أبى أن يكون ككثيرين من أبناء مهنته، التى قلما يشكُر الناس في أسلوب المنتمين لها، فمُنذ أن شاء القدر وعمل بها، سعى جاهدًا فى بناء قلعته الخاصة، التى لا يجرؤ أحد أن يعبث بها، فقواعدها أُسسّت على «الحرفية»، وجدرانها شُيدت من «الفرفشّة وحُسن الخُلق وجبر الخواطر»، ليستطيع بذلك أن يحُفر اسمه على لوحة «شرفاء المهنة»، التى يعرفهم أغلب المواطنين، إنه «عم محسن عطية»، سائق ميكروباص بخط «شبين القناطر-كلية الزراعة»، أو كما يُلقبه زملاؤه السائقون «فاكهة الموقف». يبتسم لك الحظ ضاحكًا، إن صادفت «عم محسن» وركبت معه هذه الوصلة، فبمجرد أن تطأ قدماك سيارته -التى عفى عنها الزمن- يطيب أنفُك بالعِطرٍ، وتُطرب أذنيك بما تريد أنه تسمعه، بعدما يَجرى الاستفتاء بين الركاب على نوعية ما سيصدره «الكاست»، (هتسمعوا إيه يا أساتذة)، بهذه الجملة يبدأ «فاكهة الموقف» حديثه مع الركاب فور بدء انطلاق الرحلة، ليعُقبها بكل هدوء جملة أخرى، تجعلك تشعر أنك تستقل سيارتك الخاصة (لا مؤاخذه.. أستأذنكم نِلم الأجرة مع بعض.. واللى مش عايز يدفع.. خلاص أجرته وصلت)، من هنا يعاود «محسن» الحديث مرة أخرى مع الركاب، لتبدأ الأحاديث الجانبية والجماعية فى ميكروباص السعادة. ويروي بعض المقتطفات من حياته مع الميكروباص، قائلًا: «من سنة 1984، وأنا شغال سواق ميكروباص، مع إن أهلى ونفسى رفضوا الشغل دا؛ بس حياتى على -التارة- قصة عشق دامت 35 عامًا، حاربت من أجلها ورفضت الالتحاق بأى عمل أو وظيفة، أنا بحبها ومش هشتغل حاجة غير الميكروباص».