"سياحة الشيوخ" توصي بضرورة تفعيل المنتج السياحي "العمرة بلس"    يحيى الفخرانى يطالب بقانون لضبط استخدام الذكاء الاصطناعى فى عمل الفنانين    واشنطن تدعو مجلس الأمن للتصويت على مشروع قرار يدعم مقترح الهدنة فى غزة    تصفيات مؤهلة لكأس العالم.. جدول مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    الأرصاد: طقس اليوم الاثنين حار نهارا معتدل ليلا.. والعظمى بالقاهرة 36    حزمة إجراءات.. التعليم تكشف الاستعدادات لتأمين امتحانات الثانوية العامة    تركي آل الشيخ يعلن مفاجأة عن فيلم ولاد رزق ويوجه رسالة لعمرو أديب    الزمالك: شيكابالا أسطورة لنا وهو الأكثر تحقيقًا للبطولات    استشهاد عدد من الفلسطينيين جراء قصف إسرائيلي لمنزل في غزة    ترامب يطالب بايدن بإجراء اختبار لقدراته العقلية والكشف عن وجود مواد مخدرة في جسمه    المجر.. حزب أوربان يحتفظ بالصدارة ويفقد مقاعد بانتخابات البرلمان الأوروبي    الكشف على 1346 مواطنا خلال قافلة طبية مجانية بقرية قراقص بالبحيرة    المنوفية في 10 سنوات.. 30 مليار جنيه استثمارات خلال 2014/2023    أمر ملكى سعودي باستضافة 1000 حاج من ذوى شهداء ومصابى غزة    يمينية خالصة.. قراءة في استقالة "جانتس" من حكومة الحرب الإسرائيلية    شقيقة كيم تتوعد برد جديد على نشر سيول للدعاية بمكبرات الصوت    آخر تحديث.. سعر الذهب اليوم الاثنين 10-6-2024 في محلات الصاغة    النقل تستعرض أعمال تطوير ميناء العين السخنة (فيديو)    ميدو: مباراة بوركينا فاسو نقطة تحول في مسيرة حسام حسن مع المنتخب    ليفربول يعلن إصابة قائده السابق ألان هانسن بمرض خطير    خالد البلشي: تحسين الوضع المهني للصحفيين ضرورة.. ونحتاج تدخل الدولة لزيادة الأجور    "ده ولا شيكابالا".. عمرو أديب يعلق على فيديو مراجعة الجيولوجيا: "فين وزارة التعليم"    الحكم على طعون شيري هانم وابنتها على حبسهما 5 سنوات.. اليوم    «لا تنخدعوا».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم في مصر (موجة حارة شديدة قادمة)    «كنت مرعوبة».. الفنانة هلا السعيد عن واقعة «سائق أوبر»: «خوفت يتعدي عليا» (خاص)    دعوة للإفراج عن الصحفيين ومشاركي مظاهرات تأييد فلسطين قبل عيد الأضحى    53 محامٍ بالأقصر يتقدمون ببلاغ للنائب العام ضد عمرو دياب.. ما القصة؟| مستند    لميس الحديدي: عمرو أديب كان بيطفش العرسان مني وبيقنعني أرفضهم قبل زواجنا    ضمن فعاليات "سيني جونة في O West".. محمد حفظي يتحدث عن الإنتاج السينمائي المشترك    ضياء رشوان ل قصواء الخلالي: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسُحقنا    هؤلاء غير مستحب لهم صوم يوم عرفة.. الإفتاء توضح    عند الإحرام والطواف والسعي.. 8 سنن في الحج يوضحها علي جمعة    أدعية مأثورة لحجاج بيت الله من السفر إلى الوقوف بعرفة    دعاء رابع ليالي العشر من ذي الحجة.. «اللهم اهدني فيمن هديت»    البابا تواضروس يصلي عشية عيد القديس الأنبا أبرآم بديره بالفيوم    وصفة سحرية للتخلص من الدهون المتراكمة بفروة الرأس    عددهم 10 ملايين، تركيا تفرض حجرًا صحيًا على مناطق بالجنوب بسبب الكلاب    الانفصاليون الفلمنكيون يتصدرون الانتخابات الوطنية في بلجيكا    برقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في القاهرة والمحافظات (رابط متاح للاستعلام)    تحرير 36 محضرا وضبط 272.5 كيلو أغذية منتهية الصلاحية بمدينة دهب    عمر جابر يكشف كواليس حديثه مع لاعبي الزمالك قبل نهائي الكونفدرالية    بمساحة 3908 فدان.. محافظ جنوب سيناء يعتمد المخطط التفصيلي للمنطقة الصناعية بأبو زنيمة    المستشار محمود فوزي: أداء القاهرة الإخبارية مهني والصوت المصري حاضر دائما    حلو الكلام.. إنَّني أرقص دائمًا    مقتل مزارع على يد ابن عمه بالفيوم بسبب الخلاف على بناء سور    رئيس منظمة مكافحة المنشطات: رمضان صبحى ما زال يخضع للتحقيق حتى الآن    عمر جابر: سنفعل كل ما بوسعنا للتتويج بالدوري    اتحاد الكرة يكشف تطورات أزمة مستحقات فيتوريا    تعرف على فضل مكة المكرمة وسبب تسميتها ب«أم القرى»    "صحة الشيوخ" توصي بوضع ضوابط وظيفية محددة لخريجي كليات العلوم الصحية    نقيب الصحفيين: نحتاج زيادة البدل من 20 إلى 25% والقيمة ليست كبيرة    القطاع الديني بالشركة المتحدة يوضح المميزات الجديدة لتطبيق "مصر قرآن كريم"    عوض تاج الدين: الجينوم المصرى مشروع عملاق يدعمه الرئيس السيسى بشكل كبير    مصر في 24 ساعة| لميس الحديدي: أصيبت بالسرطان منذ 10 سنوات.. وأحمد موسى يكشف ملامح الحكومة الجديدة    لميس الحديدي تكشف تفاصيل تهديدها بالقتل في عهد الإخوان    شعبة الدواجن: حرارة الجو السبب في ارتفاع أسعارها الأيام الماضية    محافظ المنوفية يفتتح أعمال تطوير النصب التذكاري بالباحور    الطالبات يتصدرن.. «أزهر المنيا» تعلن أسماء أوائل الشهادة الإعدادية 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد عودته إلي عرش الكرملين .. بوتين يشكل حكومة من أخلص رجاله لتستمر سيطرته علي مفاتيح السلطة في روسيا
نشر في القاهرة يوم 05 - 06 - 2012

عندما قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ أيام بتعيين وزراء جدد في الحكومة الروسية الجديدة، فإنه اختار عددا من الشخصيات الموالية له، وممن خدموا معه لسنوات طويلة، سواء عندما كان رئيسا لروسيا في المرحلة الأولي 2000 2008، أو عندما جاء رئيسا للحكومة من 2008 2012، وذلك لمواصلة مسيرته السياسية لست سنوات جديدة رئيسا للبلاد. وكان "رجل روسيا القوي" قد أعيد انتخابه رئيسا لروسيا في مارس الماضي، وتسلم مهام منصب الرئاسة في مايو الماضي، وتبادل مع ميدفيديف مرة أخري منصبيهما، ليصبح الأخير رئيسا للحكومة مجددا، مما وصفته دوائر روسية بأنه لا يعدو أن يكون " تقاسما للمناصب داخل نفس الفريق "، مما أثار غضبا في الأوساط الشعبية وسخطا لدي فئات روسية عديدة، واحتجاجات علنية ، كما تشكلت عدة جماعات وحركات مناوئة للحكم، تجهر بالمعارضة وحشد المؤيدين، وهي أنشطة مرشحة للتزايد، ومضاعفة تأثيرها الرافض لصيغة الحكم الملفقة في البلاد. وفي محاولة من جانب الرئيس فلاديمير بوتين لامتصاص المعارضة والغضب الشعبي، فقد أعلن بعد أدائه اليمين الدستورية أن ولايته الجديدة ستحدد مصير البلاد لعدة عقود، وأن هناك مهمات وطنية صعبة، وأن السنوات المقبلة ستكون حاسمة لمصير روسيا، " ووعد بوتين بتعزيز الديمقراطية "، وأقسم علي احترام حقوق وحريات الشعب الروسي. لعبة السلطة مع عودة بوتين إلي الرئاسة ، والتدخلات التي قام بها لتعيين أعوانه في المناصب الحكومية، يفرض سيد الكرملين سيطرته علي جميع مفاصل السلطة ومفاتيح القرار في الحياة السياسية في روسيا ، وقد دفعت التعيينات التي تمت إلي وصف " الديوان الرئاسي " بأنه تحول إلي حكومة أعلي من الوزراء، مما يمكنها من فرض سيطرتها علي جميع مناحي الحياة. وفضلا عن تولي ميدفيديف منصب رئيس الوزراء، فقد أصبح وزير الداخلية السابق رشيد نورغالييف، الذي شهدت الأشهر الأخيرة من ولايته فضيحة كبري حول التعذيب في دوائر الشرطة، منصب الأمين العام المساعد لمجلس الأمن القومي، وعين سيرجي إيفانوف النائب السابق لرئيس الوزراء، رئيسا للإدارة الرئاسية، كما عين بوتين في مناصب عليا في الرئاسة الوزراء السابقين إيجور ليفيتين (النقل)، ألفيرا ليبيولينا (التنمية الاقتصادية)، أندريه فورسينكو (التربية)، تاتيانا غوليكوفا (الصحة)، إيجور تشيجوليف (الاتصال). ويلاحظ أن فوز بوتين في الانتخابات من الجولة الأولي، وبدون المرور بجولة ثانية كانت ستهز من مركزه كزعيم، وتحقيقه النصر بحوالي 64% من أصوات الناخبين، أي مايقرب من 46 مليون صوت، كل ذلك جعل من صعود بوتين إلي سدة الرئاسة مجددا صعودا مدويا، حتي بالرغم من صيحات المعارضة والاتهامات بتزوير الانتخابات، فإن بوتين يبدأ فترة رئاسته الثالثة التي بدأ مهامها في مايو الماضي علي قاعدة ثابتة من الثقة، مستندا إلي شعبية مفترضة، يمنحها إياه من يعتقدون أنه " الزعيم الوطني " الذي حقق الاستقرار لروسيا، بعد كارثة سنوات التسعينات، ويشدد بوتين نفسه علي فكرة أن سنوات توليه الرئاسة الأولي كانت لتمهيد الوطن للمرحلة الجديدة من البناء التي سيشرع فيها مع توليه قيادة روسيا مجددا "لولوج أبواب المستقبل الجديد"، ويعتقد بوتين أن نسبة الأصوات المرتفعة التي نالها هي تصويت شخصي له وليس تصويتا لحزب "روسيا الجديدة" مما يترتب عليه مسئولية شخصية تجاه الناخبين، وتحديدا تجاه الطبقة المتوسطة، والنخب الفكرية المنتمية إليها، والتي تعتبر المصدر الرئيسي للاحتجاجات الشعبية التي تصاعدت ضد بوتين خلال العام الماضي. ولكن عودة الكرملين إلي بوتين مجددا لم تكن بالحدث البسيط علي المستويين المحلي والعالمي، فعلي مستوي الداخل الروسي، هناك وسائل الإعلام التي هللت، ورفعت شعارات صاخبة علي غرار ( بوتين طوال الحياة، وبوتين للأبد، وبوتين ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا)، لكن في المقابل هناك المتشائمون حيث قالت صحيفة نوفايا جازيتا (روسيا تسير كما هي حتي عام 2024) وتفصيلا قالت الصحيفة (بوتين وميدفيديف ومسئولون روسيون أصيبوا بالشيخوخة التي تذكرنا بالقادة السوفييت القدامي)، وتعني عودة بوتين استمرار سيطرة عملاء المخابرات الروسية علي الحياة السياسية. وكانت المجلة الاقتصادية فيدوموستي أكثر تعبيرا عن المشكلة الروسية الراهنة بقولها إنه بالرغم من شعبية بوتين، فإن تبادل الكراسي بين بوتين وميدفيديف لا يعطي إشارة إلي المسئولين لحل مشكلات الدولة، حتي علي المدي البعيد، فالصفوة الذين يحتلون الكراسي يختارون الحلول البسيطة والسهلة ليظلوا في السلطة، ولتظل المشاكل تتفاقم. أما صحيفة موسكو فسكي كوموسموليه فقد ركزت علي قضية " الاكتئاب السياسي " التي تصيب الشعوب عندما تظل لسنوات طويلة تطالع نفس الوجوه السياسية، مما يعني أن بوتين سيواجه مشكلة عميقة خلال السنوات المقبلة بغض النظر عن موضوع الشعبية، وأيا كانت الإنجازات. ولم يكن المتشائمون في الخارج أقل صراحة حيث أكدت صحيفة الأوبزرفر البريطانية أن عودة بوتين للرئاسة " نقطة سوداء للديمقراطية الروسية "، وأضافت الوول ستريت جورنال الأمريكية أن عودة بوتين تعني انزلاق روسيا إلي مرتبة " الدولة البوليسية " ولم يغير من الصورة محاولات البيت الأبيض التركيز علي ما أطلق عليه المصالح العليا في العلاقات الروسية الأمريكية، بغض النظر عن شخص الرئيس. النموذج الروسي في لقاء أجراه بوتين مع مجلس التنسيق للجبهة الشعبية التي اعتمد عليها في الانتخابات الرئاسية، أكد الرئيس أنه يعتزم تغيير النظام السياسي في روسيا لأنه لم يعد يستجيب لمتطلبات السلطة والمجتمع. وفي تعليق لمصدر تابع لديوان رئيس الدولة جاء ما يفيد الاعتقاد بأن النظام السياسي في حاجة ماسة للتغيير، فالأحزاب لم تعد قادرة علي استقطاب الناخبين، وينطبق هذا علي الحزب الحاكم، حزب روسيا الموحدة، بدليل أنه خسر معركة الانتخابات المحلية في عدد من المدن الروسية والتي جرت في يوم الانتخابات الرئاسية أي في 4 مارس. إلي ذلك، رأي بعض الخبراء السياسيين إمكانية تحويل " الجبهة الشعبية " من حركة اجتماعية إلي حزب سياسي، يقود المنافسة ضد حزب روسيا الموحدة، علي أن يتزعم بوتين هذا الحزب الجديد، وبالتالي يمكن أن يصبح حزب الجبهة الشعبية حزبا حاكما. ويلاحظ أن ميدفيديف قبل تركه الرئاسة، كان قد وقع علي قانون يسهل إجراءات تأسيس وتسجيل الأحزاب الجديدة، ووفقا لبعض المحللين، يؤدي تطبيق القانون إلي زوال ما يطلق عليه "المعارضة غير المدجنة" أو المعارضة من خارج السلطة، وذلك لأن بوتين سيدخل في علاقة "تعاون" مع أحزاب الموالاة وأحزاب المعارضة علي حد سواء، من خلال الجبهة الشعبية. وعلي حسب المحلل السياسي ألكسي موخين، فإن دخول بوتين في علاقة تعاون مع المعارضة خارج السلطة، سيمكنه من "تحديث صورته" ليظهر فيها "بوتين الجديد". ويمكننا تتبع ما يجري في عقل الرئيس بوتين بالنسبة للنظام السياسي في روسيا من خلال ما قاله بعد تسلمه مهام الرئاسة، حيث أكد أن ولايته الرئاسية الجديدة لن تكون مختلفة عن سابقتها (لأن فلاديميروفيتش بوتين ليسا اثنين بل شخصا واحدا) علي حد تعبيره، ودافع بوتين عن النظام السياسي الراهن في روسيا معللا ذلك بأنه لا يوجد النظام السياسي المثالي، و أنه يدرك المثالب البنيوية في النظام الروسي، ولكن هناك القواعد الثابتة التي لن تتغير، وهي حب الوطن، والعمل علي تحسين حال الشعب داخليا وخارجيا. وعموما، فإن بوتين يردد في مناسبات عديدة أنه "لابد من تجديد الديمقراطية الروسية"، وهو يدرك تماما تنامي المعارضة الشعبية، وخاصة بين الشباب الذين يستخدمون وسائط الاتصالات التكنولوجية الحديثة، مما جعل المناخ السياسي في روسيا يختلف عن السنوات السابقة، ويكتب بوتين في مقالاته ينبغي أن يشعر الناس بأغلبيتهم أنهم مواطنون، وأن يكونوا مستعدين ومتيقظين علي الدوام للمشاركة في الحكم، وقد دعا بوتين إلي إلزام البرلمان بمناقشة أية عريضة شعبية تجمع 100 ألف توقيع علي الإنترنت، وشدد علي ضرورة إجراء انتخابات مباشرة للمحافظين المحليين، وهو نظام قام هو نفسه بإلغائه في عام 2004 لدواع أمنية. ولكن المحللين السياسيين يرون أن تصريحات بوتين وهو يتولي فترة رئاسية ثالثة، ليست أكثر من «تطمينات وقتية» للناس، لأنه هو المسئول عن إنشاء النظام السياسي الروسي شديد المركزية، وتقول ليليا شيفتسوفا من مركز كارنيجي في موسكو " إن أفكار بوتين هي تجميلية ولا تؤدي إلي المساس بمبدأ احتكار السلطة "، كما يعتبرها المحلل المستقل ديمتري أورشكين " أفكارا شعبوية خالصة لأغراض انتخابية "، ويضيف أن بوتين يعلم أن شيئا ما يتغير في المجتمع الروسي، وهو يستخدم تصريحات مرنة لهذا السبب. وعموما، فإن السمة العامة للنموذج السياسي الروسي تجعله يدخل في عداد أنظمة "الديمقراطية الموجهة" أو أنظمة "الديمقراطية الشكلية" حيث يتوافر فيها للنظام السياسي انتخابات دورية تبدو محكمة في الظاهر، ودستور وبرلمان، وكذلك بعض مظاهر التعددية السياسية المحكومة، ومساحة محدودة من حريات التعبير، وبعض الحريات والحقوق للاستهلاك الخارجي، لكن بدون معارضة سياسية حقيقية، وبدون أن يشعر الناس بالقدرة علي التأثير علي النظام، وقد قام بوتين بتأمين شبه كامل للسلطة من أي تهديد فعلي، ليغدو النظام محكما، وكان أثناء فترة رئاسته قد أجري تغييرات جذرية في النظام الانتخابي حيث منع المرشحين المستقلين والأحزاب الصغيرة من دخول البرلمان، وأخضع الأقاليم للسلطة المركزية، وبذلك امتلك بوتين جميع مفاتيح النظام ودوائر السلطة، سواء تولي منصب رئيس الوزراء، أو كان رئيسا للبلاد، وفي الأوقات التي يحددها هو بدون أي تدخل من جانب القوي السياسية. التحدي السياسي من المقولات المعبرة التي جاءت علي لسان ميخائيل جورباتشوف الزعيم السابق للاتحاد السوفييتي الذي تفكك بعد 1991، عبارة مهمة يقول فيها "لقد حان وقت التغيير في روسيا، وسوف تكون السنوات الخمس القادمة حاسمة إذا لم تنجح البلاد في استغلال الفرصة ودمقرطة المجتمع، وإلا ستظل روسيا متخلفة إلي الأبد". أما عن الفرصة التي يتحدث عنها جورباتشوف فإنها تعني في المقام الأول مدي إمكانية نجاح الزعيم العائد إلي الكرملين في مواجهة التحديات السياسية التي لا مناص من مواجهتها، وفي مقدمتها المعارضة المتنامية علي المستوي الشعبي من ناحية، وعلي مستوي القوي السياسية الناشئة من ناحية أخري. فهناك علي سبيل المثال المعارض بروخوروف الذي نجح في نيل ثقة نحو 8 % من أصوات الناخبين، ومن المحتمل أن ينجح بروخوروف في حشد المؤيدين بصورة أكبر في وقت لاحق وخاصة من بين المحتجين علي بوتين، والمهم أنه يحظي بتأييد أحد أهم الرموز اليمينية التي طردت من إدارة بوتين / ميدفيديف الجديدة وهو وزير المالية السابق أليكسي كودرين الذي أكد أنه لا يمكنه العمل في حكومة يرأسها ميدفيديف، ويأتي ذلك في ضوء متغيرات جديدة في روسيا تتمثل في جيل جديد من الشباب يريد أن يأخذ نصيبه من الممارسة السياسية، وبالتالي التأثير في صيغة الحكم التي يقبض عليها بوتين. ويبدو أن أفكار بروخوروف الشبابية تجذب شرائح واسعة من اليمين والوسط، حيث يميل إلي فكر إصلاحي متدرج بدون مصادمات، وتؤكد الشواهد علي أن توجهاته يمكن أن تحظي بتأييد اليساريين، خاصة مع انخفاض شعبية الزعيم الشيوعي جينادي زيوجانوف، كما يمكن أن يحظي بتأييد الليبراليين مع تراجع شعبية زعيمهم فلاديمير جيرينوفيسكي. في الوقت نفسه، يواجه بوتين تصاعدا في المعارضة السياسية علي المستوي الشعبي، فهناك الحراك السياسي والتململ الواضح خاصة بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 4 ديسمبر 2011، وتردد أنها انطوت علي تزوير فاضح لصالح الحزب الحاكم، والمظاهرات المتقطعة التي شهدتها البلاد للتنديد بالتزوير والتلفيق السياسي السافر في روسيا، وقد وصفت الباحثة الروسية ليليا شيفتسوفا الاتفاق بين بوتين وميدفيديف بأنه " سادية من قبل السلطة في حق الشعب " وأن ما حدث يفقد السلطة شرعيتها، فالفريق الحاكم يعتزم البقاء في السلطة حتي الموت، وأكدت الباحثة الروسية أن ما يجري يفتح الباب للمعارضة الشبابية علي الإنترنت أمام الشباب ومتوسطي العمر وهي فئات يسودها الغضب بعد تبادل السلطة علي طريقة بوتين وكأن الشعب الروسي " مجموعة من
الخراف". ويبدو أن سلطة بوتين ونظامه السياسي يواجه حراكا سياسيا وحزبيا ومعارضة متنامية من جانب الحركات السياسية، وشباب الجامعات وطلاب المدارس، بما يعكس درجة لا تغفل من " التذمر الشعبي " المجتمعي الذي تختمر تفاعلاته علي طريقة " الربيع العربي". ويري عدد من الباحثين الروسيين أن " أزمة الديمقراطية الموجهة في روسيا حتمية " خاصة مع تصاعد معاناة المواطنين من التضييق علي الحريات والحقوق، والرقابة علي الصحافة. أقام الرئيس فلاديمير بوتين جميع حساباته لمواجهة التحدي الاقتصادي والاجتماعي في روسيا علي أساس بقاء أسعار النفط علي مستواها المرتفع، وبناء علي ذلك تضمن برنامجه الانتخابي الكثير من الوعود لكسب رضا الناخبين، مثل زيادة الرواتب والأجور والمعاشات والإعانات الاجتماعية، ويبدو أن أكبر مشكلة اقتصادية يمكن أن تقلب خطط بوتين رأسا علي عقب هي أن ينخفض سعر النفط إلي أقل من 70 دولارا للبرميل. بوتين.. والعالم يبدأ الرئيس بوتين فترة رئاسته الثالثة لروسيا بتأكيده الصريح علي الملأ علي "إعادة روسيا لمكانتها العالمية كقطب رئيسي في الشأن العالمي وفي مواجهة القوي العظمي"، وفي ذلك، يستخدم بوتين أقوي الكلمات في خطابه لينفي نفيا قاطعا إعادة روسيا لمركز الدولة الثانية التي لا يتم استشارتها في تدبير أمور العالم، أو اتخاذ القرارت (من وراء ظهرها). ووفقا لرؤية بوتين في تحقيق هذا الهدف فإنه لابد من "إعادة تسليح روسيا جذريا" والتخلي عن المعتقد القديم بأن سياسات التسلح أثناء فترة الاتحاد السوفييتي السابق تسببت في إرهاق الدولة اقتصاديا، فبدلا من ذلك، يري بوتين أن القوات المسلحة الروسية، المزودة بأحدث الأسلحة، تضمن لروسيا المكانة العالمية، وتؤمن الدولة من كل الأخطار المحتملة. وبناء علي ذلك، فالخطة تقتضي عدم التخلي عن قدرات الردع الاستراتيجي، بما في ذلك السلاح النووي والغواصات والصواريخ العابرة للقارات، والسفن القتالية والطائرات الحديثة والمروحيات والدبابات والإعلان عن أكبر برنامج تسلح روسي حتي لو أدي ذلك إلي زيادة النفقات بحوالي 700 مليار دولار. وينطلق بوتين في سياسته الخارجية من قاعدة "استعادة بناء الأراضي الروسية الشاسعة من البلطيق إلي المحيط الهادي، واستعادة القدرة علي استقطاب كل أوراسيا"، وبناء عليه صدرت التعليمات لوزارة الخارجية الروسية بالعمل علي أن تكون روسيا " شريكا واضحا وشفافا في المجتمع الدولي "، وتفصيلا، يتوجه الجهد السياسي والدبلوماسي للكرملين لكل مناطق العالم، بدءا من أزمات الشرق الأوسط، والتدخل الروسي لحل مشكلة النزاع النووي الإيراني، والبرنامج النووي الكوري، وعلاقات الصداقة والتعاون مع الدول الأفريقية، فضلا عن اهتمام رئيسي بدول الجوار الآسيوي الرئيسية (الصين والهند)، وذلك علي أساس نهج سياسي عام يتمثل في : العمل الجماعي ، وإعمال القانون الدولي، وتعزيز دور الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وحماية سيادة الدول من التدخل الدولي، خاصة التدخلات الأمريكية، ووفقا لمبدأ أساسي يتمثل في حماية المصالح الاستراتيجية العليا لروسيا، والاحترام المطلق لسيادتها الوطنية، وإعادة روسيا إلي مكانة الدولة العظمي علي الساحة العالمية. ووفقا لتصريحات بوتين بعد توليه الرئاسة الثالثة، فإن الخط السياسي العام لروسيا في المرحلة القادمة يتوقع له أن يسير في اتجاهات متوازية علي النهج التالي: 1 الاقتناع بأن سياسة الولايات المتحدة وحلف الناتو أدت إلي " تسمم " العلاقات الدولية لذلك يقف بوتين بقوة في وجه التدخلات الغربية في مشكلات العالم (سوريا نموذجا)، كما يندد بوتين بما يطلق عليه "التدخل الدولي من أجل فرض الديمقراطية"، ويتهم بوتين الولايات المتحدة والناتو بتهديد الأمن القومي لروسيا مباشرة عن طريق مشروع الدرع الصاروخي المزمع نشره في أوروبا تحت ذريعة درء خطر الصواريخ الآتية من كوريا وإيران، وتعتبر هذه القضية تحديدا من أهم قضايا المواجهة بين روسيا والولايات المتحدة في المرحلة القادمة، وقد تصل الخلافات إلي مرحلة العداء العلني الصريح في هذا الصدد، بالرغم من محاولات الرئيس باراك أوباما شراء رضا بوتين بمنح روسيا معلومات سرية تخص المشروع، الأمر الذي يواجه رفضا قاطعا من جانب الحزب الجمهوري الأمريكي. أيضا من قضايا المواجهة المتوقعة مطالبة بوتين للغرب بإلغاء حلف الناتو باعتباره " من مخلفات مرحلة الحرب الباردة "، وقد كشف استطلاع للرأي في روسيا أن 59 % من الشعب الروسي قلقون من الناتو علي مستقبل بلادهم، ولا يعتبرونه صديقا لها. 2. أثارت تصريحات بوتين تخوفات غربية مسبقة من المرحلة الثانية لتوليه رئاسة روسيا مجددا، خاصة أنها يمكن أن تستمر إلي عام 2024، ولا غرو أن يطلق البعض في الغرب عليه اسم " ستالين روسيا الجديد "، فقد أبدي بوتين إعجابه بالزعيم ستالين باعتباره " باني قوة روسيا السوفييتية "، وطالب بوتين بإعادة تدريس فترة ستالين في المدارس بعد منعها 60 سنة، وكان بوتين قد أعلن بكلمات صريحة في عام 2005 أن " انهيار الاتحاد السوفييتي أكبر كارثة جيوسياسية وقعت في القرن العشرين "، ومن العلامات غير المبشرة بالنسبة للغرب إعلان بوتين تخليه عن معاهدة خفض السلاح النووي المبرمة مع الولايات المتحدة في 2009، وربط ذلك بإصرار واشنطن علي نشر مشروع الدرع الصاروخي في أوروبا، فضلا عن الخطوات التمهيدية من جانب بوتين للاتحاد مجددا مع جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة فيما يعرف بمشروع " يوراسيا". 3 هناك أيضا التوجه الروسي لدعم وتعزيز العلاقات بالأقطاب الرئيسية في آسيا (الصين + الهند)، وهنا لابد من ملاحظة لحظات التوافق الدولي بين روسيا والصين في الأمم المتحدة، وتعاون الدولتين في مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي، واتجاه روسيا لجعل محور موسكو / بكين / دلهي قطبا دوليا مناوئا لانفراد أمريكا بالشأن العالمي. سيناريو المستقبل هل يمكن بناء دولة قوية (عالميا) لا تستند إلي دعائم سلطة تمتلك القدر المناسب من الشرعية والتأييد المجتمعي؟ يعلق الزعيم السوفييتي السابق جورباتشوف علي الموقف الحالي في روسيا بقوله "إن بوتين وفريقه يمثلون الاستقرار، ولكن الاستقرار يقتل التنمية ويؤدي إلي الجمود، ولم يكن النظام الانتخابي الروسي شيئا خارقا، ولكنهم أخصوه حرفيا". ويبدو أن جورباتشوف من ضمن فئات عديدة من العالمين ببواطن الأمور في روسيا، وممن يرون أن الواجهة الديمقراطية للبلاد بدأت في مرحلة التصدع لأن السلطة في روسيا باتت منفصلة تماما عن الشعب والمجتمع في الكثير من مناحي الحياة، ما يمكن أن يؤدي إلي "تفكيك النظام" الذي يرسخه بوتين. ومن الصعب اخفاء مظاهر التذمر في المجتمع الروسي نتيجة سلطوية السلطة وانفرادها بالقرار نهائيا، وفي 28 مايو، اعتقلت الشرطة عشرات الأشخاص ممن شاركوا في مظاهرات احتجاج جديدة ضد بوتين في قلب موسكو، ويقول الباحث الروسي فيتالي ترتياكوف إن روسيا دولة بيروقراطية فادحة الفساد، ويري نيكولاي بيتروف من مركز كارنيجي في موسكو إن المحسوبية ومحاباة الأقارب والفساد والصلات العائلية وفساد زوجات المسئولين وأقاربهم، ظواهر ملاصقة للنظام الذي يسيره بوتين، (فبوتين والمقربون منه يسيطرون علي مفاتيح الاقتصاد الروسي)، ولقد باتت أسئلة المستقبل هي: 1 ماذا يمكن أن يقدم ساكن عرش الكرملين للمجتمع الروسي؟ 2 هل تستمر رئاسة بوتين حتي 2024 ؟ 3 هل يتراوح مستقبل روسيا بين "ربيع روسي" أم "سيناريو دولة بريجنيف" مجددا ؟

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.