البابا تواضروس الثاني يصلي عشية عيد القديس الأنبا أبرآم بديره بالفيوم    نقيب الصحفيين يؤكد ضرورة إصدار قانون حرية تداول المعلومات    قنصلية فرنسا تطلق مشروع الاقتصاد الدائري بدعم الاتحاد الأوروبي    50 مليون جنيه سنويًا.. حوار بين خالد البلشي وضياء رشوان حول زيادة بدل الصحفيين    كوريا الجنوبية تستأنف البث الدعائي ضد حملة "بالونات القمامة" لكوريا الشمالية    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم وادي الفارعة جنوب طوباس    إصابة 17 شخص في حادث سير بالمنيا    "ابدأ": 70% من المشكلات التي تواجه المصنعين تدور حول التراخيص وتقنين الأوضاع    تبدأ بسعر 1،015،000 جنيه...أسعار السيارات اليابانية في مصر 2025    محافظ المنوفية يفتتح أعمال تطوير النصب التذكاري بالباحور    سياحة الشيوخ توصي بضرورة تفعيل المنتج السياحي "العمرة بلس"    سوليفان: مقتل المدنيين الفلسطينيين جراء الهجوم الإسرائيلي "مأساوي ومفجع"    عاجل| الاحتلال يقتحم بلدة عرابة غرب جنين بالضفة الغربية    إيهاب الكومي: الكرة ملهاش كبير.. وحسام حسن اجتمع بلاعبي المنتخب لهذا السبب    عاجل.. صفقة هجومية تتسبب في انقسام داخل الأهلي    تقرير: الخليج يعرض محمد شريف للبيع.. وحقيقة شرط عودته ل الأهلي    رئيس البلدية: منتخب مصر خسر تواجد حسام أشرف    دعبس يوضح موعد تغيير اسم فيوتشر ل مودرن سبورت    منتخب إيطاليا يهزم البوسنة والهرسك بهدف نظيف    القائم بأعمال سفارة طاجيكستان: مصر لديها خبرة واسعة في استخدام الموارد المائية    مقتل فلاح علي يد ابن عمه بسبب خلافات علي قطعه أرض بالفيوم    مصرع طفل في حريق سوبر ماركت بالفيوم    موعد تطبيقه..ملامح نظام الثانوية العامة الجديد    مفاجأة.. صورة قديمة تجمع عمرو دياب بالمعجب المثير للجدل    آسر ياسين يروج ل فيلم "ولاد رزق 3 - القاضية"    شاهد.. ياسمين صبري تخطف الأنظار بالأسود في أحدث ظهور لها    محمود فوزي: الحوار الوطني ساهم في الإعفاءات عن المحبوسين.. والجهات المعنية لا تتأخر    الأول على الإعدادية الأزهرية بالإسماعيلية: مثلي الأعلى عمي وأتمنى أن أصبح طبيبا للقلب (فيديو)    اتحاد منتجي الدواجن: الأسعار ارتفعت بأكثر من 20% بسبب موجات الحر    رئيس إنبي يكشف حقيقة حقيقة عروض كالوشا وأوفا    رئيس بلدية المحلة: منتخب مصر خسر عدم وجود حسام أشرف.. وهدفنا البقاء فى الدورى    العاهل الأردني: صمدنا في مواجهة التحديات بالعزيمة والصبر    الأونروا: وصلنا إلى طريق مسدود بسبب إغلاق إسرائيل المعابر أمام المساعدات    لميس الحديدى تكشف عن إصابتها بالسرطان.. لماذا أخفت المرض؟ (فيديو)    دعاء وفضل العشر الأوائل من ذي الحجة    دعاء العشر من ذي الحجة مستجاب.. «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي»    الكشف على 1346 مواطنا بقافلة طبية مجانية بقراقص في دمنهور    وزير المالية الإسرائيلي: انسحاب جانتس من الحكومة خطوة غير مسؤولة    الإفتاء توضح أعمال الحجّ: اليوم التاسع من ذي الحجة "الوقوف بعرفة"    الطالبات يتصدرن.. «أزهر المنيا» تعلن أسماء أوائل الشهادة الإعدادية 2024    زيادة أكثر من 200 جنيه، ارتفاع سعر دواء شهير لعلاج مرضى الصرع    البابا تواضرس الثاني يؤدي صلاة عشية بكنيسة أبو سيفين بدير العزب    كم عدد أيام التشريق وحكم صيامها؟.. تبدأ من مبيت الحجاج بمنى    لمواليد «الأسد».. توقعات الأبراج في الأسبوع الثاني من يونيو 2024    ليلى عبد اللطيف تتوقع انفصال هذا الثنائي من الفنانين    منها مباشرة الزوجة وتسريح الشعر.. 10 محظورات في الحج يوضحها علي جمعة    أسماء أوائل الشهادة الابتدائية بمنطقة أسيوط الأزهرية بعد اعتمادها رسميًا    قرار قضائي بشأن المتهمين بواقعة "خلية التجمع"    بشرى سارة بشأن توافر نواقص الأدوية بعد عيد الأضحى.. فيديو    «اقتصادية الشيوخ»: الرقابة المسبقة سيؤثر إيجابيا على الاستثمار في مصر    جامعة سوهاج: 1000 طالب وطالبة يؤدون امتحانات نهاية العام بالجامعة الأهلية للتعلم الإلكتروني    المرور: ضبط 28776 مخالفة خلال 24 ساعة    محافظ الشرقية يُفاجئ المنشآت الصحية والخدمية بمركزي أبو حماد والزقازيق    البابا فرنسيس يحث حماس وإسرائيل على استئناف المفاوضات ويدعو لإنقاذ شعب غزة المنهك    مدرسة غبور للسيارات 2024.. اعرف مجموع القبول والتخصصات المتاحة    اعتدال بسيط في درجات الحرارة بمحافظة بورسعيد ونشاط للرياح.. فيديو وصور    ريان عربي جديد.. إنقاذ طفل سوري وقع داخل بئر بإدلب    يحدد العوامل المسببة للأمراض، كل ما تريد معرفته عن علم الجينوم المصري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر وأمريكا بين التعاون والتحالف
نشر في القاهرة يوم 24 - 07 - 2012

كانت وسائل الإعلام الأمريكية قد كثفت تناولها لحاضر ومستقبل العلاقات المصرية الأمريكية بعد تولي الرئيس محمد مرسي ( القادم من صفوف الإخوان المسلمين ) لمنصب الرئاسة في مصر، كما أكدت صحيفة " واشنطن بوست " الأمريكية أن زيارة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لمصر هي " فرصة ثمينة " أمام واشنطن لكي تقوم بتصحيح " أخطاء الماضي " في سياساتها وتعاملاتها مع قادة الدول العربية، علي مدار عقود طويلة . 1 الاهتمام الأمريكي من واقع الظروف والملابسات التي أحاطت بزيارة هيلاري كلينتون لمصر، وفي ضوء التصريحات التي أدلت بها خلال الزيارة، وعبر لقاءاتها مع الرئيس المصري، ومسئولين مصريين آخرين، يتبين بوضوح أن العلاقات المصرية الأمريكية تحظي في المرحلة الراهنة بدرجة عالية من الاهتمام الأمريكي، سواء علي مستوي الإدارة والبيت الأبيض في واشنطن، أو علي مستوي المؤسسات الأمريكية وفي مقدمتها الكونجرس ونوابه، أو علي مستوي وسائل الإعلام الأمريكية . ويتمثل الهدف الرئيسي في مسألة الاهتمام الأمريكي بالشأن المصري، ليس فقط في السعي لإعادة صياغة أسس العلاقات المصرية الأمريكية في مرحلة ما بعد سقوط مبارك نتيجة ثورة25 يناير، وإنما يمتد أفق الاهتمام الأمريكي إلي مستوي " الشراكة " في تدبير مضمون ونوعية هذه العلاقات، وصولا إلي مستوي "المشاركة " الأمريكية في ترتيبات مستقبل الوضع السياسي في مصر . ويمكن أن نستدل علي هذه النظرة الأمريكية التشاركية، من خلال تصريح هيلاري كلينتون الذي أكدت فيه صراحة علي " الرغبة الأمريكية في أن تكون شريكا جيدا في دعم العملية الديمقراطية (التي تحققت بفضل شجاعة وتضحية الشعب المصري) علي حد تعبيرها . ومن الطبيعي بداهة أن تكون زيارة كلينتون لمصر " استثنائية " بكل المقاييس، فهي أكبر مسئول أمريكي يزور مصر بعد تولي رئيس إخواني منصب الرئاسة ( في أكبر وأهم دولة عربية ) كما قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية . في الوقت نفسه، فإن الظرف السياسي الراهن في مصر يمثل في مجموعه " عقدة شائكة " تنطوي علي صراعات بين قوي متنافسة علي السلطة، بما يقترب من مستوي المواجهة الصدامية بين مؤسسات الدولة العليا ( مؤسسة الرئاسة / المجلس العسكري / مؤسسة القضاء ) . وفي هذا الصدد، فإن الاهتمام الأمريكي بتطورات الشأن المصري، يبدو وكأنه، جزء أساسي من خلفية الصورة ،بحيث يبدو " الصديق الأمريكي " بمثابة لاعب رئيسي لا تخطئه العين ضمن لاعبي " الكواليس السياسية الجارية ". وربما يكون من المبالغة الشديدة الادعاء بأن الاهتمام الأمريكي بالشأن المصري الحالي يصل إلي درجة " التدخل المباشروالصريح " في توجيه الأحداث في الساحة السياسية في مصر، ومع ذلك، فإنه يجب تفهم المغزي وراء ما صرحت به صحيفة " نيويورك تايمز " الأمريكية والتي وصفت زيارة كلينتون لمصر بأنها بمثابة " الاعتراف الأمريكي المباشر " بالرئيس المصري الدكتور محمد مرسي، كأول رئيس إسلامي منتخب في مصر، وقد جاء ذلك في إطار " احتفاء أمريكي " خاص بإنجازات الشعب المصري علي صعيد التطور الديمقراطي، بإجراء أول انتخابات رئاسية تشهدها البلاد بعد الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك، وفي ظل هذا الاحتفاء، كان واضحا التأكيد الأمريكي علي عزم الولايات المتحدة علي استمرار التعاون مع جماعة الإخوان المسلمين . وفي السياق، كان ملفتا أيضا ما أشارت إليه النيويورك تايمز الأمريكية حول إشادة وزيرة الخارجية الأمريكية ودعمها الظاهر للرئيس محمد مرسي، بينما هي بالكاد تطرقت إلي المجلس العسكري، ومدي وفائه والتزامه بتسليم السلطة كاملة للمدنيين، هذا، بينما لاحظنا أثناء الزيارة أن كلينتون أشادت صراحة بالدور الذي لعبه المجلس العسكري والجيش في " حماية الثورة " المصرية، وذلك بالمقارنة مع ما يراه العالم من مذابح الجيش في سوريا، كما قدرت كلينتون دور الجيش المصري في رعاية إجراء انتخابات حرة ونزيهة ولكنها أضافت (هناك الكثير من العمل يتعين إنجازه) . كذلك، لا يمكن إغفال الملاحظة التي سلطت عليها الصحيفة الأمريكية الضوء عن طريق الإشارة إلي أن أمريكيين كثيرين تفاجأوا ولا يخفون دهشتهم من قيام الولايات المتحدة بتوثيق علاقاتها السياسية مع مصر، بعد صعود الإسلاميين إلي قمة السلطة، لدرجة أن تأتي وزيرة الخارجية الأمريكية إلي العاصمة المصرية، وتلتقي الرئيس المصري " الإخواني " وتجري معه مباحثات حول مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية، وبناء آفاق جديدة للتعاون بين الجانبين . وفي سياق ذلك، لم تغفل الصحيفة الأمريكية أيضا الإشارة إلي موقف عدد من المصريين العلمانيين والمسيحيين ، الذين ينتقدون موقف الولايات المتحدة التي قررت " التعاون " وتوثيق العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين، والإشارة إلي غضب البعض مما أطلقوا عليه " تآمر واشنطن مع جماعة الإخوان " ومساعدتهم مباشرة في الوصول إلي قمة السلطة في مصر . إلي ذلك، هناك أهمية خاصة لإيلاء الاهتمام للتساؤل المطروح حاليا في الأجواء الأمريكية وهو : هل تؤدي " الفوضي السياسية " التي تعيشها مصر حاليا للإضرار بالعلاقات المصرية الأمريكية ؟ وهل تكفي زيارة كلينتون لمصر، ولقاءاتها مع المسؤلين والرموز المصريين لحل المشكلات التي تعتري هذه العلاقات في المرحلة الحالية؟ كان هذا هو تحديدا السؤال الذي طرحته صحيفة " لوس انجلوس تايمز " الأمريكية، وأجابت عليه من خلال الإشارة إلي أن العلاقات المصرية الأمريكية في عمومها تتأثر بثلاثة عناصر/ مشاكل رئيسية هي: 1 مشكلة الديمقراطية . 2 مشكلة إسرائيل . 3 مشكلة كراهية المصريين للسياسة الأمريكية . 2 المنظور الأمريكي يمكن مقاربة زيارة كلينتون لمصر انطلاقا من وجهتي نظر : الأولي باعتبارها خطوة تقوم بها الإدارة الأمريكية للاطمئنان علي ثوابت العلاقات المصرية الأمريكية في إطار " المصالح المشتركة " بين الدولتين، واستمرار محافظة الجانب المصري علي هذه المصالح (معاهدات السلام / أمن إسرائيل / علاقات مصر العربية / أمن الخليج / مكافحة الإرهاب ) وبحيث تضمن الولايات المتحدة ألا تؤدي التغيرات الدراماتيكية في السياسة المصرية إلي الإضرار بالمصالح الأمريكية في المنطقة . والثانية باعتبارزيارة كلينتون خطوة أمريكية للاعتراف العملي بأن ما يجري في مصر حاليا هو إعادة تشكيل للنظام السياسي المصري بالمعني الشامل، بما في ذلك، إعادة التقييم المصري لعلاقاتها الخارجية، ودورها الإقليمي، وتحديدا، مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية . وفي هذا الإطار، تعترف دوائر أمريكية بأن واشنطن تواجه مأزقا غير مسبوق في مصر، وتطرح هذه الدوائر سؤالها مباشرة علي الوجه التالي: من الطرف الذي يمسك بزمام الأمور في مصر حاليا؟ وبمنظور أمريكي بحت، تعتبر الولايات المتحدة أن ما يجري في مصر هو منافسة سياسية علي السلطة بين الإخوان المسلمين والمجلس العسكري، ولكن الطرف الذي يعرقل سير العملية الديمقراطية فهو المجلس العسكري، ويتمثل المأزق الأمريكي هنا، في إيجاد الطريقة المثلي للتعامل مع العسكريين والجيش المصري، وهو أساسا الطرف المنوط به الحفاظ علي احترام مصر لمعاهدة السلام مع إسرائيل، وحماية ترتيبات السلام (الأمريكي) في المنطقة . وكان ملفتا أن تصرح كلينتون بآراء وكلمات تدخلية في الشأن المصري بقولها بعد لقائها مع الرئيس محمد مرسي (أنها ستقنع طنطاوي بعودة الجيش إلي دوره المحض في حماية الأمن القومي، كما ستناقش معه قضية البرلمان ! ) . ولاشك أن هناك حقائق يصعب علي الإدارة الأمريكية تجاهلها، فهناك أولا الاعتراف بأن مصر كانت مفتاحا لسياسات الولايات المتحدة في المنطقة منذ عام 1970، ولكن ما كان يجري طوال 30 سنة ماضية هي محاولات مبارك المستمرة لإقناع المصريين بعدم كراهية أمريكا، وهو لم ينجح في ذلك عموما، فحسب استطلاع مركز بيو، هناك 85 % من المصريين لديهم وجهة نظر مناهضة للولايات المتحدة، و76 % لديهم نظرة سلبية عن إدارة أوباما، و25 % فقط يؤيدون إعادة انتخاب أوباما رئيسا للولايات المتحدة . وكان من المؤثر جدا علي هذه الحقائق التوتر الذي وقع مؤخرا بين القاهرة وواشنطن عندما داهمت الشرطة المصرية مكاتب عدد من منظمات المجتمع المدني التي تدعمها الولايات المتحدة للاشتباه في حصولها علي تمويل أجنبي بصورة غير مشروعة، وإحالة عدد من الأمريكيين للمحاكمة، ثم السماح لهؤلاء الأمريكيين ( فجأة ) بالسفر إلي بلادهم ، وابتلاع الاتهامات التي وجهت إليهم، فيما أثار جدلا واسعا في مصرعن مصداقية الطرف الذي يمسك بزمام الأمور علي الساحة السياسية ، والعلاقة مع السلطة القضائية، وحدود الضغط أو التهديد أو الثمن الذي دفعته الولايات المتحدة، لإنهاء القضية علي هذا النحو . وعموما، فربما يكون الأمر الذي يشغل الإدارة الأمريكية حاليا ،ويشغل أيضا دوائر غربية أخري في أوروبا هو كيفية التعامل مع رئيس إسلامي جاء من صفوف الإخوان المسلمين، وقد تولي منصب الرئاسة في مصر، وهي دولة كبري في المنطقة، ولا يسهل إغفال نوعية الحكم فيها، والقيم التي ينطوي عليها من يتولي السلطة بها . ومع ذلك، فإن معطيات الواقع تفرض نفسها، ولا مفر من التعامل مع هذا الواقع، واتفاقا مع ذلك، وجه الرئيس الأمريكي الدعوة للرئيس المصري محمد مرسي لزيارة الولايات المتحدة في سبتمبر المقبل خلال الفترة التي سيكون فيها مرسي في نيويورك لحضور أعمال وفعاليات الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة . أيضا في محاولة التوافق مع هذا الواقع، جاءت كلمات كلينتون وهي تعيد افتتاح القنصلية الأمريكية في الإسكندرية مؤكدة أن بلادها غير معنية باختيار الفائز أو الخاسر في الوصول إلي كرسي الحكم في مصر، حتي ولو كانت قادرة علي ذلك، وهي مستعدة للتعاون مع أي نظام كان، وأشارت كلينتون إلي (أنها جاءت لتستمع إلي هموم المصريين وتطلعاتهم للمستقبل، من المواطنين أنفسهم!). ولأن زيارة كلينتون لمصر جاءت في عز معمعة مسألة البرلمان المصري، وقرار الرئيس مرسي بإعادة مجلس الشعب، ثم حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية هذا القرار، ثم رجوع مرسي عن قراره وإعلانه احترام القضاء المصري، فقد تعددت تعليقات المصادر والدوائر الأمريكية علي معطيات المشهد المصري، وبدا الأمر وكأن كلينتون ستحاول أو أنها معنية برأب الصدع بين الفرقاء المصريين، وصرح مسؤل أمريكي أن كلينتون ستحث المشير طنطاوي، والرئيس مرسي، علي إجراء حوار بناء، وتفادي المواجهة التي قد تودي بالعملية الديمقراطية الجارية في مصر. وفي هذا المسار يجب ملاحظة إشارات وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية إلي مغزي قرار مرسي باستعادة مجلس الشعب المنتخب، واعتباره قرارا شجاعا علي الصعيد السياسي، وتوجيه الاتهامات للمجلس العسكري بأنه يحاول الاستحواذ علي أكبر مساحة ممكنة من السلطة، وعبرت عن ذلك مصادر أمريكية وأوروبية، ولخصت صحيفة " دي بريسة " Die Presse الألمانية الموقف بقولها ( الخط الأحمر بالنسبة لجنرالات الجيش أن تتدخل المؤسسات المدنية في شئونه، ولكن المكان الطبيعي للجيش في كل الديمقراطيات هو الثكنات العسكرية، ومن واجب الجيش طاعة أوامر السياسيين المنتخبين، وهذه القاعدة يجب أن تطبق في مصر). وبالنظر إلي الموقف الراهن في مصر بكل ملابساته، والتي واكبت أثناءها زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية، يمكن تفهم مغزي كلمات المحلل السياسي الأمريكي آرون ديفيد ميللر بمركز ودور ويلسون بقوله إن مهمة كلينتون في مصر وإسرائيل، لا تحسد عليها، خاصة أنها تأتي في وقت تتراجع فيه قدرة أمريكا علي الإقناع والتأثير علي الآخرين، فمن التحديات التي تواجه أمريكا أن أجندتها لم تعد محل إعجاب أو هيبة أو احترام بالقدر الذي تحتاجه مصالح أمنها القومي، وهكذا، تواجه كلينتون مصاعب مسار العملية الديمقراطية في مصر، وهو ما سيؤثر علي سياسات البلاد لفترة طويلة قادمة ... ويركز آرون علي ما يسميه " اضطرار كلينتون للتعامل مع إسلاميين يعتنقون قيما مختلفة عن ما تؤمن به ، وهي عموما لا تثق فيهم "، لذلك يشير آرون إلي أن لقاءها مع مرسي يحمل قدرا كبيرا من الرمزية، وحتي إذا كان لقاء كلينتون مع العسكريين أكثر سهولة، فإنها لن تستطيع إنكار قناعة إدارة والرئيس أوباما أن الجيش (وليس الإخوان) هو من يتولي تخريب الديمقراطية في مصر . 3 المدخل الاقتصادي تبدو مشكلة الولايات
المتحدة مع مصر في المرحلة الراهنة أن واشنطن تريد الحفاظ علي مصالحها من ناحية، وفي الوقت نفسه، الظهور بمظهر " المدافع " عن التقدم نحو الديمقراطية، أو دفع الديمقراطية فعلا من ناحية أخري ، في هذا البلد بعد الثورة التي شهدها والتغيير واسع النطاق الذي حدث . وكما يقول المحلل السياسي الأمريكي ستيفن كوك الخبير بمجلس العلاقات الخارجية إنه من التغييرات العميقة التي وقعت في مصر بعد سقوط مبارك أن الرأي العام المصري أصبحت له أهمية كبري، ولم يعد ممكنا تجاهله كما كان يفعل مبارك ، لذلك، لابد أن تبحث الإدارة الأمريكية عن " المدخل المناسب " للتعامل مع مصر في المرحلة الحالية، ويبدو أن الولايات المتحدة قررت التركيز بصفة رئيسية علي " المدخل الاقتصادي "، ومساعدة مصر علي عبور أزمتها الاقتصادية ،وذلك بهدف تحقيق تغيير حقيقي في العلاقات المصرية الأمريكية . من هذا المنطلق، لاحظنا أن كلينتون أثناء زيارتها لمصر أكدت حرص واشنطن علي دعم الاقتصاد المصري حتي يتجاوز الصعاب، لذلك أكدت أنها في مباحثاتها مع الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي ناقشت سبل تطبيق " الحزمة " التي وعد بها الرئيس أوباما لدعم الاقتصاد المصري، ومن ذلك، إعفاء مصر من مليار دولار من حزمة ديونها للولايات المتحدة، وتعزيز التجارة والاستثمار بين الجانبين، والعمل علي توفير الوظائف، واستعداد الولايات المتحدة لتقديم ائتمان بقيمة 250 مليون دولار لمصر، ومتابعة تأسيس صندوق الأعمال الأمريكي المصري بقيمة 60 مليون دولار كمبلغ أولي، وإرسال رجال أعمال أمريكيين لبحث آفاق الاستثمار في مصر . وفي الإسكندرية قالت كلينتون إن هذه المدينة هي المحرك الأساسي لعجلة التنمية في مصر، حيث تمثل 30 % من الاقتصاد المصري، لذلك تم إنشاء "مركز التميز" بالمحافظة والذي يعمل علي مساعدة رجال الأعمال وشباب الأعمال لتقديم خدمات عاجلة لدعم مشروعاتهم . والسؤال الآن هو : هل ينتعش التعاون الاقتصادي بين مصر والولايات المتحدة في مرحلة تولي الرئيس مرسي الرئاسة ؟ وتجيب علي ذلك صحيفة لوس انجلوس تايمز بأن واشنطن وهي تسعي للتعامل مع رجال أعمال إسلاميين، وقادة سياسيين إسلاميين، تشعر بالقلق، بالرغم من تأكدها من حاجتهم للحصول علي المعونة والاستثمارات الأمريكية، ولعل مصدر القلق هو سعي الإسلاميين لانتهاج مسارات سياسية مختلفة عن السابق، وهم أساسا يتبعون سياسات متغيرة باستمرار، ويقول مراسل الصحيفة جيفري فيلتمان إن واشنطن اضطرت لاتباع سياسة لا تخلو من التناقض والنفاق، فهي تتعامل مع الرئيس مرسي وتحثه علي احترام الحريات، ولكنها أيضا حريصة علي منح الجيش المصري مساعدات سنوية بأكثر من 1.3 مليار دولار (وبهدف الحد من سيطرة الإسلاميين علي السلطة) وكذلك لحصولها علي وعد من الجيش باحترام معاهدة السلام مع إسرائيل . هنا، نجد أن القلق الذي يعتري بعض الدوائر في مصر يتعلق بما يمكن أن يثمره التعاون الاقتصادي بين واشنطن ورجال أعمال إسلاميين أو سلفيين، خاصة أنه لم تحسم بعد كل الإشكاليات المتعلقة بالمعونة الأمريكية، التي لم تضف أي قيمة حقيقية للاقتصاد المصري، وبإجماع مصادر اقتصادية وبحثية، أهدرت هذه المعونة الكثير من الطاقات المصرية، واستبدلت بها طاقات أمريكية، وأضاعت علي مصر مئات الآلاف من الدولارات، ولم تضف المعونة تميزا حقيقيا لمصر في الأسواق الأمريكية، وارتبطت بدفع مصر لمزيد من التبعية لدرجة تسببت في الإخلال بالكثير من المقومات السياسية والاقتصادية المصرية، ويمكن القول علي سبيل المثال إن المساعدات الأمريكية في المجال الزراعي لم تكن في صالح الاقتصاد الزراعي المصري علي الإطلاق ، وهناك مخاطر جديدة ترتبط بخطط الاقتراض، والديون، وفي المحصلة تؤكد دوائر مصرية أن الاستغناء عن المعونة الأمريكية، يعيد لمصر استقلالية قرارها الاقتصادي بما يتفق بالدرجة الأولي مع مصالح مصر العليا ومصالح شعبها، سياسيا واقتصاديا. وفي الوقت نفسه يتردد أن الولايات المتحدة تعلم كل تفاصيل الاقتصاد المصري، وتعرف نقاط قوته ومكامن ضعفه، كما تعرف العناصر الفاسدة التي أبرمت صفقات نهب الموارد المصرية، وتابعت صفقات بيع النفط والغاز المصري بأسعار رمزية لإسرائيل، وكانت تربط قدرات مصر الاقتصادية واحتمالات تقدمها بما تقدمه من " ولاء " سياسي واستراتيجي للمصالح الأمريكية والإسرائيلية، فماذا عن " المنحة " الاقتصادية الجديدة التي تطرحها الولايات المتحدة ؟ 4 كلينتون.. وإسرائيل يبدو أن المصريين عندما قاموا بثورتهم، كان ذلك يتعلق بالدرجة الأولي بالسياسة الداخلية، ولم يكن يتعلق بدرجة كبيرة لا بأمريكا ولا بإسرائيل، ومع ذلك، فلابد من ملاحظة أن الولايات المتحدة وبالتبعية إسرائيل كانت دوما من العناصر " السلبية والمهمة " في السياسة المصرية، كما أن الثورة المصرية تتعلق بصفة خاصة بهدف أساسي هو " التمكين الوطني " . كان هذا هو التحليل الذي توصل إليه المحلل السياسي ستيفن كوك تحت عنوان كبير هو " تراجع النفوذ الأمريكي في مصر " بعد ثورة يناير 2011 . وفي السياق، فإن دوائر عديدة في مصر والولايات المتحدة ربطت بين زيارة كلينتون لمصر، ومصير معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في عهد " الإسلاميين "، وعلق مسئول أمريكي بقوله " تواجه الولايات المتحدة تحديا دبلوماسيا متعدد الأبعاد، فهناك التعاون الاستراتيجي مع مصر، ومصير معاهدة السلام مع إسرائيل، وحرية المرور في قناة السويس، ومع ذلك، تدعو إلي الديمقراطية في بلد أصبحت فيه القوة المهيمنة هي حزب إسلامي". ويقول مساعد في الكونجرس الأمريكي إن " واشنطن ستكون مستعدة للتعامل مع الإخوان المسلمين ماداموا يتصرفون بشكل ديمقراطي، وبدون إقصاء لأحد، وبدون تخطي الخطوط الحمراء في موضوع معاهدة السلام مع إسرائيل وقناة السويس". واستطرادا، يلاحظ أن عناصر من المحافظين المتشددين في تأييد إسرائيل داخل مجتمع السياسة الخارجية الأمريكية يبدون درجة كبيرة من التشكك والتردد فيما يتعلق بالتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين نظرا لتصريحات سابقة من عناصر في الجماعة تطالب بإعادة النظر في معاهدة السلام، والتعهد بتطبيق الشريعة الإسلامية في مصر، وانتقادات معلنة ضد إسرائيل . وفي ذلك يردد البعض كيف أن جماعة الإخوان المسلمين وإن كانت قد نبذت العنف، (ولكن تذكروا أنه خرجت من عباءتها جماعات مثل حماس وتنظيم القاعدة ) ، وهناك في الإدارة الأمريكية من يشدد علي غموض بعض فصول تاريخ الجماعة. كما أن بعض أعضائها ممنوعون من دخول الولايات المتحدة، ولكن علي الجانب الآخر، ولأسباب براجماتية بحتة في السياسة الأمريكية، هناك من يركز علي عدم انقطاع الاتصالات في السنوات الأخيرة بين عناصر في السياسة والإدارة الأمريكية وجماعة الإخوان المسلمين بطريقة غير رسمية، قبل وبعد ثورات الربيع العربي، فضلا عن اتصالات تجري علي الصعيد الرسمي، وأخيرا هناك من يؤكد أنه لو كان وصول الإسلاميين إلي السلطة في مصر بمثابة تطور طبيعي في السياسة المصرية، فيتعين علي الولايات المتحدة مواكبة هذا التطور، والتعامل معه، خاصة، أن هناك ضمن جماعة الإخوان المسلمين، عناصر معتدلة يمكن التعامل معها بسهولة . وفي العموم، لا مراء أن جزءا كبيرا من مهام زيارة كلينتون لمصر، ولقاءاتها مع دبلوماسيين وسياسيين ورموز مصرية، تعلق بمستقبل العلاقات بين مصر وإسرائيل، ويصل ذلك إلي الهم الأمريكي المباشر في ظل سقوط الحليف حسني مبارك، وتولي رئيس إخواني الحكم في مصر، وعندما وصلت كلينتون إلي إسرائيل بعد انتهاء زيارتها لمصر، شرعت في طمأنة القادة الإسرائيليين، مشيرة إلي انطباعها بعد لقاء الرئيس المصري ،بأنه " لن يقدم علي خطوات تضعضع معاهدة السلام " لأنه من وجهة نظرها، أن مرسي غارق في الشأن المصري الداخلي، الذي يحتل الأولوية الأولي في سلم اهتماماته، ويبدو أن خطة الطمأنة الأمريكية لإسرائيل أتت بثمارها، لأنه في اليوم التالي مباشرة أعرب الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز عن أمله في لقاء الرئيس محمد مرسي قريبا و"مواصلة " الحوار مع مصر، وفي الوقت نفسه، كانت صحيفة لوس انجلوس تايمز الأمريكية تقول بصورة تبدو أشبه بالتحذير " إن العلاقات الحميمة التي استمرت بين مصر والولايات المتحدة كانت نتيجة مباشرة لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وبدون أنور السادات ومناحيم بيجين، لم تكن هناك أي مساعدة عسكرية واقتصادية لمصر، منذ اتفاقيات كامب ديفيد في عام 1978، ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في عام 1979 " . 5 محصلة مستقبلية من الممكن القول إن زيارة كلينتون لمصر وإسرائيل، انطوت عموما علي " ثوابت مستقبلية" علي عدة مستويات: أولا علي مستوي الداخل المصري، تبدو كلينتون وكأنها جاءت برسالة أمريكية تمكنت بالفعل من توصيلها علي أحسن وجه، كما حصلت علي "طمأنة واعدة" بشأنها علي أعلي مستوي يمكن الوصول إليه . وفي هذا الصدد، تتعدد المؤشرات علي ما يفهم أمريكيا علي أنه " حكمة السياسة المصرية " في مراعاة المصالح والعلاقات داخليا وإقليميا وعالميا، وبما يعكس (الدور الأمريكي الجيد في ضبط بوصلة التغييرات الجارية في مصر). هنا، تبدو الصورة وكأنها باتفاق ضمني أقرت وضعا مصريا يرضي جميع الأطراف، ومن ملامح هذه الصورة، وجود حكومة مدنية مصرية تقوم بتدبير الشأن المصري الداخلي، وترتيب البيت المصري من الداخل، مقابل أن يضطلع الجيش المصري بحماية المصالح (المشتركة) لمصلحة كل الأطراف، مع استبعاد أية مراجعات مقلقة، وفي ذلك ليس ثمة أضرار كبيرة فيما لو استمرت في الساحة المصرية المناقشات وصراعات التغيير ومنافسات السلطة في مصر، طالما أنها تجري داخل الحدود المسموح بها . ثانيا: علي مستوي المصالح الأمريكية المباشرة، يقول روبرت فسك " يعيش «الإخوان المسلمون» أول شهر عسل مع الأمريكان لم يحلم به حسن البنا وأولاده " فيما يضمر هذا القول "الرعاية الخاصة" التي يوفرها القطب العالمي الأعظم للإخوان المسلمين بعد أن توصل أخيرا للصيغة التي تحمي مصالحه في المنطقة في ظل ما يعترف به علي أنه نموذج "الإسلام المعتدل". وفي السياق يأتي الحرص علي إظهار نجاح الإسلاميين اقتصاديا، ومنحهم التسهيلات اللازمة، ولا بأس من تعاون مصري سعودي يقرب بين الشركاء في هذا المشروع الإسلامي المعتدل. إن الشريك الأمريكي يجتهد من أجل الاستمرار في " مركز القوة " ولمواجهة المزيد من التآكل في مقومات هذه القوة تحت وطأة ظروف دولية سياسية واقتصادية واستراتيجية، استكملتها ثورات " الربيع العربي " التي أزاحت القطب الدولي عن مركز نفوذه التقليدي نسبيا . ثالثا: علي مستوي مستقبل الفكرة الديمقراطية (باعتبارها محور الحركة السياسية مصريا وعربيا في المرحلة الحالية) تلمح دوائر ومصادر أمريكية إلي أنها ربما تكون " عنصر الحسم الرئيسي " في تطورات العلاقات المصرية الأمريكية، وفي ذلك يقول المحلل السياسي ستيفن كوك محذرا واشنطن أنها لابد أن تدخل في حسبانها " احتمالات التعامل مع مصر جديدة تماما في المستقبل، وربما مصر ديمقراطية ، وأن أية اتفاقات جانبية لا تستند إلي هذه الحقيقة قد لا تكون ممكن. أما جاكسون ديل فقد كان أكثر وضوحا وحدة في تحليله للموقف الأمريكي بقوله " إن لعبة الأكروبات التي تمارسها إدارة أوباما بين الإخوان والعسكر في مصر لن تزيد الموقف سوي إرباكا، وأمام واشنطن فرصة نادرة لا تعوض لتصحيح أخطاء الماضي حينما كانت تشتري الولاء الاستراتيجي والسلام مع إسرائيل بالمعونة العسكرية والاقتصادية. ثم يقول جاكسون ديل " صحيح أن العسكر والإخوان لديهم حاليا أغلبية أوراق اللعبة، ولكن أيا منهما ليس هو الطرف الذي يصلح ليكون شريكا قويا ودائما للولايات المتحدة ويعتمد عليه بمرور الوقت، وإنما أصدقاء أمريكا الحقيقيون هم الديمقراطيون العلمانيون، وأبناء الطبقة المتوسطة الناشئة، الذين تم إخراجهم قسرا من الصورة، ولكنهم يظلون مركز الأمل الأكبر لمصر علي المدي البعيد".

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.