منذ بداية مجزرة غزة.. أصبحت تدير عملها من حجرتها ومن أمام التليفزيون وأمام محطة الجزيرة.. أم الشحات التى يدين لها كل من فى الحارة بعضهم بالملابس وبعضهم بالواسطة لدى أبوقورة أحد جهابذة الحزب الوطنى، والذى يستطيع أن يأتى بإمضاء أى وزير خلال يومين على شرط يكون فيه جلسة للمجلس.. وبعضهم مدين لها برجولة حيث الفياجرا أصبحت السلعة المدهشة التى تحصل عليها بكل الطرق وأهمها المطارات. وتدير كل من فى الحجرة كأنها قائد أوركسترا. - يا عين أمك يا أخويا.. الواد ملبوص فى دمه.. إلهى تخفى يا شارون! ويرد الشحات بسرعة: - يا أمه فيه واحد غيره.. شارون عيان.. - يا أخويا اسكت أهو كلهم زى بعض.. أم الشحات الدَّلالة التى كسرت صباحاً على ابنها الشحات، تتفاعل مع الأحداث حتى لو كانت فيضانات فى بنجلاديش.. أو زلزالاً فى الكاريبى.. وتبكى بكاءً مراً للشاب والشيخ والطفل والمرأة.. الكل عند أم الشحات يحرق القلب. أم الشحات كانت قد سمعت المفتى فى التليفزيون يطلب تبرعات لمستشفى 57357 و«نهنهت» من أجل الصغار وتبرعت بورقة بخمسين جنيهاً للمستشفى، وقالت: فدا ابنى من شر المرض. تبدلت عواطف أم الشحات من مستشفى 57357 إلى غزة وأقسمت على المصحف الشريف أن تتبرع بمكسبها كله فى أسبوع لغزة. سألت ابنها الشحات بعد أن عاد من المظاهرة التى قامت من السيدة زينب إلى لاظوغلى إلى مجلس الوزراء من أجل غزة. - بتروح فين كل يوم يا واد؟ - بمشى فى الشارع مع الناس نهتف: غزة غزة.. تحيا غزة.. تسقط إسرائيل. - طيب والكلام ده هيعمل إيه؟.. هيصة وخلاص! روح يا واد اشتغل على التوك توك بتاعك بدال الركنة واتبرع بقرشين. - لأ يا أمه.. التليفزيون بيصورنا وبلاد برة بيشوفونا علشان يعرفوا إننا زعلانين على غزة.. دى بلادنا برضه! ويومياً نفس الحوار، وأم الشحات تخرج لتبحث عن ابنها وتقول له: - فلقت قلبى يا واد.. هى غزة نقصاك؟ ده أنا أبويا مات فى حرب فلسطين من أكتر من تلاتين سنة.. ولسه قلبى مكسور عليه.. اقعد يا واد أحسن يمسكوك! - ما يقدروش يا أمه، أصل أنا أول ما ألاقى عساكر الأمن المركزى أجرى على طول. - أهو انت كده جبان.. اقعد فى البيت أحسن! ويقطع كلامها مشاهد القتل فى «الجزيرة».. - اقرأ لى يا واد الشريط الأحمر مكتوب فيه إيه..؟ - أمير قطر يعقد قمة فى الدوحة. - ومصر مِقدمة تصالح للفلسطينيين وينسحب الإسرائيليين ويوقفوا القتل. - ما هو القتل داير أهوه.. لا مصر وقفته ولا أمير قطر عمل حاجة. وتمضى أيام أخرى.. ويرسل لها أبوقورة لتحضر حالاً. - إيه خير يا أبوقورة.. الحرب وقفت! - انت مالك انت ومال وقف الحرب.. انت تتبرعى وخلاص.. جمعى فلوس من الناس اللى حواليكى وهاتيها نشترى لهم سمن وسكر ودقيق.. الحزب عامل مشروع كبير لأهل غزة. - وأنا مالى ومال الحزب أنا هتبرع لوحدى. - جرى إيه يا وليه يا مهبوشة.. تتبرعى لوحدك إزاى، الحزب بيلم من مصر كلها وعربيات ياما هتروح، ابعتى حاجتك تروح مع الحزب. - إيه بأه.. أنا أتبرع والحزب اللى ياخد «السواب» أنا عاوزه أوصل لأهل غزة حاجتى.. آل حزب آل. - يا وليه يا قليلة الخير.. لولا الحزب ماكونتيش أخدت معاش مبارك.. السبعين ملطوش اللى بتدفعيهم قسط للتوك توك بتاع ابنك!! - مبارك عارف إن أنا محتاجة.. أنا عاوزه أوصل حاجتى بنفسى.. حتى ولو للمجروحين ودمهم سيحته إسرائيل.. والنبى نفسى أشوفهم يا أبوقورة.. نفسى أعزى فى اللى ماتوا فطيس. - يا ولية ممنوع! - وحياة النبى يا شيخ لتخلينى أروح للناس دول. - إنت هتدفعى مثلاً.. مثلاً خمسين جنيه.. وغيرك هيدفع لما يتجمع خمسين ألف يروحوا هناك فى عربيات محملة دقيق وسمن وسكر وبيض.. - والحزب يروح يقدمها باسمه.. وأنا كأنى ما عملتش حاجة أنا عاوزه الولية اللى بيتها اتهد وولادها ماتوا أديها الفلوس وأواسيها.. - أقولك.. خلى الشحات يكتب جواب لكل النسوان اللى عيالهم ماتوا.. وأنا أديه لرجالة الحزب اللى رايحين هناك يوصلوا جوابك لهم.. فى غزة. ولمعت عيناها وأعجبتها الفكرة.. وأملت على ابنها: «قلبى معاكى يا اختى.. قطعتى قلبى وانت البيت مهدود حواليكى.. وانت يا اللى ابنك مات فى إيديك والنبى دمعتى ما نشفت.. وانت يا اللى كنت بتتشاهد على نفسك قطعت قلبى وحياة النبى.. خدوا منى المبلغ البسيط ده.. آهى نوايا تسند الزير». ووقعت خطابها بشخبطة كأنها توقيع.. وأخذته لأبوقورة ليرسله مع هدايا الحزب الوطنى وجاءت عربة لتحمل ما جمعه أبوقورة وتذهب لتأخذ ما جمعته عاملات مصنع الرشيدى للحلويات وجاء الشحات مسرعاً.. - أمه.. العربية اتملت حاجات روحى فكرى أبوقورة علشان ياخذوا الجواب معاهم.. ولفِّتْ طرحتها وجرت بسرعة وكانت العربة تغادر حارة الديك إلى شارع السد، وكان أبوقورة قد ركب مع أحد أعضاء الحزب المجاهيل بجانب السائق.. ليوصلوها مع الموكب لكبار رجال الحزب والتليفزيون فى انتظارهم. ورفعت صوتها: - أبوقورة خدت الجواب؟ - وجاءها صوته - اطمنى.. ولم تر الورقة ممزقة فى سلة المهملات تحت مكتب أبوقورة.