نكمل اليوم حديثنا عن الملفات التى حركتها ندوة الدوحة عن التعدد المذهبى فى الخليج وآثاره السياسية , وقبل أن نتوسع فى عنوان مقال اليوم نحتاج تسجيل نقطتين سريعتين ومهمتين فى المقالة , الأوّلى نجاح الفكرة المبدئية للمنتدى وهو ما يؤكد تكرارها فى عواصم مجلس التعاون بالتعاون مع صاحب الفكرة د. الأحمرى أو استقلالاً واقترحًا على مهرجان الجنادرية للثقافة أن تُعقد ندوة مكملة لهذا الطرح , أمّا النقطة الثانية فهو توضيح الموقف الذى صدر باجتهاد خاطئ من أحد الأخوة النبلاء الوطنيين ذوى المواقف الشريفة فى الكويت تجاه الأشقاء الأباضية وربما التعبير لم يعنه لمحدودية الوقت الذى فهم بصورة جارحة للإخوة من سلطنة عمان وأين ما كانوا , والحقيقة أنه لا يوجد أى إشكاليات اجتماعية أو سياسية أو احتقان طائفى مع الأشقاء فى عُمان المنصهرين وطنياً شافعية وإباضية , نعم هناك خلاف علمى فى ميدان الاعتقاد لكن يحصر فى مسارات الجدل العلمى, لكن ليس لذلك أى انعكاس والتوتر الذى جرى منذ عقدين إثر تعميم خاطئ , تم تجاوزه بين المؤسسة الرسمية فى الرياض و الحراك الثقافى الأهلى وهو كذلك فى علاقة سماحة الشيخ أحمد الخليلى مفتى السلطنة ذى التوجه الوحدوى والإصلاحى كنائب لرئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين وعلاقته بالاتحاد ورئيسه الإمام القرضاوى و كأحد البارزين من علماء الخليج العربى, فضلاَ عن البعد المختص بموضوع الندوة والحراك المشترك المندمج بين الإباضية وأشقائهم دون فرز سواءً فى عُمان من خلال حركة المطالب الإصلاحية التى قدمت لجلالة السلطان وتجاوب معها , أو من خلال علاقتهم الوحدوية الاندماجية مع أشقائهم فى الخليج العربى لتحقيق الوحدة والإصلاح . وفى الأصل هذا المبدأ ذاته يُطبق على الإخوة الشيعة لكننا هنا أمام واقع سياسى مختلف أثرت فى تداخلات طائفية عميقة ومزلزلة بناءً على حراك ضخم دينى وسياسى وإعلامى من خارج الخليج العربى عن طريق الجمهورية الإيرانية وبالتالى نحن نحلل الواقع بالطريق الذى يقودنا لتجاوز الأزمة وتخفيف احتقانها وتهيئة المشهد الوطنى لدول الخليج لخلق أرضية تعالج بواقعية وإيجابية وبناء ثقة بين الطائفتين كمخرج إنقاذى مهم من التوتر أو الاضطراب . بين موقفين هنا لن أطرح الموقف الوطنى الاستراتيجى من مشروع إيران وأن تداخل وسأعرض لهذا الملف فى حلقة قادمة لكننى سأركز على الدور الذاتى للخليج العربى, وهذا الدور من الجانب السُنى يقوم على فعل وثقافة مطلوبة من المسار الرسمى والحراك المدنى, يعتمد توصيف أبناء الطائفة كمواطنين متساوين فى الحقوق والواجبات ليس كشعار إعلامى بل كممارسة سياسية واجتماعية تنطلق من ذلك المفهوم وتعززه وتتقارب معه , وقد لا يتحقق البرنامج الدستورى التنفيذى فورًا لظروف كل دولة وحجم تعطل الإصلاح فيها الذى لم يكن مسئولاً عنه الغالبية السنية بل هو موقف رسمى لحكومات الخليج العربى, لكن المهم هو تكريس هذه الثقافة فى أدبيات المثقف والمسئول وفى لغة الرأى العام والإعلام وفى الثقة الميدانية المتبادلة لأطراف المجتمع . ورغم ما يبدو من صعوبة لدى الطرف السُنى فى هذا المسار السلوكى بالدرجة الأولى لكنه ضرورى فى تحقيق مستوى المعالجة لدى المجتمع المدنى الخليجى, وتبقى قضية الصراع العقائدى العميقة فى حقيقتها ولن يغير عمقها تبسيط القضية بإعلان أنها خلافات يسيرة وهى ليست كذلك على الإطلاق ولها علاقة بأصول بين الطائفتين , لكن المنطلق هنا هو قضية فقه الشريعة فى الشراكة السياسية والمواءمة المدنية التى كانت متواجدة فى المجتمع العربى منذ القرن الثالث لكن كانت أخف عقائديًا وأقل مصادمة بكثير لتقارب التشيع العلوى وظروف أخرى , هذا بين المجتمع القديم كجماعة بشرية رغم أن الصراع السياسى بين الطالبيين وغيرهم ضد الاستبداد كان قائمًا مع العباسيين , إلا أنّ إعادة قراءة المجتمع العربى القديم ستكشف لنا مفاجآت مهمة فى علاقات العرب السُنة والعرب الشيعة القديمة ليست كما تُصوّر حالياً من كل جانبى التطرف بأنهما كانا جزرًا معزولة , بل متداخلة مع المجتمع السنى حتى فى علاقة العلماء ونقل بعضهم عن بعض والتقائه بهم مع خلافهم العقائدى, دون أن يمنعهم ذلك من الجدل المذهبى, لكن دون سحبه على علاقات المجتمع وتأزيم شراكته . ونكمل الموقف الثانى المطلوب من البيت الشيعى فى الأسبوع القادم بإذن الله [email protected]