لطالما عانينا في هذه المهنة من المضايقات الأمنية والملاحقات القضائية تارة ، والإشاعات المغرضة التي تهدف إلى قتل السمعة تارة أخرى ، ونسير نحو أهدافنا السامية من محاربة الظلم والفساد بشتى صورة وألوانه عبر كلمات مكتوبة أو منطوقة ، فضلاً عن بذل كل الجهد لتوفير المعلومة الصحيحة والتحليل العميق للمواطن لكي يتمكن من تكوين رأي على أسس سليمة وغير مكذوبة أو ضالة .. نسير نحو تلك الأهداف دون أن نلتفت لمثل هذه المضايقات لئلا نتخلى عن مبادئنا أو نقدم للمواطن معلومة كاذبة أو تحليلاً مُضللاً ، ونبذل قصارى جهدنا لنقدم الحقيقة كاملة ولو كانت مُرّة على متلقيها ، وإن جلبت علينا الأضرار ممن لا يحبون شيئاً اسمه " الحقيقة " !! قبل سنوات ليست ببعيدة وتحديداً قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير، كنت أكتب موضوعاتي الصحفية بكل قوة ولم ألتفت لقضايا رُفعت ضدي أو مضايقات أمنية آنذاك ، لأنه على الأقل حينئذ كان هناك هامش من حرية التعبير تسمح به الدولة شريطة ألا تصل إلى " الخط الأحمر " .. والأهم أنك إذا ما اضطُهِدت ستجد من يقف لجوارك من الصحف والمنظمات الحقوقية والأحزاب " حينما كانت جميعها متكاتفة ضد نظام مبارك " .. جاءت ثورة يناير وانهدم سقف الحرية الذي كان قد وضعه نظام مبارك ليتاح للجميع أن يتحدث ويكتب عبر شتى الوسائل إلى حد التجاوز عند البعض ولا يبالي، وإن كان المجلس العسكري آنذاك كان يمارس بعض التضييق، أما الآن وتحديداً بعد أحداث الثلاثين من يونيو عام 2013 فالوضع تغير تماماً .. أقول وبكل صراحة أننا نعيش أسوأ فترات حرية الرأي والتعبير في مصر ، إلى الحد الذي تضطر فيه إلى تقديم الحقيقة منقوصة ، أو الرأي فقط دون الرأي الآخر ، لم يصل الأمر لتكون مطالباً بنفاق أحد ولكن على الأقل لا يسمح لك بانتقاده أو حتى محاورة من يحمل في ثناياه رأياً ضده ، لأن ذلك عندهم " تهديد للأمن القومي " !! قبل فترة قليلة وتحديداً أثناء تغطية المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ ، التقيت أحد المسئولين الكبار في الدولة ، وبمجرد أن عرفته بنفسي حتى انفعل وأخذ يوجه لي اللوم الشديد الذي وصل إلى حد التهديد ، مدعياً أنني أكتب في جريدة "الشروق الجزائرية" ما يهدد الأمن القومي في مصر ، تلك التهمة المطاطة التي يلوحون بها في وجه كل من يريدون إرهابه، ليس ليمارس عمله بموضوعية، إطلاقاً فهم لا يطيقون الموضوعية ، ولكن لئلا تطرح أي رأي أو معلومة في رأيهم تهدد بها الأمن القومي ، وعلى الرغم من محاولتي إقناعه أنني أصلاً لا أكتب في جريدة الشروق الجزائرية منذ عدة أشهر لانشغالي الشديد بعملي في قناة الشروق بذات المؤسسة ، إلا أنه لم يقتنع بحجة أن المعلومات التي وصلته صحيحة ، وقال لي بالحرف الواحد " عايز يتعمل عليك إكس مفيش مشكلة ، وأكتر من إكس كمان " !! طبعاً تمالكت نفسي لكي لا أنفعل ويتطور الأمر ، وتركت الرجل وأنا أشعر بضيق شديد لحجم هذا التضييق الذي يُمارس بأشكال مختفلة ومن عدة اتجاهات ، فكرت حينها لوقت قصير لو رحلت خارج البلاد لأكتب وأتحدث بحرية ، فنحن لا نطيق ولا نقبل أن يُملى علينا رأي أو يُضيّق علينا لكي نتجاوز عن بعض الأمور أو نقدم رأياً واحداً على هوى السُلطة ، وأقول أخيراً ، كثيرون آثروا على أنفسهم أن يتركوا هذه البلد رغم كل الضغوط ، ثم دفعتهم هذا التضييقات "الحمقاء" إلى ترك البلاد وممارسة الحرية من خارجها إلى الحد المتجاوز والغير مقبول ، فلا تضطرونا بأفعالكم هذه أن نضطر يوماً إلى الرحيل !! من العدد المطبوع من العدد المطبوع