يحرص الفكر الصهيوني دائمًا على ادعاء الوجود اليهودي واستمراريته في سيناء منذ العهد القديم. وتحرص الدراسات الصهونية في هذا الشأن على ذكر المعالم الجغرافية الواردة في “,”قصة الخروج“,”، خروج بني إسرائيل من مصر، فهناك دائمًا ذكر ل“,”حمام فرعون“,” و“,”عيون موسى“,” و“,”جبل موسى“,” و“,”طور سيناء“,” حيث نزلت الوصايا العشر وبالتالي تعتبر سيناء جزءًا من الأراضي المقدسة. من هنا اكتسبت سيناء هذا الاسم الغريب في المعنى والدلالة في الأدبيات الإسرائيلية وهو: سيناء “,”فلسطين المصرية“,”. وربما ينظر البعض إلى هذا المصطلح بحسن نية نظرًا للعلاقات الجغرافية والديموجرافية والتاريخية بين سيناءوفلسطين عبر العصور، لكن هذا المصطلح الغريب الذي نجده في الأدبيات الصهيونية والذي انتقل للأسف إلى بعض الأدبيات العربية يتضمن معاني ودلالات غاية في الخطورة. إن تعبير (سيناء “,”فلسطين مصرية“,”) هو تعبير صهيوني من الطراز الأول يهدف في الحقيقة إلى ادماج سيناء فيما يعرف بفلسطين الكبرى، كما ينزع عن سيناء انتماءها المصري الأصيل، وهو أيضًا مصطلح عنصري، إذ يجعل سيناء أرضًا بلا هوية، وبلا شعب محدد المعالم، وبالتالي هي مناطق من المشروع استعمارها، متجاهلين بذلك تاريخ هذه المناطق والطبيعة الخاصة بسكانها، ولذلك استمرت الأطماع الصهيونية في سيناء عبر فترات طويلة من الزمن. وكانت أهم هذه المشاريع مشروع “,”بول فريدمان“,” للاستيطان في سيناء بين عامي 1891 و1892. وما يهمنا في مشروع “,”بول فريدمان“,” هو هذا المصطلح الغريب الذي أطلقه على مشروع إقامة مستوطنة يهودية في سيناء تحت اسم (أرض مديَن)، وهو هنا يعيد إحياء هذا المصطلح التوراتي عن أرض مديَن. كما طرح بول فريدمان أمرًا آخر في غاية الخطورة وهو فكرة إنشاء قناة جديدة تربط البحرين الأبيض والأحمر وتكون بديلة عن قناة السويس. ومع انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل عام 1897 بدأ “,”هرتزل“,” في طرح مشاريعه الاستيطانية من أجل إحياء أرض الميعاد “,”إسرائيل“,”. وربما لا يعلم الكثيرون أن سيناء كانت محط أهم مشاريع هرتزل الاستيطانية، ورحّب اللورد كرومر “,”المعتمد البريطاني“,” في مصر بهذه الفكرة، لأن مشروع استيطان سيناء سيمثل أكبر حماية لقناة السويس. حيث روَّج هرتزل لفكرة أن استيطان اليهود وتعميرهم لسيناء سيكون بمثابة أكبر خط دفاعي عن القناة. وأرسل هرتزل بعثة فنية استكشافية لإجراء ما يمكن أن نسميه “,”دراسة جدوى“,” حول هذا المشروع، وقدمت البعثة في تقريرها كل التفاصيل الحيوية حول الموارد الطبيعية وإمكانيات التنمية البشرية في سيناء. لكن لحسن الحظ وقفت الحكومة المصرية في القاهرة والدولة العثمانية في اسطنبول ضد هذا المشروع، الأمر الذي أدى إلى تراجع “,”هرتزل“,” عن الفكرة وتركيزه على فلسطين. لكن الحلم الصهيوني في سيناء سوف يستمر رغم فشل مشروع هرتزل لإقامة مستوطنات في سيناء. وعلى الرغم من تركز جهود الصهاينة منذ وعد بلفور على فلسطين، لم تنسَ إسرائيل قط أن سيناء هي “,”فلسطين المصرية“,”. وما أشبه الليلة بالبارحة، إذ ترددت مؤخرًا مشاريع صهيونية إسرائيلية نحو إعادة توطين أهل غزة في سيناء تحت زعم أن سيناء هي امتداد طبيعي لسوريا الجنوبية أي “,”فلسطين الحالية“,” في الفكر الصهيوني. كما تم تصدير رسائل إلى العالم بإمكانية معالجة الكثافة السكانية العالية الآن في غزة بفتح سيناء (فلسطين المصرية) كمجال حيوي لأهل غزة. هل نشهد الآن نفس السيناريو الذي ضاعت من خلاله فلسطين من قبل؟ أم أننا سنشهد أكبر عملية إحلال وتبديل للسكان في المنطقة؟ أم ترانا سنشهد آخر فصول سقوط مفهوم الدولة الوطنية في الشرق الأوسط؟!