"رسالة إلى الله".. اسم فيلم مصرى قديم "أبيض وأسود"، أنتج تقريباً فترة الستينيات من القرن الماضى، وما أدرانا ما الستينيات، حيث الأحداث الجسام، سياسية، وعسكرية، وفنية. لم أشاهده على شاشات تليفزيوننا المصري، ربما لأنه لم ينل رضى وإعجاب، إعلاميّ مصر، ورؤساء القطاعات الفنية، فهو ليس تجاريًا أو يهدف لربح، فتتولى مسئولية عرضه، إحدى القنوات العربية المشفرة، والذي شاهدته من خلالها لأول مرة! ولكنى لم أكن متحمسة له، فللوهلة الأولى يبدو من خلال عنوانه أنه فيلم دينى، بيد أن أغلب ممثليه لم يكونوا معروفين لدىّ، عدا حسين رياض ومريم فخر الدين، غير أن أحداثه لم تروق لي في بدايتها، وكان بها شىء من الملل، وبالتالي ليس ثمة متعة أو فائدة، ستعود علىّ من متابعتي له، وبرغم كل هذا واصلت مشاهدته، وكان هذا من حظي الحسن.. دارت أحداث الفيلم حول طفلة صغيرة، تكتب بخط يدها رسالة إلى الله، تطلب منه "دمية" أو عروسة صغيرة، لتؤنسها وتلهو بها. فاجأها والدها بإحضار دمية لها، بدون أن يدري، أن ابنته راسلت الله خصيصًا لهذا الغرض. وكعادة الأطفال في ذلك السن، الذين يرون أن (الدمية) روح وحياة، فيجب الاهتمام والعناية بها، فارتبطت بها ارتباطاً قوياً، وكانت تصطحبها معها، حتى أثناء النوم. وتتوالى الأحداث، وتتحطم الدمية أمام أعين الطفلة الصغيرة، أسفل عجلات حافلة، بينما تنجو هي من الموت بأعجوبة، ولكنها أصيبت بصدمة عصبية شديدة، أدت إلى شلل بوجهها، لتقسمه إلى نصفين، كل منهما غير الآخر، وفقدت على أثرها النطق، ووقف نموها و إدراكها العقلي، حتى شبّت وهي على ذات الحال، ولازالت بعقل طفلة ابنة خمسة أعوام!. والعجيب أنها ظلت متشبثة بدمية أخرى، كانت ملاصقة لها طيلة أحداث الفيلم! جاء الدور على الأب، والذي أصبح في رغد من العيش، ومن الأثرياء، بعدما كان موظفًا بسيطًا "على أد الحال" والذي فعل المستحيل لعلاج وحيدته وقرة عينه، ولم يضن عليها بالجهد والمال، و بدا من خلال أحداث الفيلم، أنه في دوامة تأبى الانتهاء، ولكن لم يحسب في دوامته تلك لله حساباً، بل وضع كل أمله و ثقته في العلم والأطباء، الذين يئسوا هم أنفسهم من علاجها.. وهنا تذكر الرسالة، التى خطتها ابنته إلى الله فى طفولتها، وكيف أن الله لم يخذلها وأجاب طلبها، فلماذا لا يفعل مثلها ويلجأ إليه، ويكتب رسالة له، يدعوه فيها ويرجوه، برفع البلاء والمرض عن وحيدته! وألقى بالرسالة في صندوق البريد، فجاءه الرد باستجابة دعائه، ورجوع ابنته إلى ما كانت عليه، وشفائها من كل داء. وكان المشهد الأخير، عندما نظر للسماء، ممتناً شاكراً مبتسماً، وكأن لسان حاله يقول، يا الله غفلت عنك، وكنت في انتظار إنابتى إليك، وها أنا قد فعلت، وأنت يا الله قد استجبت.. انتهى الفيلم تاركاً قيّماً إنسانية عالية، لنتفكر فيها، مثل اسم ولفظ الجلالة (الله) الذي استحوذ على أغلب المشاهد، لاكتشف أنه أجمل الكلمات والأسماء، فقد اختار الله لذاته اسماً جميلاً بحق، صفةً و معنيً وأيضا كتابةً و تشكيلاً... أبرز الفيلم دور الفن الراقى الهادف، وأنه رسالة عظيمة، إذا تم توظيفها واستغلالها صوب الهدف الصحيح، والذي ظهر جلياً من خلال الأداء الراقي للراحلة مريم فخر الدين رحمها الله، والتي لم تنطق بكلمة واحدة، مكتفية بتعبيرات حركية بسيطة، بنصف وجهها العاجز، والقبيح والذي خلا من الجمال والجاذبية و"الإغراء"، غير الأداء الرائع للأب المكلوم علي ابنته، للراحل حسين رياض رحمه الله .. وأهم رسائل الفيلم، أن اليقين الكامل في الله، وصدق التوكل عليه وليس"التواكل" هما سبيلنا، وخلاصنا من الهموم والمشاكل التي تبدو أنها بلا حل! فلنكتب جميعنا رسالة إلى الله، نشكو فيها من تقلبات الأيام القاسية ومن أحوالنا التي لا تسر، ومن ضيق العيش، ويدعو فيها كل ذي حاجة عن حاجته، ولكي ينظر الله في أمرها وأمرنا، نكتبها بقلب طفل بريء، أو بقلب رجل لم ينفعه ماله وجاهه من اللجوء إلى الله والتضرع إليه، وتيّقّن من بعد التيه في حياته، أن الأمر كله، بيد صاحب الأمر وهو (الله).