أعتقد أن التقليد الذى أرساه الصديق راشد العريمى منذ تولى رئاسة تحرير صحيفة الاتحاد فى أبوظبى، يستحق أن يقتدى به من جانب الصحف العربية فى جميع أقطار العرب. فلقد نظمت الصحيفة للسنة الخامسة على التوالى منتدى سنوياً فى شهر أكتوبر يدعى إليه كتاب الصحيفة وهم كوكبة متميزة من جميع البلدان العربية بمشرقها ومغربها، لمناقشة موضوع محدد من الموضوعات التى تحتل اهتماماً بالنسبة للوطن العربى. لقد تم اختيار شهر أكتوبر لعقد المنتدى لارتباطه بذكرى صدور النسخة الأولى من صحيفة الاتحاد فى 20 أكتوبر 1969، هذا العام كان عنوان موضوع النقاش «العرب ودول الجوار» واشتمل برنامج الجلسات على ستة أبحاث، هى العرب وإيران، وتحدث فيه د. رضوان السيد من لبنان، والعلاقات العربية التركية، وتحدث فيه د. وحيد عبدالمجيد من مصر، ومحور أفريقيا وتحدث فيه الأستاذ حلمى شعراوى من مصر، والعرب وأمريكا وتحدث فيه د. عبدالله الشابجى من الكويت، ومحور إسرائيل وتحدث فيه كاتب هذا المقال، ودول الجوار وآفاق المستقبل وتحدث فيه د. برهان غليون، الأستاذ السورى بجامعة السوربون بباريس، وقد عقب على كل متحدث رئيسى معقبان. فى بداية جلسات المنتدى، سألنى بعض المشاركين ومن بينهم جارى الطيب فى صفحة مساحة رأى، ب«المصرى اليوم» الأستاذ عمار على حسن سؤالاً يدور حول المعنى التالى «هل سنعامل إسرائيل على أنها إحدى دول الجوار؟ وكيف يمكن هذا بينما كلمة الجار تنطوى عادة على معان إيجابية، وتشير إلى العلاقات الحسنة؟، عندما بدأت حديثى على المنصة، وجدت أنه من الضرورى أن أطرح سؤال الزملاء على المنتدى، وأن أقدم إجابتى التى جاءت على النحو التالى: إذا استخدمنا منظور الجغرافيا الطبيعية فإن خريطة الوطن العربى تحتوى فى القلب منها على فلسطين وبالتالى فإن فلسطين ستبقى جزءاً من الخريطة العربية مهما طال الزمن على وضعها الحالى. أما إذا استخدمنا منظور الجغرافيا السياسية فى تشخيص الكيان السياسى الجاثم على أرض فلسطين، وهو كيان قام أصلاً على الاغتصاب وعلى العدوان، ومازال يتغذى على المفاهيم العنصرية المعادية للعرب، ومازال يعيش على الأطماع التوسعية فى الأرض العربية.. فإنه لا مفر لنا من أن نعتبر هذا الكيان السياسى بمثابة جار السوء وجار الشر. أضفت قائلاً: إن هذا السؤال من الزملاء مع إجابته يدخلان بنا فى صلب المرحلة الحالية من الصراع التاريخى وهى مرحلة يحاول فيها النظام الرسمى العربى، بجميع الدول المشاركة فيه من خلال جامعة الدول العربية، أن يروض جار السوء وجار الشر بالحسنى وبالوسائل السلمية، بعد أن خضنا معه حروباً عديدة منذ عام 1948 وحتى معركة غزة عام 2008. إن محاولة الترويض بالحسنى تحمل عنواناً سياسياً هو «خيار السلام العربى» والساسة الإسرائيليون يدركون طبيعة هذا الخيار باعتباره خياراً ناتجاً عن موازين قوى دولية غير مواتية لمواصلة الصراع العسكرى، بحثاً عن خيار الحسم العسكرى وتحرير الأرض المحتلة عام 1967.. من هنا فإن الإسرائيليين يتشددون ويتعسفون ويصلبون مواقفهم، اعتماداً على التحيزات الغربية، التى بدأت بوعد بلفور عام 1917، ومازالت مستمرة حتى اليوم فى المواقف الأوروبية والأمريكية. أضفت قائلاً: من هنا يحاول نتنياهو بتكوينه الأيديولوجى الصهيونى المتطرف تدمير فرصة المفاوضات المباشرة أو إرغام العرب على قبول أطماعه. ثم استعرضت السيناريوهات المحتملة لعملية المفاوضات ورجحت سيناريو أطلقت عليه اسم سيناريو التباطؤ المرضى والمريح للأطراف العربية والإسرائيلية والأمريكية، حيث تجرى المفاوضات فى تمهل وتلكؤ، دون سقف زمنى محدد، ودون التوصل إلى اتفاقية نهائية، مما يعطى كل الأطراف فرصة ترك انطباع بوجود مفاوضات دون اضطرار لتقديم تنازلات تؤثر على أوضاعهم الداخلية، وقلت إن هذا السيناريو رغم استئناف عمليات الاستيطان الإسرائيلى والأزمة الراهنة، مازال هو القائم ولم ندخل بعد فى سيناريو إعلان فشل المفاوضات وتجميدها. إن الدليل على ذلك هو أن أى طرف لم يعلن انسحابه من المفاوضات ذلك أن نتنياهو يقول إنه لا يرى تناقضاً بين استئناف عمليات الاستيطان وعملية التفاوض، ومحمود عباس يطالب بوقف الاستيطان لمدة شهرين لإنهاء المباحثات حول حدود الدولة، ولجنة المتابعة العربية أعطت أوباما شهراً مهلة ليجد صيغة لحل موضوع الاستيطان، وأوباما يعلن أنه يواصل جهوده لاستئناف المفاوضات، كل هذا يعنى من وجهة نظرى أن سيناريو التباطؤ مازال هو الراجح، رغم أننا نسمع كثيراً من الاقتراحات العربية التى تقدم نفسها كبدائل لعملية التفاوض. لقد أوجزت هذه البدائل المقترحة أمام منتدى الاتحاد، راجياً الزملاء الأعزاء تأمل الحالة كاملة والعمل على بلورة توصيات قابلة للتطبيق تصلح لمعاونة صانع القرار العربى. إن هذه البدائل هى كالتالى: 1- إعلان فشل المفاوضات من جانب العرب والتوجه إلى مجلس الأمن لإصدار قرار بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية. وهو من وجهة نظرى بديل ضعيف حيث إنه سيصطدم بالتحيزات الغربية، خاصة الفيتو الأمريكى. 2- مطالبة الولاياتالمتحدة- فى حال فشل المفاوضات- بالاعتراف بقيام الدولة الفلسطينية، وهو من وجهة نظرى اقتراح يتطلب زعامة أمريكية قوية مثل زعامة الجنرال أيزنهاور، الذى أرغم بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على الانسحاب من مصر عام 1956، فى خضم العدوان الثلاثى. 3- سحب المبادرة العربية كإجراء تحذيرى للرأى العام الإسرائيلى ليعدل من خياراته السياسية، (وهو بديل ستستخدمه حكومة نتنياهو لزرع مركب الخوف والعدوان فى نفوس الإسرائيليين والقول بأن العرب عادوا إلى خيار تدمير إسرائيل أمام الرأى العام العالمى). 4- التصميم على المبادرة وحشد الدعم لها من جانب حماس والمجتمع المدنى العربى، وهو بديل يصطدم بموقف حماس الرافض. 5- اعتماد خيار الدبلوماسية المقاتلة وذلك بدعم خيار السلام والمفاوضات من ناحية وخيار المقاومة من ناحية ثانية على النمط الفيتنامى. 6- بديل يقوم على التمنى بحدوث تنسيق عربى تركى إيرانى رغم أن جموح السياسات الإيرانية تجاه العالم العربى يضعف هذا التمنى. فى ضوء كل هذه البدائل أوصيت بضرورة الحفاظ على مبادرة السلام، مع التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار قرار بإنهاء الاحتلال تحت صيغة الاتحاد من أجل السلم، التى تسمح بإصدار قرارات ملزمة مثل مجلس الأمن، مع الضغط لإتمام المصالحة بين فتح وحماس وفتح قنوات حوار مع الجماعات اليهودية فى العالم، للتأثير فى إسرائيل. هذه التوصيات تتوافق فى تقديرى مع مجموع الإرادات العربية ومع خيار الترويض بالحسنى لجار السوء والشر.