تطوُّر الاحتقان وتداعيات الأزمات والأحداث العاصفة التي تمرُّ بها المنطقة في تزايد، كحروب وأحداث داخلية، لها تداعياتُها السياسية والفكرية والاجتماعية، ولذا فإن مرحلة المواجهات المحتملة أو الانفجارات السياسية التي تتفاعل مقدماتها الآن ستكون أشدَّ تأثيرًا، بكل القراءات المتفائلة أو المتشائمة، من تأثيرات المرحلة السابقة؛ لأن حجم التعبئة التي عاشها المجتمع الخليجي أصبحت كبيرةً جدًا؛ بحيث يصعب أن يُسيطَر على حالة الاستقرار الاجتماعي في حال اندلاع مسببات الفتنة. وكإيمانٍ مُطلقٍ بما يعتقدهُ الإنسان العربيّ في الخليج وخارجه، والذي يرجع في أصول فكره ومبادئه إلى مدرسة الإسلام الكبرى، وعبر كل الأطياف المذهبية والفكرية، تظلُّ قضية حماية المجتمع العربي في الخليج من الفتن العمياء، التي قد تَسْتَبِيحُ الدماءَ والحقوق، أولويةً مطلقة مهما اختلفت تقديرات ومواقف التيارات السياسية؛ فهناك فرائضُ كبرى نصَّ عليها الشرعُ والعقل، تدعو الناس دائمًا للتأمل العميق حول هذه المبادئ الكبرى، التي تحمي المجتمع، وتجعلُ من التعايش وتعزيزه الوسيلةَ الكبرى، بعد رعاية الله، للإنقاذ. غير أنََّ ذلك ما لم يتمّ تداولهُ بشفافية كبيرة وبصراحة عميقة، فلن يُجديَ نفعًا. إنَّ الدعوة إلى التعايش والتسامح دون الوقوف على أسباب الاحتقان وتحديد الثوابت لتعايش المجتمع الخليجي لن يُساهم في تعزيز هذه القناعات عند الفرقاء، سواء أكانوا نخبةً أو عامةً، وهذا هو المطلوب بالضبط: الصراحة التي تقود إلى القناعة العميقة بهذا الخطاب التعايشي. ولذا من الضروري أن نتساءل سؤالًا واضحًا.. ما الذي قادنا لهذا الوضع: هل كانت الساحة الاجتماعية في الخليج محتقنة بهذه الصورة، حتى مع وجود تيارات غلوٍّ هنا وهناك..؟ والتأمل يفيد بأنه لم يكن مستوى الاحتقان قد وصل لهذا المستوى المُخيف، رغمَ أن ذلك لا يلغي مسؤولية الطرف المتشدد في هذه الثقافة، إضافةً لتبعات خطاب فكر الأزمة الإقليمي نحو المجتمع العربي، الذي تراكم عبر سنوات، وانتهى إلى نتائج مدمرة للنسيج الاجتماعي في الخليج، بعد أن احتضنت شريحة مجتمعية ومثقفة أفكار الأزمة الانشطارية ومحاولة استغلال ذلك بإدارة الحراك المصلحي, لكن المهم بكل تأكيد هو عدم ترك المساحة لتطلعات التشدد، وضرورة مدِّ الجسور وإقامة الحوار المجتمعي، قبل أي أحداث أو كوارث لا يمكن حينها أن يكفي الزمن لإطفاء النيران. لماذا يفشل الحوار وكيف ينجح؟ يفشل الحوار لأسبابٍ عديدة؛ منها عدم الثقة بين الأطراف، وحين تسعى شخصيات للحوار مع إخوانها من أبناء الطائفة المقابلة فإنها لا تجدُ نتيجةً مثمرة، ومن أهم هذه الأسباب غيابُ الإخلاص لفكرة الحوار عند البعض، بتكريسه لقيم التعايش، بغضِّ النظر عن الاختلافات كسبب أول، أما السبب الثاني، فهو عدم القدرة على الوصول إلى ثوابت نهائية تُنفَّذ عمليًا بين الطائفتين لأجل تثبيت مقومات التعايش على الأرض، وبالتالي فالمطلوب أن تحقِّق بنود مواثيق التعايش هذا المعيار المهم، والثبات عليه، دون الولوج في تفصيلات تؤدي إلى انتقاض هذا الميثاق لأسباب برغماتية عند البعض أو لأسباب أخرى. المهم أنّ هذه التوافقات الرئيسية تسعى لدفع الرأي العام للتعايش وحماية المجتمع من الفتنة، حتى ولو لم تتوصل إلى هذه المفاصل الحسّاسة التي تُطرح في أي ميثاق، وأن لا تستثمر أجواء هذا الحوار والتواصل إلى حملة علاقات عامة لخدمة أغراض موسمية مرحلية، وبالتالي يفقدُ الطرف الآخر الثقةَ مجددًا، فيقسط الحوار والميثاق، ويكون المجتمع بطائفتيه هو الخاسر الأول لنتائج غياب هذا الحوار الذي يجب أن يُركِّز على ما يحمي الحالة الاجتماعية من الفتن الكبرى أولًا فأول، ويترك قضايا الخلاف على الخطاب السياسي جانبًا. إن الأحداث الخطيرة حين تجتاح المنطقة لو انفلتت لأصبح مآل المجتمع والدولة معًا إلى مصير مجهولٍ, وإن الوسيلة الأنجع والأصوب والأهم التي تفرضها المسؤولية الإسلامية والقومية والوطنية، بل والإدراك الإنساني المجرد، أن يُترك الناس عبر شخصياتهم الاجتماعية لتحقيق هذا التواصل، وردم الفجوة قدرَ الاستطاعة، للحفاظ على سلامة الوطن ومواطنيه جميعًا، في دمائهم وأموالهم وأعراضهم وحقوقهم، وتدعم الدولة هذا التحرك دون تحفيز أمني أو إعلامي. وإن إدراك هذه الشخصيات الاجتماعية من الطرفين لما تمرُّ به المنطقة، واستشعارهم لمسؤوليتهم التاريخية، يجعلهم أكبر من أن يستثمروا مثل هذا التواصل والتفاهم لأجل مشروعٍ سياسي محدود، وإنما شاغلهم الأكبر هو سلامة إنسان الوطن، ووحدة المجتمع، وتلك وحسب إن غابت فهي مقدمة الانفجار المجتمعي الخطير.. والتحرك لملء هذا الفراغ لا يجدي إن لم يسبق العاصفة. المصدر الإسلام اليوم