بعد ارتفاعها.. أسعار الفراخ والبيض في الشرقية اليوم الإثنين 20 مايو 2024    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: اليمين المتطرف بإسرائيل يدعم نتنياهو لاستمرار الحرب    فلسطين.. شهداء وحرجى في سلسلة غارات إسرائيلية على قطاع غزة    ما حكم سرقة الأفكار والإبداع؟.. «الإفتاء» تجيب    ارتفاع تاريخي.. خبير يكشف مفاجأة في توقعات أسعار الذهب خلال الساعات المقبلة (تفاصيل)    رئيس تايوان الجديد لاى تشينج تى ونائبته يؤديان اليمين الدستورية    المسيرة التركية تحدد مصدر حرارة محتمل لموقع تحطم طائرة رئيسي    فاروق جعفر: نثق في فوز الأهلي بدوري أبطال إفريقيا    الجزيري: مباراة نهضة بركان كانت صعبة ولكن النهائيات تكسب ولا تلعب    بعد تهنئة للفريق بالكونفدرالية.. ماذا قال نادي الزمالك للرئيس السيسي؟    معوض: نتيجة الذهاب سبب تتويج الزمالك بالكونفدرالية    مصدر أمني يكشف تفاصيل أول محضر شرطة ضد 6 لاعبين من الزمالك بعد واقعة الكونفدرالية (القصة الكاملة)    روقا: وصولنا لنهائي أي بطولة يعني ضرورة.. وسأعود للمشاركة قريبا    حالة الطقس اليوم على القاهرة والمحافظات    محمد عادل إمام يروج لفيلم «اللعب مع العيال»    خلال أيام.. موعد إعلان نتيجة الصف السادس الابتدائي الترم الثاني (الرابط والخطوات)    تسنيم: انقطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية والراديو في منطقة سقوط المروحية    اتحاد الصناعات: وثيقة سياسة الملكية ستحول الدولة من مشغل ومنافس إلى منظم ومراقب للاقتصاد    سوريا تعرب عن تضامنها مع إيران في حادث اختفاء طائرة «رئيسي»    سقطت أم أُسقطت؟.. عمرو أديب: علامات استفهام حول حادث طائرة الرئيس الإيراني    سمير صبري ل قصواء الخلالي: مصر أنفقت 10 تريليونات جنيه على البنية التحتية منذ 2014    عمر الشناوي: «والدي لا يتابع أعمالي ولا يشعر بنجاحي»    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: دور مصر بشأن السلام في المنطقة يثمنه العالم    آخر تطورات قانون الإيجار القديم.. حوار مجتمعي ومقترح برلماني    دعاء الرياح مستحب ومستجاب.. «اللهم إني أسألك خيرها»    دعاء الحر الشديد كما ورد عن النبي.. اللهم أجرنا من النار    طريقة عمل الشكشوكة بالبيض، أسرع وأوفر عشاء    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق داخل مدرسة في البدرشين    جريمة بشعة تهز المنيا.. العثور على جثة فتاة محروقة في مقابر الشيخ عطا ببني مزار    نشرة منتصف الليل| تحذير من الأرصاد بشأن الموجة الحارة.. وتحرك برلماني جديد بسبب قانون الإيجار القديم    إعلام إيراني: فرق الإنقاذ تقترب من الوصول إلى موقع تحطم طائرة الرئيس الإيراني    استشهاد رائد الحوسبة العربية الحاج "صادق الشرقاوي "بمعتقله نتيجة القتل الطبي    اليوم.. البنك المركزي يطرح سندات خزانة بقيمة 9 مليار    ملف يلا كورة.. الكونفدرالية زملكاوية    الإعلامية ريهام عياد تعلن طلاقها    الشماريخ تعرض 6 لاعبين بالزمالك للمساءلة القانونية عقب نهائي الكونفدرالية    قبل إغلاقها.. منح دراسية في الخارج للطلاب المصريين في اليابان وألمانيا 2024    استعدادات عيد الأضحى في قطر 2024: تواريخ الإجازة وتقاليد الاحتفال    مصدر أمني يكشف حقيقة حدوث سرقات بالمطارات المصرية    تعرف على أهمية تناول الكالسيوم وفوائدة للصحة العامة    كلية التربية النوعية بطنطا تختتم فعاليات مشروعات التخرج للطلاب    الصحة: طبيب الأسرة ركيزة أساسية في نظام الرعاية الصحية الأولية    نقيب الأطباء: قانون إدارة المنشآت الصحية يتيح الاستغناء عن 75% من العاملين    خبيرة ل قصواء الخلالى: نأمل فى أن يكون الاقتصاد المصرى منتجا يقوم على نفسه    حظك اليوم برج الدلو الاثنين 20-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    منسق الجالية المصرية في قيرغيزستان يكشف حقيقة هجوم أكثر من 700 شخص على المصريين    اليوم.. محاكمة طبيب وآخرين متهمين بإجراء عمليات إجهاض للسيدات في الجيزة    اليوم.. محاكمة 13 متهما بقتل شقيقين بمنطقة بولاق الدكرور    مسؤول بمبادرة ابدأ: تهيئة مناخ الاستثمار من أهم الأدوار وتسهيل الحصول على التراخيص    بعد الموافقة عليه.. ما أهداف قانون المنشآت الصحية الذي أقره مجلس النواب؟    ارتفاع كبير في سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 20 مايو 2024    حتى يكون لها ظهير صناعي.. "تعليم النواب" توصي بعدم إنشاء أي جامعات تكنولوجية جديدة    أيمن محسب: قانون إدارة المنشآت الصحية لن يمس حقوق منتفعى التأمين الصحى الشامل    تقديم الخدمات الطبية ل1528مواطناً بقافلة مجانية بقلين فى كفر الشيخ    عالم بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المصرى اليوم» تعرض كتاب الدكتور يوسف زيدان الجديد «اللاهوت العربى وأصول العنف الدينى» قبل طرحه فى المكتبات «2» .. يوسف زيدان: المسيحية بدأت امتدادا لليهودية ثم قدمت نفسها للعالم كحركة إصلاح

مع مواصلة الخوض فى أوراق فصول كتاب «اللاهوت العربى وأصول العنف الدينى» لكاتبه الدكتور يوسف زيدان رئيس مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، يتعمق لديك الإحساس بإشكالية ما يبثه من معلومات على صفحات مؤلفه، لا لكونها المرة الأولى التى تصطدم فيها بنوعية الحقائق التى يتضمنها الكتاب، ولكن أيضاً لما تطرحه من أفكار جدلية تجبرك على التفكير فيها بحرص شديد فتفتح أمامك آفاقا جديدة من الممكن أن يكون تعاملك معها فى السابق كمسلمات، إلا أن قدراً من التسامح وآخر من الحياد وثالث من الرغبة فى الفهم يمكنك من التفكير فيما يطرحه من أفكار بعقلانية دون أى التزام منك بتغيير ما تؤمن به سواء كنت مسلماً أو مسيحياً أو حتى يهودياً، وإن لم تقتنع بما جاء فى الكتاب فحاول أن تبحث عن إجابات لما يثيره من تساؤلات، تزداد مع بدء الفصل الثانى للكتاب.
والسؤال: هل تعتبر المسيحية امتداداً لليهودية، أم أنها ديانة مختلفة عنها فى الشكل والجوهر؟ هذا ما يجيب عنه دكتور زيدان منذ بداية الفصل الثانى، حين يذكر أن المسيحية طرحت نفسها فى البدايات كامتداد للديانة اليهودية، ثم تطورت بمرور الوقت لتقدم نفسها للعالم على أساس أنها حركة إصلاح وتصحيح عام لليهودية.
ويسرد الكتاب كيف انتظر اليهود ذلك «الماشيح» أو المسيح الذى سيتحقق مع قدومه وعد الرب لنبيه إبراهيم بامتلاك شعبه المختار وأبنائه المفضلين للأرض، من نيل مصر إلى نهر الفرات، ومن شدة تلهف اليهود على ظهور هذا المسيح الذى كانوا يحلمون بأن يخلصهم من موجات القهر والعنف التى تعرضوا لها، كثر أدعياء النبوة بينهم، وهو ما دعا النبى «ميخا»، أحد الأنبياء الصغار الاثنى عشر الذين أختتم بأسفارهم العهد القديم، إلى القول فى سفره الحزين: «لا تأتمنوا صاحباً، ولا تثقوا بصديق، احفظ أبواب فمك عن المضجعة فى حضنك، لأن الابن مستهين بالأب، والبنت قائمة على أمها، والكنه على حماتها، وأعداء الإنسان أهل بيته».
وهكذا يجىء يسوع المسيح بعد طول انتظار من اليهود ولكنهم لم يقدسوه كما كان متوقعاً، بل تعاملوا معه بذات الأسلوب الذى عرفوه مع من سبقه من أنبياء، حتى إن الروايات المسيحية المتأخرة تحكى أن أحبار اليهود اختبروا فى المعبد الكبير بأورشليم صحة دعوة المسيح، عبر التأكد من صحة نسب أمه مريم اليهودى، ووالده يوسف النجار الذى تزوج أمه بعد ميلاده، وأدركوا أنهم أمام معجزة إلهية، وبعدها حاولوا صرفه عن دعوته فلم ينصرف، فهددوه فلم يهتد ولم يسمع لهم، فسلموه للرومان ليصلبوه.
«لم أرسل إلا لخراف بيت إسرائيل الضالة».. هكذا قال المسيح عيسى بن مريم لتلاميذه عند بدء دعوته، وهى عبارة يستدل بها دكتور زيدان على أن المسيحية كانت امتداداً للديانة اليهودية، بينما قام تلاميذه المعروفون فى المسيحية بالرسل، وفى الإسلام «بالحواريين» بنشر رسالته للأمم كلها مبشرين بخلاص الإنسان، بينما صعد المسيح مرة أخرى للسماء ليزداد الجدل حوله وحول طبيعته.. هل هو البشر النبى ابن الإنسان الذى جاء بالبشارة، أم هو الله بذاته نزل إلى الأرض حيناً ثم عاد ثانية للسماء؟
قبل الخوض فى تلك المسألة الشائكة وعرض وجهتى النظر التاريخيتين فيها، يشير دكتور زيدان إلى خلاف آخر نشأ بين المؤرخين الكنائسيين حول توقيت ظهور الأناجيل، وترتيب ظهورها زمنياً، مؤكداً أن أقدم مجموع للعهدين القديم والجديد يعود زمن كتابته إلى منتصف القرن الرابع الميلادى، وهو محفوظ الآن فى الفاتيكان ويعرف باسم لاتينى هو «كودكس فاتيكانو»، إلا أن الحقيقة الواضحة لمؤلف (اللاهوت) هى أن كثرة الأناجيل قبل اعتماد الأربعة الشهيرة منها «متى، مرقص، لوقا، ويوحنا»، وما تضمنته من تعبيرات مجازية، كانت ذات تأثير مباشر وقوى فى نشوب الجدل حول ماهية وطبيعة السيد المسيح، وبمعنى آخر بشريته «الناسوت، وربوبيته (اللاهوت)»، إلا أنه وبعد الاعتراف بالمسيحية كواحدة من ديانات الإمبراطورية الرومانية فى مرسوم ميلانو عام 313 ميلادية، تم إرساء نظم وتحديد اعتبارات تكفل الحفاظ على تلك الديانة، وكان ذلك فى مجمع «نيقية» المسكونى فى القرن الرابع الميلادى، واجتمع فيه 318 أسقفا من أنحاء المعمورة، قرروا فيه ما عرف باسم «قانون الإيمان» الذى تعدل أكثر من مرة لمواجهة ما عرف باسم «الهرطقات»،
وكانت صيغته الأولى تنص على: «يسوع المسيح ابن الله الوحيد، المولود من ألآب قبل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود من غير مخلوق، مساو للأب فى الجوهر، الذى به كان كل شىء، الذى من أجلنا نحن البشر ومن أجل فلاحنا، نزل من السماء، وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء، وتأنس وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطى، وتألم ودفن وقام فى اليوم الثالث».
وتبع ذلك الإعلان لقانون الإيمان بعدة سنوات، تشكيل لجنة دينية فى العام 331 ميلادية، مهمتها التفتيش عن وإعدام الأناجيل الكثيرة غير الأربعة المشهورة السابق ذكرها، وقد تم حفظها والاعتناء بها وتداولها على نطاق واسع مع الرسائل المسماة أعمال الرسل، وهو ما عرف بالعهد الجديد، تمييزاً له عن العهد القديم، ليكونا فى مجموعهما «الكتاب المقدس».
ويقول دكتور يوسف زيدان: «المتأمل فى قانون الإيمان وإنجيل متى، يدرك أن الإيمان المسيحى ينطلق من المسيح الذى ترتبط الديانة كلها به، ومنه اشتقت اسمها فى كل اللغات، حتى إننا نجد أن إنجيل متى يبدأ بذكر ميلاد يسوع المسيح بن داود بن إبراهيم، ونسبه ومعجزة مولده وطفولته وهروب يوسف النجار به إلى مصر هو وأمه، من بطش هيردوس ملك اليهودية الباحث عن الصبى ليهلكه، رغم أن المخطوطات تؤكد موت تلك الشخصية قبل ميلاد المسيح بأربع سنوات. ثم يواصل الحديث عن معجزات المسيح وأقواله وأحكامه التى وضعها للناس ومكر اليهود به دون أية إشارة للإلهيات التى هى أصل كل دين، وكأن المسألة برمتها هى (المسيح) لا (الله) أو كأنه (هو هو).
 لقد صار المسيح هو الديانة نفسها، ومن الإقرار بإلوهيته، يُستهل قانون الإيمان الأول، وشيئاً فشيئاً أصبح المسيح معادلاً موضوعياً لله، ثم صار فى اجتهادات الآباء الأوائل الأرثوذكس الله الذى غاب وناب عنه المسيح، هنا أمسى كل ما هو إلهى متعلقاً بالمسيح، لتختفى إشكالية صفات الله التى طرحتها اليهودية، وليصبح الإيمان القويم هو الإيمان بالمسيح الذى هو الله، وبات التشكيك فى إلوهيته لا يعنى سوى شىء واحد هو الكفر، أو الهرطقة بالتعبير المسيحى».
ما زلنا نسير فى تلك المناطق الملغومة، فى تاريخ الديانات البشرية كما يقول دكتور زيدان، وإن كنتَ استشعرتَ كقارئ بالمفاجأة لما سبق طرحه، فانتظر فالبقية المقبلة تحوى الكثير من الأفكار التفسيرية لقصة الجدل الذى نشب بين الكنائس حول طبيعة المسيح عليه السلام. حيث يبدأ طرح تلك الأفكار فى الفصل الثالث الذى يحمل عنوان «النبوة والبنوة» وهو الفصل الذى يبدأ بشرح الفروق بين الكنائس الغربية، ويقصد بها غرب فلسطين التى انتشرت من خلالها المسيحية، أى مصر و اليونان، والكنائس التى كانت تقع شرق فلسطين فى الجزيرة العربية والهلال الخصيب، ليبرهن على صحة المقولة الخاصة بتأثر الديانات بما سبقها من تراث، بالإضافة إلى البيئة التى بزغت فيها.
ويبدأ دكتور زيدان بالمنطقة الغربية مثل مصر واليونان والبحر المتوسط، حيث الفلاسفة والعلوم والديانات المتعددة التى سرعان ما اختفت مع انتشار المسيحية، ليطلق عليها وصف «وثنية»، ويسود منطق الكنيسة القبطية الخاص بإلوهية المسيح، والسبب كما يطرحه دكتور زيدان، هو أن مصر واليونان بلاد عايشت الكثير من الديانات التى كانت لا ترى إشكالية فى الجمع بين الربوبية والبشرية، بين اللاهوت والناسوت، ولا ترى أزمة فى تأليه الإنسان وتأنيس الإله، فالملك الفرعون فى مصر القديمة هو ابن الشمس أو ابن الإله، القابل للتأليه هو الآخر،
 كما حدث مع الإسكندر الأكبر عندما زار معبد آمون بواحة سيوة فأعلنه الكهنة هناك إلهاً، إلى جانب أسطورة إيزيس التى أنجبت حورس الإله من أوزوريس من دون معاشرة بينهما، كما نجد فى حكايات الإلياذة والأوديسة الكثير من القصص عن تلاحم البشر بالآلهة، ومعاشرة آلهة جبال الأوليمب، خاصة كبيرهم زيوس، للنساء ليلدن أنصاف آلهة، وهكذا نجد أنه من الطبيعى أن تتأثر رؤية الكنائس فى تلك المناطق حول طبيعة السيد المسيح بما لديها من تراث عاشوا يؤمنون به لسنوات طويلة قبل انتشار المسيحية.
 أما فى منطقة الهلال الخصيب والجزيرة العربية فالأمر مختلف، كما يقول دكتور زيدان، فالديانات فى تلك المنطقة كانت تعلى من قدر الآلهة، وتتصورهم مفارقين للعالم البشرى، رغم أنهم صوروها فى هيئة أصنام تعبر عن صورة الآلهة.. كانت المسافة بين الإنسان والله شاسعة فى فكر ديانات شبه الجزيرة العربية ومنطقة الهلال الخصيب، وهو ما يتضح على سبيل المثال فى صورة الآلهة التى صورتها ملحمة «الأنو ماإيليش» السومرية،
وكما حدث فى الملحمة البابلية «جلجاميش» وأكدت أن الإنسان بشر، مقدر عليه الفناء، بينما لا بقاء للأبد سوى للآلهة فقط، ليس هذا وحسب بل إن ثقافة تلك المجتمعات كانت تحتفى دوماً بالحكماء من البشر، وبالكهنة الملهمين من الآلهة وبالأنبياء، وهى شخصيات نظر لها أهل تلك المنطقة على أنهم أدلاء يعرفونهم بالآلهة، ولكنهم لم يتعاملوا معهم بصفات إلهية،
ويشير دكتور زيدان فى تلك الجزئية إلى أن النزوح العربى لتلك المناطق بدأ منذ أواخر الألف الثالثة قبل الميلاد، مؤكداً أن العقلية العربية مهما بلغ الاختلاف حولها، إلا أن الواقع والتاريخ يؤكدان أنها عقلية براجماتية تعنى بالعقل ولا تنزع للتفلسف النظرى العميق، ولا تفهم مسألة التداخل بين البشر والآلهة كما فى مصر واليونان، ليس هذا وحسب، كما يعلق دكتور زيدان فيقول: «لم تُعنَ الثقافة العربية بتلك الفروق الواسعة الفاصلة بين البشر والآلهة وحسب، ولكنها فرقت وبشكل حاسم بين ثلاثة معان محددة هى (النبوة، والربوبية، والإلوهية)، موضحة أنه لا يجوز الجمع بينهم أو التداخل،
 فالنبوة على إطلاقها تكون للبشر، والربوبية مشتركة بحسب إطلاقها معرفة فى حق الخالق أو مضافة كصفة للمخلوق، بينما الألوهية لله وحده، وإلى جانب اللغة فإن الثقافة العربية اهتمت وبشدة بقصة الأنساب، وأعلنت قانون أن الولد للفراش، لذلك فالعقلية العربية تقبلت أن تلد العذراء المسيح دون زواج، على أساس أنها معجزة، والمعجزات جزء من النبوة، لكنها لم تستسغ أن يترتب على ذلك أن يكون المسيح هو ابن الله، اللهم إلا على سبيل المجاز، كما يقال إن اليهود هم أبناء الله، أما التطرف فى جعل الإنسان إلهاً فلم يكن مقبولاً لدى تلك العقلية وبخاصة أن هذا الإنسان تعذب وصلب وقتل مصلوباً، هذا شىء ترفضه تلك العقلية التى اعتادت أن تردد الله غالب».
ينتقل بك الكتاب بعد ذلك إلى تفاصيل مفهوم كل جانب عن طبيعة السيد المسيح، ويؤكد الكاتب أنه على الرغم من أن الإيمان الأرثوذكسى اعتبر كل من يقول بغير ألوهية المسيح كافراً، إلا أنه لم يرد بالأناجيل كما هو مكتوب أن المسيح استنكر من اعتبره إنساناً نبياً، وهو ما أشار له الأب متى المسكين، أحد أجلاء آباء الكنيسة القبطية المعاصرة، فى شرحه لإنجيل مرقس حيث قال ما نصه: «المسيح سأل تلاميذه من يقول الناس إنى أنا؟ فلما قالوا: واحد من الأنبياء. لم ينكر على الناس قولهم، ولكن التفت لتلاميذه وهم المؤمنون به وسألهم: وأنتم من تقولون؟ فقال بطرس: إنك هو المسيح ابن الله الحى، تهلل يسوع بالروح وقال أحمدك أيها الآب ورب السماء لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال»، ورغم ذلك فإن جوهرية ألوهية المسيح لدى الأقباط ظهرت واضحة فى رسالة البابا القبطى الرابع والعشرين «كيرلس عامود الدين» الذى كان كبيرا لأساقفة مدينة الإسكندرية وعموم مصر والحبشة وليبيا منذ عام 412- 444 ميلادية،
 وهى الرسالة المعروفة باسم «أناثيميا» وهى كلمة يونانية تعنى اللعنات وكتبها لدحض عقيدة نسطور عندما شكك فى كون مريم العذراء هى أم الإله، وقال فيها: «إن الكلمة اتحد بالجسد أقنومياً، فإننا نسجد لابن واحد الرب يسوع المسيح، نحن لا نجزئ ولا نفصل الإنسان عن الله ولا نقول إنهما متحدان الواحد بالآخر، بل نعترف بمسيح واحد فقط الكلمة من الله الآب مع جسده الخاص.. المسيح واحد هو ابن ورب فهو إله الكل ورب الجميع، لا هو عبد لنفسه ولا سيد لنفسه.. لأن الرب يسوع المسيح هو واحد حسب الكتب.. ومن لا يعترف أن عمانوئيل (يسوع المسيح هو الله بالحقيقة فليكن محروماً)».
ويعلق دكتور زيدان على كل ما سبق بالقول: «لكل ما سبق نقول إن ما يسمى فى التراث المسيحى باللاهوت إنما هو لاهوت لا يتعلق بالله ذاته بل بالمسيح الذى صار الله حين صارت الكلمة جسداً بحسب الفهم الأرثوذكسى لطبيعة يسوع، وهو الفهم الذى سيطر على تاريخ الكنيسة القبطية فظلت تؤكد عقيدتها فى لاهوت المسيح ليومنا هذا. حتى الهرطقات لم تكن تتناول فى مضمونها الذات أو الصفات الإلهية ولا طبيعة الله ولا كنهه، لأن تلك الأمور لم تكن هى موضع الإيمان أو الكفر اللذين ارتبطا فى الأساس بالمسيح أو الأقنوم الثانى فى ثالوث الآب والابن والروح القدس».
وهكذا يبدأ دكتور زيدان فصله الرابع فى كتابه اللاهوت العربى الذى يؤكد فيه أن الأرثوذكسية كانت ترى فى الهرطقات خطراً شديداً على المسيحية أكثر من اليهودية والوثنية اللتين نجحت فى القضاء عليهما تدريجيا ومحاصرتهما من خلال كتابات الآباء فى الكنيسة، ومن خلال بعض المناوشات والمعارك المحدودة معهم فى روما والإسكندرية وأنطاكية وبيزنطة، بينما كان الهراطقة يشعرون فى قرارة أنفسهم بأنهم مؤمنون أتقياء، وأنهم لم يخرجوا بأفكارهم عن حظيرة الإيمان وانهم يقولون الحق الذى استخلصوه من النصوص الإنجيلية.
بعد ذلك يستعرض دكتور زيدان فى كتابه أشهر المهرطقين، وفى مقدمتهم «إبيون» الذى وصفه بأنه رجل غامض عاش فى الأردن ونسبت له «الإبيونية» التى هى جماعة يهودية الأصل كانت تؤمن بأن يسوع المسيح هو «الماشيح» وهو المخلص أو المهدى اليهودى المنتظر، وبالتالى فهو نبى كغيره من الأنبياء،
ثم ذكر «بولس السميساطى» الأسقف الأنطاكى وعاش فى القرن الثالث الميلادى تحت حماية زنوبيا ملكة تدمر العربية، وكانت أفكاره تتمحور حول نقطة وحيدة مفادها أن يسوع المسيح بشر مخلوق ولا ألوهية له، ثم يأتى القسيس الأنطاكى الخدمة، والشامى الثقافة «لوقيانوس»، فى قائمة المهرطقين وقد استشهد فى عام 312 ميلادية وتدور هرطقته حول حقيقة أن الله واحد لا مساوى له، وأن كل ما هو خارج عنه تعالى فهو مخلوق، ولذا فالكلمة مخلوق والحكمة مخلوق، ولأن يسوع ابن الله ابن الإنسان جاع وعطش واضطرب لذا فهو إنسان حقيقى عرّفنا بالله.
وبعد هؤلاء يجىء ذكر «آريوس» الذى تعده الأرثوذكسية الطامة الكبرى فى الهرطقات كما يقول دكتور زيدان، حيث ينظر الأرثوذكس الأقباط له باعتباره عدو المسيحية الأول، ليس هذا وحسب بل كل من يؤمن بما قاله أيضاً ومن هؤلاء الأسقف «جورجيوس الكبادوكى» الذى أرسلته العاصمة الرومانية ليكون أسقفاً للمصريين، فثاروا عليه فى الإسكندرية واعترضوا طريقه فى شوارعها وقتلوه ومثلوا بجثته لمجرد أنه كان يميل للأفكار الآريوسية التى حرق وأعدم كل ما دل عليها من أوراق فلم يبق منها أثر، وكانت عقيدته تدور حول أن الله خلق المسيح الابن من العدم، لم يكن قبله الابن موجوداً ولا كان الله قد صار بعد «آب» لأنه صار كذلك حين خلق الابن، وبالتالى فالابن لا يساوى الله فى الجوهر، ويسوع هو المسيح وليس الحكمة ولا الكلمة «اللوجوس» لأنهما صفتان إلهيتان لا تتوقفان عند مخلوق، وإلا صار الله عرضة للتغيير مثل الخلائق.
ثم يتوقف دكتور زيدان عن سرد قائمة المهرطقين ليعلق على بعض ما نادوا به من أفكار، يقول عنها: «مع أن آريوس وسابقيه ولاحقيه الذين أنكروا ألوهية المسيح بهدف الحفاظ على وحدة وتعالى الذات الإلهية، وتأكيد حرية الإرادة الإنسانية بعيداً عن الوساطة الكهنوتية، كانت لديهم أسانيد كثيرة مستقاة مباشرة من الكتاب المقدس الذى وصف فيه المسيح بابن الإنسان،
 إلا أن كنيسة الإسكندرية التى تبعتها فى زمن آريوس معظم الكنائس الأخرى، شنت على آريوس حربا شعواء دفاعاً عن عقيدتها، بدأت بانعقاد مجمع مسكونى فى نيقية سنة 325 ميلادية تم فيها حرم آريوس وعزله ونفيه إلى دير فى إسبانيا. ورغم ذلك لم تهدأ الأمور فى الشام فأرسل الإمبراطور قسطنطين الكبير إلى آريوس يدعوه للقسطنطينية للتوفيق بينه وبين أسقف الإسكندرية (إسكندر) ليموت آريوس فجأة عند أطراف القسطنطينية عام 336 ميلادية، مما دعا البعض للقول إنه مات مسموماً».
ويواصل دكتور زيدان قائمة المهرطقين الذين حاربتهم الكنيسة الأرثوذكسية ومنهم المفكر الكنسى «مقدونيوس»، وأسقف اللاذقية «أبوليناريوس»، و«نسطور» الذى اعتلى كرسى الأسقفية فى القسطنطينية سنة 428 ميلادية، ووزع منشوراً على الناس يحظر عليهم تسمية مريم العذراء بلفظ «ثيو تو كوس»، أى والدة الإله، وذلك لأن الإنسان الذى هو مريم لا يمكن أن يلد الإله.
ويخصص دكتور زيدان جزءاً من أوراق كتابه لسرد قصة الصراع بين الأسقف السكندرى «كيرلس» و«نسطور» الذى يرى دكتور زيدان أنه لم يقتصر وحسب على طبيعة المسيح البشرية أو الألوهية، لكنه كان صراعاً سعت فيه كنيسة الإسكندرية لتأكيد سلطتها على كنائس العالم، كان صراعاً بين الإسكندرية والقسطنطينية على المكانة والترتيب الهرمى للكنائس الأربع الكبرى آنذاك.
ويقول دكتور زيدان: «هكذا ظل العالم المسيحى حتى ظهور الإسلام، حيث كان هناك شعور يقينى أنه لابد من إيجاد حل لاختلال واختلاف العقائد المسيحية ما بين الصيغ المتعددة لقانون الإيمان، ورسائل الحرومات، وبنود اللعنات التى يصبها الكل فوق رأس الكل. وفى هذه اللحظة المسيحية الحرجة نزل القرآن».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.