديفيد، وضعهم في قفص، وأصبحت مهمتهم كيف يخرجون من الزنزانة ويعودون طلقاء كما كانوا.
\r\n
\r\n
نقطة أخيرة جديرة بالاهتمام وهي مدى الحسابات الساذجة لقادة كبار من أمثال بيل كلينتون. يعتقد بن عامي أنه بعد فشل مفاوضات جنيف بين كلينتون والأسد، كان مستحيلاً على الرئيس الأميركي أن يدعو لقمة كامب ديفيد ويرعاها، من دون أن يكون متأكداً من النجاح، إذ ان إداراته لا تحتمل فشل قمتين متتاليتين، في الشأن الشرق الأوسطي.
\r\n
\r\n
بصراحة، كنت أعتقد ذلك، وكتبتُ بتفاؤل شديد حول قمة كامب ديفيد، واتضح أن سياسات الدول العظمى، تكون أحياناً مثل سياسات الدول الصغرى، حديثة العهد في السياسة والتخطيط وإجراء الحسابات. لقد فشلت قمتان متتاليتان وحدث ما كان خارج التوقعات النظرية.
\r\n
\r\n
\r\n


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.