لميس الحديدي تكشف سر ارتدائها للنظارة: درع حماية في مجتمع ذكوري    الطالبات يتصدرن.. «أزهر المنيا» تعلن أسماء أوائل الشهادة الإعدادية 2024    متحدث الزراعة: توفير لحوم حية تبدأ من 155 إلى 250 جنيه    بالخطوات.. طرق دفع فاتورة كهرباء شهر يونيو 2024 (رابط مباشر)    مدير عام الجوازات السعودية: نحو ربع مليون حاج استفادوا من مبادرة "طريق مكة"    فرنسا.. ماكرون يقرر حل البرلمان ويدعو لإجراء انتخابات مبكرة    في ذكراها العاشرة.. الأمن العراقي ينجح في اصطياد متورطين جدد بمذبحة سبايكر    روسيا: الغرب يزيد من تصعيد الصراع في أوكرانيا    حل أزمة الكونغو قبل مواجهة منتخب المغرب فى تصفيات كأس العالم    خبير: الخلايا النائمة عبارة عن طابور خامس    سلة – الأهلي يهزم الاتحاد السكندري ويعادل النتيجة في سلسلة نهائي الدوري    شاو: إصاباتي خطأ من الطاقم الطبي ومني    مصطفى عسل: الفوز أمام علي فرج لا يصدق.. وسعيد بالتتويج ببطولة بريطانيا المفتوحة «فيديو»    26 ميدالية رصيد منتخب مصر للسلاح ببطولة أفريقيا بالمغرب    قبل بدء الامتحانات.. ما المحظورات التي يجب تجنبها من طلاب الثانوية العامة؟    محافظ دمياط تعتمد تنسيق القبول بمدارس التعليم الفنى    وزير المالية الإسرائيلي: انسحاب جانتس من الحكومة خطوة غير مسؤولة    قصواء الخلالي: مطلوب من الحكومة القادمة ترتيب أولوياتها وتلبية احتياجات المواطن    الإفتاء توضح أعمال الحجّ: اليوم التاسع من ذي الحجة "الوقوف بعرفة"    زيادة أكثر من 200 جنيه، ارتفاع سعر دواء شهير لعلاج مرضى الصرع    هل يجوز صيام 7 أيام فقط من ذي الحجة؟.. «الإفتاء» توضح    كم عدد أيام التشريق وحكم صيامها؟.. تبدأ من مبيت الحجاج بمنى    البابا تواضرس الثاني يؤدي صلاة عشية بكنيسة أبو سيفين بدير العزب    «مستقبل وطن»: يجب أن تعبر الحكومة الجديدة عن نبض الشارع    فحص 1068 مواطنا في قافلة طبية ضمن مبادرة حياة كريمة بدمياط    لمواليد «الأسد».. توقعات الأبراج في الأسبوع الثاني من يونيو 2024    «صاحبي وأخويا الصغير».. محمد رمضان ينشر صورًا من زفاف نجل رجل الأعمال ياسين منصور في باريس (صور)    ليلى عبد اللطيف تتوقع انفصال هذا الثنائي من الفنانين    أحمد موسى يكشف ملامح الحكومة الجديدة وموعد الإعلان الرسمي    علاء الزهيري رئيسا للجنة التدقيق الداخلي للاتحاد العام العربي للتأمين    أسماء أوائل الشهادة الابتدائية بمنطقة أسيوط الأزهرية بعد اعتمادها رسميًا    «مكافحة المنشطات» تنفى الضغط على رمضان    تقارير: مانشستر سيتي يستعد لتعديل عقد نجم الفريق عقب اليورو    يورو 2024| سلوفينيا تعود بعد غياب 24 عاما.. انفوجراف    إدخال 171 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة عبر بوابة معبر كرم أبو سالم جنوب رفح    قرار قضائي بشأن المتهمين بواقعة "خلية التجمع"    منها مباشرة الزوجة وتسريح الشعر.. 10 محظورات في الحج يوضحها علي جمعة    وزيرة البيئة: زيارة الأطفال والشباب للمحميات الطبيعية مهمة    هيثم رجائي: الملتقى الدولي لرواد صناعة الدواجن سيكون بمشاركة عربية ودولية    بشرى سارة بشأن توافر نواقص الأدوية بعد عيد الأضحى.. فيديو    «اقتصادية الشيوخ»: الرقابة المسبقة سيؤثر إيجابيا على الاستثمار في مصر    مياه القناة: استمرار أعمال التطهير لشبكات الصرف الصحى بالإسماعيلية    مدحت صالح يستعد لإحياء حفل غنائي 29 يونيو بالأوبرا    حجازي: جار تأليف مناهج المرحلة الإعدادية الجديدة.. وتطوير الثانوية العامة    محافظ الشرقية يهنئ لاعبي ولاعبات الهوكي لفوزهم بكأس مصر    المرور: ضبط 28776 مخالفة خلال 24 ساعة    محافظ الشرقية يُفاجئ المنشآت الصحية والخدمية بمركزي أبو حماد والزقازيق    رئيسة المفوضية الأوروبية تدلى بصوتها في انتخابات البرلمان الأوروبي    توقيع بروتوكول تعاون مشترك بين جامعتي المنصورة والأنبار (صور )    مدرسة غبور للسيارات 2024.. اعرف مجموع القبول والتخصصات المتاحة    وزير الزراعة يوجه بتكثيف حملات التفتيش على منافذ بيع اللحوم والدواجن والاسماك والمجازر استعدادا لاستقبال عيد الأضحى    ضبط مالك مطبعة متهم بطباعة المطبوعات التجارية دون تفويض من أصحابها بالقليوبية    فى انتظار القصاص.. إحاله قضية سفاح التجمع الخامس إلى جنايات القطامية    اعتدال بسيط في درجات الحرارة بمحافظة بورسعيد ونشاط للرياح.. فيديو وصور    بسمة داود تنشر صورا من كواليس "الوصفة السحرية"    يحدد العوامل المسببة للأمراض، كل ما تريد معرفته عن علم الجينوم المصري    3 طرق صحيحة لأداء مناسك الحج.. اعرف الفرق بين الإفراد والقِران والتمتع    مجلس التعاون الخليجي: الهجوم الإسرائيلي على مخيم النصيرات جريمة نكراء استهدفت الأبرياء العزل في غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



8 سنوات على رحيل صانع البهجة.. سعيد صالح ..ملك الخروج عن النص (ملف خاص)
نشر في المصري اليوم يوم 02 - 08 - 2022

منذ 8 سنوات رحل نجم من أهم نجوم الكوميديا فى تاريخ مصر، إنه سعيد صالح، المبهج والمنطلق والمتحرر دائمًا، والذى لم يحب أن تحده نجومية أو شهرة، وأخذ ينطلق فى الأرض بهجة وغناءً وخروجًا عن النص، سعيد هو ملك الخروج عن النص، على المسرح.. وفى الحياة، قدم أعمالًا لم تناسب حجم موهبته الجبارة، لكنه كان فنانًا حقيقيًا وليس مزيفًا، دخل قلوب كل المصريين، وأثبت أنه بالفعل فنان الشعب.
«أستك منه فيه» فى «هالو شلبى».. «إفيه» فجَّر موهبته الكوميدية
هناك نوعان من البشر.. نوع يسير وفقًا للنظم والتقاليد والأعراف، يمضى بسيناريو واحد معروف مضى به آباؤه وأجداده من قبل، ونوع آخر متمرد، ثائر، يكره كل شىء محدد ومعروف وتقليدى، يمقت النظام، ليس لأنه فوضوى لكن لأنه حر، يكره أن يحده أى شىء، يفضل دائمًا أن يسير بدماغه وبوهيميته حتى لو كان نتيجة ذلك ألا يصل إلى المكانة التى تستحقها موهبته أو التى رآها الناس يستحقها، لكن هذا لا يهمه، المهم بالنسبة له أن يعيش ويختار ما أراده وما أحبه، هذا النوع الثانى يمثله الفنان الراحل سعيد صالح.
فمنذ تخرجه فى كلية الزراعة وعمله فى مسرح التليفزيون فى بداية الستينيات وظهوره فى مسرحيات مثل «كفر أبومجاهد»، و«اللص الشريف»، مرورًا ببدايته الحقيقية فى المسرح، حيث مسرحية «هالو شلبى»، التى شهدت أشهر إفيهاته «أستك منه فيه» الذى جاء كذلك من خارج النص، حيث حكى الفنان سعيد صالح فى أحد البرامج التليفزيونية قبل وفاته أنه استوحى هذا الإفيه من شخص قابله فى قريته الريفية، سأله عن أحواله فأجابه بأنه بخير وقام بشراء «أستك منه فيه»، ليقول هذا الإفيه فى المسرحية، وتتفجر بعدها موهبة سعيد صالح فى مسرحيتى «مدرسة المشاغبين» و«العيال كبرت».
ففى «مدرسة المشاغبين» التى جاءت مستوحاة من نص فرنسى بعنوان «مدرستى الحسناء»، ومصَّرها وأعدها الكاتب الراحل على سالم، قام سعيد صالح وعادل إمام بالخروج عن النص تمامًا فى تلك المسرحية لدرجة أنها اصبحت مسرحية خاصة من تأليفهما، ودفعت الفنان الراحل عبدالمنعم مدبولى إلى ترك المسرحية بسبب طول فترة المسرحية بسبب الخروج عن النص، ونفس الأمر تكرر فى مسرحية «العيال كبرت»، وقدم فيها شخصية «سلطان السكرى»، التى تعد امتدادًا لشخصية مرسى الزناتى، وقريبة الشبه تمامًا من شخصية سعيد صالح فى الحقيقة، ليكون الخروج عن النص هو الوسيلة التى جعلت سلطان السكرى ومرسى الزناتى يعبران لعقود وأجيال ويمتدان لسنوات طويلة جدًا.
خروج الفنان سعيد صالح عن النص دفع مسرحية «قصة الحى الشرقى» التى كان فيها طاقم عمل «مدرسة المشاغبين» بالإضافة إلى الفنانين حسن يوسف، ولبلبة، وسيد زيان، وصلاح السعدنى، للإغلاق بسبب خروجه عن النص وحديثه فى الأمور السياسية التى كانت تحدث فى ذلك الوقت عام 1974.
دخل صالح السجن مرتين، مرة بسبب خروجه عن النص فى سابقة هى الأولى من نوعها، وقد جاء فى تقرير الرقابة عن مسرحية «كلام حبيبى» أن صالح قال، مقارنًا بين جمال عبدالناصر والسادات ومبارك، نكتة سخرت من الرؤساء الثلاثة، وأوقفت الرقابة المسرحية وتم حبس صالح 45 يومًا.
وخرج من تلك التجربة أكثر شغبًا وعنادًا، وقرر أن يؤسس مسرحًا سياسيًا أدخل فيه نقدًا واضحًا وصريحًا للدولة، وعانى كثيرًا من مشاكل رقابية وسخر من هذه المشاكل فى مسرحية «حلو الكلام» التى عُرضت على مسرح «شط إسكندرية» عندما كان الجمهور يُفاجأ بصعود ممثلين يقومون بدور رجال شرطة يقبضون على صالح فى وسط العرض.
تم أيضًا وقف عرض مسرحيته «إزاز فى إزاز» بسبب مشهد كان يقف فيه على المسرح ممسكًا بسنارة صيد، وعندما يسأله الفنان عبدالحفيظ التطاوى: «ماذا تفعل؟»، يجيبه: «بصطاد نسوان»، وتم حبسه لمدة تصل إلى شهر بسبب هذا الخروج كذلك.
منذ ظهوره فى بداية الستينيات والكل تنبأ لسعيد صالح أن يكون نجمًا لامعًا، وكان فى فترة مدرسة المشاغبين أعلى فى التقدير والأجر من صديق عمره عادل إمام، لكن سعيد لم يلتزم بالنص المعتاد والمكرر للنجوم، لم يعمل فى أعمال محدودة كل عام، لم يرفع أجره، لم يقدم دور البطولة مثل صديقه عادل إمام، بالعكس، فى الوقت الذى استقل فيه صديقه عادل إمام بشعبة من شعب فرقة الفنانين المتحدين وقدم مسرحية «شاهد مشافش حاجة»، قدم سعيد مسرحية «كباريه» بصحبة الفنانة سناء جميل ونيللى.
وهكذا راح يفرغ موهبته فى مئات الأعمال السينمائية كدور ثانٍ وثالث أحيانًا غير مكترث بمسألة النجومية أو كونه بطلًا أول، يكفيه أن يكون مرتاحًا وأن يحضر أموالًا تدفعه للصرف على مشروعه فى المسرح، حتى عندما قُبض عليه عام 1996 كان يقول للضابط: «إنت متعرفش أنا مين؟.. أنا سعيد صالح بكالوريوس زراعة»، فى إشارة لنسيانه تمامًا نجوميته وشعبيته، وتذكره أنه إنسان عادى لكنه مميز بكلية الزراعة.
هل أضاع على نفسه فرصًا أكبر فى النجومية؟ ممكن، هل أضاع على موهبته فرصة أكبر للظهور والتفجر؟ ممكن جدًا، لكن المؤكد أنه قدم ما يريده، وما يناسب روحه وهواه، واستطاع أن يكون أسطورة شعبية حية للتمرد والانطلاق وحب الحياة والمشاغبة.. اسمها سعيد صالح.
للوفاء عنوان.. من «مدرسة المشاغبين» إلى «زهايمر».. «سلام يا صاحبى» أظهر علاقته ب«عادل إمام» على الشاشة كما فى الحياة
الحياة شاقة جدًا، بكل مراحلها، مهما كنت غنيًا أو فقيرًا، متحققًا أو فاشلًا، تائهًا أم موحد البوصلة، هى شاقة على الجميع، وما يهون هذا الشقاء: العلاقات الإنسانية، والحب، والصداقة، وأبرز مثال على الصداقة علاقة عادل إمام وسعيد صالح، فهما الصديقان اللذان عرفا بعضهما البعض فى مرحلة ما قبل الجامعة، وتحديدًا فى المسرح المدرسى.
حيث كان كلاهما يمثل منطقته، وتلاقيا مع صديقهما الثالث صلاح السعدنى فى كلية الزراعة، لينطلقا سويًا إلى مسرح التليفزيون، ويقدما أدوارًا صغيرة فى المسرح والسينما، ثم يندمجا سويًا داخل فرقة «الفنانين المتحدين»، ويقدما مسرحيات مثل «البيجامة الحمراء»، «سرى جدًا»، حتى جاء الرحيل المفاجئ لنجوم الفرقة الكبار أمثال فؤاد المهندس وشويكار بعد نجاح مسرحية «سيدتى الجميلة»، ليكون الحل الوحيد أمام صاحب الفرقة المنتج الكبير الراحل سمير خفاجى الاعتماد على شباب الفرقة عادل إمام وسعيد صالح فى عرض ينقذ به موسم الصيف حتى لا يذهبا إلى فرق أخرى، وهو الأفضل فى تاريخ المسرح على الإطلاق «مدرسة المشاغبين».
تتحدث بعض المصادر عن أن دور بهجت الأباصيرى كان مرشحًا له فى البداية سعيد صالح إلا أنه اختار طواعية دور مرسى الزناتى، وترك دور الزعيم الأباصيرى لصديقه عادل إمام، ليكوّنا ثنائيًا فى هذه المسرحية «المخ والعضلات»، كما قال الأباصيرى لصديقه الزناتى فى أحد المشاهد، ويعيدا كتابة المسرحية مرة أخرى من خلال خروجهما المميز على النص وإفيهاتهما الخالدة.
اشتد عود علاقتهما فى الحياة، لدرجة أنه يوم وفاة والدة سعيد صالح سهر مع عادل حتى الصباح وأخذا يهربان من أحزانهما بالضحك، كأنما لم يضحكا من قبل، وظلا مع صلاح السعدنى وصديقهما الفنان المعتزل ماهر تيخة، يطوفون شوارع القاهرة طولًا وعرضًا، يصنعون مقالب أمام الناس ويضحكونهم فى الحياة كما على المسرح، ووصل بالثنائى الأمر بعد نجاح «مدرسة المشاغبين» إلى أنهما كانا يحضران سهرات فى منزل الرئيس السادات شخصيًا بسبب خفة ظلهما وعلاقتهما المميزة.
صداقتهما ظهرت على شاشة السينما بعد نجاح المشاغبين فى عدة أفلام تجارية مثل «الأزواج الشياطين»، وغيره فى منتصف السبعينيات إلى أن تفجرت فى فيلم «رجب فوق صفيح ساخن»، أول فيلم يذوق معه الزعيم عادل إمام طعم اكتساح شباك التذاكر، وليس مجرد النجاح فقط، وليموت بلبل «سعيد صالح» فى نهاية الفيلم لينقذ حياة صديقه رجب الذى أذاقه المر طوال فترة معرفته به.
يزداد الطلب من المنتجين والموزعين على ثنائية عادل إمام وسعيد صالح فى السينما، ليقدما بعدها فيلمهما الرائع «المشبوه»، الذى يُبرز فيه سعيد صالح إمكانياته التمثيلية ويقدم دورًا من أفضل أدواره، ويكون مشهد وفاته من أفضل المشاهد فى تاريخ السينما، ويقدمان بعدها فيلم «أنا اللى قتلت الحنش»، بعده يقدمان أسطورتهما الفنية فيلم «سلام يا صاحبى» الذى ظهرت فيه علاقتهما على الشاشة كما هى فى الحياة تمامًا.
وخلال تلك الفترة يترشح الثنائى لأفلام أخرى بسبب شدة ارتباط الناس بهما، أبرزها «الصعاليك» أول أفلام المخرج الكبير داوود عبدالسيد، لكن يعتذران عنه فى النهاية.
يترشح الفنان سعيد صالح للدور الذى قام به الفنان صلاح قابيل فى فيلم «مسجل خطر» لكنه يرفض الدور لأول مرة، والسبب: «أنا مش كل مرة هطلع معاك هموت يا عادل»، هكذا كان مبرر رفض سعيد الذى جاء استجابة لطلب ابنته هند التى سئمت من كثرة موته فى أفلامه مع عادل إمام.
تبتعد المسارات سينمائيًا قليلًا، لكنها كما هى فى الواقع، يسهران فى مقهى «بنت السلطان» المكان المفضل لسهرات الزعيم عادل إمام، وعلى الرغم من محاولات الصحافة والإعلام الوقيعة بينهما دائمًا إلا أنهما لم ينجرفا إلى هذه المهاترات، واستمرت صداقتهما واشتد عودها بمرور السنوات.
وقف عادل بجوار سعيد فى كل أزماته، حينما تم سجنه أكثر من مرة، وعمل معه بعد خروجه من السجن فى فيلم «بخيت وعديلة.. الجردل والكنكة»، ووقف سعيد بجوار عادل فى الهجوم الذى حدث عليه من المتطرفين ومؤسسات صحفية كبرى فى التسعينيات، وكان دائم حضور كافة مناسبات تكريم عادل وعروضه الخاصة، والبرامج التليفزيونية التى جاء الزعيم ضيفًا عليها، حتى ظهرا سويًا فى مشهدهما الأخير فى فيلم «زهايمر» ليكون بكاء عادل إمام فى هذا المشهد بكاءً حارًا وصادقًا على صديق عمره الذى أصابه نفس المرض بعد سنوات قليلة.
عادل وسعيد نموذجان مختلفان بالتأكيد، عادل طموح، ذكى، مؤسسى الفكر والتوجه، مثقف، صديق البسطاء وعلية القوم، سعيد بسيط، منطلق، محب للحياة، لم تهمه المظاهر الاجتماعية بقدر ما أهمه راحته، لذلك عادل وصل إلى القمة وتربع عليها لسنوات، وسعيد لم يصل إليها لكن وصل إلى قلوب الناس بطيبته وموهبته كذلك.
مشخصاتى قدير.. أدوار ابتعد فيها عن الكوميديا
هناك مقولة تتحدث عن أن بداخل كل فنان كوميدى ممثلًا عظيمًا، وذلك لأن الكوميديا أصعب أنواع الفنون، وبها دائمًا مسحة إنسانية تغلفها، لذلك تجد أغلب من قدموا الكوميديا فى تاريخنا المعاصر قدموا أدوارًا درامية شديدة التعقيد بحرفية وتمكن شديدين، وسعيد صالح أبرز مثال على ذلك، فبجانب أدواره الكوميدية التى يحفظها الجميع، قدم أدوارًا درامية أهمها على الإطلاق دور بيومى فى فيلم «المشبوه»، الأخ الأكبر ل«ماهر»، والذى علمه السرقة منذ الصغر، ويظل وراءه حتى بعد توبته من أجل عودته للجريمة مرة أخرى، وبعد تنفيذ عمليتهما الأخيرة يموت مقتولًا، ويفضل قبل وفاته أن يقبل الأموال ويأكلها ويلقى عليها نظرة طويلة كأنما يودع محبوبته، فهى من أضاع من أجلها عمره، وفضل أن يموت وهو يحتضنها كذلك.
دور آخر لا يقل تميزًا هو «بلبل» فى «رجب فوق صفيح ساخن»، النصاب الظريف، مدمن القمار، الذى يهوى النصب على رجب الفلاح الريفى الساذج، لكنه يتعاطف معه قبل نهايته، ويُشربه سر الصنعة الخاصة به، ويموت من أجله. كذلك فيلم ودور آخر بصحبة صديقه عادل إمام، وهذه المرة فى فيلم «أنا اللى قتلت الحنش»، «برهومة» قريب حسانين وصديق عمره، الذى يظل بجواره دائمًا، والذى ترك له محبوبته من أجل صداقتهما، ويموت وهو يدافع عنها وعن شرفها فى النهاية.
كذلك فيلم «بنات إبليس»، ودور شعلان الصياد الذى يضحى بزوجته من أجل الفوز بالورث الذى تركه كبير الصيادين. وفى مسلسل «السقوط فى بئر سبع»، دور الجاسوس شفيق عبدالحليم، الذى يبيع معلومات للعدو فى أصعب فترة تمر بها مصر، ولم يخش على مكانته عند الجماهير، وقدم الدور بمنتهى البراعة والتميز بصحبة الفنانة إسعاد يونس.
«سلطان السكرى».. «باد بوى» أحبه الجمهور
الشخصية الدرامية لها مفاتيح، ومعالم ظاهرية وداخلية، شاهدنا العديد من الشخصيات الدرامية فى أعمال تليفزيونية وسينمائية ومسرحية، لكن هناك القليل منها ترك أثرًا فى نفوسنا، وأصبح علامات بارزة فى حياتنا، نستشهد بها فى العديد من المواقف اليومية، ونتذكرها فى أوقات فراغنا، ونحن إلى مشاهدتها مرات ومرات، ومن هذه الشخصيات سلطان السكرى، الابن الأكبر لرمضان السكرى، الفاشل، الذى لم يبرح مقعده فى الثانوية منذ سنوات، لكنه فى نفس الوقت بوهيمى، ضاحك، مبهج، صاحب مزاج، باحث عن الأموال حتى لو عمل وراء أخته طبالًا، وفى نفس الوقت متحمل للمسؤولية عندما تتعرض الأسرة لهزة عنيفة بسبب احتمالية هروب الأب.
سلطان هو النموذج الحى ل«الباد بوى»، الذى يتمنى أن يكون مثله أى شاب، فهو يأخذ الحياة بالحضن غير عابئ بأى مسؤولية، يكره الالتزام والمذاكرة والنجاح، ويهرب منها على حد تعبير سلطان: «كل ما أنوى أذاكر يطلعلى المرحوم عبدالحليم حافظ ويقولى طريقك مسدود مسدود يا ولدى»، الماكر المستعد للنصب على أخيه فى لعبة «ملك وكتابة» من أجل ربع جنيه يقابل به حبيبته، المحب لجلسات المزاج، وغير المكترث كثيرًا بأى شىء حوله، «وكل حاجة فى حياته سليمة بس لوحدها».
ليس غريبًا أن يكون سلطان السكرى هو النجم الأول للميمز والكوميكس على صفحات التواصل الاجتماعى، على الرغم من مرور عقود على عرض مسرحية «العيال كبرت»، لأن باختصار «سلطان» هو رمز الحياة الطبيعية التى نتمنى أن نحياها جميعًا.
«السعدنى» فى «المضحكون»: أخف دم ب«شلة العيال»
لا أحد استطاع وصف سعيد صالح مثل الكاتب الكبير الراحل محمود السعدنى فى كتابه «المضحكون»، الذى صدر فى أواخر ستينيات القرن الماضى، الكتاب يتحدث عن أبرز الممثلين الكوميديين وقتها، واختص فى فصل فى آخره من سماهم «العيال»، وهم سعيد صالح وعادل إمام وصلاح السعدنى وغيرهم، الكتاب صدر قبل انفجار شهرة ونجومية سعيد وجيله بعد «مدرسة المشاغبين».
وقال «السعدنى» فى كتابه: «ويأتى سعيد فى مقدمة شلة العيال، وهو أخفهم دمًا، بل هو أخف دم مضحك على الإطلاق! وهو قادر على إضحاك طوب الأرض بحركة أو بلفتة أو بإشارة من إصبعه الصغير».
وتابع: «ثم هو لأنه نجا بمعجزة من عملية حشو الرأس بشعارات المثقفين ودعاوى الأدعياء، ولأنه نبت شيطانى فهو ابن الطبيعة، وهو ممثل لأنه خُلق ليحترف هذه المهنة، وهو يتشارك مع على الكسار فى ميزة مهمة وهى أنه لا يتعمد التمثيل، ولكنه يتحرك على المسرح كما يتحرك فى الشارع، ويتكلم أمام المئات فى المسرح كما يتكلم بين شلة من الأصدقاء المقربين».
وأضاف: «إنه الولد الأهبل المعبوط، منشرح الصدر، مفكوك زراير البنطلون، صاحب الغفلة الحلوة، والمنبهج لكل ما يحدث فى الحياة من أفراح وأتراح ومصائب سوداء وبلاوى متلتلة»!.
«ولو تعقل سعيد صالح قليلًا ولو انضبط قليلًا فى حياته وفى سلوكه، ولو ادخر كل جهده وكل قوته للعمل لانفجر مثل قنبلة وزنها ألف رطل».
«دنيا حظوظ».. «سيدى ورور».. «أنا اتلهيت»
الفنان سعيد صالح
سعيد صالح ليس ممثلًا فقط، بل هو مطرب وملحن كذلك، وكثيرًا ما ذكر فى أحاديثه التليفزيونية أنه أحب الغناء أكثر من التمثيل، ووجد فيه نفسه، فبعد تجربة سجنه لحَّن لكبار الشعراء مثل فؤاد حداد، وصلاح جاهين، وأحمد فؤاد نجم. كان سعيد صالح يحب الغناء ويحلم أن يصبح مطربًا، وخاض التجربة من خلال أعماله حتى فى بداية طريقه، مثلًا عندما شارك فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولى وشويكار غناء «يا أم ملاية لف» فى فيلم «ربع دستة أشرار»، وأغنية «يا حلوة خبرينى» فى الفيلم نفسه.
وقدم أغنية «دنيا حظوظ» فى مسرحية «مدرسة المشاغبين»، كما قدم أغنية «أنا اتلهيت» فى مسرحية «كعبلون»، و«على اسم مصر» للشاعر الكبير صلاح جاهين، وقدم أغانى كوميدية ظريفة فى أفلامه التجارية، أشهرها أغنية «سيدى ورور» فى فيلم «محطة الأنس». وفى فترة الثمانينيات قرر أن يسلك الطريق الصحيح وذهب إلى نقابة الموسيقيين ليحصل على عضويتها، وخضع للاختبار لكنه لم ينجح.
وحكى الموسيقار حلمى بكر فى تصريحات صحفية أنه كان ضمن لجنة اختيار الأصوات الجديدة، ورفض إجازة صوت سعيد صالح، موضحًا أنه كان مؤديًا وليس مطربًا، كما أنه كملحن كان يعتمد على التراث الشعبى والفلكلور فهو ملحن سماعى لكنه لم يكتب نوتة موسيقية. وعن الغناء تحدث سعيد صالح فى لقاء مع وفاء الكيلانى بأنه أحب الغناء أكثر من التمثيل، بل وندم وكان يتمنى أن يبدأ مشواره الفنى فى الغناء أولًا ثم التمثيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.