النيابة تأمر بمعاينة الزوايا التيجانية محل وقائع تحرش صلاح التيجاني    بينهم أطفال ونساء، استشهاد 44 فلسطينيا في قصف إسرائيلي بغزة    تأهل علي فرج لنهائي بطولة "Paris Squash 2024" للإسكواش    أمام أنظار عبد المنعم.. نيس يسحق سانت إيتيان بثمانية أهداف    موعد مباراة الأهلي وجورماهيا الكيني بدوري أبطال أفريقيا    بدائل متاحة «على أد الإيد»| «ساندوتش المدرسة».. بسعر أقل وفائدة أكثر    لمواجهة انقطاع التيار وفواتير الكهرباء| «الألواح الشمسية».. نور في البيوت المصرية    عمرو أديب عن صلاح التيجاني: «مثقفين ورجال أعمال وفنانين مبيدخلوش الحمام غير لما يكلموا الشيخ» (فيديو)    إسرائيل تغتال الأبرياء بسلاح التجويع.. مستقبل «مقبض» للقضية الفلسطينية    وزير الخارجية يؤكد حرص مصر على وحدة السودان وسلامته الإقليمية    وزير خارجية لبنان: نشكر مصر رئيسا وشعبا على دعم موقف لبنان خلال الأزمة الحالية    وزير الخارجية يجتمع في واشنطن مع المبعوث الأمريكي للبنان    وزير الخارجية اللبناني: تفجيرات أجهزة الاتصالات تمثل إبادة وعقابا جماعيا لشعبنا    عمرو أديب: سمعة الملياردير الراحل محمد الفايد تم تلطيخها في لندن    محامي خديجة صاحبة اتهام صلاح التيجاني بالتحرش: الشيخ كان عنده قضية معاشرة لسيدة داخل مسجد عام 2004    أسعار الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 21 سبتمبر 2024    «التحالف الوطني» يواصل دعم الطلاب والأسر الأكثر احتياجا مع بداية العام الدراسي    عاجل.. فيفا يعلن منافسة الأهلي على 3 بطولات قارية في كأس إنتركونتيننتال    ذكريات سوبر الأهلي والزمالك 94.. الشيشيني ضد رضا وأول مواجهة للجوهري    راجعين.. أول رد من شوبير على تعاقده مع قناة الأهلي    أول تعليق من البلوشي بعد توليه التعليق على مباراة الأهلي وجورماهيا    أهالى أبو الريش فى أسوان ينظمون وقفة احتجاجية ويطالبون بوقف محطة مياه القرية    «جنون الربح».. فضيحة كبرى تضرب مواقع التواصل الاجتماعي وتهدد الجميع (دراسة)    «البوابة نيوز» تكشف حقيقة اقتحام مسجل خطر مبنى حي الدقي والاعتداء على رئيسه    برج القوس.. حظك اليوم السبت 21 سبتمبر 2024: كن قانعا بصفات شريك حياتك    المتسابق موريس يقدم دور عالم مجنون فى كاستنج.. وعمرو سلامة: لديه شكل جسدى مميز    وزير الثقافة بافتتاح ملتقى «أولادنا» لفنون ذوي القدرات الخاصة: سندعم المبدعين    عودة قوية لديمي مور بفيلم الرعب "The Substance" بعد غياب عن البطولات المطلقة    أول ظهور لأحمد سعد وعلياء بسيوني معًا من حفل زفاف نجل بسمة وهبة    المخرج عمر عبد العزيز: «ليه أدفع فلوس وأنا بصور على النيل؟» (فيديو)    حظك اليوم.. توقعات الأبراج الفلكية اليوم السبت 21 سبتمبر 2024    شيرين عبدالوهاب ترد على تصريحات وائل جسار.. ماذا قالت؟ (فيديو)    ارتفاع سعر طن الحديد والأسمنت يتجاوز 3000 جنيه بسوق مواد البناء اليوم السبت 21 سبتمبر 2024    لأول مرة.. مستشفى قنا العام" يسجل "صفر" في قوائم انتظار القسطرة القلبية    عمرو أديب يطالب الحكومة بالكشف عن أسباب المرض الغامض في أسوان    تعليم الإسكندرية يشارك في حفل تخرج الدفعة 54 بكلية التربية    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم السبت 21 سبتمبر 2024    أخبار × 24 ساعة.. انطلاق فعاليات ملتقى فنون ذوي القدرات الخاصة    انقطاع الكهرباء عن مدينة جمصة 5 ساعات بسبب أعمال صيانه اليوم    حملات توعية للسيدات حول خطورة الطلمبات الحبشية بالشرقية    الأهلي في السوبر الأفريقي.. 8 ألقاب وذكرى أليمة أمام الزمالك    حزب الله اللبناني يصدر بيانا عن مقتل قائد "قوة الرضوان" إبراهيم عقيل    تعليم الفيوم ينهي استعداداته لاستقبال رياض أطفال المحافظة.. صور    وزير التعليم العالي يكرم رئيس جامعة طيبة التكنولوجية    حريق يلتهم 4 منازل بساقلتة في سوهاج    الصيف يُغلق حقائبه.. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم السبت: وداع على غير العادة    أكثر شيوعًا لدى كبار السن، أسباب وأعراض إعتام عدسة العين    مصرع طفل قعيد إثر حريق اشتعل بمنزل في العياط    وزير التربية والتعليم يتفقد 9 مدارس بأسيوط لمتابعة جاهزيتها    بعد تصدرها الترند.. أول تعليق من الطرق الصوفية على الطريقة الكركرية    ما هو حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم؟.. فيديو    خالد عبد الغفار: 100 يوم صحة قدمت 80 مليون خدمة مجانية خلال 50 يوما    الجيزة تحتفل بعيدها القومي    آية الكرسي: درع الحماية اليومي وفضل قراءتها في الصباح والمساء    دعاء يوم الجمعة: نافذة الأمل والإيمان    الإفتاء تُحذِّر من مشاهدة مقاطع قراءة القرآن المصحوبةً بالموسيقى أو الترويج لها    بعد الموجة الحارة.. موعد انخفاض الحرارة وتحسن الأحوال الجوية    غرق موظف بترعة الإبراهيمية بالمنيا في ظروف غامضة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نار الفتنة الكبري؛ هل هي الفصل الأخير من مصير الأمة؟
نشر في الشعب يوم 03 - 02 - 2007


بقلم: علاء الدين الأعرجي

أقرأ وأستمع وأشاهد، وأنا مذهول من وقع الأحداث وسرعة التدهور في طامة قد تشكل الفصل الأخير من نهاية مصير الأمة، التي نظل نتشبث بأمل إنقاذها من هاوية لا يبدو لها قرار.
أقول ذلك وأنا أطالع بأسف مقالتي الصديق د. عصام نعمان، بعنوان حذار الفتنة علي مستوي الأمة المنشورة في صحيفة الخليج في 6/1/2007 و هل أصبحت الفوضي طريقة حياة؟ المنشورة في صحيفة القدس العربي ، بتاريخ 10/1/2007، اللتين أثارتا شجوني وظنوني.
الأولي حفزتني للتعقيب والبناء عليها، بدل الاكتفاء بإطرائها، لا سيما حين يقول: لا يكفي أن نتهم إدارة بوش وصنائعها ووكلاءها هنا وهناك بتنفيذ هذا المخطط الرهيب بل يجب أن نعي انه ما كان في وسع إدارة بوش أو أية جهة أخري حليفة لها أو وكيلة أن تنجح في ما تسعي إليه لولا قابلية العرب والمسلمين في عالمهم وتعاملهم لتناول السمّ الأمريكي ممزوجا بالدسم. فالفتنة الكبري التي تسعي إدارة بوش إلي إحيائها وتجديدها وتزخيمها إنما صنعها مسلمون أوائل في فجر الإسلام، ومارسوها أجيالاً وعصوراً في ضُحاه وظهره، علي حدّ تعبير احمد أمين، فهل يكمّل مسلمون متأخرون في عصرنا ما كان قد اقترفه أقران لهم قدامي؟ (انتهي الاقتباس).
وتعقيبا علي ذلك يمكن القول إننا كنا دائما تقريبا نحمِّل الآخر جريرة ما نتعرض له من مشكلات وما يصيبنا من كوارث. فنحن نصرخ يوميا في وسائط إعلامنا، وفي معظم مقالات وكتب مفكرينا وكتابنا، بما تفعله أمريكا وحلفاؤها بنا. ولكننا لا نكاد نتحدث عما نفعل نحن بأنفسنا. يقول شاعرنا العربي :
لا يدرك الأعداء من جاهل ما يدرك الجاهل من نفسه.
وكنت قد أشرت إلي هذه النقطة في العديد من كتاباتي، ولا سيما في كتابي أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي بين العقل الفاعل والعقل المنفعل . فالطامة الكبري هي عدم وعي الذات بالذات، الذي ينطلق من مقولة سقراط اعرف نفسك، التي قالها قبل أكثر من 2300 عام، ثم من مقولة ديكارت أنا أفكر فأنا موجود التي أطلقها منذ منتصف القرن السابع عشر.
ولئن كنا لا نبرئ الآخر من السعي المتواصل لاستغلالنا واستنزافنا بل استعبادنا وإذلالنا، وزرع الفرقة فيما بيننا، فإننا يجب أن لا نستغرب من ذلك ولا نلومه علي هذا التصرف، ذلك لأنه يسعي لتحقيق مصالحه الاستراتيجية والاقتصادية. ولكن السؤال هو: ماذا فعلنا نحن لمنعه أو ردعه عن ذلك؟ وإذا عدّلنا هذا السؤال، فيمكن أن نطرحه بالشكل التالي: كيف سعينا نحن لمساعدته علي تحقيق مآربه فينا؟ فقد كانت الفتنة نائمة فأيقظها الآخر المحتل، ونحن صامتون بل صاغرون. وكان الجمر خافتا وقابعا تحت أكوام كثيفة من الرماد، فنبشه الآخر وأججه متعمدا، ونحن مشجعون ومهللون. أيها المفكرون العرب، يا رجال الدين العقلاء، أليست هذه عودة، غير ميمونة، أربعة عشر قرنا إلي الوراء؟
وحتي لو عُدنا أدراجنا إلي ذلك الزمن البعيد، واعين أو غافلين، مكرهين أو راضين، أليس الأحري بنا مثلا أن نتأسي جميعا، سنة أو شيعة، بموقف الإمام علي حين قال له عمه العباس، بعد وفاة الرسول (ص): ابسط يدك أبايعك! وتكرر نفس العرض من أبي سفيان نفسه، ولكن عليا ً أبي بإباء أن يستجيب له، كما أبا أن يستجيب لعمه العباس، مخافة الفتنة، كما يقول طه حسين، في كتاب الفتنة الكبري، عليّ وبنوه ؟ (مجلد إسلاميات، ص848، بيروت: دار الآداب، 1967).
تفسير بقاء آثار الفتنة الكبري من خلال نظرية العقل المجتمعي وأنا أفسر الحالة التي نحن بصددها اليوم، أو الكارثة التي نواجهها نتيجة الصراع بين السنة والشيعة، والتي صنعها مسلمون أوائل في فجر الإسلام، عن طريق إثارة الفتنة الكبري، كما يقول الزميل عصام نعمان؛ أفسرها في ضوء نظرية العقل المجتمعي التي تقول إن المجتمع، باعتباره كيانا متميزا يتمتع بشخصية اعتبارية أو معنوية، قد تصبح شخصية قانونية مثل شخصية الدولة وشخصية المنظمات والاتحادات الدولية كالاتحاد الأوروبي أو الجامعة العربية؛ أقول هذا الكيان الاعتباري، يختزن، في عقله الجبار، الاحداث والقيم الماضية التي قد ترقي أحيانا إلي آلاف السنين الماضية. فيتبعها عادة معظم الأفراد الذين ينتمون إلي ذلك المجتمع، بدون وعي في الغالب، أو بوعي ولكنه تابع لعقلهم المنفعل، المتأثر أو الخاضع لذلك العقل المجتمعي. وهم في الغالب يتبنون تلك القيم والمسلمات القابعة في ذلك العقل المجتمعي، منذ نعومة أظفارهم، بشكل تلقائي من خلال أسرتهم ومجتمعهم. ثم تصبح جزءا من معتقداتهم الشخصية، ومسلماتهم العقائدية، يدافعون عنها بحماس وقد يبذلون حياتهم في سبيلها. ونلاحظ، من خلال هذه النظرية، أنه كلما ازداد المجتمع تخلفا أو بدائية، ازداد تمسكه بعقله المجتمعي المتخلف. وكلما ارتقي المجتمع في سلم التطور والتحضر، تطور عقله المجتمعي بنفس القدر، فأصبح يحمل قيما وأعرافا ومسلمات جديدة، الأمر الذي يؤدي إلي ضمور أو تلاشي القيم الماضية البالية. وهناك تفاعل جدلي نشط ومتبادل بين العقل المجتمعي للوحدة المجتمعية، والعوامل المتصارعة أو المتعاونة علي تطور تلك الوحدة المجتمعية أو تخلفها، الأمر الذي يجعل ذلك العقل متأثرا بتلك العوامل، من جهة، ومؤثرا فيها، من جهة أخري. ولئن نعترف أن هذه النظرية بحاجة إلي مزيد من التفصيل والشرح، نكتفي بهذا القدر الموجز لضيق المقام، علما بأننا شرحناها بتفصيل كاف في كتاب أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي المشار إليه أعلاه. ونقدم فيما يلي مثالين لتطور العقل المجتمعي تاريخيا:

أولا: العقل المجتمعي العربي الإسلامي

نحن نعتبر الإسلام ثورة علي العقل المجتمعي الجاهلي المتخلف. ذلك لأنه انطلق من عقل فاعل، جاء بقيم جديدة استهدفت محو معظم القيم الجاهلية الموروثة. فقد حارب الإسلام البداوة التي تعتبر مرحلة بدائية ينبغي تجاوزها إلي مرحلة الزراعة الأكثر تقدما، للوصول إلي مرحلة الصناعة فالحضارة. فقد حاول الإسلام القضاء علي العقلية البدوية، أو ما نطلق عليه العقل المجتمعي البدوي، الذي يختزن ويعتمد العصبية القبلية والصراع العشائري والتفاخر بالآباء والثأر، فقال: إنما المؤمنون اخوة وقال إن أكرمكم عند الله اتقاكم وقال ولا تزر وازرة وزر أخري و إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحميَّة حميَّة الجاهلية (سورة الفتح، 26). وخطب الرسول (ص) في حجة الوداع قائلا: إن الله أذهب عنكم نخوة الجاهلية وفخرها بالآباء؛ كلكم لآدم وآدم من تراب، ليس لعربي علي عجمي فضل إلا بالتقوي. وعن مسلم أن النبي قال: من قاتل تحت راية عِميَّة، يغضب لعصبية أو يدعو إلي عصبية فقتِلَ قُتِلَ قَتْلة جاهلية (العِميّة: الضلالة).
ولكن العقل المجتمعي البدوي، علي الصعيد الاجتماعي، وقرينه العقل المنفعل، علي الصعيد الفردي، كانا أقوي من تعاليم الإسلام ومبادئه. لأن قيم العقل المجتمعي تتجذر فتتحجر، ولا يصلحها أو يغيرها قانون وضعي أو شريعة سماوية، في الغالب. يقول أحمد أمين في فجر الإسلام : ومع كل هذه التعاليم، لم تمتْ نزعة العصبية، وكانت تظهر بقوة إذا بدا ما يهيجها، ويضيف: ولما ولي الأمويون الخلافة عادت العصبية إلي حالها كما كانت في الجاهلية، وكان بينهم وبين بني هاشم في الإسلام كالذي كان بينهم في الجاهلية (بيروت: دار الكتاب العربي، ط11، 1975، ص79).
وهكذا نحن نري أن العقل المجتمعي العربي الإسلامي الذي يوجّه ويسيِّر المجتمع العراقي، لم يتطور كثيرا منذ تلك الفترة، ذلك لأنه استجاب لمن أثاره وهيجه، فتلقف هذه الإثارة بعقل منفعل، بدل أن يستقبلها بعقل فاعل، يميز بين الصالح والطالح، وبين ما ينفعه ويضره، لا سيما والمفروض أن نلاحظ أن الآخر، هو الذي يريد لنا أن نختلف وأن نتصارع ونقتتل. انظر مثلا ما يحدث اليوم في فلسطين من صراع بين فتح وحماس!! ألم نأخذ دروسا من الماضي القريب حين قام هذا الآخر، مثلا، بصبّ الزيت علي النار المستعرة، في الحرب التي تفجرت بين العراق وإيران، فساعد الطرفين، بشكل مباشر أو غير مباشر، فقُتل مئات الألوف منهما خلال ثمانية أعوام عجاف؟ يقول الزميل الدكتور عصام نعمان: يجب أن يعي العرب والعجم أن إدارة بوش تهدف إلي شقّ الإسلام السياسي إلي إسلام سنيّ وآخر شيعي والي إشعال الفتنة بين أهل كل من الفريقين (انتهي الاقتباس). ألم تقم أمريكا بإعطاء الضوء الأخضر للقيادة العراقية، من خلال حديث سفيرته في العراق أبريل غلاسبي، التي أشارت فيه الي أن النزاع بين العراق والكويت شأن عربي لا دخل لبلادها فيه، سيما وان الكويت لا تربطها ببلادها أي معاهدات ملزمة، وذلك قبل الشروع بغزو الكويت؟

ثانيا: العقل المجتمعي الأوروبي

وخلافا للعقل المجتمعي العربي الإسلامي تطور العقل المجتمعي الأوروبي علي نحو آخر، لا سيما في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، ثم تطور أكثر منذ انتهاء الحرب الباردة. فقد ظل هذا العقل مثقلا بأحداث الماضي البعيد والمتوسط والقريب، التي تركت آثارها المتناقضة والمدمرة عليه. فتعديلا لمقولة هانتغتون المتعلقة بتطور الصراع التاريخي في أوروبا الذي كان بين الملوك والأباطرة ثم بين الدول القومية، ثم بين الإيديولوجيات، أقول انه علي الرغم من الصراع المرير الذي تجلي بالحروب الدينية ثم الصراع علي السيطرة علي المستعمرات واستعباد الشعوب المتخلفة، ثم التنافس علي مناطق النفوذ للاستمرار في استغلال موارد الثروات الطبيعية وترويض الشعوب النامية؛ أقول مع تفاقم جميع هذه الصراعات التاريخية العنيفة، استطاع الأوروبيون ترويض عقلهم المجتمعي بواسطة استخدام عقلهم الفاعل بكفاءة عالية، فتمكنوا من تجاوز خلافاتهم التاريخية واختلافاتهم الثقافية واللغوية والقومية، فأقاموا سوقا أوروبية مشتركة، فاتحادا أوروبيا ناجحا بكل المعايير. بينما فشلت البلدان العربية في تحقيق أي قدر من الاتحاد، والتكامل، ناهيك عن تنفيذ الدفاع المشترك المنصوص عليه في المعاهدة، وذلك علي الرغم من تميز هذه البلدان عن أوروبا بوجود لغة مشتركة وثقافة مشتركة وشعور قومي واحد، وحضارة عربية إسلامية واحدة (تاريخ واحد)، وتطلعات ومشكلات مشتركة، ودين يدين به 90 في المائة من العرب تقريبا، كما تنتسب البقية الباقية من الأديان الأخري، إلي هذا الدين كثقافة وحضارة متميزة.
تُري لماذا هذا التقصير الفاضح؟ هل نعلقه، مرة أخري، عل مشجب الآخر فقط؟ أم يعود إلي أننا ما نزال خاضعين للعقل المجتمعي الذي تكرس قبل اكثر من 14 قرنا، ولم نتمكن من تعديله وتشذيبه وتحويله إلي عقل حداثي، عن طريق استخدام عقلنا الفاعل، لا عقلنا المنفعل المأفون والمفتون، بخلافاتنا الماضية!
وفي مقاله الأخير ، تحت عنوان هل أصبحت الفوضي طريقة حياة؟ يقول الكاتب المحترم عصام نعمان لم تستطع منظمات المقاومة حتي الآن بناء جبهة سياسية وكفاحية موحدة فيما بينها لتقوم بدور مرجعية وطنية قائدة للمرحلة الراهنة. فلسطين فقدت عمليا مرجعية منظمة التحرير ونفوذها، كما عجزت منظمات المقاومة فيها عن إقامة جبهة وطنية موحدة لتكون مرجعية وطنية بديلة.
ومرة أخري أؤيد الكاتب في ملاحظته هذه، وأعزوها مجددا إلي تخلف العقل المجتمعي العربي، الذي لا يقبل الحلول الوسط ولا القواسم المشتركة، بل يصر علي: إني علي حق وغيري علي باطل! ومن هنا نشأت الحركات الشيوعية أو القومية المتزمتة أو الإسلامية المتطرفة، التي تكفر كل من لا يتفق وفهمها للشريعة السمحاء.
ومن هنا أنطلق لأضع سيناريو محتمل، آمل أن لا يتحقق، ملخصه: إذا انسحبت أمريكا من العراق، وهو الأمر الذي يدعو إليه الديمقراطيون وعدد من الجمهوريين، في الكونغرس الأمريكي اليوم، كما أنه الأمر الذي أصبح في حكم المؤكد، إذا فشلت خطة الرئيس بوش، وهو أمر متوقع بنظر الكثير من الخبراء والسياسيين؛ فالسيناريو المحتمل هو أن تنشب حروب طاحنة بين فرق المقاومة التي تختلف اختلافا كبيرا في إيديولوجياتها. كما قد تستعر حروب مدمرة بين السنة والشيعة، قد تتدخل فيها أطراف عربية إلي جانب السنة، وإيران إلي جانب الشيعة. وقد تحدث حروب أخري بين العرب والأكراد، فتشتعل المنطقة، أو يتقسم العراق إلي ثلاث دويلات، وهكذا تتحقق نبوءة الصديق عصام نعمان بالفوضي الخلاقة فيضحك الأعداء ويقولون: يا أمة ضحكت من جهلها الأمم، كما قال في آخر مقالاته. وأتمني أن لا نصل إلي هذا الحضيض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.