أهم المحطات في علاقة مصر بإثيوبيا مصر والحرب الايطالية الإثيوبية شهد العام 1896 ، المواجهة الأولى بين إثيوبيا وإيطاليا وأسفرت عن هزيمة الايطاليين في موقعة عدوة، ورغم ذلك، وبعد وصول الفاشيست الى الحكم في ايطاليا، إندلعت الحرب مرة أخرى بين البلدين أكتوبر 1935، وزارة عبد الفتاح يحى باشا فى مصر، لتقع إثيوبيا تحت الإحتلال حتى بدايات أربعينيات القرن الماضى. وبعد إندلاع الحرب، اتبعت الحكومة المصرية، وزارة محمد توفيق نسيم باشا، سياسة الحياد بين الدولتين، إيطاليا وإثيوبيا، نظراً للعلاقات التى تربطها بهما معاً، فى حين كان الرأي العام المصري منحازاً بالكامل مع إثيوبيا من منطلق العلاقات التاريخية والدينية، وإعتبر المصريون، وبمنتهى الوعى، أن تهديد إيطاليا لإثيوبيا هو تهديد لمصر وأمنها، خاصة وإيطاليا تحتل ليبيا على حدود مصر الغربية، ومعنى إحتلالها لإثيوبيا أنها إحتلت أيضاً الحدود الجنوبية الشرقية لمصر، مما يسهل على حكومتها الفاشية أن تحقق هدفها وتهديد مصر والسودان، وبريطانيا أيضاً دولة الاحتلال، عن طريق إثيوبيا وليبيا، وأن منابع النيل الإثيوبية ستسقط في أيدي الايطاليين. دفع ذلك الوعى بالشعب المصري لإظهار تعاطفه مع إثيوبيا ومساندة موقفها، فإحتج على حكومته عندما وقعت مع إيطاليا إتفاق تسهيلات جوية يتجدد كل ستة شهور، كما إحتج على ترحيل العمال المصريين، الذين استأجرتهم الحكومة الايطالية، للعمل في مستعمراتها في شرق أفريقيا، في بناء المنشآت العسكرية لإستخدامها في الحرب ضد إثيوبيا، فأجبر الحكومة المصرية على إلغاء جوازات سفر هؤلاء العمال ومنع ترحيلهم. كما إحتج الرأي العام المصري أيضاً على التسهيلات التي قدمتها الحكومة المصرية، في تخفيض أجور السفر في السكك الحديدية، لنقل العمال الايطاليين من مدينة الاسكندرية الى السويس، وكذلك سماحها بتأخير عربات النقل في هذه السكك الحديدية، لنقل المؤن والذخائر الحربية الى السويس، تمهيدا لنقلها الى إريتريا حيث تجرى الاستعدادات الحربية لغزو إثيوبيا. ثم دخل الرأي العام المصري مرحلة جديدة في تأييده لإثيوبيا، بدأت بنداء الى الأمة المصرية لمد يد العون لاخوانهم الإثيوبيين، فقدمت التبرعات، وتوالت طلبات التطوع في الجيش الإثيوبي، كما أعلن فريق من الضباط المصريين المتقاعدين رغبتهم في السفر الى إثيوبيا للانضمام الى جيشها، بصحبة مهندسين وصناع طلبوا التطوع في الحرب أيضاً. إضافة الى المظاهرات الضخمة لتأييد قضية إثيوبيا، فى رسالة مفادها أنه على المصريين أن يثبتوا للعالم أن مصر ما زالت حية تدافع عن جارتها من غير ضعف أو تعاون، وأنه يجب عليها أن تكون خصما ثالثا، وعلى الحكومة المصرية أن تستعد بالدفاع عن البلاد وتمنع كل تسهيل يقدم لإيطاليا من أى نوع. وعندما نشبت الحرب الايطالية الإثيوبية بالفعل، في الثاني من شهر اكتوبر 1935، دخلت اللجنة العامة للدفاع عن الحبشة مرحلة المساعدة المادية المباشرة لإثيوبيا، وتقرر إنشاء صندوق للتبرعات ولجنة لفحص طلبات الأطباء والصيادلة والممرضين، والاتصال بمخازن الأدوية والصيدليات للتبرع بالأجهزة والأدوات الطبية، وشرعت الهيئات العلمية والدينية والتجار والطلاب في إرسال النداءات الى أعضائها، تستحثهم على المبادرة بالمعونة المادية، كما تقرر سفر الأمير اسماعيل داود الى إثيوبيا تلبية لدعوة الإمبرطور هيلاسيلاسي، ولكي يكون أيضا حلقة إتصال بين اللجنة العامة، والحكومة الإثيوبية في كل ما له علاقة بالبعثات الطبية التي تقرر إرسالها الى إثيوبيا، وسافرت البعثة الطبية الأولى مع الأمير اسماعيل داود في 24 اكتوبر 1935 أى بعد 22 يوما من اندلاع الحرب. وظل الشعب المصري يقدم كل ما يستطيع أن يقدمه لمساعدة إثيوبيا في أزمتها، بل ضحى بأحد أبنائه من الأطباء الذين كانوا يعملون في البعثات في سبيل الزود عن إستقلال إثيوبيا، وقام بتشييع جنازته في القاهرة في احتفال مهيب عظيم كأنه مات عن مصر نفسها، كان هذا هو موقف شعب مصر الرائع الأصيل. أما من جهة الحكومة المصرية نفسها فقد ظلت متبعة سياسة الحياد، حتى نشبت الحرب فعلا، فوجدت نفسها أمام تيار الرأي العام المصري الجارف المؤيد لإثيوبيا، وأطماع ايطاليا التي بدأت تتحقق في الخطوة الأولى منها بإعلان الحرب، ثم شجعها تحرك بريطانيا ضد إيطاليا، فتخلت مصر عن حيادها وتورطت رسمياُ في الأزمة الدولية، وأصبحت معرضة لعداوة ايطاليا التي إحتجت بشدة لدى الحكومة المصرية، على تنفيذها للعقوبات التي فرضتها عصبة الأمم عليها وبدأت الحكومة المصرية في ضوء هذه المتغيرات، الى المساهمة بدورها في دعم المجهود الشعبي المصري الذي كان يبذل لصالح إثيوبيا، فأعفت البعثات الطبية والمعونات الطبية المسافرة الى إثيوبيا من دفع اجور السفر والنقل كما إعترفت باللجنة العامة للمساعدة الطبية للحبشة، وقدمت احتجاجا رسميا الى الحكومة الايطالية على ضرب المستشفى المصري بأديس ابابا بالقنابل أثر هجوم جوي ايطالي . وإستمر الدعم المصرى حتى عاد الإمبراطور هيلاسلاسى من المنفى 1941، بعد إنتصار القوات البريطانية والإثيوبية على القوات الإيطالية عام 1941، ولكن لم تستعد إثيوبيا السيادة حتى توقيع الإتفاق الأنجلو- إثيوبي ديسمبر 1944.
الفترة بعد الثورة المصرية 1952 أيقنت مصر، جمال عبد الناصر، أن إفريقيا هى عمق الأمن القومى المصرى، فدعم ناصر بشدة إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية 1963، مستفيداً من أيدولوجياته التحريرية وتحوله الى زعيم إفريقى كبير، وربما عمل على أن يكون مقرها فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا توطيداً للعلاقة مع إثيوبيا، فربطته بالإمبراطور هيلاسيلاسى علاقات صداقة ومودة، تلاشت معها المحاولات الإثيوبية التاريخية المتكررة لإستخدام مياه النيل كورقة ضغط، إضافة الى البعد الدينى فى الدور الكبير للبابا كيرلس بطريرك كنيسة الإسكندرية وقتها. يقول عبد الناصر عن إثيوبيا: "نحن بلدان متجاوران فى قارة ضرب عليها الإستعمار نطاقه لتكون له دون أهلها كالبقرة الحلوب، ونحن شريكان فى هذا النهر الخالد الذى يفيض الخير والبركة على شاطئيه من هضبة الحبشة إلى المقرن من أرض السودان إلى المصب فى البحر المتوسط، فكل ذرة من ذرات ذلك الماء المتدفق فى مجراه بين المنبع والمصب تتناجى همساً بأمانى مشتركة تلتقى عندها عواطف المصريين والسودانيين والأحباش جميعاً، إننا اليوم وقد صارت أمورنا بأيدينا، فقد وجب علينا أن نلقى أضواء على الحبشة، وأن نوثق علاقات الإخاء والمودة بيننا وبين الشعب الذى تربطنا به أوثق الصلات منذ أبعد أعماق التاريخ" ورغم ذلك فقد شاب الأمور بعض التوتر أحياناً، خاصة فى فترة الخمسينيات او مع الإعلان عن بناء السد العالى، قبل أن تعود وتستقر، نسبياً، خلال فترة السيتينيات.
الفترة بعد حرب أكتوبر 1973 كان للدول الافريقية، وفى مقدمتها إثيوبيا، دور مشرف أثناء حرب73 في الوقوف بجانب مصر، حيث ساعدت في إغلاق باب المندب لمنع الإمدادات الجنوبية لاسرائيل وأعلنت أن الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية هو إحتلال عنصري وبغيض. إلا أن مصر، السادات ثم مبارك، لم تستفد من ذلك الموقف الإستراتيجي الرائع للأسف، ولكن زادت ثقتها في الجانب الافريقي أو ضمنت نواياه تجاهها، فى الوقت الذى كان يأمل هذا الجانب وينتظر الكثير من مصر الكبيرة، سواء فى مجالات التعليم والتنمية والتثقيف الدينى، أو فى كونها جسراً للدعم العربى الاستثمارى والتمويلى. ولكن للأسف، شهد الواقع إهمالا مصرياً شديدا ترك أثره علي العلاقات المصرية الافريقية على وجه العموم، خاصة مع تركيز مصر جهودها الديبلوماسية علي الدول العربية، بعد إتفاقية كامب ديفيد، غير منتبهة أن هناك 52 صوتا لحلفائها الأفارقة في الأممالمتحدة، ستحتاجهم عندما ترغب في إستصدار اي قرار تتطلع إليه. وبعد سقوط الحكم الإمبراطورى الإثيوبى 1974 وتولى "منجستو هيلاماريام" للحكم والتحول بإثيوبيا الى الأيدولوجية الشيوعية، عند هذه النقطة انتهت التبعية الروحية والعملية للكنيسة الإثيوبية مع الكنيسة الأم فى مصر، وضعف النفوذ المصرى تماماُ، زاد منه إنضمام مصر الى ما عرف وقتها ب "تحالف سفاري" المضاد للمد الشيوعي عام 1975 ، والمكون من الولاياتالمتحدة ومصر والمغرب والسعودية وكينيا وإيران، حيث إعتبره "منجستو هايلا مريام" مؤامرة مصرية موجهة ضد إثيوبيا، حتى أنه في خطبة جماهيرية له عام 1979 حطم زجاجة مملوءة بالدم على إسمي مصر والسعودية، متوعداً الدولتين بالحرب والإنتقام وقطع ماء النيل عن مصر، وقوبل هذا التهديد برد عنيف فورى حاسم من الرئيس السادات، أعلن فيه إستخدام السلاح الرادع لمن تسول له نفسه شيئا من ذلك، فإلتزم منجستو الصمت، لعدم موائمة الظرف السياسى، وعدم وجود حلفاء غربيين لمساندة نظامه الشيوعى بطريقة علنية. ثم كانت محاولة الإغتيال الفاشلة للرئيس الأسبق مبارك فى أديس أبابا 1995، تلك التى أخرجت العلاقات الإثيوبية من دائرة الحسابات المصرية، بعد أن خرجت منها الحسابات الإفريقية ، أو كما سنستكمل فى الحلقات القادمة، إن أراد الله، ثم أذن مضيفونا وكان فى العمر بقية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.