الحديث عن مخاطر عودة النظام السابق، والتي تعني فشل الثورة، تحتاج منا لتعريف مكونات النظام السابق، ومصيرها بعد الثورة. فالنظام السياسي السابق، تشكل من طبقة حاكمة سيطرة على الدولة، واستطاعت أن تنفرد بالحكم، وأقامت نظاما سياسيا يساعدها على البقاء في الحكم ويؤمن بقاء النظام المستبد، وأقامت بناء تشريعيا يمكنها من السيطرة على المجتمع، وعلى كل القوى المجتمعية والسياسية، وأسست سياسات حكم تتوافق مع مصالحها، ومع مصالح القوى الخارجية الداعمة لها، ثم أقامت شبكة مصالح واسعة، لتأمين بقاءها في الحكم، وتأمين سيطرتها على جهاز الدولة. والثورة في أيامها الأولى أسقطت المجموعة الرئيسية لطبقة الحكم، وفككت سيطرتها على الدولة والمجتمع، وهو ما تمثل في اسقاط السلطة التنفيذية والتشريعية الحاكمة. كما اسقط النظام السياسي الحاكم، بعد أن فتح الباب أمام وضع دستور جديد للبلاد، وفتح الباب أمام تغيير البنية التشريعية للاستبداد، وبدأ هذا التغيير بوضع قانون جديد للأحزاب السياسية، سمح للقوى السياسية المختلفة بتشكيل أحزاب تعبر عنها. ثم تم وضع قواعد دستورية تسمح بالانتخابات الحرة والنزيهة، مما يمكن المجتمع من اختيار من يحكمه ومن يمثله. وبهذا حدث التغيير في رأس النظام، وفي جوهر الأساس الدستوري والتشريعي الذي حمى بقاء نظام الحكم المستبد والفاسد. وهذا ليس تغييرا هينا، بل هو تغيير جوهري، للأسس التي قام عليها الاستبداد السياسي. وبهذا يمكن لمجلس الشعب القادم تفكيك كل بنية الاستبداد التشريعية، والتي تتمثل في العديد من القوانين التي سمحت بالسيطرة على جهاز الدولة، والسيطرة على المجتمع، بما يؤدي إلى بناء بنية تشريعية جديدة، تكتمل بدستور جديد، وتصبح أساس التحول الديمقراطي. ولكن كل هذا لا يغير سياسات الحكم، وهي السياسات الداخلية والخارجية التي وضعها النظام السابق، وبعضها وضع من قبله، والتي مثلت توجهات الدولة في كل القضايا الداخلية والخارجية. وسياسات الحكم تمثلت في قواعد عمل الدولة وتوجهات اجهزتها الرئيسة، كما تمثلت في المعاهدات والاتفاقيات والتعاقدات الداخلية والخارجية، والتي قامت مع أطراف خارجية تعمل في مصر، مثل الشركات الدولية، أو أطراف من خارج مصر مثل الدول الأجنبية، والمؤسسات الدولية. وهذه البنية الواسعة من سياسات الحكم، تمثل تحديا حقيقيا أمام أي قوى سياسية تصل للحكم أو تشارك فيه، بل تمثل تحديا حقيقيا أمام المجتمع كله، بكل قواه السياسية. لأن سياسات الحكم أصبحت مستندة على علاقات خارجية ومواقف قوى خارجية وداخلية، بالصورة التي تجعل تغييرها يمكن أن يؤدي إلى مواجهات داخلية وخارجية، على المستوى السياسي والاقتصادي. وهنا يظهر دور شبكة المصالح الواسعة، والتي شكلت بنية الطبقة الحاكمة السابقة، لأن هذه الشبكة المشكلة من رجال أعمال ورجال إعلام ورجال الدولة، تمددت داخل مصر، وترابطت مع شبكات ومراكز قوى خارج مصر، بالصورة التي تجعل منها شبكة المصالح الحامية لسياسات الحكم السابق. وهي نفسها شبكة المصالح التي تعمل الآن، على وقف عملية التغيير والإصلاح حماية لمصالحها، وهي بهذا تمثل التحدي الأكبر للثورة. لذا سنجد أن شبكة المصالح الحامية لسياسات الحكم السابق، تتمدد الآن داخل الثورة نفسها، وتحاول أن تكون جزء من حراك الثورة، وجزء من العملية السياسية، حتى تؤمن مصالحها، وحتى تحول التوجه العام للدولة، والنظام السابق، بالصورة التي تؤمن بقاء نفس سياسات النظام السابق. لذا فإن المعركة الحقيقية ستكون مع شبكة المصالح المتغلغلة في كل أرجاء الدولة والمجتمع، خاصة في قيادة أجهزة الدولة، وفي الاقتصاد والإعلام، وفي مراكز التأثير وصنع القرار. لأن شبكة المصالح هذه مازالت تمسك بقيادة جهاز الدولة، وتحمي السياسات السابقة، كما أنها تغلغلت بقدر كبير داجل بنية الحراك الثوري، وسيطرة على وسائل الإعلام. كما يلاحظ أن سياسات النظام السابق الخارجية، وسياساته الاقتصادية، أصبحت تحت الحماية الخارجية، ومرتبطة بتعاقدات الدولة المصرية مع الدول الغربية والمؤسسات الدولية، مما يجعل للطرف الخارجي دور في حماية بقاء هذه السياسات. ولأن سياسات النظام السابق لم تحقق مصالح الوطن، لذا أصبح من الضروري تغييرها، وهذا الأمر يمثل المواجهة الرئيسة، أمام القوى السياسية الوطنية، والتي تريد بالفعل بناء سياسات حكم تقوم على المصلحة الوطنية.