إبراهيم باشا، الابن الأكبر لوالى مصر محمد على باشا، نصب كقائم على العرش نيابة عن أبيه من 2 مارس 1848 حتى وفاته عام 1848م، يعتبر من أحسن قواد الجيوش فى القرن التاسع عشر. ولد فى نصرتلي، تركيا عام 1789، كان عضد أبيه القوى وساعده الأشد فى جميع مشروعاته، كان قائدًا مقدامًا فى الحروب، لا يتهيب الموت، محنكًا لا تفوته صغيرة ولا كبيرة من فنون الحرب. كان إبراهيم باشا عربى اللغة والعاطفة، وإن لم يكن عربى المولد، وكان ينوه بفضل العرب على المدنيّة والتاريخ، وسئل كيف يطعن فى الأتراك وهو منهم فأجاب: «أنا لست تركياً فإنى جئت إلى مصر صبياً، ومن ذلك الحين مصرتنى شمسها وغيرت من دمى وجعلته دماً عربياً. لما توطد مركز محمد على فى مصر أرسل فى طلب ولديه إبراهيم وطوسون من موطنهما سنة 1805م واستدعى فيما بعد زوجته وأولاده الصغار، وهم إسماعيل وشقيقتاه سنة 1809، لم يكن إبراهيم قد أتم السابعة عشرة من عمره حينما عينه والده على قلعة القاهرة. عينه والده قائدًا للحملة المصرية ضد الوهابيين (1816 1819) بزعامة الأمير عبد الله بن سعود، التى كان يخوضها أخوه طوسون من سنة 1811بغية الوصول إلى نتيجة حاسمة فى الحرب مع الوهابيين (لحساب السلطان العثمانى)، امتثالاً لأوامر السلطان العثمانى محمود الثاني، وتمكن من هزيمتهم، (وقد تكون تلك هى النقطة السوداء فى مسيرته). وفى تلك الفترة أوكل محمد على ابنه الثالث "إسماعيل" فتح بلاد السودان للكشف عن مناطق الذهب المعروفة، وجلب الجنود لتأليف جيشه الجديد منهم، واضطر إلى إرسال ابنه إبراهيم إلى السودان بإمدادات عسكرية لدعم أخيه، ولكنه سرعان ما عاد إلى القاهرة لمرض أصابه فى أوائل عام 1822، حيث اشترك فى تدريب الجيش الجديد الذى تألف من المصريين العرب، ووكل أمره إلى الكولونيل سيف )سليمان باشا الفرنساوي) الذى ساعد إبراهيم فى حروبه اللاحقة فى اليونان والشام. كانت اليونان والجزء الشرقى من أوروبا تابعة للدولة العثمانية منذ القرن 15 الميلادي, فعندما قامت الثورة على الدولة العثمانية عجز السلطان عن إخمادها, ولذلك طلب من محمد على باشا - أقوى الولاة فى إطار الدولة العثمانية - القضاء على تلك الثورة، فبعث محمد على بابنه الأكبر إبراهيم باشا.. فنجح إبراهيم فى القضاء على الثورة وأنهى التمرد .. واكتسب الجيش المصرى خلال تلك الحرب خبرات ميدانية.. وضم محمد على جزيرة كريت مكافأة من السلطان العثمانى له، ثم عين قائدًا للجيش ضد ثورة اليونانيين الذين خرجوا على الدولة العثمانية للظفر بالاستقلال، فانتزع معاقلهم وأخمد ثورتهم التى ظلت من 1825 حتى 1828، ولكن نزول الجنود الفرنسيين بالمورة أجبره على الجلاء عن اليونان، وحين طمع محمد على فى ممتلكات الدولة العثمانية بالشام، أرسله مع جيش قوى ففتح فلسطين والشام وعبر جبال طوروس حتى وصل إلى «كوتاهيه» عام 1833، وحينما تجدد القتال عام 1839 بين المصريين والأتراك انتصر وهزمهم هزيمة ساحقة فى معركة نزيب (نصيبين) الفاصلة والتى وقعت فى يونيو سنة 1839، وغنم أسلحة كثيرة من العثمانيين، ولكن الدول الأوروبية حرمته من فتوحه وأجبرته على الجلاء عن جميع الجهات التى كان قد فتحها. انصرف إبراهيم بجهوده فى السنوات التالية إلى شئون مصر الإدارية، وكان قد لمس أهمية الزراعة فى حياة مصر منذ أن كان دفترداراً (أى مفتشاً) عاماً للحسابات سنة 1807، ثم حاكماً على الصعيد، حيث طرد فلول المماليك وأخضع البدو وأعاد الأمن والنظام إلى البلاد، وأسهم فى تطبيق سياسة أبيه الاقتصادية الرامية إلى زيادة الموارد المالية لمصر وتنفيذ إصلاحاته وتقوية نفوذه، كما أدخل إلى مصر بعض الزراعات النافعة التى رأى أنه يمكن نجاحها فى مصر من فاكهة وخضار وأشجار ونبات للزينة، وعمل على إكثار شجر الزيتون والتوت، وزراعة قصب السكر، وعنى بتطوير الثروة الحيوانية، وأنشأ صحيفة أسبوعية تشتمل على أخبار الزراعة والتجارة. وفى مطلع عام 1847 تألف المجلس الخصوصى برئاسته للنظر فى شئون الحكومة الكبرى، وسن اللوائح والقوانين وإصدار التعليمات لجميع مصالح الحكومة، وفى إبريل 1848 أصبح إبراهيم باشا الحاكم الفعلى للبلاد، لأن والده اعتل اعتلالاً شديداً لا برء منه، ولم يعد قادراً على الاضطلاع بأعباء الحكم، وفى سبتمبر 1848م منح السلطان العثمانى إبراهيم ولاية مصر رسمياً، لكنه لم يُكمل العام فى منصبه، وتوفى قبل والده فى مثل هذا اليوم عام 1848 عن ستين عاماً، وترك من الأولاد بعد وفاته، أحمد، وإسماعيل (خديوى مصر فيما بعد) ومصطفى.