صحيفة يولاند بوسطن الدنماركية كانت أولى الصحف التى نشرت رسوماً كاريكاتيرية مسيئة للنبى صلى الله عليه وسلم واللافت أن عدد تلك الرسوم كان 12 رسماً ، وهو رقم يحيلنا فى التوراة على أسباط يعقوب عليه السلام كما يشير الى نسل اسماعيل عليه السلام ويذكرنا بشهور السنة البابلية ، فالمسألة تبدو وكأنها تصفية حساب مع جملة من المعانى والقيم والرموز التاريخية المرتبطة بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، فرقم 12 رقم سحرى فى الثقافة العربية القديمة قبل ظهور الاسلام وبعده .. وكتابات ومجهودات البعض من هواة الاعلاميين والشعراء والكتاب اليوم مرتبطة بهذا لأنها وثيقة الصلة بجهود المستشرقين قديماً فى ذات المضمار . فى مقالاته فى احدى الصحف يعيد الشاعر أحمد الشهاوى نصاً ما أثاره المستشرقون قديماً من شبهات وطعون فى السنة النبوية وكل ما يتعلق بها من كتب ومحدثين ورواة ، وفى مقال كرر نصاً ما قاله المستشرق اليهودى الأصل جولدتسيهر فى الصحابى الجليل أبو هريرة رضى الله عنه .. هى اذاً سلسلة متصلة بعضها ببعض ، ولكل رقم معنى ولكل شخصية مغزى ، وليست أهداف من يصولون ويجولون فى الصحف والاعلام اليوم طعناً وتشويهاً وانتقاصاً فى السنة ورموزها مقطوعة الصلة بأغراض المستشرقين الذين ينقلون عنهم تلك الشبهات نقل مسطرة . المثير للشفقة أن كل هذه الشبهات التى يظنون أنها جديدة وأنهم أبدعوها واجتهدوا فى التوصل اليها حديثاً ، وقراؤهم يتلقونها عنهم كأنهم أول من توصل الى سبق اكتشافها ، قد قام بتفنيدها والرد عليها علماء ومفكرون مسلمون كبار .. رداً على المستشرقين المدفوعين برغبات هدم الدين وتفكيك المنهج الاسلامى .. وليس على الشاعر الشهاوى أو غيره ممن ينقلون تلك الأفكار عن المستشرقين . وفى رده على جولدتسيهر ذكر الشيخ المطعنى رحمه الله سبب كراهيته لأبى هريرة رضى الله عنه ، لكونه " نقل من السلاح الذى يرهبونه خمسة آلاف قذيفة ويزيد ، فأخذوا يصوبون سهامهم نحو الرجل العظيم كى يصيبوه فى مقتل ويبطلوا باصابته مفعول القذائف التى يحملها " . الشهاوى فى أحد مقالاته يزعم – وهو فى الواقع ينقل عن جولدتسيهر " أن أبا هريرة رضى الله عنه تعرض للانتقاص والنقد من الصحابة وخاصة من عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، والحقيقة غير ذلك فقد كانت مجرد نقاشات ومراجعات علمية وموضوعية وثبت أن عمراً عندما راجعه ذات مرة ذكر له أبو هريرة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم – الذى شكك الشهاوى فى صحته – " من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " فكان الاذن العمرى له بعد ذلك برواية أحاديث الرسول وآثاره .. وكذلك مناقشات ابن عمر وابن عباس معه كانت من قبيل المراجعة والنقاش والحوار العلمى ، وليس كما يزعم أنها طعن فيه . ويزعم – وهذا نقلاً أيضاً عن المستشرق يهودى الأصل جولدتسيهر - أن أبا هريرة مشكوك فى أمانته وتقواه وأن هناك من الصحابة من اتهمه بذلك ! فأين الشهاوى من ثناء طلحة بن عبيدالله عندما قال " لا أشك أنا أبا هريرة سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع " وثناء ابن عباس : " أبو هريرة خير منى وأعلم بما يحدث " وقول الشافعى " أبو هريرة أحفظ من روى الحديث فى دهره " . ويكرر الشهاوى تلك الشبهة القديمة ويتساءل كيف لأبى هريرة فى تلك الفترة الوجيزة التى قضاها فى صحبة الرسول أن يحفظ هذا الكم الهائل من الأحاديث ، حيث حفظ خلال أربع سنوات خمسة آلاف حديث ؟ وهذا ليس بغريب اذا تحدثنا بمقاييس ومقتضيات ذلك العصر وأدواته ؛ لأن الاعتماد الأساسى فى التحصيل والحفظ عند العرب – وظل ذلك لفترة بعد الاسلام – كان على الذاكرة ، وكان العرب يعتمدون على ذاكرتهم وقوة الحفظ لديهم فى توثيق كثير من العلوم والفنون كعلم الأنساب وأيام العرب والتاريخ والشعر ومعلقاته ، والنماذج والشواهد كثيرة ، وهى تدل على مدى ما بلغوه من قدرة خارقة فى أحيان كثيرة على استيعاب المعارف والفنون وتخزينها فى ذاكرتهم . المطعنى يرد على شبهة جولدتسيهر – التى ذكرها بعده الشهاوى – ويؤكد أن " الكثرة المروية عن أبى هريرة من حديث النبى صلى الله عليه وسلم اذا قوبلت بعدد أيام السنين الأربع التى عاشها مسلماً فى صحبة الرسول ملازماً له ، فان متوسط اليوم الواحد أربعة أحاديث ، وليس فى هذا غرابة يلام عليها أبو هريرة ويتهم بالكذب على رسول الله من أجلها " والهدف بالطبع واضح ؛ فهم يريدون أن يقولوا للناس أن أبا هريرة – صاحب أكثر عدد أحاديث صحيحة مروية عن الرسول – قد نسب الى الرسول ما لم يقله .. ليسقط أكثر الرواة سماعاً عن النبى صلى الله عليه وسلم ، ليسرى هذا الاسقاط من الراوى الى المروى .. وهو المطلوب والهدف عند جولدتسيهر وعند الشهاوى وغيره حديثاً .. ليترك المسلمون الحديث والسنة وربما القرآن أيضاً ، ويعكفون على غناء " الوصايا فى عشق النساء " ! دا بُعدك .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.