تكلمنا في المقالة السابقة عن التلاعب بالألفاظ. وكيف أثر ذلك علي استحلال الذنوب. ووصلا بما سبق نتكلم عن أثر التلاعب بالألفاظ علي الفهم والاعتقاد وعلي الفكر والمناقشة. 1 فالتلاعب بالألفاظ يخلق حالة من الصراع الفكري والعقائدي. ولنأخذ مثالاً علي ذلك وليكن تعري المرأة وإظهارها أجزاء من جسدها. ففي حين ما يسميه الإسلام كشفاً للعورة تأثم به المرأة ويحاسبها الله عليه. يسميه دعاة التفلت جمالا وجاذبية. ويتولد عن ذلك في أذهان الناس أن المسلمين يرفضون جمال المرأة وجاذبيتها. فيكره الناس الإسلام وعلماء الإسلام بدون وعي. فهم لا يصفون الواقع بشكل صحيح. فإن الإسلام استحب للمرأة أن تتجمل وتظهر جمالها. ولكن في إطار التكليف الإسلامي وتشريعه. وفي إطار الحياة الزوجية. والإسلام يهدف في ذلك لصيانة المرأة. وأنها ليست جمالاً مباحاً لكل أحد. بل هي تتزين وتجمل لمن اختارت وأرادت في إطار العقد الشرعي بينها وبينه. ويشيع بذلك ثقافة عامة تساعد علي الامتثال بالتكاليف التي حددها كحرمة الزنا. أو الأمر بغض البصر. أو النهي عن الخلوة المحرمة. 2 وترتب علي ذلك أن علماء الإسلام كرهوا التطور الغربي وكل ما يأتي به من تغيير لمعاني الألفاظ التي كان متفقا عليها. حيث إن الخطر الحقيقي ليس في انتشار الذنوب فحسب. فإن الذنوب والمعاصي موجودة في المجتمع الإسلامي منذ العصر الأول وحتي بين الصحابة. ولم يخل عصر منها. بل يكمن الخطر الحقيقي في التلاعب بالألفاظ. بحيث تسمي الذنوب بغير أسمائها مما يجملها في عيون الناس. ويدفعهم للإقدام عليها. وكم استغلت كلمة الحرية والجمال وتحقيق الذات في خداع المرأة المسلمة. واستمالتها لكشف عورتها لاستفادة جهات أخري تتاجر بهذا التعري المقيت. 3 فقد أدي هذا التلاعب بالألفاظ إلي أن المرأة التي تكشف عورتها تعتقد أن ما تفعله لا يخالف الدين الإسلامي. وأن الدين الإسلامي لم يأمرها بتغطية جسدها. فهذه المرأة الطيبة التي وقعت في المعصية بسبب الخلط تؤمن بأن الدين الإسلامي أمر بكل جميل. وليس من المعقول أن يتعارض الإسلام مع الجمال. ومع أن تكون المرأة جميلة. وهي تقصد في هذه الحالة أن الجمال هو كشف عورتها لجميع الناس. 4 فأدي التلاعب بمعني كلمة الجمال. واستخدامها بمعني كشف العورة المحرم إلي ذلك الخلط عند نساء المسلمين. ولو كانت الأشياء تسمي بأسمائها لما تولد هذا الإيمان الفكري بذلك الذنب الذي تفشي في المجتمعات الإسلامية. وكانت من تقع في تلك المعصية أو غيرها تعلم أنها مذنبة وأنها مخالفة لشرع الله ويجب عليها أن تتوب. وهذا ما نريده أن يعلمه المخالف لشرع الله أنه علي ذنب يخشي عليه. وأن يضع التوبة إلي الله ضمن أولويات مشاريع حياته اليومية. نسأل الله أن يتوب علينا وعلي جميع المسلمين. 5 وقد أشار القرآن الكريم إلي جريمة التلاعب بالألفاظ في كثير من آياته. فمرة يشير إليها بنفس العملية وهي تسمية الأشياء بغير أسمائها. فذكر القرآن أن من سبب ضلال الناس عن منهج الله. وعبادتهم غيره سبحانه أنهم صنعوا تماثيل من الحجارة وسموا تلك التماثيل آلهة. قال تعالي: "ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان" "يوسف :40". 6 ومرة أخري يشير القرآن الكريم لهذه الجريمة بلفظ التلبيس الذي هو إدخال الحق في الباطل. وقد نهي الله عنه في كتابه في كثير من آياته من ذلك قوله تعالي: "ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون" "البقرة :42". وذكر سبحانه أن ذلك التلبيس قد يصل لحد قتل الإنسان ولده وهو لا يري أنه قد ارتكب إثما. وقد قال تعالي في ذلك الشأن: "وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم" "الأنعام: 137". 7 فنشأ بين أهل الحق الذين تمسكوا بمعاني الألفاظ. ورأوا ضرورة قيام اللغة بوظائفها الأساسية وبين أهل الزيغ والضلال الذين سعوا للتلاعب بالألفاظ ودعوا إلي عدم وجود معان ملزمة ورأوا النسبية المطلقة نشأ بين الفريقين صراع فكري. لعدم الاتفاق علي قاعدة واحدة في النقاش. وبعد ذلك تحول إلي صراع اجتماعي ومن بعده سياسي. وبدأ الصراع العسكري في الظهور بين أبناء الحضارة الإسلامية والعربية وبين الغرب. كان كل ذلك من آثار التلاعب بالألفاظ. أو من آثار التأصيل الفكري للخروج عن اللغة وعن مراد الله. والله أمرنا أن نفهم الألفاظ كما وضعها الواضع. فياليتنا نعود إلي مراد الله ونبتعد عن التلاعب باللغة وألفاظها.