92 طالبا بالمنوفية يحصدون الدرجات النهائية بالإعدادية    بعد قمة السيسي وعلييف.. 7 مذكرات تفاهم بين مصر وأذربيجان    رئيس أذربيجان: قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس أصبح ضروريًا    مصدر ليلا كورة: موكا لاعب الجونة على رادار الزمالك.. والصفقة لم تحسم بعد    اعترافات صادمة.. أم شهد تفجر مفاجأة عن سفاح التجمع وضحيته أية    انقلاب سيارة نقل محملة بالرخام تعطل حركة المرور على طريق الأوتوستراد    شيرين رضا تعلن اعتزالها بشكل مفاجئ    وزير الصحة يتفقد مستشفى الحمام المركزي بمطروح    وزارة التعاون الدولي تُعلن تفاصيل الملتقى الأول لبنك التنمية الجديد في مصر    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة خلال مايو 2024    الأهلي يحسم صفقتين ويستقر على رحيل موديست    ليفركوزن يدعم دفاعه بصفقة فرنسية    محافظ المنيا: توريد 373 ألف طن قمح حتى الآن    خبير: برنامج تنمية الصعيد في مصر سيكون مثالا يحتذى به في كل دول القارة الإفريقية    «التعدي على قيم الأسرة».. قرار قضائي جديد بحق أسرة اليوتيوبر حمدي ووفاء    السكة الحديد تعدل تركيب وامتداد مسير بعض القطارات على خط القاهرة / الإسماعيلية    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل الطفلة "ريتاج" لجلسة 13 يونيو    فريد زهران: ثورة 25 يناير كشفت حجم الفراغ السياسي المروع ولم تكن هناك قيادة واضحة للثورة    80 شهيدا وعشرات الجرحى فى غارات إسرائيلية على مخيم النصيرات ومناطق بغزة    رئيس الهيئة المصرية العامة سابقا: 30 يونيو أرست العدالة الثقافية فى مصر    المخرجة هالة خليل تكشف كيف غنى محمد منير «ياللي بتسأل عن الحياة» مجانا بفيلم أحلى الأوقات    الدفاع الروسية: قوات كييف تتكبد خسائر بأكثر من 1600 عسكري وعشرات الطائرات المسيرة    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 142 مخالفة عدم الالتزام بقرار غلق المحال    «ألسن عين شمس» تستقبل وفدا من جامعة ليون الفرنسية    10 توصيات.. ماذا يوصي صندوق النقد الدولي مصر لتجنب التحديات الاقتصادية؟    "اهدى علينا".. رسالة من تركي آل الشيخ إلى رضا عبد العال    راديو جيش الاحتلال: تنفيذ غارات شمال رفح الفلسطينية مع التركيز على محور فيلادلفيا    كاتب صحفي: حجم التبادل التجاري بين مصر وأذربيجان بلغ 26 مليار دولار    نيللي كريم بصحبة أحمد عز وترقص في حفل زفاف ابنة محمد السعدي (صور)    وزير الأوقاف: الأدب مع سيدنا رسول الله يقتضي الأدب مع سنته    الإفتاء توضح حكم تجميع جلود الأضاحي ثم بيعها في مزاد علني بمعرفة جمعية خيرية    روسيا: الغرب يواصل تزويد أوكرانيا بأسلحة تستهدف المدن الروسية وتُستخدم ضد الفلسطينيين    7 ساحات لأداء صلاة عيد الأضحى في جنوب سيناء.. والأوقاف تعلن حالة الطوارئ القصوى    في اليوم العالمي لأورام المخ - احذر الأعراض والأسباب    ساوثجيت يعلن قائمة انجلترا لخوض يورو 2024    رسميًا.. مانشستر سيتي يجدد عقد سيتفان أورتيجا حتى عام 2026    إصابة 6 أشخاص فى انقلاب ميكروباص على زراعى البحيرة    ضبط طن لحوم ودواجن مجمدة مجهولة المصدر في حملات رقابية بالشرقية    قبل عيد الأضحي.. موعد صرف مرتبات يونيو 2024 بعد تبكيرها (بسبب السنة المالية)    وزيرة خارجية إندونيسيا تستقبل السفير المصري بجاكرتا    رئيس جامعة المنوفية: فتح باب التقديم في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية    صحة مطروح: قافلة طبية علاجية مجانية بمنطقة جلالة بالضبعة اليوم وغدا    النائب علي مهران: ثورة 30 يونيو بمثابة فجر جديد    خبيرة فلك تبشر برج السرطان بانفراجه كبيرة    أزمة نفسية.. تفاصيل العثور على جثة سيدة مشنوقًا داخل مسكنها في الهرم    أستاذ علوم سياسية: مصر بذلت جهودًا كبيرة في الملف الفلسطيني    نجيب الريحاني وجه باك أضحك الجماهير.. قصة كوميديان انطلق من كازينو بديعة وتحول منزله إلى قصر ثقافة    كريم محمود عبد العزيز يشارك الجمهور فرحته باطلاق اسم والده علي أحد محاور الساحل الشمالي    «الإفتاء» توضح فضل صيام عرفة    صور.. بيان عاجل من التعليم بشأن نتيجة مسابقة شغل 11114 وظيفة معلم مساعد فصل    جولة مفاجئة.. إحالة 7 أطباء في أسيوط للتحقيق- صور    ب300 مجزر.. «الزراعة» ترفع درجة الاستعداد القصوى استعدادًا لعيد الأضحى    افتتاح المكتب الوطني للوكالة الفرانكفونية بمصر في جامعة القاهرة الدولية ب6 أكتوبر (تفاصيل)    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري يتصدر المباحثات المصرية الأذربيجية بالقاهرة    أزهري: العشر الأوائل من ذي الحجة خير أيام الدنيا ويستحب صيامها    إبراهيم حسن يكشف كواليس حديثه مع إمام عاشور بعد لقطته "المثيرة للجدل"    الإفتاء: الحج غير واجب لغير المستطيع ولا يوجب عليه الاستدانة من أجله    منتخب مصر الأولمبي يفوز على كوت ديفوار بهدف ميسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يعقوب صنوع.. اليهودي المسلم!
نشر في القاهرة يوم 22 - 03 - 2011


كان يعقوب هو الولد الوحيد لأمه وأبيه حيث مات قبله أربعة أولاد لم يروا النور إلا أسابيع قليلة، وعندما حملت الأم في يعقوب خافت أن يكون مصيره كأشقائه لولا أن إحدي صديقاتها نصحتها أن تفزع إلي شيخ مسجد الشعراني فعنده التمائم والتعاويذ والتحصينات اللازمة لمثل هذه الحالات. يعقوب صنوع قصة طويلة مثيرة للجدل، أنها قصة الفنان الذي خلق في بيئته وجيله ما لم يعرفه الجيل السابق له، إن سيرة هذا الصحفي الشهير لم تكن لتري النور ولم يعلم أحد عن صاحبها شيئا يذكر لولا أن صنوع نفسه كتبها في أواخر أيام حياته وفي لحظات من التجلي والصفاء. هي قصة اليهودي المسلم الذي قرن بين دينين فقد حملت فيه أمه اليهودية وولدته مسلما هبة منها للإسلام، واصغاء لوحي في قلبها، وتلبية لتعاليم العراف الذي أنبأها بالخبر اليقين. وقد قال الشيخ الوقور للأم الملتاعة وكأنه يكشف عن الغيب: «إن الله سيبارك ثمرة أحشائك وسترزقين بولد جميل، وإن نذرتيه للإسلام فلسوف يبارك الله فيه ليصبح من عظماء الرجال». وأصغت أم يعقوب لنصيحة الشيخ وأقرها الزوج علي أن يهب ابنه للإسلام والمسلمين ويذكر «أبونظارة» في مذكراته أنه حفظ القرآن في سن مبكرة ويحكي عن ذلك قائلا: «وما إن فتحت عيني لأري نور الحياة حتي انزلقت من بين يدي المولدة التي كانت في استقبالي، وظللت ثلاثة أيام بين الحياة والموت دون أن يعرفوا أن رأسي قد شح، ولكن كان مكتوبا علي أن أعيش لأؤدي رسالة مقدسة ألا وهي مكافحة الأباطيل التي تفرق بين المسلم والمسيحي من خلال اظهار سماحة القرآن وحكمة الانجيل، وهكذا تتسني لي الملائمة بين قلوب الفريقين». عين اليهودي ومن الطريف أن يعقوب صنوع لم يشر قط في تاريخه إلي أنه ولد من أبوين يهودين رغم أن جميع الكتب أكدت ذلك وفضحت نظرات عينيه ذات الطابع اليهودي الأصيل هذه الحقيقة، ولكن الأطرف أن أبا نظارة أرجع ذلك إلي الرمد الذي أصابه وهو صغير وظل يلازمه طوال حياته. ومن الطرائف أيضا في حياة صنوع ذلك اللقاء الذي تم بينه وبين الأمير أحمد حفيد محمد علي، وكان يعقوب في سن الثالثة عشرة ويكتب الشعر، وكان من المنتظر أن يلقي قصيدة أمام الأمير الذي عرف بموهبته، وكان من ضمن البروتوكولات أن يدخل الضيف ويقبل يد الأمير، ولكن الصبي المشاغب صنوع رفض أمر أبيه بتقبيل يد الأمير، حيث تقدم في كبرياء متوجها إلي الأمير، وقال في أنفة: «لا أدري لماذا يريد والدي مني أن أقبل يدكم الملكية.. هل أنت إمام أو قسيس أو حاخام؟ لا.. إنني إنسان مثلك، لا بل أنا أعرف قرض الشعر وأنت لا تعرفه!. ورغم أن هذه الكلمات وإن كانت قد نزلت علي أبيه وكل الحضور نزول الصاعقة إلا أنها كانت مفرقا من مفارق الطرق التي صادفت حياته فقد بدت علي الأمير اللماح علامات السرور وطار فرحا بيعقوب ثم أمر بإرساله علي نفقته إلي أوروبا لتكملة تعليمه، وبعد أن ذهب صنوع إلي أوروبا وبعد أن جمع حصيلة كبيرة من الثقافة عاد إلي مصر ولكنه فوجئ بموت الأمير وكذلك أبيه فوجد نفسه مسئولا عن أسرة فاضطر للعمل بالتدريس بإحدي المدارس وذلك ليقيم أوده وأود عائلته في الوقت الذي وجد فيه متنفسا لدراسة اللغات التي كان يعشقها، وتؤكد المصادر أن «أبونظارة» كان وهو في سن الأربعين يجيد العبرية والانجليزية والفرنسيةوالتركية والإيطالية والألمانية والبرتغالية والإسبانية والمجرية والروسية والبولونية بالإضافة إلي العربية. علم الرقص ويصف محرر جريدة «ستر دي ريفيو» الانجليزية طرائق العيش التي اتبعها أبونظارة فيذكر إنه كان ينتقل من قصر إلي قصر ومن خان إلي آخر ليعلم أبناء الباشوات والأمراء اللغات والرسم والموسيقي والحساب ويجزم المحرر بأن يعقوب كان أيضا أستاذا في علم الرقص - وهو ما ظهر بعد ذلك حينما أنشأ صنوع أول فرقة مسرحية في العالم العربي - ويذكر يعقوب من البيانات ما يؤكد الكلام ويزيده تفصيلا فيروي أن بعض الشخصيات المدنية والعسكرية التي كانت تحكم مصر في أواخر القرن التاسع عشر قد تلقت عنه دروسا خصوصية وتتلمذت عليه في المدارس الحرة والأميرية، حيث أمضي بضع سنين مدرسا أول في المهندسخانة، وعضوا في لجنة امتحان المدارس الأميرية. وفي مرحلة تالية بدأ أبونظارة في تأليف التمثيليات ليشبع بها نفسه المطبوعة علي الحكاية والرواية وكان نجاح تمثيلياته الإيطالية الثلاث حافزا له علي المضي فيما أهله له طبعه، فعزم علي أن يقيم مسرحا قوميا مصريا وهو عمل فني لم يسبقه إليه أحد في مصر أو في البلدان العربية وبالفعل نجح في ذلك مع بداية عام 1870م. ويذكر أبونظارة أن مسرحه ظل يعمل سنتين عرض فيهما اثنتين وثلاثين تمثيلية من تأليفه بعدها دعاه الخديوي إسماعيل وفرقته ليمثل علي مسرحه الخاص بالقصر وقد عرض علي الخشبة الملكية ثلاث مسرحيات هي: «آنسة علي الموضة»، و«غندور مصر»، و«الضرتان»، وكانت كلها من نوع الملهاة الأخلاقية، وبعد مشاهدة الخديوي الملهاة الأولي والثانية استدعي يعقوب أمام رجال حاشيته وقال له علي الملأ: «أنت موليير مصر وسيخلد اسمك»، بيد أنه عندما شاهد الملهاة الثالثة «الضرتان» والتي كانت تفضح مساوئ تعدد الزوجات انقلب عليه وقال له بلهجة تهكمية: «سيدي موليير إن كانت كليتاك لا تحتملان إرضاء أكثر من امرأة واحدة فلا تجعل الغير يفعل مثلك». وشاية إنجليزية وبعد أكثر من مائتي عرض لمسرحياته طلب منه إسماعيل أن يمثل ثلاث قطع في حفلة ساهرة كبري وقد نال صنوع ومسرحه إعجاب الحاضرين وعلي رأسهم الخديو الذي صفق له بحرارة، غير أن كبار الجالية الانجليزية الذين حضروا السهرة وشوا بأبي نظارة عند الخديو واقنعوه بأسلوبهم «الثعباني» بأن التمثيليات التي يقدمها صنوع تحمل مضمونا لاذعا وتلميحات وإيماءات خبيثة ضد سياسته وسياسة القصر والحكومةومن ثم فهي خطر كبير علي نظام الحكم ومقدرات البلاد، فما كان من إسماعيل إلا أن أمر بإغلاق مسرح صنوع وبدأ منذ ذلك العهد اضطهاد أبي نظارة. وفجأة وجد يعقوب صنوع نفسه من غير قلم أو قرطاس واحتبست في صدره الأفكار والآراء فحزن حزناً شديدا فرأي أصدقاؤه المقربون من القصر أن ينصحوا له بأن يخفف من حدة الخصومة مع الخديو، واستمع أبونظارة إلي نصحهم فاعتكف شهرين مظهرا ندمه لولي النعم علي ما بدر منه وكان ذلك وسيلته الوحيدة لارضاء إسماعيل هذا الرضاء الذي قد أذن له بأن يصدر مجلته «أبونظارة» ليحيا فيها يعقوب ما بقي الكون وبقي في الكون إنسان. أبونظارة زرقاء ويشير صنوع إلي الظروف التي أوحت باسم مجلته فيذكر أنه اجتمع طويلا بالأفغاني ومحمد عبده لاختيار الاسم المناسب ولكن بعد الاجتماع الطويل ترك الاجتماع دون الوصول إلي اسم وخرج إلي الشارع فأحاط به «المكارية» وتنافسوا حول من يوصل يعقوب بحماره وراح كل واحد منهم يصيح: «ده يا أبونظارة.. ده يا أبو نظارة»! فأعجب الاسم صنوع فقرر أن يكون هو عنوان صحيفته الناشئة. ولكن أبا نظارة لم يسكن بل راح يمارس نقده اللاذع ضد الأوضاع وسياسة الحكومة، بل لقد طالت كرابيجه الزجلية والشعرية الخديو نفسه فغضب عليه مرة أخري ثم قرر غلق الصحيفة والتخلص من صاحبها بنفيه إلي باريس. وفي باريس لم يهدأ يعقوب بل راح يمارس نشاطاته في كل المنتديات يحاضر ويلقي الشعر ويكتب في الصحف فانتزع إعجاب أهل الرأي في فرنسا فهو فنان متعدد المواهب يجيد الموسيقي كما كان ينظم الشعر- والشعر الفرنسي خاصة - مما جعل أحد الصحفيين الفرنسيين الكبار يقول فيه: «لست أدري أن مقدرا لصنوع أن يكسب القضية التي يدافع عنها أم لا، ولذلك فلست هنا بصدد مدحه أو قدحه، غير أننا لا نلتقي كثيرا برجل مثل أبونظارة له طابع مستقل قائم بذاته، وعزيمة لا تعرف الوهن أو الهزيمة». واستمر صنوع في مسيرته حيث انشأ عددا من الصحف في فرنسا حتي عاد إلي مصر فأصدر عددا آخر من الصحف والمجلات مثل: «النظارات المصرية»، و«أبوصفارة»، و«أبوزمارة» و«الحاوي» وغيرها. ولم يتوقف إلا بعد أن كف بصره وثقل عليه المرض فأمضي في سريره نحو سنتين يجاهد في سبيل الحياة من غير نتيجة حتي نزل به قضاء الله في سنة 1912م فنعته الصحف ووكالات الأنباء في العالم كله.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.